مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 21

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 21/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

كتاب الدين و القرض

اشارة

كتاب الدين و القرض الدين هو المال الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر بسبب من الأسباب (1)، و يقال لمن اشتغلت ذمته «المديون» و «المدين» و للآخر

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي استقرض مما وهبنا فقال جلّ شأنه وَ أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً (1)، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الّذين يكون العمل بمنهجهم علينا دينا فيسئل عنه يوم القيامة.

(1) كما في اللغة و العرف و الشرع، فهما من المفاهيم المبينة بين الناس قديما و حديثا خلفا عن سلف في كل عصر و زمان و يتحدان في المعنى اللغوي و العرفي و الشرعي، إذ ليس اصطلاح الفقهاء فيهما مخالفا للعرف و اللغة فلا وجه للنقض و الإبرام في شرح الاسم، و لا اختصاص لهما بشريعة الإسلام.

ص: 5


1- سورة المزمل: 20.

«الدائن» و «الغريم»، و سببه إما الاقتراض، أو أمور أخر اختيارية- كجعله مبيعا في السلم، أو ثمنا في النسيئة، أو أجرة في الإجارة، أو صداقا في النكاح، أو عوضا في الخلع و غير ذلك (2)- أو قهرية كما في موارد الضمانات و نفقة الزوجة الدائمة و نحو ذلك و له أحكام مشتركة و أحكام مختصة بالقرض (3).

______________________________

و الدين أعم من القرض كما هو واضح.

و أما اعتبار كونه مالا فلأنه المنساق منه في عرف المتشرعة فلا يطلق الدين عندهم على ثبوت مجرد الحق المحض أو الحكم في الذمة، و لكن يمكن أن يكون ذلك من باب الغالب لا التقوم الحقيقي.

و عليه فكلما هو ثابت في ذمة الشخص الآخر فهو دين مالا كان أو حقا بل أو حكما، و يشهد له قوله صلّى اللّه عليه و آله في نيابة الحج عن الميت: «دين اللّه أحق أن يقضى» (1).

و أما اعتبار الكلي فهو مبنى على عدم صحة اعتبار الأعيان الخارجية بشخصيتها في الذمة كما نسب إلى المشهور، و أما بناء على الصحة كما هو الحق فيصح أن يكون ما في الذمة شخصيا أيضا لأن الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا.

و أما الذمة و تسمى ب «العهدة» أيضا فهي ليست من الأمور التكوينية الخارجية من الجواهر و الاعراض الأصلية، بل هي أمر اعتباري عقلائي اعتبرها العقلاء لأغراضهم و مقاصدهم الصحيحة الدخيلة في نظام معاشهم و معادهم، و اقرتها الشريعة المقدسة الإسلامية من عباداتها إلى دياتها و أما أسبابه فهي كثيرة متفرقة في أبواب الفقه قد مضى بعضها و تأتي بقيتها إن شاء اللّه تعالى.

(2) كالكفارات إن كانت أسبابها اختيارية و النذر إن لم تتعلق بالأعيان.

(3) تأتي الأحكام المختصة بالقرض في محله.

ص: 6


1- مستدرك الوسائل باب: 18 من أبواب وجوب الحج و في الشرح الكبير للمغني ج: 6 كتاب الوصية صفحة: 463، و في كنز العمال ج: 5 حديث: 549 كتاب الحج ط- حيدر آباد.

أحكام الدين

اشارة

أحكام الدين

مسألة 1: الدين إما حال

(مسألة 1): الدين إما حال، و هو ما كان للدائن مطالبته و اقتضاؤه، و يجب على المديون أداؤه مع التمكن و اليسار في كل وقت (4)، و إما مؤجل فليس للدائن حق المطالبة، و لا يجب على المديون القضاء إلا بعد انقضاء المدة المضروبة و حلول الأجل (5) و تعيين الأجل.

تارة: بجعل المتداينين كما في السلم و النسيئة.

و أخرى: بجعل الشارع (6) كالنجوم و الأقساط المقررة في الدية كما يأتي في بابه إن شاء اللّه تعالى.

مسألة 2: إذا كان الدين حالا أو مؤجلا

(مسألة 2): إذا كان الدين حالا أو مؤجلا و قد حلّ الأجل فكما يجب

______________________________

(4) للإجماع في كل ذلك بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية.

(5) أما وجوب الأداء بعد حلول الأجل فتقدم وجهه في سابقة آنفا، و أما عدم الوجوب قبله فللأصل و الإجماع بل الضرورة، و أنه لا معنى لضرب المدة و تعيين الأجل إلا ذلك فدليل المسألة وجداني لا نحتاج الى دليل من الخارج بعد تقرير الشارع بالعمومات و الأدلة الخاصة كما يأتي.

(6) هذا الحصر استقرائي شرعي و يمكن أن يكون عقليا أيضا إذ لا يعقل تعيين المدة لمن لا يكون مسلطا عليها، و المسلط عليها إما الشارع أو المتداينان و لا ثالث في البين إلا الظالم و لا اعتبار بتعيينه بالضرورة، و تقدم ما يتعلق بالسلف و النسيئة في كتاب البيع (1)، و يأتي ما يدل على الأخير في الديات إن شاء

ص: 7


1- راجع ج: 18 صفحة: 26.

على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن كذلك يجب على الدائن أخذه و تسلمه إذا صار المديون بصدد أدائه و تفريغ ذمته (7)، و أما الدين المؤجل

______________________________

اللّه تعالى.

(7) أما وجوب أداء الدين عند الحلول و المطالبة و اليسر فتدل عليه الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (1).

و ذكرنا في التفسير أن الآية المباركة تكشف عن حقيقة واقعية يضمرها كل إنسان (2).

و من السنة نصوص مستفيضة منها قول أبي جعفر عليه السّلام: «كل ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه إلا الدين لا كفارة له إلا أداؤه» (3)، و من الإجماع إجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء.

و من العقل إن حبس مال الغير مع التمكن من الأداء و عدم المحذور فيه ظلم و هو قبيح.

و أما وجوب القبول على الدائن فيدل عليه ظهور الإجماع و هو العمدة و سقوط حقه في التأخير بالحلول، و إن وجوب الوفاء في مثل هذا القسم من الدين يستلزم وجوب القبول عرفا بعد عدم حكمة أخرى له، بل يمكن أن يجعل وجوب القبول من اللوازم العرفية لوجوب الوفاء عند وجود المقتضي و فقد المانع، و من الأمور البنائية النوعية و أدلة وجوب وفاء الدين و أدائه وردت على هذا البناء الارتكازي العرفي.

إن قيل: بناء على أن وجوب الوفاء و الأداء يستلزم وجوب القبول فيجب

ص: 8


1- سورة النساء: 29.
2- راجع المجلد الثامن من مواهب الرحمن في تفسير القرآن صفحة: 116 ط- النجف الأشرف.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الدين و القرض.

قبل حلول أجله فلا إشكال في أنه ليس للدائن حق المطالبة (8) و إنما الإشكال في أنه هل يجب عليه القبول لو تبرع المديون بأدائه أم لا؟ وجهان بل قولان أقواهما الثاني (9)، إلا إذا علم بالقرائن أن التأجيل لمجرد إرفاق على المديون من دون أن يكون حقا للدائن (10).

______________________________

القبول على الطرف في كل مورد وجب فيه الأداء على المعطي كما في الصدقات الواجبة و النذور و الكفارات.

يقال: لا بأس بالقول بالوجوب فيها أيضا إلا أن وجوب القبول في المقام عيني و فيها كفائي لتعدد الفقراء و الحاكم الشرع الذي له الولاية في أخذها و دفعها.

نعم، في النذر المخصوص يكون مثل المقام لو لم يكن إجماع على الخلاف، و لم أر المسألة محررة في كلماتهم فيما تفحصت عاجلا، و لا بد من التأمل و التفحص بأكثر من ذلك.

(8) للأصل، و الإجماع، و لأنه لا معنى للتأجيل إلا ذلك عرفا.

(9) للأصل بعد عدم دليل صالح لوجوبه عليه إلا دعوى أن وجوب القبول متفرع على مطلق الوفاء لا على وجوبه مع تمام المقتضي و فقد المانع و كذا يكون البناء العرفي أيضا عليه لكنه من مجرد الدعوى بلا شاهد بل على خلافه الشواهد كما لا يخفى، و أوهن من ذلك التمسك بالسيرة إذ فيه على فرض قبول السيرة فهي انما تكون على مجرد قبول الدائن لا على الوجوب عليه.

(10) فيجب القبول حينئذ لفرض عدم التأجيل للدين، بل هو حال على كل حال و التأخير إرفاق و مساهلة بالنسبة إلى المديون لا أن يكون من ثبوت حق في البين، و حكم الدين الحال انه كلما دفعه المديون وجب قبوله على الدائن، و بذلك يمكن أن يجمع بين القولين.

ص: 9

مسألة 3: قد عرفت أنه إذا أدى المديون دينه الحال يجب على الدائن أخذه

(مسألة 3): قد عرفت أنه إذا أدى المديون دينه الحال يجب على الدائن أخذه، فإذا امتنع أجبره الحاكم لو التمس منه المديون (11)، و لو تعذر إجباره أحضره عنده و مكّنه منه بحيث صار تحت يده و سلطانه عرفا، و به تفرغ ذمته (12)، و لو تلف بعد ذلك فلا ضمان عليه و كان من مال الدائن (13)، و لو تعذر عليه ذلك فله أن يسلمه إلى الحاكم (14) و به تفرغ ذمته، و هل يجب على الحاكم القبول؟ فيه تأمل و إشكال (15)، و لو لم يوجد الحاكم له أن يعين الدين في مال مخصوص و يعزله و به تبرأ ذمته.

______________________________

(11) أما أصل ولاية الحاكم على الإجبار في الجملة فلأن أمثال هذه الأمور من الأمور الحسبية التي له القيام بها.

و أما توقفه على التماس المديون فلأن الحق حقه لا يتحقق موضوع الإجبار من الحاكم إلا بالتماسه لديه و طلبه منه، كما في كل حق يترتب عليه الأثر عند الحاكم الشرعي فإنه لا بد من طلب ذي الحق إحقاق حقه منه.

(12) لأن هذا أداء و وفاء للدين بالنسبة إليه حينئذ عند العرف، فيصدق أنه أدى دينه و وفى به عرفا فيترتب عليه أثره و هو فراغ الذمة قهرا.

(13) لفرض تحقق موضوع الأداء و الوفاء عرفا فيترتب عليه جميع الآثار شرعا، و من الآثار أنه لو تلف المال بعد ذلك يكون من مال الدائن و لا ضمان على المديون حينئذ.

(14) لمكان ولايته على مثل هذه الأمور حسبة و انحصار طريق تفريغ ذمة الدائن فيه، و قد اشتهر «أن السلطان ولي الممتنع»، بل روى: «أن السلطان وليّ من لا ولي له» (1).

(15) من أصالة عدم الوجوب عليه بعد كون المتيقن فيما مر من الأدلة

ص: 10


1- كنز العمال ج: 21 حديث: 966 النكاح ط-: حيدر آباد.

و ليس عليه ضمان لو تلف من غير تفريط منه (16)، هذا إذا كان الدائن حاضرا و امتنع من أخذه.

______________________________

خصوص الدائن فقط، و عدم دليل يدل على الوجوب عليه في المقام.

و من أنه لا وجه لوجوب الأداء و الوفاء إلا تفريغ ذمة المديون، و لا تفرغ إلا بقبول الدائن أو ممن يكون مأذونا في ذلك شرعا و هو الحاكم فلا وجه للاختصاص بخصوص الدائن فقط فيكون هذا نحو حق للمديون على من له أهلية القبول مالكية كانت أو شرعية، فكأنه بالأداء و الوفاء يطالب بحقه فيلزم أداء حقه.

و منه يظهر أن الأقوى وجوب القبول عليه أيضا، مع أن القبول لمثل هذه الأمور نحو من الأمور الحسبية التي يجب على الحاكم القيام بها كفاية.

(16) أما جواز العزل فلا ريب في أنه من أقرب الطرق حينئذ إلى الاهتمام بالأداء و الوفاء و مرغوب فيه لدى المتشرعة و الذين يهتمون برد أموال الناس إليهم مهما أمكنهم ذلك، مع أنه خير محض و إحسان فتشمله الآية الكريمة:

فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (1)، و قوله تعالى ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (2)، و يصدق عليه عرفا أن الدائن في عون أخيه فيشمله قوله عليه السّلام: «اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (3)، و من جميع ذلك يمكن استظهار الإذن فيه شرعا فيترتب عليه الأثر و هو عدم الضمان لو تلف بلا تفريط لا محالة، بل يمكن دعوى العلم برضاء نوع الدائنين بذلك أيضا لكونه من طرق حفظ أموالهم و لو علموا به لأذنوا فيه مع فرض عدم إمكان وصول المال إليهم.

و أما الدليل الخاص على وجوب العزل في المقام من نص أو إجماع فلم

ص: 11


1- سورة البقرة: 148.
2- سورة التوبة: 91.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف.

مسألة 4: لو كان الدائن غائبا

(مسألة 4): لو كان الدائن غائبا و لا يمكن إيصال المال اليه و أراد المديون تفريغ ذمته أوصله إلى الحاكم عند وجوده (17)، و في وجوب القبول عليه الإشكال السابق (18)، و لو لم يوجد الحاكم يبقى في ذمته إلى أن يوصله إلى الدائن أو من يقوم مقامه (19).

______________________________

أظفر عليه فيما تفحصت عاجلا.

نعم، ادعي الإجماع على وجوبه حال الوفاة، و لو فرض أن ذكر حال الوفاة في كلامهم من باب المثال لكل مورد تعذر فيه الإيصال إلى المالك يشمل المقام أيضا.

و اما عدم الضمان لو تلف حينئذ بلا تفريط فلفرض استظهار الإذن من الشارع و الرضا من الدائن فيه، و معه لا وجه للضمان مع عدم التفريط.

إن قيل الإبقاء في الذمة أحسن بالنسبة إلى الدائن من العزل لأنه مع الإبقاء فيها يرجع إلى المديون متى شاء و مع العزل و التلف بلا تفريط لا موضوع لرجوعه لفرض عدم ضمانه حينئذ.

يقال: لا وجه لهذا الإشكال مع فعلية وجوب الأداء مع الحلول بأي مرتبة من الأداء أمكن، مع أنه لا وجه لترجيح حق الدائن على حق المديون في تفريغ ما في ذمته الحال فعلا بلا مانع في البين عنه.

ثمَّ إن الظاهر أن ما ذكر من المراتب مترتبة لا تصل النوبة الى كل لاحقة مع التمكن من سابقتها، فلو تعدى من المرتبة السابقة مع التمكن منها إلى اللاحقة و تلف يضمن لحصول التعدي حينئذ.

(17) لمكان ولايته على القبول شرعا فيكون قبوله كقبول نفس الدائن بعد تعذر الإيصال إليه.

(18) تقدم تقوية الوجوب فراجع.

(19) كالوارث و مع العدم فإلى الحاكم الشرعي لو تجدد له التمكن منه،

ص: 12

.....

______________________________

و ذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمته و عدم الفراغ إلا بذلك بعد عدم دليل على صحة التفريغ بغيره بعد الاعراض عن خبر نصر بن حبيب الدال على التصدق قليلا قليلا، قال: «كتبت إلى العبد الصالح عليه السّلام» لقد وقعت عندي مائتا درهم و أربعة دراهم و أنا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في إعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب عليه السّلام اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حق يخرج» (1)، مع ظهور صدره في موت صاحب المال و اختلافه مع الخبر الآخر الظاهر في جواز الإبقاء أمانة، قال: «كتبت إلى العبد الصالح عليه السّلام:

إني أتقبل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة و لا أعرفه و لا أعرف بلاده و لا ورثته فيبقى المال عندي كيف أصنع به؟ و لمن ذلك المال؟ قال: أتركه على حاله» (2).

ثمَّ إن ظاهر جملة من الأخبار وجوب نية أداء الدين خصوصا إذا كان ذو الحق غائبا، فعن عبد الغفار المجازي، عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن رجل مات و عليه دين؟ قال: إن كان أتى على يديه من غير فساد لم يؤاخذه اللّه إذا علم من نيته إلا من كان لا يريد أن يؤدي عن أمانته فهو بمنزلة السارق- الحديث-» (3).

و عن أبي خديجة عن الصادق عليه السّلام قال: «أيما رجل أتى رجلا فاستقرض منه مالا و في نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي» (4).

و عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه و لا على ولي له و لا يدري بأي أرض هو؟ قال عليه السّلام: لا جناح عليه بعد أن يعلم اللّه منه أن نيته الأداء» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار و قد عمل بها جمع من الأصحاب رحمه اللّه، و هو الموافق لكثرة اهتمام الشارع بأموال الناس

ص: 13


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ميراث الخنثى حديث: 3 و 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب ميراث الخنثى حديث: 3 و 4.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الدين و القرض حديث: 1 و 5.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الدين و القرض حديث: 1 و 5.
5- الوسائل باب: 22 من أبواب الدين و القرض.

مسألة 5: لو انقطع خبر الدائن بالمرة وجب على المديون نية القضاء بالدين

(مسألة 5): لو انقطع خبر الدائن بالمرة وجب على المديون نية القضاء بالدين و الوصية به عند الوفاة (20)، و إن جهل خبره و قطع بموته وجب تسليمه إلى ورثته (21)، و مع عدم معرفتهم أو مع عدم التمكن من الوصول إليهم يتصدق (22).

مسألة 6: لو استقرض و لم ينو الأداء من حين الاقتراض

(مسألة 6): لو استقرض و لم ينو الأداء من حين الاقتراض فهل يبطل أصل القرض حتى يكون تصرف المديون فيما استدانه حراما أو لا؟

وجهان (23).

______________________________

و حقوقهم.

(20) أما وجوب نية القضاء، مضافا إلى ما مر من النصوص فهو من لوازم الإسلام في غير المقام فضلا عنه في المقام.

و أما وجوب الوصية مضافا لما مر في أبواب التجهيزات من وجوبها في حقوق الناس عند ظهور أمارات الموت، و سيأتي في كتاب الوصية أيضا خبر هشام بن سالم قال: «سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السّلام و أنا جالس فقال: أنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر ففقدناه و بقي له من أجره شي ء و لا نعرف له وارثا؟ قال: فاطلبه، قال: قد طلبناه و لم نجده، فقال: مساكين، و حرك يديه، قال فأعاد عليه قال: اطلب و اجهد- الى أن قال- فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع اليه» (1)، و مثله غيره.

(21) لانتقال المال بحسب قطعه إلى الورثة فيجب التسليم إليهم.

(22) لقوله عليه السّلام: «إن لم تجد له وارثا و علم اللّه منك الجهد فتصدق من به» (2)، و تقدم ما يدل على ذلك و سيأتي في أحكام اللقطة ما يتعلق بالمقام.

(23) من عدم رضاء الدائن واقعا بتصرفه في المال مع اطلاعه على هذه

ص: 14


1- الوسائل باب: 6 من أبواب ميراث الخنثى.
2- الفقيه: ج: 4 حديث: 770.

الظاهر هو الأول (24).

مسألة 7: يجوز التبرع بأداء دين الغير حيا كان أو ميتا

(مسألة 7): يجوز التبرع بأداء دين الغير حيا كان أو ميتا (25). و به تبرأ

______________________________

النية فلا يجوز له التصرف.

و من كون الظاهر هو الاقتراض و الدائن راض به ظاهرا فيجري عليه حكم القرض.

هذا و لكن مقتضى الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير إلا مع إحراز رضاه و من ينوي عدم الأداء لم يحرز بوجدانه الرضاء، و للمسألة نظائر كثيرة تقدم بعضها في كتاب الطهارة في (مسألة 16) من الغسل لو نوى عدم إعطاء حق صاحب الحمام حين الغسل فراجع (1).

(24) ظهر مما مر وجهه.

(25) للأصل و الإجماع و السيرة و نصوص كثيرة منها ما عن الصادق عليه السّلام:

«من أحب الأعمال إلى اللّه عز و جل إدخال السرور على المؤمن إشباع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء دينه» (2)، و مثله غيره و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الحي و الميت، مع ما ورد في الأخير من الأخبار الكثيرة منها ما عن ابن خنيس قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن لعبد الرحمن بن سيابة دينا على رجل قد مات و كلمناه أن يحلله فأبى، فقال: ويحه أما يعلم أن له بكل درهم عشرة إذا حلله فاذا لم يحلله فإنما له درهم بدل درهم» (3)، و قد ورد في أداء دين الوالدين أخبار أيضا منها خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إن العبد ليكون بارا بوالديه في حياتهما، ثمَّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما و لا يستغفر لهما فيكتبه اللّه عاقا.

ص: 15


1- راجع ج: 3 صفحة: 87.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب فعل المعروف: حديث: 6 و 20.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الدين و القرض.

ذمته (26) و إن كان بغير إذنه بل و إن منعه (27)، و يجب على من له الدين القبول كما في أدائه عن نفسه (28).

مسألة 8: لا يتعين الدين فيما عينه المدين

(مسألة 8): لا يتعين الدين فيما عينه المدين، و لا يصير ملكا للدائن ما لم يقبضه (29) إلا إذا سقط اعتبار قبضه بسبب الامتناع كما مر (30)، فلو كان عليه درهم و أخرج من كيسه درهما ليدفعه اليه وفاء عما عليه و قبل وصوله بيده تلف كان من ماله، و بقي ما في ذمته على حاله (31).

مسألة 9: يحل الدين المؤجل إذا مات المديون

(مسألة 9): يحل الدين المؤجل إذا مات المديون قبل

______________________________

و انه ليكون عاقا لهم في حياتهم غير بار بهما فاذا ماتا قضى عنهما الدين و استغفر لهما فيكتبه اللّه عز و جل بارا، و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إن أحببت أن يزيد اللّه في عمرك فسر أبويك و قال: البر يزيد في الرزق» (1).

(26) إذ لا معنى لأداء الدين إلا ذلك عقلا و شرعا.

(27) لأن الوفاء الصحيح الشرعي من الوضعيات التي توجب سقوط الدين قهرا حتى مع منع المديون.

نعم، لو كان المتبرع في مقام المنة و الأذية و الإهانة يمكن دعوى عدم شمول الأدلة له حينئذ فلا يكون وفاء صحيحا شرعيا.

(28) لفرض أنه أداء و وفاء صحيح شرعي فيشمله ما دل على وجوب قبوله مما مر.

(29) للأصل و الإجماع.

(30) و تقدم ما يتعلق به في المسألة الثالثة فراجع.

(31) لأصالة عدم فراغ ذمته بالتعين و العزل إلا مع دليل يدل عليه و هو مفقود في المقام.

ص: 16


1- الوسائل باب: 30 من أبواب الدين و القرض.

حلول الأجل (32)، و لو مات الدائن يبقى على حاله (33)

______________________________

(32) نصا و إجماعا فعن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام انه قال: «إذا كان على الرجل دين إلى أجل و مات الرجل حل الدين» (1)، و في صحيح حسين بن سعيد: «سألته عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثمَّ مات المستقرض أ يحل مال القارض عند موت المستقرض منه، و للورثة من الأجل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: إذا مات فقد حل مال القارض» (2).

ثمَّ انه إن قلنا بسقوط الذمة و عدم اعتبارها بعد الموت أصلا يكون الحكم موافقا للقاعدة لعدم الموضوع لبقاء الأجل و المدة حينئذ فيدور الأمر بين حلول الدين، أو بقائه إلى الأجل المعلوم في ذمة المديون، أو انتقاله إلى الورثة مع الأجل و الثاني من قبيل ثبوت العرض بلا موضوع و الثالث خلاف الأصل بلا دليل عليه فيتعين الأول.

و أما إن قلنا بصحة اعتبار الذمة بعد الموت أيضا فدليل حلول الدين بموت المديون منحصر بالنص و الإجماع، و يكفينا ذلك رادعا عن سقوط اعتبار الذمة في المقام.

ثمَّ إن ظاهر إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق بين أن يكون على الدين رهن أو لا.

(33) نسب ذلك إلى المشهور لأصالة بقاء الذمة بالنسبة إلى المديون و صحة اعتباره عرفا، فيشمله إطلاق دليل الأجل و المدة و أصالة بقائها فيترتب عليه الحكم قهرا، و يشهد لذلك المرتكزات العرفية أيضا فلا يرون الأجل باطلا بموت الدائن.

نعم، في خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام قال: «إذا مات الرجل حلّ ما له

ص: 17


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الدين و القرض.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الدين و القرض.

ينتظر ورثته انقضاء الأجل (34) فلو كان الصداق مؤجلا إلى مدة معينة و مات الزوج قبل حلوله استحقت الزوجة مطالبته بعد موته (35) بخلاف ما إذا ماتت الزوجة، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضاء المدة (36) و لا يلحق بموت الزوج طلاقه، فلو طلقها يبقى صداقها المؤجل على حاله (37).

مسألة 10: لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس

(مسألة 10): لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس، فلو كان عليه ديون حالة و ديون مؤجلة يقسم ماله بين أرباب: الديون الحالة، و لا يشاركهم أرباب: المؤجلة (38).

مسألة 11: لا يجوز بيع الدين بالدين

(مسألة 11): لا يجوز بيع الدين بالدين (39) فيما إذا كانا مؤجلين بأن

______________________________

و ما عليه من الدين» (1)، و لا ريب في شموله للدائن أيضا و نوقش فيه بضعف السند تارة، و الإعراض أخرى، و بالحمل على مثل السكنى و الرقبى ثالثة.

و لا ريب في أن الأخير خلاف الظاهر، و يشهد لصحة الأولين انه لو كان الحديث مسلما لديهم لاتفقوا على ماله كما اتفقوا على ما عليه، فيكشف عدم اتفاقهم على ماله عن وجود خلل فيه أوجب ذلك سقوط الحديث مع أن ظاهر الحديث في مقام بيان قاعدة كلية و مع ذلك لم يعتمدوا عليه.

(34) لما مر من أصالة بقاء الأجل بعد صحة اعتبار الذمة للمديون.

(35) لفرض موت المديون فيحل دينه لما مر.

(36) لفرض موت الدائن فيبقى الأجل بحاله و الذمة على اعتبارها.

(37) للأصل و الإطلاق و الاتفاق، و توهم انصراف التأجيل إلى بقاء الزوجية. فاسد، لأنه من مجرد الدعوى لا اعتبار به ما لم تكن من القرينة العرفية و معها لا كلام من أحد في عدم الإلحاق.

(38) لإطلاق دليل التأجيل مضافا إلى الأصل و ظهور الاتفاق.

(39) إجماعا و نصا في الجملة قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في خبر طلحة ابن زيد:

ص: 18


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الدين و القرض حديث: 1.

كان العوضان كلاهما دينا قبل البيع (40) كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة و للآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير فباع الشعير بالحنطة، أو كان لأحدهما على شخص طعام و للآخر على ذلك الشخص طعام آخر فباع ماله على ذلك الشخص بما للآخر على ذلك الشخص، أو كان لأحدهما طعام على شخص و للآخر طعام على شخص آخر فبيع أحد الطعامين بالآخر، و أما إذا لم يكن العوضان كلاهما دينا قبل البيع و إن صارا معا أو صار أحدهما دينا بسبب البيع- كما إذا باع ماله في ذمة الآخر بثمن في ذمته نسيئة مثلا- فله شقوق و صور كثيرة (41) لا يسعها هذا المختصر.

______________________________

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: لا يباع الدين بالدين» (1)، و عن طرق العامة عنه صلّى اللّه عليه و آله: «لا يجوز بيع الكالي بالكالي» (2)، و المراد بالكالي الدين.

(40) لأن هذا هو المتيقن من الإجماع و المنصرف اليه من النص بعد كون الحكم مخالفا للإطلاقات و العمومات و قاعدة السلطنة، و تقدم في بيع السلف بعض ما ينفع المقام.

(41) إجمال بعضها: أن كلا من المبيع و الثمن لا تخلو عن أقسام خمسة:

الأول: أن يكون دينا سابقا مؤجلا فعلا.

الثاني: أن يكون مؤجلا سابقا و لكن حل الأجل.

الثالث: أن يكون دينا سابقا غير مؤجل بل حالا.

الرابع: أن يكون دينا لا حقا حالا.

الخامس: أن يكون دينا لا حقا مؤجلا و ضرب الخمسة في خمسة يصير خمسة و عشرين هذا في ما إذا كان بيع الدين على غير المديون، و أما إن كان بيع الدين على المديون فتصير الأقسام ستة و أربعين لإضافة واحد و عشرين قسما

ص: 19


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الدين و القرض.
2- كنز العمال ج: 4 حديث: 413 ط: حيدر آباد.

مسألة 12: يجوز تعجيل الدين المؤجل بنقصان مع التراضي

(مسألة 12): يجوز تعجيل الدين المؤجل بنقصان مع التراضي (42)، و هو الذي يسمى في الوقت الحاضر في لسان التجار ب «النزول» و لا يجوز تأجيل الحال و لا زيادة أجل المؤجل بزيادة (43).

نعم، لا بأس بالاحتياط بجعل الزيادة المطلوبة في ثمن مبيع مثلا و يجعل التأجيل و التأخير إلى أجل معين شرطا على البائع، بأن يبيع الدائن من الدين مثلا ما يسوى عشرة دراهم بخمسة عشر درهما على أن لا يطالب المشتري عن الدين الذي عليه إلى وقت كذا، و مثله ما إذا باع المديون من الدائن ما يكون قيمته خمسة عشر درهما بعشرة شارطا عليه تأخير الدين إلى وقت كذا (44).

______________________________

إلى الأقسام المتقدمة و سقوط أربع صور الدين بالدين اللاحق، كما لا يخفى هذا في غير السلم و أما فيه تفصيل لا يسعه المقام.

(42) لوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله قاعدة السلطنة بلا مدافع مضافا إلى النص و الإجماع، ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا و كذا و أضع لك بقيته، أو يقول: انقد لي بعضا و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك، قال عليه السّلام: لا ارى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا» (1)، و في خبر أبان عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل الأجل عجل لي النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أ يحل ذلك لواحد منهما؟ قال عليه السّلام: نعم» (2).

(43) لما تقدم في خبر الحلبي مضافا إلى الإجماع.

(44) لأن ذلك كله معاملة مستقلة لا ربط لها بأصل الدين فتشملها

ص: 20


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الصلح.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الصلح.

مسألة 13: لا يجوز قسمة الدين المشترك

(مسألة 13): لا يجوز قسمة الدين المشترك (45) فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعددة- كما إذا باعا عينا مشتركة بينهما من أشخاص أو كان لمورثهما دين على أشخاص فورثاه فجعلا بعد التعديل ما في ذمة بعضهم لأحدهما و ما في ذمة آخرين لآخر- لم يصح و بقي ما في الذمم على الاشتراك

______________________________

الإطلاقات و العمومات الدالة على الصحة، و إن ترتب عليها النتيجة التي قصداها قهرا، و يشمله قوله عليه السّلام: «نعم الشي ء الفرار من الحرام إلى الحلال» (1)، هذا مضافا إلى الإجماع على الصحة، و تقدم في السلف بعض ما ينفع المقام.

(45) لأصالة بقاء المال المشترك على اشتراكه و عدم تعيّنه بقبض بعض الشركاء إلا مع رضا الجميع به، و أصالة عدم انتقاله عن ملك الدافع إلى غيره إلا بذلك، و لا يعارض ذلك بقاعدة السلطنة و إطلاق دليل القسمة إذ لا موضوع لهما مع بقاء الشركة و عدم رضا الشركاء مع إمكان الاستيذان منهم، و يشهد لذلك مرتكزات المتشرعة أيضا هذا مضافا إلى نصوص خاصة كصحيح ابن خالد قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما و منه متفرق عنهما فاقتسما بالسوية ما كان في أيديهما و ما كان غائبا عنهما، فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا و استوفى الآخر، عليه أن يزد على صاحبه؟ قال عليه السّلام: نعم ما يذهب بما له» (2)، و موثق ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن رجلين بينهما مال منه دين و منه عين فاقتسما العين و الدين فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه و خرج الذي للآخر، أ يرد على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بما له» (3)، و مرسل ابن حمزة قال: «سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما فاقتسما الذي بأيديهما، و أحال كل واحد منهما من نصيبه الغائب فاقتضى أحدهما و لم يقتض الآخر، قال عليه السّلام: ما اقتضى أحدهما فهو

ص: 21


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الصرف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب الدين و القرض حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الشركة.

السابق فكل ما استوفى منها يكون بينهما (46) و كل ما توى و تلف يكون منهما.

نعم، الظاهر كما مرّ في كتاب الشركة أنه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحدهما منه حصته، فيتعين له و تبقى حصة الآخر في ذمته، و هذا ليس من قسمة الدين في شي ء (47).

مسألة 14: يجب على المديون عند حلول الدين

(مسألة 14): يجب على المديون عند حلول الدين و مطالبة الدائن السعي في أدائه بكل وسيلة (48) و لو ببيع سلعته و متاعه و عقاره أو مطالبة

______________________________

بينهما ما يذهب بماله» (1)، و هذا هو المشهور بين الأصحاب بل ادعي عليه الإجماع.

و هناك احتمالان بل قولان آخران أحدهما أنه تصح القسمة و يملك القابض حصته لانحلال الدين و تعدده حسب تعدد الشركاء، فكأنه ديون متعددة حسب تعددهم.

ثانيهما: أنه يملك القابض ما قبضه، و لكن يجب عليه تكليفا دفع حصص الشركاء و حمل أخبار المقام عليه.

و الظاهر كونهما من باب: الاجتهاد في مقابل النص كما لا يخفى على من تأمل و تدبر هذا كله إذا كان بعنوان القسمة.

و أما إذا كان بعنوان المصالحة أو البيع أو نحوهما فلا بأس، لإطلاق أدلة هذه العناوين و عدم شمول أدلة المقام لها.

(46) لأنه لا معنى للشركة إلا ذلك، مع أنه المستفاد مما مر من النصوص.

(47) لفرض حصول التراضي بين الدائن و المديون و الشريك بأن تكون الحصة المأخوذة للقابض فزال موضوع الشركة بذلك راجع (مسألة 22) من القسمة.

(48) لإطلاق أدلة وجوب وفاء الدين و أدائه عند حلوله و طلب الدائن له

ص: 22


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الشركة.

غريم له أو إجارة أملاكه و غير ذلك (49)، و هل يجب عليه التكسب اللائق بحاله من حيث الشرف و القدرة؟ وجهان بل قولان (50) أحوطهما ذلك

______________________________

و تمكن المديون من أدائه الظاهرة في الفورية العرفية و وجوب السعي فيه مهما أمكن عرفا، مضافا إلى الإجماع بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية بل عرفية ارتكازية بين الناس أجمعين.

(49) و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الخصوصيات بل الأزمنة و الأمكنة فإن طرق التمكن من أداء الدين موكول إلى المتعارف إلا ما استثناه الشرع.

(50) مقتضى القاعدة هو الوجوب بعد عدم الحرج و المشقة عليه كما هو المفروض، و منشأ الاختلاف اختلاف الأخبار، فمقتضى إطلاق مثل خبر غياث ابن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السّلام: «أن عليا عليه السّلام كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة و إفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا» (1)، و كذا خبر السكوني عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السّلام: «ان امرأة استعدت على زوجها انه لا ينفق عليها، و كان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه، و قال: إن مع العسر يسرا» (2)، عدم وجوب الكسب فإنه لو وجب لأشار عليه السّلام إليه، و يشهد له إطلاق قوله تعالى:

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (3)، و لكن مقتضى خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أن عليا عليه السّلام كان يحبس في الدين ثمَّ ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم و أجروه، و إن شئتم استعملوه»(4)، وجوب التكسب كما هو الظاهر منه.

ص: 23


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الحجر.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الحجر.
3- سورة البقرة: 280.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الحجر حديث: 3.

خصوصا فيما لا يحتاج إلى تكلف و فيمن شغله التكسب بل وجوبه حينئذ قوي جدا (51).

نعم، يستثنى من ذلك بيع دار سكناه (52) و ثيابه المحتاج إليها و لو للتجمل و دابة ركوبه و خادمه إذا كان من أهلهما و احتاج إليهما، بل و ضروريات بيته من فراشه و غطائه و ظروفه و إنائه لأكله و شربه و طبخه و لو

______________________________

و يمكن المناقشة في استفادة الوجوب الشرعي لأنه عليه السّلام أو كله إلى اختيارهم و لم يحكم فيه بشي ء من رأيه، فكأنه تعريض لهم بأنه إذا ثبت إعساره ينبغي أن يخلى سبيله و لا يكلف بشي ء و حينئذ فيؤخذ بإطلاق الآية الكريمة و مثله خبر غياث.

و لكنه مشكل للشك في ثبوت الإعسار مع القدرة الفعلية على الكسب اللائق بحاله عرفا و عدم وقوعه في المشقة و الحرج و معه لا يصح التمسك بالأدلة اللفظية، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك فتصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال.

و يمكن أن يفصل بين من كانت عادته التكسب و العمل قبل الإعسار و يقدر من كسبه لأداء دينه و لو ببعضه، وجب عليه ذلك و عليه يحمل خبر السكوني، و بين من لم يكن معتادا لذلك و أراد إحداث الكسب في عمره بعد الإعسار فلا يجب و عليه يحمل مثل خبر غياث و الآية الكريمة، لأن هذا نحو حرج عليه بين بني نوعه، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الجهات فلا تنافي على هذا بين الاخبار.

(51) ظهر وجه القوة مما مر.

(52) حيث ان استثناء المستثنيات مخالف لقاعدة الاشتغال و عمومات أدلة أداء الدين و إطلاقاته لا بد من البحث فيه.

تارة: بحسب القاعدة.

و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة.

ص: 24

.....

______________________________

أما الأولى: فمقتضى قاعدة «نفي العسر و الحرج»- التي هي من أهم القواعد النظامية المقررة شرعا- استثناء ما يقع المديون ببيعه في العسر و الحرج غير اللائق بشأنه المتعارف بين صنفه.

إن قيل: أن هذه القاعدة امتنانية و القواعد الامتنانية لا بد و أن يلاحظ فيها النوع، و من الامتناع على المديون في الاستثناء يلزم خلاف الامتنان على الدائن فلا وجه للتمسك بها.

يقال: المنة حكمة الجعل لا علة المجعول و الحرج في مورد جريانه شخصية لا نوعية، فإذا تحقق الحرج بالنسبة إلى المديون يزول موضوع الحرج بالنسبة إلى الدائن لفرض انه مأمور لعدم مطالبة دينه و عدم إيقاع المديون في الحرج، و حينئذ فيصبر إلى الميسرة.

فلا وجه لملاحظة التعارض بينهما، و هذا الاشكال وارد فيما إذا لم يكن للدائن دار بخلاف المديون و كان بيع المديون، داره وافيا بأداء دينه و وافيا بشراء الدائن دارا لنفسه أيضا مع أن الدار من المستثنيات المنصوصة كما يأتي.

و بالجملة: لا ريب في صدق ذي العسرة على من اضطر إلى بيع ضروريات معاشه، فتشمله الآية الكريمة الدالة على نفي الحرج (1)، و قوله تعالى وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (2).

و الظاهر مساعدة العرف لذلك أيضا، و حينئذ فلا وجه لتحديد خاص بالنسبة إلى المستثنيات بل المناط الاحتياج و الضرورة.

و أما الثانية: فقد ورد في الروايات استثناء الدار و الضيعة و هي أرض الغلة و الجارية، ففي صحيح بريد العجلي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن عليّ دينا و أخاف إن بعت ضيعتي بقيت و ما لي شي ء، فقال عليه السّلام: لا تبع ضيعتك» (3)، و في خبر إبراهيم بن عثمان قال: «قلت: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهنا فأردت

ص: 25


1- سورة الحج: 78.
2- سورة البقرة: 280.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين.

لأضيافه (53) مراعيا في ذلك كله مقدار الحاجة بحسب حاله و شرفه، و أنه بحيث لو كلف ببيعها لوقع في عسر و شدة و حزازة و منقصة (54)، و هذه كلها من مستثنيات الدين لا خصوص الدار و المركوب بل لا يبعد أن يعد منها

______________________________

أن أبيعها، قال: أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه» (1)، و في خبر زرارة (2)، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أن لي على رجل دينا و قد أراد أن يبيع داره فيعطيني، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه»، و يمكن حمل ما ذكر فيها على المثال بقرينة خبر الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «لا تباع الدار و لا الجارية في الدين، ذلك انه لا بد للرجل من ظل يسكنه و خادم يخدمه» (3)، حيث جعل عليه السّلام المدار على اللابدية فيستفاد منه أن المستثنى كل ما لا بد منه، مع أنه يمكن التمسك بالفحوى فإنه إذا استثني الخادم فاللباس و الفراش و أجهزة البيت يستثنى بالأولى.

(53) ظهر وجه ذلك كله مما مر- حيث إن كل ذلك مما لا بد منه فيشملها خبر الحلبي، و الظاهر كون ما حدث في هذه الأعصار من الأثاث و لوازم البيت من المستثنيات مع الاحتياج إليها بحسب المتعارف، كالاحتياج إلى الفراش و الغطاء و نحوهما لفرض صدق انها مما لا بد منها، و لكن الأحوط التراضي في غير المستثنيات الأولية و كذا لوازم صنعه و كسبه بل و رأس ماله ان كان يقع في العسر و الحرج مع صرفها في الدين لصدق ان كل ذلك مما لا بد منه، و لفحوى استثناء الخادم.

(54) لأن هذا هو المنساق في مثل هذا الحكم المخالف لقاعدة الاشتغال، و عمومات وجوب الوفاء بالدين و إطلاقاته مع كون أصل هذا الاستثناء انما هو لأجل قاعدة «نفي العسر و الحرج»، فلا بد في أن يقتصر على ما يدفع به العسر

ص: 26


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين حديث: 4 و 3.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين حديث: 4 و 3.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين و القرض حديث: 1.

الكتب العلمية لأهلها بمقدار حاجته بحسب حاله و مرتبته (55).

مسألة 15: لو كانت دار سكناه أزيد عما يحتاجه سكن ما احتاجه

(مسألة 15): لو كانت دار سكناه أزيد عما يحتاجه سكن ما احتاجه و باع ما فضل عن حاجته، أو باعها و اشترى ما هو أدون مما يليق بحاله (56)، و إذا كانت له دور متعددة و احتاج إليها سكناها لم يبع شيئا منها، و كذلك الحال في المركوب و الثياب و نحوهما (57).

مسألة 16: لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه حسب حاله و شرفه و له دار مملوكة

(مسألة 16): لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه حسب حاله و شرفه و له دار مملوكة فالأحوط لو لم يكن الأقوى أن يبيع المملوكة و يكتفي بالموقوفة (58).

______________________________

و الحرج و المنقصة، و في غيره يرجع إلى قاعدة الاشتغال و الإطلاقات و العمومات.

(55) تقدم ما يصلح دليلا لهذين الفرعين مع قوة احتمال أن يكون ما ذكر في الأخبار من المسكن و الخادم و الضيعة من باب ذكر المثال لكل ما يحتاج اليه المديون بحسب حاله في كل عصر و زمان و مكان، و يمكن استفادة استثناء رأس المال من استثناء الضيعة أيضا.

(56) جمعا بين قاعدة الاشتغال و أدلة وجوب وفاء الدين مهما أمكن و بين عدم وقوعه في الحرج و المشقة مضافا إلى ظهور الإجماع، و خبر مسعدة ابن صدقة قال: «سمعت جعفر بن محمد عليهما السّلام، و سئل عن رجل عليه دين و له نصيب في دار و هي تغل غلة فربما بلغت غلتها قوته، و ربما لم تبلغ حتى يستدين، فإن هو باع الدار و قضى دينه بقي لا دار له؟ فقال: إن كان في داره ما يقضى به دينه و يفضل منها ما يكفيه و عياله فليبع الدار و إلا فلا» (1).

(57) لإطلاق دليل الاستثناء و قاعدة نفي العسر و الحرج، و ظهور الاتفاق.

(58) لانصراف أدلة الاستثناء عن مثله، و لا أقل من الشك في شمولها له

ص: 27


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين و القرض حديث: 7.

مسألة 17: إنما لا تباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيا

(مسألة 17): إنما لا تباع دار السكنى في أداء الدين ما دام المديون حيا، فلو مات و لم يترك غير دار سكناه تباع و تصرف في الدين (59).

مسألة 18: معنى كون الدار و نحوها من مستثنيات الدين

(مسألة 18): معنى كون الدار و نحوها من مستثنيات الدين أنه لا يجبر على بيعها لأجل أدائه، و لا يجب عليه ذلك (60) و أما لو رضي به لقضائه جاز للدائن أخذه (61).

نعم، ينبغي أن لا يرضى ببيع مسكنه، و لا يصير سببا له و إن رضي هو به و اراده، كما في خبر عثمان ابن أبي زياد (62).

______________________________

فيرجع إلى قاعدة الاشتغال.

(59) لأدلة وجوب أداء الدين بعد حلوله مطلقا بعد ان كان المنساق من أدلة الاستثناء خصوص حال حياة المديون، كما هو ظاهر مثل ما يأتي من خبر عثمان بن زياد حيث يستفاد منه أن الحكم أخلاقي لا أن يكون إلزاميا، مضافا إلى تسالم الأصحاب عليه.

(60) لفرض استثنائها عن الوجوب و الإجبار شرعا.

(61) لفرض أن المديون أدى دينه برضاه و الدائن يستحق أصل الدين منه و إن فعل مرجوحا في قبول مثل هذا الدين الذي باع المديون داره و أداه، و الاستثناء الشرعي ترخيصي لا أن يكون إلزاميا.

(62) عن الصادق عليه السّلام قال: «قلت: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهنا فأردت أن أبيعها، قال: أعيذك باللّه أن تخرجه من ظل رأسه» (1)، و قريب منه خبر إبراهيم بن هاشم: «أن محمد بن عمير رحمه اللّه كان رجلا بزازا فذهب ماله و افتقر و كان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم و حمل المال الى بابه، فخرج اليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟ فقال: هذا

ص: 28


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين و القرض حديث: 3.

مسألة 19: لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات

(مسألة 19): لو كان عنده متاع أو سلعة أو عقار زائدا على المستثنيات لا تباع إلا بأقل من قيمتها يجب بيعها للدين عند حلوله (63) و مطالبة صاحبه، و لا يجوز له التأخير و انتظار من يشتريها بالقيمة.

نعم، لو كان ما يشتري به أقل من قيمته بكثير جدا بحيث يعدّ بيعه به تضييعا للمال و إتلافا له لا يبعد عدم وجوب بيعه (64).

مسألة 20: كما لا يجب على المعسر الأداء و القضاء يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة و الاقتضاء

(مسألة 20): كما لا يجب على المعسر الأداء و القضاء يحرم على الدائن إعساره بالمطالبة و الاقتضاء، بل يجب أن ينظر إلى اليسار (65). كما

______________________________

مالك الذي عليّ، قال: ورثته؟ قال: لا، قال وهب لك؟ قال: لا فقال: هو من ثمن ضيعة بعتها؟ فقال: لا فقال: ما هو؟ فقال: بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني فقال محمد بن ابي عمير: حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين ارفعها فلا حاجة لي فيها، و اللّه إني لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد، و ما يدخل ملكي درهم واحد» (1).

(63) لصدق التمكن من أداء الدين عرفا، و شيوع اختلاف قيم الأشياء و أسعارها قلة و كثرة بين الناس، و الأدلة الشرعية وردت على ما هو الشائع المتعارف.

(64) لانصراف الأدلة عن هذه الصورة، بل الظاهر انه مع صدق إضاعة المال و إفساده أنه يحرم ذلك، و لكن لو فعل الحرام و أدى دينه تبرأ ذمته لتعلق النهي بأمر خارج عن المعاملة.

نعم، لو كان المديون سفيها لا يصح بيعه لمكان الحجر عليه على ما يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(65) للأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (2)، و من الإجماع إجماع الإمامية، و من النصوص نصوص كثيرة

ص: 29


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين و القرض حديث: 5.
2- سورة البقرة: 280.

في جملة من الأخبار (66).

مسألة 21: مماطلة الدائن مع القدرة معصية كبيرة

(مسألة 21): مماطلة الدائن مع القدرة معصية كبيرة (67)، بل يجب عليه نية القضاء (68) مع عدم القدرة بأن يكون من قصده الأداء عند القدرة.

مسألة 22: لو امتنع المدين عن أداء الدين و لم يمكن إجباره

(مسألة 22): لو امتنع المدين عن أداء الدين و لم يمكن إجباره يجوز

______________________________

يأتي التعرض لها، و يمكن الاستشهاد لقبحه ببناء العقلاء أيضا، لأنهم يستنكرون مثل ذلك.

(66) ففي موثق ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: قال: «و إياكم و إعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي ء يكون لكم قبله و هو معسر، فإن أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما، و من أنظر معسرا أظله اللّه يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله» (1)، و في الموثق عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «كما لا يحل لغريمك أن يمطلك و هو مؤسر فكذلك لا يحل لك أن تعسره إذا علمت أنه معسر» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(67) لما مر في بحث العدالة من الضابط في بيان المعصية الكبيرة من أنها عبارة عما أوعد عليها بالنار، أو ذكر في النص في عداد المعاصي الكبيرة، أو ورد النص بأنه مثل ما أوعد عليه النار، و قد ورد جميع ذلك في المقام.

ففي النبوي المعمول في المقام: «من مطل على ذي حق حقه و هو يقدر على أداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشار» (3)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «مطل الغنى ظلم» (4)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لي الواجد بالدين يحل عرضه و عقوبته» (5).

(68) نصا، و إجماعا ففي صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه و لا على وليّ له و لا يدري بأي أرض هو؟ قال عليه السّلام: لا جناح عليه بعد أن يعلم اللّه منه أن نيته الأداء» (6)، و تقدم

ص: 30


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الدين و القرض حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الدين و القرض حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب الدين و القرض حديث: 21 و 3 و 4.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب الدين و القرض حديث: 21 و 3 و 4.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب الدين و القرض حديث: 21 و 3 و 4.
6- الوسائل باب: 22 من أبواب الدين و القرض.

للدائن المقاصة من ماله و أخذ مقدار دينه عنه (69)، و لا يشترط في صحة المقاصة بعد تحقق موضوعها مراجعة الحاكم الشرعي (70).

مسألة 23: إذا كان المدين حاضرا و لم يكن ممتنعا

(مسألة 23): إذا كان المدين حاضرا و لم يكن ممتنعا و لكن لم يمكن إيصال الدين إلى الدائن لوجود مانع في البين و أمكن للدائن أخذ مقدار دينه من مال المديون يجوز له ذلك (71).

______________________________

قوله عليه السّلام: «من استدان فلم ينو قضاه كان بمنزلة السارق» و غيره.

(69) كتابا، و سنة، و إجماعا قال تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1)، و ذكرنا في التفسير أن الآية الشريفة توضع حدا للمجازاة و تمنع التعدي (2)، و كذا قوله تعالى فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (3).

و من السنة خبر ابن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يكون له على الرجل الدين فيجحد فيظفر من ماله الذي جحده أ يأخذه و إن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال عليه السّلام: نعم» (4)، و في صحيح أبي بكر الحضرمي: «قلت له:

رجل لي عليه دراهم فيجدني و حلف عليها أ يجوز لي إن وقع له قبلي دراهم ان أخذ منه بقدر حقي؟ فقال عليه السّلام: نعم» (5)، و في صحيح ابن رزين: «قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام: إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدابة الفارهة يبعثون فيأخذونها ثمَّ يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟

فقال عليه السّلام: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه» (6)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(70) لإطلاق الأدلة و عدم ما يصلح للتقييد.

(71) لصحة دعوى أن موضوع المقاصة عدم إمكان وصول صاحب الحق

ص: 31


1- سورة البقرة: 194.
2- راجع المجلد الثالث من مواهب الرحمن ما يتعلق بالآية الكريمة.
3- سورة النحل: 126.
4- الوسائل باب: 83 من أبواب ما يكتسب به.
5- الوسائل باب: 83 من أبواب ما يكتسب به.
6- الوسائل باب: 83 من أبواب ما يكتسب به.

مسألة 24: لا فرق في مورد المقاصة بينما إذا كان من نوع الدين أو غيره

(مسألة 24): لا فرق في مورد المقاصة بينما إذا كان من نوع الدين أو غيره، بل يجوز بيع بعض أموال المدين و أخذ عوضه عن دينه (72).

مسألة 25: لو علم بتعلق دين بذمته و تردد بين الأقل و الأكثر أو المتباينين يجب عليه الأقل في الأول

(مسألة 25): لو علم بتعلق دين بذمته و تردد بين الأقل و الأكثر أو المتباينين يجب عليه الأقل في الأول و الأحوط الأكثر، و يتخير في الثاني و الأحوط التراضي (73).

مسألة 26: يجوز المقاصة إلى بعض الحق دون تمامه

(مسألة 26): يجوز المقاصة إلى بعض الحق دون تمامه (74).

مسألة 27: إذا علم بأن عليه مقدار معين من الدين

(مسألة 27): إذا علم بأن عليه مقدار معين من الدين و لا يعلم بأنه من حق الناس أو مثل الزكاة و الخمس و لم يدر صاحبه على الأول يدفعه إلى

______________________________

إلى حقه سواء كان ذلك لطغيان من المدين و ظلم منه، أو لأجل عدم إمكان الأداء كما إذا حبسه ظالم و لم يتمكن أحد من العثور على حاله و الاستخبار عنه لا في القريب العاجل و لا في البعيد الآجل، و الاحتياط حينئذ في مراجعة الحاكم الشرعي.

(72) لإطلاق ما دلّ من الأدلة المتقدمة.

هذا إذا لم يكن عين المال موجودا و أمكن أخذه بلا مشقة و إلا فيأخذ عين ماله.

(73) لأصالة البراءة عن الأكثر في الأول و عدم دليل على وجوب الاحتياط في الماليات في الثاني- و إن وجب في غيرها مما لا يوجب الضرر- و قد ادعي الإجماع على عدم وجوبه كما تقدم مكررا.

(74) لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

و قوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1)، إنما هو في مقام نفي التعدي لا في مقام اعتبار أن يكون مورد الاقتصاص بقدر الحق فقط.

ص: 32


1- سورة البقرة: 194.

الفقير بقصد ما في الذمة (75).

مسألة 28: لو نذر أن لا يستدين

(مسألة 28): لو نذر أن لا يستدين أو نهاه والده عن الدين، فخالف و استدان لا ريب في تحقق الإثم، و الكفارة في الأول و لكنه يملك ما استدانه (76).

مسألة 29: لو باع الذمي ما لا يصح للمسلم تملكه

(مسألة 29): لو باع الذمي ما لا يصح للمسلم تملكه كالخمر و الخنزير- جاز للمسلم أخذ ثمنه عوضا عن دينه (77).

______________________________

(75) لأنه لو كان من الدين فحكمه التصدق مع الفرض و لو كان من الحقوق فكذلك، و الأحوط أن يدفعه إلى الحاكم الشرعي مع بيان الحال لأن المقام من صغريات الحسبة و هي مورد ولايته، و تقدم في الزكاة و خمس مجهول المالك نظير هذا الفرع.

(76) أما الإثم و ترتب الكفارة فللمخالفة، و أما الصحة فلما مر مكررا من أن النهي التكليفي لا يوجب بطلان العقد.

(77) نصا، و إجماعا ففي الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر إليهم فقضاه فقال عليه السّلام: لا بأس به أما للمقتضي فحلال، و أما للبائع فحرام» (1)، و مثله غيره هذا إذا عمل الذمي بشرائط الذمة، و مع عدمه فلا يجوز كما لو كان البائع مسلما أو حربيا.

ص: 33


1- الوسائل باب: 60 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

القرض و احكامه

اشارة

القرض و احكامه القرض هو تمليك مال لآخر بالضمان (1) بأن يكون على عهدته أداؤه بنفسه أو بمثله أو بقيمته، و يقال للملك «المقرض» و للمتملك «المقترض» و «المستقرض».

مسألة 1: يكره الاقتراض مع عدم الحاجة

(مسألة 1): يكره الاقتراض مع عدم الحاجة (2)، و تخف كراهته مع الحاجة، و كلما خفت الحاجة اشتدت الكراهة، و كلما اشتدت خفت إلى أن

______________________________

القرض: من العقود الدائرة بين الناس في كل عصر و زمان و كل مذهب و مكان حدده الشارع بحدود خاصة كما هو دأبه في جميع العقود المتعارفة بين الناس.

(1) أما اشتماله على التمليك فهو قريب من الواضحات بين كل مقرض و مقترض و من المسلمات بين الناس.

و أما اشتماله على الضمان فهو أيضا كذلك، إذ ليس من المجانيات وجدانا و لا من المعاوضات المحضة كالبيع و نحوه.

و إن اشتمل على التعويض في الجملة فهو برزخ بين المعاوضة المحضة و الضمان المحض، حتى يقال: انه تمليك مال بالعوض.

و في مراجعة الوجدان في كل ذلك غنيّ عن اقامة البرهان، و هذا هو مذهب محققي الفقهاء أيضا فلا وجه للتعرض للتطويلات التي لا طائل تحتها.

(2) أما أصل جواز الاقتراض في الجملة فتدل عليه السيرة خلفا عن سلف حتى من الأئمة عليهم السّلام، فعن الصادق عليه السّلام: «مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليه دين، و قتل أمير المؤمنين عليه السّلام و عليه دين، و مات الحسن عليه السّلام و عليه دين، و قتل

ص: 34

زالت (3)، بل ربما وجب لو توقف عليه أمر واجب كحفظ نفسه أو عرضه و نحو ذلك (4)، و الأحوط لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه و لم يترقب حصوله عدم الاستدانة إلا عند الضرورة (5).

______________________________

الحسين عليه السّلام و عليه دين» (1).

مضافا إلى الأصل و الإطلاقات و العمومات. و أما الكراهة فلنصوص كثيرة منها خبر عبد اللّه بن ميمون عن جعفر بن محمد قال علي عليهم السّلام: «إياكم و الدين فإنه مذلة بالنهار، و مهمّة بالليل، و قضاء في الدنيا و قضاء في الآخرة» (2)، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الدين راية اللّه عز و جل في الأرضين فإذا أراد أن يذل عبدا وضعه في عنقه» (3)، أي: ربقة و قلادة إلى غير ذلك من الروايات.

(3) لجملة من الأخبار منها خبر موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «من طلب الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه فإن غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله ما يقوت به عياله» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار الظاهرة فيما ذكر بعد رد بعضها إلى بعض.

(4) و يمكن عروض الأحكام الخمسة التكليفية عليه، فالواجب و المكروه و المباح كما مر، و الحرام كما إذا استدان و كان بانيا على عدم الوفاء و العدوان، و المستحب كما إذا استدان للسعي في قضاء حوائج المؤمنين و نحو ذلك مع تحقق سائر الجهات.

(5) نسب حرمة القرض مع عدم التمكن من الأداء إلى الحلبي و الكراهة إلى الشيخ رحمه اللّه.

ص: 35


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الدين و القرض حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الدين و القرض حديث: 4 و 10.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الدين و القرض حديث: 4 و 10.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب الدين و القرض حديث: 2.

مسألة 2: إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة

(مسألة 2): إقراض المؤمن من المستحبات الأكيدة (6) سيما لذوي

______________________________

و مقتضى إطلاق النصوص و الفتوى الجواز مطلقا.

و استند الأول إلى ظاهر موثق سماعة عن الصادق عليه السّلام: «لا يستقرض على ظهره إلا و عنده وفاء، و لو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين إلا أن يكون له ولي يقضي دينه من بعده، و ليس منّا من ميّت إلا جعل اللّه له وليا يقوم في عدته و دينه فيقضي عدته و دينه» (1)، و موثقة الآخر قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل منا يكون عنده الشي ء يتبلغ به و عليه دين أ يطعمه عياله حتى يأتيه اللّه بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على نفسه في خبث الزمان و شدة المكاسب أو يقبل الصدقة؟ قال: يقضي مما عنده دينه، و لا يأكل أموال الناس إلا و عنده ما يؤدي إليهم حقوقهم» (2)، و حملهما الشيخ على الكراهة بقرينة ما تقدم من إطلاق قول أبي الحسن موسى عليه السّلام: في رواية موسى بن بكر، و لكن يمكن حمله على ما إذا كان معتمدا على شي ء أو شخص في الجملة و إن كان خلاف إطلاق قوله عليه السّلام: «فليستدن على اللّه و على رسوله» (3)، و لكن حيث يحتمل أن يكون المراد به الاعتماد على أداء دينه من الصدقات يشكل الأخذ بالإطلاق من كل جهة فما احتاط به رحمه اللّه هو الصحيح.

و لكن كون الاحتياط واجبا كما هو الظاهر مشكل لظهور إعراض المشهور عن موثق سماعة.

و أما استثناء الضرورة فلانصراف دليل المنع حرمة أو كراهة عنها كما هو معلوم، لأن الضرورات تبيح المحظورات.

(6) قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «القرض الواحد بثمانية عشر و ان

ص: 36


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الدين و القرض حديث: 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الدين و القرض حديث: 3.
3- تقدم في صفحة: 35.

الحاجة لما فيه من قضاء حاجته و كشف كربته (7)

______________________________

مات حسبتها من الزكاة» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا: «مكتوب على باب الجنة الصدقة بعشرة و القرض بثمانية عشر» (2).

قال في الحدائق ما خلاصته: «إن الصدقة بعشرة حيث أن نفس الدرهم المتصدق به يحسب في ضمن العشرة لأنه لا يرجع إلى المتصدق فيكون أصل الثواب تسعة و بزيادة نفس درهم الصدقة يصير عشرة، و أصل ثواب القرض أيضا كذلك، و لكن حيث أن درهم القرض يرجع إلى المقترض مع الثواب فيصير تسعة عشر لأن درهم القرض يرجع إلى المقرض مع فضله الثواب الذي اكتسبه من انطباق عنوان القرض عليه فالمقرض يستفيد تسعة من الثواب بالإقراض و تسعة أخرى بثواب القرض.

و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة» (3)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى و طور سيناء حسنات، و إن رفق به في طلبه جاز على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب، و من شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرّم اللّه عز و جل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين» (4).

(7) لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف اللّه عنه كربه يوم القيامة، و اللّه في عون العبد ما كان العبد في حاجة أخيه» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار.

ص: 37


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الدين و القرض حديث: 4.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب فعل المعروف حديث: 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الدين و القرض حديث: 3 و 5.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الدين و القرض حديث: 3 و 5.
5- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب المعروف.

مسألة 3: القرض عقد من العقود

(مسألة 3): القرض عقد من العقود يحتاج إلى إيجاب كقوله:

«أقرضتك» و ما يؤدي معناه، و قبول دال على الرضا بالإيجاب (8)، و لا يعتبر في عقده العربية بل يقع بكل لغة، و تجري المعاطاة فيه بإقباض العين و قبضها بهذا العنوان من دون احتياج إلى صيغة (9).

مسألة 4: يعتبر في المقرض و المقترض ما يعتبر في المتعاقدين

(مسألة 4): يعتبر في المقرض و المقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر المعاملات من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (10).

مسألة 5: يعتبر في المال أن يكون عينا مملوكا

(مسألة 5): يعتبر في المال أن يكون عينا مملوكا، فلا يصح إقراض الدين و لا المنفعة، و لا ما لا يصح تملكه كالخمر و الخنزير (11).

و لا يعتبر كونه عينا شخصيا (12) فيصح إقراض الكلي، بأن يوقع العقد

______________________________

(8) أما كونه عقدا فهو من ضروريات الفقه لو لم يكن من الدين.

و أما توقف كل عقد على الإيجاب و القبول الأعم من القولي و الفعلي فهو أظهر من أن يحتاج إلى بيان و إقامة برهان- كما تقدم في البيع- بلا فرق في ذلك بين حصول الملكية فيه بمجرد القبض أو كانت متوقفة على التصرف، لأن التصرف حينئذ يكون كاشفا عن تحقق العقد المقتضي لحصول الملكية.

(9) ذلك كله للإطلاقات و العمومات الشاملة لكل ذلك، و سيرة المتشرعة بل العقلاء خلفا عن سلف أكبر شاهد على جريان المعاطاة فيه.

(10) تقدم في شرائط المتعاقدين في البيع، فيجري جميع ما ذكر هناك في المقام من غير فرق و لا وجه للتكرار في كل عقد لكون ما ذكر فيه من الشرائط العامة لكل عقد يجري في جميع أبواب العقود من الفقه فيكفي ذكرها في أم العقود- الذي هو البيع- عن التعرض لها في سائر العقود.

(11) للإجماع في كل ذلك.

(12) لإطلاق النصوص و الفتاوى، و السيرة المستمرة قديما و حديثا.

ص: 38

على الكلي و إن كان إقباضه لا يكون إلا بدفع عين شخصي (13).

مسألة 6: مال القرض إما مثلي أو قيمي

(مسألة 6): مال القرض إما مثلي أو قيمي، و يعتبر في الأول ضبط أوصافه و خصوصياته التي تختلف باختلافها القيمة و الرغبات (14) كالحبوبات و الأدهان.

و أما الثاني فيجزي فيه معرفة القيمة كالأغنام و الجواهر، فلا يجوز إقراض ما لا يمكن ضبط أوصافه إلا بالمشاهدة كاللحم و الجواهر و نحوهما (15).

______________________________

(13) أما وقوع العقد على الكلي في المقام فلوجود المقتضي- و هو صحة اعتباره بالذمة- و فقد المانع فتشمله الأدلة كما مر.

و أما قبض الكلي بقبض الفرد فهو قريب من الوجدانيات إن لم يكن من البديهيات.

(14) لإجماع الفقهاء، و بناء العقلاء و السيرة المستمرة، و للنبوي المشتمل على النهي عن الغرر (1)، مضافا إلى ما مر من أن القرض برزخ بين المعاوضة المحضة و الضمان المحض و ليس ضمانا بحتا و لا معاوضة صرفة كما هو معلوم، لاتفاقهم على أنه عقد، و كل عقد لا بد و أن يصان عن الجهالة ما لم يتسامح فيه كما في الصلح و الجعالة مثلا لأن تشريع العقد لقطع المنازعة، و الجهالة منشأ لها فلا يجتمعان.

(15) بلا اشكال فيه إن استلزم ذلك الجهالة و الغرر و التنازع، و أما مع عدم استلزام ذلك كله مثل ما إذا عيّنت خصوصيات الجواهر و اللحوم أو سائر الأشياء المعدنية بأرقام خاصة و قوالب معينة تصدر من معمل واحد كما في هذه

ص: 39


1- الوسائل باب: 10 و 12 من أبواب التجارة.

مسألة 7: لا بد أن يقع القرض على معين، فلا يصح إقراض المبهم كأحد هذين

(مسألة 7): لا بد أن يقع القرض على معين، فلا يصح إقراض المبهم كأحد هذين، و أن يكون معلوما قدره بالكيل فيما يكال أو الوزن فيما يوزن و العدّ فيما يقدر بالعد، فلا يصح إقراض صبرة من طعام جزافا (16)، و لو قدر بكيلة معينة و ملأ إناء معين غير الكيل المتعارف أو وزن بصخرة معينة غير العيار المتعارف عند العامة لم يبعد الاكتفاء به (17)، لكن الأحوط خلافه (18).

مسألة 8: يشترط في صحة القرض القبض و الإقباض

(مسألة 8): يشترط في صحة القرض القبض و الإقباض فلا يملك

______________________________

الأعصار، فأقرض شيئا منها مع ضبط الأرقام و القوالب التي شاع جعلها طريقا معتبرا لإحراز المالية فأي مانع عن عدم صحة القرض حينئذ، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين قول ابن إدريس و غيره فراجع و تأمل.

(16) كل ذلك لظهور الإجماع، و حديث نفي الغرر (1)، و سيرة المتشرعة و بناء العقلاء على الاهتمام بتحفظ مقدار ما لهم في مقام الإعطاء و أخذ المثل أو القيمة بحيث يستنكرون من خالف ذلك، و الأدلة الشرعية الواردة في القرض منزلة على هذا ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

(17) لتحقق التعيين في الجملة في مقام الأداء و الوفاء فلا غرر و لا جهالة، و المتيقن من الإجماع و بناء العقلاء الدال على منع الجهالة غير هذه الصورة، و ليس القرض معاوضة حقيقة من كل جهة حتى يقال: أن ذلك لا يصح في المعاوضات كما مر في كتاب البيع فلا بد و ان لا يجوز في القرض أيضا، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود.

(18) لكونه خلاف المتعارف من التعيين المعتبر في الماليات.

إن قلنا: بأن هذا النحو من التعيين حتى في القرض خصوصا بعد ما ورد

ص: 40


1- الوسائل باب: 10 و 12 من أبواب التجارة. و قد تقدم في ج: 17 ص: 8.

المستقرض المال المقترض إلا بعد القبض (19)، و لا يتوقف على التصرف (20).

______________________________

من جواز اقتراض الخبز و الجوز (1)، و الأداء منهما و فيهما الصغير و الكبير الكاشف ذلك عن التسامح في القرض في الجملة و لعل بناء القرض في الأزمنة القديمة في القرى و البوادي كان على هذا.

(19) أما كون القبض شرطا للصحة فهو من المسلمات عندهم، و تقتضيه المرتكزات بين العقلاء حيث انهم قبل القبض لا يحكمون بصحة القرض بل يرونه لغوا و باطلا.

و أما حصول الملكية بالقبض فللإجماع الدال على أنه يملك بالقبض و لا يملك بمجرد القبول من دون القبض، فهو مخالف لسائر العقود المملكة من هذه الجهة فإن فيها تحصل الملكية بمجرد العقد، و يدل عليه مرتكزات المقترضين فإنهم يرون أنفسهم بعد القبض ذوي ملك حادث و سلطان على المال المقروض و يرون التصرف في ملكهم و مورد سلطانهم و لا يرون التصرف مملكا ملكا حادثا مسبوقا بالعدم حتى بعد القبض.

(20) على المشهور لما مر من حكم العرف بأن الإقراض و الاقتراض يتم بالقبض و التصرف شي ء خارج عن حقيقته واقع في ملك المقترض فإن دل دليل على اعتباره في حصول الملكية نقول به، و إلا فالعرف هو المحكم و الأدلة الشرعية منزلة عليه.

و تدل عليه أيضا إطلاق النصوص الدالة على أن زكاة مال القرض على المقترض (2)، فإنه لو لم يملكه بمجرد القبض لا وجه لهذا الإطلاق، و لا بد و أن يشير فيها إلى اعتبار التصرف في وجوبها أيضا بعد القبض.

ص: 41


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدين و القرض.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

مسألة 9: القرض عقد لازم

(مسألة 9): القرض عقد لازم (21) فليس للمقرض فسخه و الرجوع

______________________________

و استدل عليه أيضا بأن التصرف فرع الملكية فلو علل الملك به لزم تقديم الشي ء على نفسه.

و نوقش فيه بأنه يكفي في صحة التصرف الإذن فيه و هو حاصل بنفس الإقراض و لا يتوقف على الملك حتى يلزم المحذور.

و فيه: أنه لا يكفي مجرد الإذن في كل تصرف فإن بعض التصرفات يتوقف على الملك كالوطي و العتق، و البيع على المشهور مع أن مفاد الإذن هو القبض تملكا كما أن بناء القابض عليه أيضا فتحصل الملكية بالقبض، و لا تصل النوبة إلى احتمال حصولها بالتصرف، و لذا التجأ جمع إلى جعل التصرف كاشفا عن سبق الملك بالقبض.

و قد يستدل لعدم حصول الملكية إلا بالتصرف بأصالة عدم حصولها إلا به و تنظير القرض على الإباحة بالعوض، فكما أن فيها لا يحصل الملك إلا بالتصرف فكذا في المقام.

و فيه: أنه لا وجه للأول في مقابل ما ارتكز في النفوس من أن المقترضين يرون أنفسهم أصحاب ملك و سلطان بالنسبة إلى المال المقروض بمجرد القبض، و لا يفرقون بينه و بين سائر أملاكهم المستقلة بمحض قبضه.

و يرد الثاني بأنه قياس مع أنه مع الفارق لأن الإباحة بالعوض معاوضة شرعا و عرفا، و القرض كما مر برزخ بين المعاوضة و الضمان، و هو بالثاني أشبه كما لا يخفى.

(21) لأصالة اللزوم في كل عقد مطلقا إلا ما خرج الدليل، و لا دليل على الخروج في القرض و يأتي ما ذكر دليلا للجواز و المناقشة فيه، و قد ذكرنا أدلة أصالة اللزوم في كل عقد في أول كتاب البيع فراجع.

ص: 42

بالعين المقترضة لو كانت موجودة (22).

نعم، للمقرض عدم الإنظار (23) و مطالبة المقترض بالأداء و القضاء

______________________________

و استدل الشيخ لجواز عقد القرض.

تارة بالإجماع على أنه من العقود الجائزة.

و أخرى: بأنه لا يزيد على الهبة.

و ثالثة: بأنه إذا استحق المقرض المطالبة بالمثل أو القيمة فله المطالبة بالعين بالأولى.

و الكل مخدوش أما الإجماع ففيه أولا: انه كيف يصح مع شهرة عدم صحة رجوع المقرض على المقترض بالعين.

و ثانيا: أن المراد بالجواز في كلامهم أن لكل منهما فسخ المقصد المهم من القرض و هو الإنظار الذي هو مبنى القرض عند المتعارف غالبا، و هو مما لا ريب فيه، فالإجماع على فرض صحته على جواز فسخ الإنظار لكل منهما و لا ربط له بلزوم ذات العقد الذي هو محل البحث، فيصير هذا النزاع بينهم لفظيا فمن يقول بالجواز أي: صحة فسخ الإنظار، و من يقول باللزوم أي: ذات العقد من حيث هو، و مع اختلاف الحيثيتين لا ثمرة للنزاع في البين.

و أما الثاني: فإنه من مجرد الدعوى و من القياس الباطل.

و أما الأخير فبمنع الأولوية مع أن الرجوع انما هو فيما إذا فسخ الإنظار و هو صحيح لا إشكال فيه.

فتلخص: أن ذات الملك أينما تحقق يقتضي السلطة و دفع المزاحم و المنافي إلا بالتراضي، و لا معنى لللزوم إلا هذا، و المفروض أن القرض يفيد ملكية المقترض للمقترض كما مر.

(22) لأنه لا معنى للزوم العقد إلا عدم سلطة الطرف على الفسخ إلا مع وجود احدى الموجبات للفسخ و كلها مفقودة في المقام.

(23) لأن الإنظار و التأجيل ليس من مقوّمات حقيقة القرض كنفس تمليك

ص: 43

و لو قبل قضاء و طره (24) أو مضي زمان يمكن فيه ذلك.

مسألة 10: لو كان المال المقترض مثليا

(مسألة 10): لو كان المال المقترض مثليا كالحنطة و الشعير و الذهب و الفضة و نحوها- ثبت في ذمة المقترض مثل ما اقترض (25)، و لو كان قيميا-

______________________________

المال بل هو أمر خارج عن حقيقته و داخل تحت سلطة المقرض إن شاء انظر و إن شاء لم ينظر، كما هو ظاهر الروايات المرغبة إلى الإنظار و عدم التعجيل في المطالبة كقول أبي جعفر عليه السّلام: «يبعث يوم القيامة قوم تحت ظل العرش وجوههم من نور- إلى أن قال- فينادي مناد هؤلاء قوم كانوا ييسرون على المؤمنين و ينظرون المعسر حتى ييسر» (1)، و كذا قوله عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

من أراد أن يظله اللّه في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فلينظر معسرا أو ليدع له من حقه» (2)، إلى غير ذلك و قد تقدم بعضها أيضا.

نعم، لو شرط التأجيل و الإمهال في ضمن عقد لازم ليس له ذلك إلا برضا المقترض.

(24) لما اتفقت عليه كلمة الأصحاب في مقابل مالك حيث قال: «انه لا يجوز للمقرض مطالبة المقترض قبل قضاء و طره من العين أو مضي مدة يمكن فيه ذلك».

(25) ضمان المثل بالمثل و القيمي بالقيمة قاعدة متفقة عليها في الفقه في أبواب الضمانات مطلقا، و هي مطابقة لما هو المتعارف بين العقلاء، و لو كان نزاع في البين فهو صغروي أي: أن الشي ء الفلاني مثلي أو قيمي فهذه القاعدة مما ينبغي أن يستدل بها لا عليها، و قد تقدم في كتاب البيع عند البحث في المقبوض بالعقد الفاسد ما ينفع المقام فراجع.

ثمَّ إن المثليات في هذه الأعصار كثيرة مثل ما يخرج من الظروف و الأواني و الصحون و غيرها من أثاث البيت من المعامل الحديثة بقالب واحد

ص: 44


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الدين و القرض.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الدين و القرض.

كالغنم و نحوها- ثبت في ذمته قيمته (26)، و في اعتبار قيمة وقت الاقتراض أو قيمة حال الأداء و القضاء وجهان (27) الأحوط التراضي و التصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين لو كان.

مسألة 11: يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤديه من غير جنسه

(مسألة 11): يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤديه من غير جنسه (28) بأن يؤدي عوض الدراهم مثلا دنانير و بالعكس، و يلزم عليه ذلك (29)

______________________________

و قياس خاص، و لا يبعد إلحاق طاقات الأقمشة بها أيضا.

(26) تقدم وجهه في سابقة.

(27) قد تقدم في بحث المقبوض بالعقد الفاسد أنه يصح اعتبار نفس العين في الذمة بلا محذور فيه من شرع أو عرف أو عقل، فالعين باقية في الذمة و لو تلفت في الخارج و يصح اعتبارها فيها إلى أن تفرغ الذمة منها، و الفراغ انما يتحقق بالأداء كما هو واضح من أن يخفى فراجع هناك فلا وجه للإعادة، و بذلك تسقط جملة من الأقوال لأن مسألة تعيين وقت استقرار الضمان ذات أقوال كثيرة جدا و ليس لغالبها دليل يصح الاعتماد عليه، فراجع المطولات و منه يظهر وجه الاحتياط.

ثمَّ إن في المقام فروعا كثيرة تذكر بالمناسبة تعرضنا لجملة منها في المقبوض بالعقد الفاسد، و يأتي جملة منها في كتاب الغصب.

(28) لقاعدة السلطنة، و عموم أدلة الشروط بعد كون الأداء بالجنس من باب الترخيص و الاقتضاء لا الحكم التعبدي الشرعي، أو الأمر الذاتي غير القابل للتغيير و التبدل.

(29) للأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالشرط كقوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمنون عند شروطهم» (1)، و غيره الشاملة للمقام أيضا.

ص: 45


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور.

بشرط أن يكونا متساويين في القيمة (30)، أو كان ما شرط عليه أقل قيمة مما اقترض (31).

مسألة 12: لو كان المال المقترض مثليا

(مسألة 12): لو كان المال المقترض مثليا، كالدراهم و الدنانير و الحنطة و الشعير (32) كان وفاؤه و أداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من

______________________________

(30) للحذر عن الربا على ما سيأتي.

(31) لما سيأتي من جواز كون الزيادة للمقترض و إن شرط ذلك ليس من الرباء.

(32) المرجع في المثلية و القيمة متعارف أهل الخبرة بذلك الشي ء فإن حكموا بالمثلية فهو مثلي و إن حكموا بالقيمة يكون قيميا، و إن ترددوا فالأحوط التصالح و التراضي فيما به التفاوت، و تقدم ما ينفع المقام في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد.

و أما اعتبار رد المثل في المثلي فمعهوديته بين الناس و جريان السيرة عليه قديما و حديثا يغنينا عن إقامة الدليل عليه، و يشهد له في المقام ما ورد في قرض الخبز و الجوز (1)، و ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في ضمان القصعة بمثلها ففي الخبر: «قالت عائشة ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية، صنعت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله طعاما و بعثت به أخذني أفكل (2)، فكسرت الإناء فقلت يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما كفارة ما صنعت؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: إناء مثل إناء و طعام مثل طعام» (3)، و قد مر في كتاب البيع في ضمان المثلي و القيمي التمسك بالآية الشريفة فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى (4)، و غيرها من الآيات فراجع.

ص: 46


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدين و القرض.
2- أفكل: بفتح الهمزة و الكاف. وفاء ساكنة و هي الرعدة من برد أو خوف و المراد أن عائشة لما رأت حسن الطعام الذي صنعته صفية أخذتها الرعدة.
3- سنن أبي داود باب: 89 من البيوع حديث: 3568.
4- سورة البقرة الآية: 194.

جنسه (33)، سواء بقي على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أو ترقى أو تنزل (34) و هذا هو الوفاء الذي لا يتوقف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به و ليس له الامتناع و لو ترقى سعره عما أخذه بكثير، كما أن المقترض لو أعطاه للمقرض ليس له الامتناع و لو تنزل بكثير (35).

و يمكن أن يؤدي بالقيمة أو بغير جنسه، بأن يعطي بدل الدراهم دنانير مثلا أو بالعكس (36).

لكن هذا النحو من الأداء و الوفاء يتوقف على التراضي (37) فلو أعطى

______________________________

(33) لأنه حينئذ أحد أفراد الكلي الثابت في الذمة، و ينطبق الكلي عليه حقيقيا انطباق الطبيعي على أفراده.

(34) لأن تنزل القيمة و ترقيها لا دخل له بكون الشي ء فردا حقيقيا لما هو ثابت في الذمة و كونه مثلا للعين المقترضة فيحصل الوفاء حقيقة مضافا إلى ظهور الإجماع في المقام.

(35) لما مر من كونه الفرد الحقيقي لما في الذمة و ينطبق ما في الذمة عليه انطباق الكلي على أفراده فلا يبقى موضوع حينئذ لاعتبار الرضاء زائدا على أصل الأداء الذي تحقق بصدق ما في الذمة على ما أداه صدقا واقعيا حقيقيا.

(36) نصا و إجماعا ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يكون له الدين دراهم معلومة إلى أجل فجاء الأجل و ليس عند الذي حل عليه دراهم، فقال له: خذ مني دنانير بصرف اليوم قال: لا بأس به» (1)، و في رواية علي بن جعفر قال: «سألته عن رجل له على رجل دنانير فيأخذ بسعرها ورقا؟ فقال:

لا بأس به» (2)، إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

(37) لأصالة بقاء اشتغال الذمة بالمثل إلا إذا تراضيا بغيره، و الحق

ص: 47


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الصرف حديث: 2 و 7.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الصرف حديث: 2 و 7.

بدل الدراهم دنانير فللمقرض الامتناع من أخذها (38) و لو تساويا في القيمة، بل و لو كانت الدنانير أغلى كما أنه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع (39) و إن تساويا في القيمة أو كانت الدنانير أرخص.

مسألة 13: إذا كان المال المقترض قيميا

(مسألة 13): إذا كان المال المقترض قيميا فقد مر أنه تشتغل ذمة المقترض بالقيمة (40).

______________________________

لا يعدوهما فلهما أن يتراضيا بكل ما شاءا قليلا كان أو كثيرا.

ثمَّ إن المراد بالمثلية المثلية العرفية لا الدقية العقلية لما ورد في جواز اقتراض الخبز و الجوز مع اختلاف كل منهما في الصغر و الكبر و سائر الجهات، ففي خبر ابن سيابة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إن عبد اللّه بن أبي يعفور أمرني أن أسألك: إنا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر؟ فقال عليه السّلام:

نحن نستقرض الجوز الستين و السبعين فيكون فيه الكبيرة و الصغيرة فلا بأس» (1)، و في خبر ابن عمار (2)، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: استقرض الرغيف من الجيران و نأخذ كبيرا و نعطي صغيرا و نأخذ صغيرا و نعطي كبيرا، قال عليه السّلام: لا بأس».

(38) لأن الحق له فله الامتناع عن أخذ ما يكون غير حقه.

(39) لأنه غير ما ثبت في ذمته فله الامتناع عن أداء غير ما ثبت في ذمته و الاقتصار على أداء خصوص ما في الذمة.

(40) لأنها الكلي الذي يكون ثابتا في الذمة، و ينطبق عليها ما أداه انطباق الكلي على الأفراد و اشتغال الذمة بالقيمة في القيميات، و يدل عليه- مضافا إلى دعوى الإجماع- السيرة بين الناس أيضا فينزل إطلاق أدلة وجوب أداء الدين على ما هو المعهود المتسالم عليه عند العرف و لا فرق في ذلك كله بينما إذا قلنا باشتغال ذمة المقترض بالمثل أو القيمة بمجرد القرض أو أن العين باقية إلى

ص: 48


1- الوسائل باب: 21 من أبواب الدين و القرض.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب الدين و القرض.

و إنما تكون بالنقود الرائجة (41)، فأداؤه الذي لا يتوقف على التراضي بإعطائها (42)، و يمكن أن يؤدي بجنس آخر من غير النقود بالقيمة لكنه يتوقف على التراضي (43).

مسألة 14: لو شك في أن المال المقترض مثلي أو قيمي، فالأحوط دفع المثل لو أمكن

(مسألة 14): لو شك في أن المال المقترض مثلي أو قيمي، فالأحوط دفع المثل لو أمكن، و مع التعذر فالقيمة (44).

مسألة 15: لو كانت العين المقترضة موجودة

(مسألة 15): لو كانت العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين بإعطائها أو أراد المقترض ذلك ففي جواز امتناع الآخر تأمل

______________________________

حين تفريغها و حينئذ تتبدل بأحدهما.

(41) لأن ظاهر القيمة في المتعارف إنما هو النقود الرائجة إلا أن تكون قرينة على الخلاف و الفرض عدمها.

(42) لفرض شيوعها ثمَّ أن الأداء على قسمين:

الأول: ما لا يتوقف على التراضي بل لا بد للدائن من أخذه، و هو المثل في المثليات الشائعة فيها إعطاء المثل و النقود الرائجة في القيميات الشائعة إعطاؤها.

الثاني: ما يتوقف على التراضي و هو ما إذا كان في المثل بغير المثلي و في القيمي بغير النقود الرائجة و هذا هو مراد العبارة.

(43) و هذا هو القسم الثاني الذي تعرضنا له.

(44) أما الأول فلما نسب إلى المشهور من أنه الأصل في الوفاء و التعويض، و يقتضيه إطلاق ما تقدم من الأدلة المشتملة على المثل.

و لكن يحتمل أن يكون المراد بالمثل فيها و فيما نسب إلى المشهور المثلية في المالية فيشمل القيمية كما تقتضيه المرتكزات.

و أما الثاني فلانحصار الأداء و الوفاء فيها حينئذ، و تقدم في البيع الفاسد ما ينفع المقام.

ص: 49

و إشكال (45) فلا يترك الاحتياط بالاسترضاء (46).

مسألة 16: لو شرط التأجيل في القرض صح

(مسألة 16): لو شرط التأجيل في القرض صح و لزم العمل به، و كان كسائر الديون المؤجلة ليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل (47).

مسألة 17: لو شرط على المقترض أداء القرض

(مسألة 17): لو شرط على المقترض أداء القرض و تسليمه في بلد

______________________________

(45) من أن العين المقترضة صارت ملكا للمقترض فله حق الامتناع عن أدائها، و المفروض أن المتعارف في القرض الضمان في المثلي بالمثل، و في القيمي بالقيمة فللمقرض حق الامتناع عن القبول.

و من أنه إذا لم يكن لهما حق الامتناع عن القبول في المثل و القيمة ففي دفع العين لا يكون لهما هذا الحق بالأولى، و لعل العرف يساعد على هذا.

(46) ظهور وجهه مما مر.

(47) لوجود المقتضي- بناء على لزوم عقد القرض- و فقد المانع فتشمله إطلاقات أدلة الشروط و عموماتها بلا مدافع، بل و كذا بناء على جوازه أيضا ما دام العقد باقيا، لما تقدم في أحكام الشروط فراجع إلا أن يكون إجماع معتبر على خلافه و عهدة إثباته على مدعيه.

و نوقش في لزوم هذا الشرط في المقام أولا: بأنه خلاف المشهور حيث نسب إلى المشهور عدم اللزوم حتى مع الشرط.

و ثانيا: أن التأجيل حكمي لا أن يكون حقيا فلا يتغير بالشرط كما هو كذلك في كل حكم.

و فيه: أما الشهرة فهي مبنية على ذهابهم إلى أن القرض من العقود الجائزة، و كل عقد جائز لا يقبل الشرط و هو ممنوع صغرى و كبرى. و أما أن التأجيل حكم لا يقبل التغيير بالشرط، فلا دليل عليه من عقل أو نقل.

نعم، نفس التأجيل و الإنظار مستحب، و هو لا يدل على أن يكون التأجيل بذاته حكما شرعيا كما لا يخفى.

ص: 50

معين صح و لزم (48).

و إن كان في حمله مئونة (49)، فإن طالبه في غير ذلك البلد لم يلزم عليه الأداء (50)، كما أنه لو أداه في غيره لم يلزم على المقرض القبول (51)، و إن أطلق القرض و لم يعين بلد التسليم، فالذي يجب على المقترض أداؤه فيه- لو طالبه المقرض و يجب على المقرض القبول لو أداه المقترض فيه- هو بلد القرض (52)، و أما غيره فيحتاج إلى التراضي (53) و إن كان الأحوط

______________________________

(48) أما الصحة فللنص و الإجماع، ففي موثق ابن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إياه بأرض أخرى، و يشترط عليه ذلك، قال: لا بأس» (1)، و في موثق أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يبعث بمال إلى أرض، فقال للذي يريد أن يبعث به أقرضنيه و أنا أوفيك إذا قدمت الأرض، قال عليه السّلام: لا بأس» (2)، و عن علي عليه السّلام: «لا بأس أن يأخذ الرجل الدراهم بمكة و يكتب لهم سفاتج أن يعطوها بالكوفة» (3).

و أما اللزوم فلعموم قوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» (4).

(49) لأن المقترض بقبوله للشرط قبل المئونة أيضا مع التفاته الى ذلك، و يجوز لهما جعل المؤنة على المقرض.

(50) للأصل بعد كونه خلاف ما شرط.

(51) لما تقدم في سابقة من غير فرق بينهما.

(52) لأنه المتعارف بين الناس و المنسبق إلى الأذهان في المحاورات و الاحتجاجات و المخاصمات.

(53) لأصالة عدم ثبوت حق لكل منهما على الآخر في ذلك، فلا بد من

ص: 51


1- الوسائل باب: 14 بيع الصرف حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 14 بيع الصرف حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 14 بيع الصرف.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور.

للمقترض مع عدم الضرر و عدم الاحتياج إلى مئونة الحمل الأداء لو طالبه الغريم فيه (54).

مسألة 18: يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن

(مسألة 18): يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل (55)، و كل شرط سائغ لا يكون فيه النفع للمقرض و لو كان مصلحة له (56).

مسألة 19: لو اقترض دراهم ثمَّ أسقطها السلطان

(مسألة 19): لو اقترض دراهم ثمَّ أسقطها السلطان و جاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلا الدراهم الأولى (57).

______________________________

التصالح و التراضي حينئذ.

(54) نسب وجوب الأداء على المقترض فيما طالبه الغريم إلى القواعد، و لعله لأن المقرض صاحب الحق فله السلطنة على التعيين.

و فيه: أنه لا ملازمة بين كونه صاحب الحق و كون سلطنة تعيين محل الطلب اليه لا شرعا و لا عقلا و لا عرفا، و لا بد و ان يقيد ذلك بما إذا لم يكن شرط في البين و إلا يمكن أن يدخل في الربا المحرم إن عممناه لكل ما فيه غرض عقلائي إلا ما خرج بالدليل و لا ريب في حسن الاحتياط.

(55) للسيرة المستمرة في كل ذلك قديما و حديثا، و يمكن استفادة الجواز من إطلاق النصوص الواردة في الرهن أيضا كما سيأتي.

(56) بناء على عدم تعميم الربا لكل ما فيه غرض عقلائي، و إلا فيشكل في غير ما جرت السيرة على الجواز فيه كالرهن و نحوه.

(57) إسقاط الدراهم و الدنانير على أقسام:

الأول: إسقاط الرواج الفعلي مع بقاء أصل المالية من كل جهة بلا فرق من هذه الجهة بين السابقة و اللاحقة.

الثاني: إسقاط أصل المالية رأسا فليست للسابقة مالية رأسا.

الثالث: تغير السعر في الجملة بين السابقة و اللاحقة مع بقاء الرواج

ص: 52

نعم، في مثل الصكوك المتعارفة (58) في هذه الأزمنة المسماة ب

______________________________

و سائر الجهات، و مقتضى قاعدة ضمان المثلي بالمثل هو اشتغال الذمة بالمثل في القسم الأول و الأخير، كما أن مقتضى بناء القرض و سائر الضمانات على تحفظ المالية مهما أمكن ذلك هو اشتغال الذمة بالقيمة في الوسط هذا ما هو بناء متعارف الناس في هذا الموضوع، فإن ورد تعبد شرعي معتبر على الخلاف نتعبد به و الا فنحمل النص عليه، فيصير مفاد النص و ما هو المتعارف واحدا، و الأخبار الواردة في المقام على قسمين:

أحدهما: ما عن محمد بن عيسى عن يونس قال: «كتبت إلى الرضا عليه السّلام إن لي على رجل ثلاثة آلاف درهم، و كانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيام، و ليست تنفق اليوم، فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس؟ فكتب عليه السّلام إليّ: لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس» (1)، و لا بد من حمله على ما مر من القسم الثاني جمعا بينه و بين ما يأتي.

ثانيهما: ما عنه أيضا قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنه كان لي على رجل عشرة دراهم، و إن السلطان أسقط تلك الدراهم و جائت دراهم أعلى من تلك الدراهم الأولى، و لها اليوم وضيعة، فأي شي ء لي عليه، الأولى التي أسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان؟ فكتب عليه السّلام: لك الدراهم الأولى» (2)، و قريب منه خبر عباس بن صفوان قال: «سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم عن رجل، و سقطت تلك الدراهم أو تغيرت، و لا يباع بها شي ء الصاحب الدراهم الدراهم الأولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟

فقال عليه السّلام: لصاحب الدراهم الدراهم الأولى» (3)، و لا بد من حملهما على سقوط الرواج الفعلي لا سقوط أصل المالية المحفوظة جمعا بينهما و بين ما مر.

(58) هذا داخل في القسم الثاني مما تقدم من الأقسام الثلاثة و يمكن

ص: 53


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الصرف حديث: 1 و 2 و 4.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الصرف حديث: 1 و 2 و 4.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب الصرف حديث: 1 و 2 و 4.

(النوط) و (الاسكناس) و غيرهما إذا سقطت عن الاعتبار الظاهر اشتغال الذمة بالدراهم و الدنانير التي تتناول هذه الصكوك بدلا عنها، لأن الاقتراض في الحقيقة يقع على الدراهم أو الدنانير التي هي من النقدين و من الفضة و الذهب المسكوكين، و ان كان في مقام التسليم و الإيصال يكتفي بتسليم تلك الصكوك و إيصالها.

نعم، لو فرض وقوع القرض على الصك الخاص بنفسه- بأن قال مثلا أقرضتك هذا الكاغذ الكذائي المسمى بالنوط الكذائي (59)- كان حالها حال الدراهم في أنه إذا أسقط اعتبارها لم يكن على المقترض إلا أداء الصك، و هكذا الحال في المعاملات و المهور الواقعة على الصكوك.

مسألة 20: لو أدى المديون دينه من المال غير المخمس

(مسألة 20): لو أدى المديون دينه من المال غير المخمس أو غير المزكى لا تبرأ ذمته إن كان تمام الدين منه، و بمقداره إن كان بعضه منه (60)،

______________________________

استفادة حكمه في الجملة مما مر في القسم الأول من الأخبار، و تقدم في كتاب الصرف (مسألة 13) حكم زيادة السعر و نقيصته فراجع.

(59) بأن يكون لنفس الورق من حيث هو موضوعية خاصة كما في الطوابع الرائجة في البريد في جميع الدول.

(60) الأقسام المتصورة في المسألة ثلاثة:

الأول: أن يكون ما أداه بتمامه من الحق.

الثاني: أن يكون ما أداه من بعض الحق و بعضه الآخر من مال نفسه.

الثالث: أن يكون مقدار الحق باقيا في بقية ماله و أدى الدين من بعضه.

أما الأول فلا ريب في عدم سقوط الدين و بقائه لفرض أن المؤدى مال الغير بناء على الشركة الحقيقية، و متعلق حقه بناء على أنه من مجرد تعلق الحق، و منه يظهر حكم القسم الثاني بالنسبة إلى البعض، و أما الثالث فإن قلنا بأن الحق من الكلي في المعين صح الأداء و إن قلنا بأنه من المشاع في الجميع لا يصح.

ص: 54

و لا فرق فيه بين علم الدائن بالحال و جهله (61)، و يجوز للحاكم الشرعي إمضاء ذلك إن رأى فيه المصلحة فتبرأ ذمة المديون حينئذ (62).

مسألة 21: لو شك في أصل الدين

(مسألة 21): لو شك في أصل الدين، أو علم به و شك في الوفاء لا يجب عليه شي ء في الأول و يجب عليه الوفاء في الثاني (63).

مسألة 22: لو ادعى الدافع إن ما أعطاه دين

(مسألة 22): لو ادعى الدافع إن ما أعطاه دين و ادعى الآخذ أنه هبة يقدم قول الدافع مع عدم البينة على الخلاف (64).

مسألة 23: لو ادعى المديون الوفاء

(مسألة 23): لو ادعى المديون الوفاء و أنكره الدائن يقدم قول الدائن ما لم يكن حجة على الخلاف (65).

______________________________

(61) لأن ذلك تكليف متعلق بالمديون و لا ربط له بالدائن.

نعم، لو علم الدائن بالحال يحرم عليه الأخذ.

(62) لمكان ولايته على ذلك، و تقدم في كتاب الزكاة ما يتعلق بالمقام فراجع فلا وجه للإعادة.

(63) للأصل في الموردين كما هو واضح.

(64) لأن الدافع أعرف بنيته ما لم تكن حجة على الخلاف كما في نظائر المقام.

(65) لأصالة عدم الدفع إلا مع البينة على الخلاف.

ص: 55

فصل في الربا القرضي

اشارة

فصل في الربا القرضي و هو الاقتراض مع شرط الزيادة على التفصيل الآتي.

مسألة 1: لا يجوز شرط الزيادة

(مسألة 1): لا يجوز شرط الزيادة (1) بأن يقرض مالا على أن يؤدي المقترض أزيد مما اقترضه، سواء اشترطاه صريحا أو أضمراه بحيث وقع

______________________________

حرمة الربا القرضي من الضروريات بين المسلمين و قد شدد الشارع فيها بما لم يشدد في غيرها، و يدل عليها القرآن الكريم بقوله تعالى أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا (1)، و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ (2) و ذكرنا في التفسير ما يتعلق بمضار الربا (3)، كما تدل عليها السنة المستفيضة بين الفريقين، فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «الربا سبعون حوبا أيسرها أن ينكح الرجل أمه» (4)، و قد لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «آكل الربا و موكله و شاهديه و كاتبه» (5)، و غيرهما من الروايات، و عن الصادق عليه السّلام: «درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم» (6)، و عنه عليه السّلام أيضا: «آكل الربا لا يقوم حتى يتخبطه الشيطان من المس» (7).

(1) هذه هي المسألة العامة البلوى بين الناس و لا بد من بيان أمور:

ص: 56


1- سورة البقرة: 275.
2- سورة البقرة: 278- 279.
3- راجع المجلد الرابع من مواهب الرحمن صفحة: 418 ط- بيروت.
4- سنن ابن ماجه كتاب التجارات باب: 58 حديث: 2274.
5- سنن ابن ماجه كتاب التجارات باب: 58 حديث: 2274.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الربا حديث: 1.
7- الوسائل باب: 1 من أبواب الربا حديث: 23.

.....

______________________________

الأول: في الأخبار الواردة في المقام المعلقة لحرمة الربا القرضي على الشرط و عدم الحرمة مع عدمه و هي جملة من الأخبار: منها موثق ابن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه؟ قال عليه السّلام: لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا» (1)، و منها خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلا مثلها، فإن جوزي أجود منها فليقبل، و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقه» (2)، و في موثق ابن عمار (3)، قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام:

الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منفعة فينيله الرجل الشي ء بعد الشي ء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة أ يحل ذلك؟ قال: لا بأس إذا لم يكن بشرط».

و منها خبر ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر؟ قال عليه السّلام: هذا الربا المحض» (4)، و في خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: «إذا أقرضت الدراهم ثمَّ جائك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط» (5).

و منها خبر خالد بن الحجاج قال: «سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عددا قضانيها مائة وزنا؟ قال عليه السّلام: لا بأس ما لم يشترط و قال: جاء الربا من قبل الشرط انما يفسده الشرط» (6)، هذه جملة من الأخبار الواردة في أبواب الرباء القرضي المعلقة للحرمة على الشرط و للحلية على عدمه، و في النبوي:

ص: 57


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 3.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 11 و 13.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 11 و 13.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 18.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب الدين و القرض حديث: 1.
6- الوسائل باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 1.

.....

______________________________

«كل قرض جر منفعة فهو ربا» (1)، المحمول على صورة الشرط بقرينة غيره مما تقدم.

و بإزائها قول أبي جعفر عليه السّلام: «خير القرض ما جر منفعة» (2)، و مثله غيره مما استفاض، و لا بد من حمله على صورة عدم الشرط جمعا و إجماعا بقرينة قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرباء رباءان: ربا يؤكل و ربا لا يؤكل، فأما الذي يؤكل فهديتك إلى الرجل تطلب منه الثواب أفضل منها فذلك الربا الذي يؤكل و هو قول اللّه عز و جلّ وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ و أما الذي لا يؤكل فهو الذي نهى اللّه عز و جل عنه و أوعد عليه النار» (3)، فلا تنافي في البين.

الثاني: القرض تارة: يكون بداعي الزيادة و طمعا فيها من دون شرط و تبان عليها أصلا، و لا ريب في عدم كونه من الربا المحرم نصا- كما تقدم- و إجماعا.

و أخرى: بلا داع و لا طمع فيها أصلا، و لكن يعلم المقرض أن المقترض يعطيه زيادة، و هذا كسابقه و هما من خير القرض الذي يجر نفعا.

و ثالثة: لا شرط و لا تباني في البين و لا داعي للزيادة و لا علم بها أيضا و يقع القرض مجردا عن ذلك، و لكن المقرض يرغّب المقترض في إعطاء الزيادة بعد تحقق القرض و هو يعطي الزيادة و ليس ذلك من الربا أيضا، لأن الربا المحرم ما إذا اشترطت الزيادة حين العقد أو وقع العقد مبنيا عليها بل هو من القرض الذي يجر نفعا.

و رابعة: ليس كل ذلك قبل العقد بالتباني و لا حينه بالشرط، و لكن المقرض يأخذ الزيادة من مال المقترض فضولة ثمَّ يجيزه المقترض، أو يستفيد

ص: 58


1- كنز العمال ج: 6 صفحة: 123: حديث: 937 ط: حيدر آباد.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 6 و 8 و 5.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الربا حديث: 1.

.....

______________________________

المقرض من المقترض فائدة عينا كانت أو منفعة برضى منه، و هذا أيضا ليس من الربا المحرم لعدم الشرط حين العقد و لا التباني عليها و بعض أفراده منصوص بالجواز كما سيأتي.

و خامسة: يكون أخذ، الزيادة بالشرط عليه حين العقد أو التباني عليه قبل العقد و إنشاء العقد مبنيا عليه، و هو عبارة أخرى عن الشرط أيضا، و هذا هو الربا القرضي المحرم في الشريعة المقدسة بالأدلة الثلاثة الكتاب، و السنة، و الإجماع كما سبق.

الثالث: الزيادة المشروطة في القرض إما عينية أو حكمية كالأعمال و المنافع و الصفات و نحوها أو من مجرد الانتفاع، أو ليست من ذلك كله بل يكون في الشرط غرض عقلائي صحيح و ليس بلغو عند العرف و جميع ذلك.

تارة: بالنسبة إلى المقترض.

و أخرى: بالنسبة إلى المقرض.

و ثالثة: بالنسبة إلى أجنبي لا ربط له بأحدهما أصلا، و لا بأس باشتراط الزيادة بالنسبة إلى المقترض إجماعا و نصا تأتي الإشارة إليه في الفروع الآتية و أما بالنسبة إلى المقرض فشرط الزيادة العينية ربا نصا و إجماعا كما تقدم و أما شرط الزيادة الحكمية، أو شرط ما فيه غرض عقلائي بالنسبة إليه فمورد البحث في أنه من الربا المحرم أو لا، و كذا شرط مطلق الزيادة بالنسبة إلى الأجنبي مع عدم ربط له إلى المقرض أصلا؟

و استدل على هذا التعميم و تحقق الربا في الجميع بأمور:

الأول: إجماع الإمامية بل المسلمين في الجملة.

الثاني: بما تقدم من الأخبار منطوقا و مفهوما.

الثالث: إطلاق أدلة حرمة الربا من الكتاب و السنة.

و نوقش في الجميع أما الإجماع فإن المتيقن منه اشتراط الزيادة العينية أو المنفعة لخصوص المقرض فلا يشمل مطلق ما فيه غرض عقلائي.

ص: 59

.....

______________________________

و أما الثاني و الثالث: فبأن إطلاقات أدلة الاشتراط منطوقا و مفهوما و سائر إطلاقات أدلة حرمة الربا منصرفة إلى ذلك أيضا.

الرابع: ظهور اتفاقهم على صحة اشتراط الرهن، و إطلاق ما ورد من صحة اشتراط التسليم في بلد آخر الشامل لما فيه النفع للمقرض أيضا، ففي خبر ابن شعيب عن الصادق عليه السّلام: قال: «يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إياه بأرض أخرى و يشترط عليه ذلك قال عليه السّلام: «لا بأس» (1).

و في خبر أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يبعث بمال إلى أرض فقال للذي يريد أن يبعث به: أقرضنيه و انا أوفيك إذا قدمت الأرض قال عليه السّلام: لا بأس» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

و قد تدفع المناقشة أما في الإجماع فبظهور بعض الكلمات في التعميم و معه لا وجه للأخذ بالمتيقن.

و فيه: أنه ليس من الإجماع الحقيقي حينئذ لكون المسألة خلافية في عصر دعوى الإجماع أيضا فكيف يستظهر الإجماع من الجميع؟!.

و أما في الأدلة فبأن الانصراف لو فرض فهو بدوي و غالبي، و مثل هذا الانصراف لا اعتبار به كما ثبت في محله.

و فيه: أنا لا ندعي الانصراف حتى يقال أنه بدوي بل نقول بظهور الأدلة في العينية و ما يلحق بها، و بالأخص بحسب ملاحظة الأزمان القديمة.

و أما اشتراط الرهن و التسليم في بلد آخر خرج بالإجماع و النص و لا بأس به و لا وجه للتعدي منهما إلى غيرهما.

و فيه: إن النص ورد لأجل التسهيل و التيسير على الناس، و هذا المناط موجود في سائر الأغراض الصحيحة.

الخامس: عموم النبوي المعمول به: «كل قرض يجر منفعة فهو فاسد» (3)، أو «ربا» (4) الشامل للجميع.

ص: 60


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الصرف حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الصرف حديث: 1 و 2.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين حديث: 4.
4- كنز العمال ج: 6 حديث: 937 ص: 123 ط- حيدر آباد- الهند.

القرض مبنيا عليه (2)، و هذا هو الربا القرضي الذي ورد التشديد عليه في الشريعة المقدسة (3).

مسألة 2: لا فرق في الزيادة بين أن تكون عينية

(مسألة 2): لا فرق في الزيادة بين أن تكون عينية كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدي اثنى عشر، أو عملا كخياطة ثوب له، أو منفعة، أو انتفاعا، كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤديها صحيحة.

______________________________

و فيه: أن المنساق عرفا لدى الناس منه العين أو ما بحكمه، و أما مجرد الأغراض الصحيحة فلا وجه له و الشك في الشمول يكفي في عدم صحة التمسك بالعموم.

السادس: إن مقتضى الأصل العملي بقاء العين المقترضة على ملك المقرض و عدم صحة التصرف فيها بعد فساد أصل القرض، لأن ظواهر الأدلة في باب القرض أن نفس القرض المشتمل على الربا فاسد بنفسه لا أن يكون ذلك مبنيا على أن الشرط الفاسد مفسد أولا حتى يقال ان التحقيق أنه ليس بمفسد كما تقدم في بحث الشروط، و حينئذ ينقل المال إلى المقترض و ان فسد الشرط لكن المقام ليس كذلك لفساد أصل النقل و الانتقال، فالمال باق على ملك المقرض.

و فيه: أنه لا وجه للتمسك بالأصل مع صدق العقد و شمول العموم له و كون العقد باطلا مسلم إنما الكلام في أنه باعتبار الزيادة العينية أو باعتبار مطلق ما يترتب عليه أثر عرفي و الأول مسلم و الثاني مشكوك.

(2) لأن هذا أيضا بمنزلة الاشتراط اللفظي لفرض بنائهما على الالتزام به و جعل أصل العقد عنوانا مظهرا لما بنيا عليه.

(3) و تقدم بعض الروايات في أول هذا الفصل و في كتاب البيع في الربا المعاملي.

ص: 61

و كذا لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربوبا بأن كان من المكيل و الموزون و غيره بأن كان معدودا كالجوز و البيض (4).

مسألة 3: إذا أقرضه شيئا و شرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقل من قيمته

(مسألة 3): إذا أقرضه شيئا و شرط عليه أن يبيع منه شيئا بأقل من قيمته أو يؤجره بأقل من أجرته كان داخلا في شرط الزيادة (5).

نعم، لو باع المقترض من المقرض مالا بأقل من قيمته و شرط عليه أن

______________________________

(4) كل ذلك لإطلاق الأدلة له، و إطلاق معقد الإجماع الشامل لجميع ذلك كله.

و أما ما ورد في جواز إقراض الدراهم المكسورة و يأخذ دراهم صحيحة كاملة، كصحيح يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة فيأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه؟ فقال عليه السّلام: لا بأس به» (1)، لا بد و أن يحمل على صورة عدم الاشتراط كما هو الظاهر منه و من صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «إذا أقرضت الدراهم ثمَّ جاءك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط» (2)، مع أن صحيح ابن شعيب على فرض ثبوته معارض لإطلاق صدر صحيح ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلا مثلها فإن جوزي أجود منها فليقبل و لا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقه» (3).

(5) لشمول قول نبينا الأعظم: «كل قرض يجر منفعة فهو ربا» (4)، له أيضا، و كذا إطلاقات الروايات، مضافا إلى الإجماع فيصير مقتضى الإطلاقات أن شرط كل زيادة يوجب الربا إلا ما خرج بالدليل.

ص: 62


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 5.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب الدين و القرض.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 11.
4- تقدم في صفحة: 60.

يقرضه مبلغا معينا لا بأس به (6)، و إن أفاد فائدة الأول (7) و به يحتال في الفرار عن الربا كسائر الحيل الشرعية (8) و لنعم الفرار من الحرام إلى الحلال (9).

مسألة 4: لا إشكال في تحقق الربا القرضي

(مسألة 4): لا إشكال في تحقق الربا القرضي فيما إذا قصد المقرض و المقترض عنوان الربا من حيث أنه عنوان خاص، و لكن لو اختلف قصدهما بأن قال المقرض: «أقرضك عشرة دنانير على أن تعطيني دينارا نفعا و ربا» و قال المقترض: «لا أعطيك ربا و لكن أعطيك هدية أو زكاة أو خمسا أو نحو ذلك من العناوين المنطبقة على المقرض»، فهل يكون هذا داخلا في الربا المحرم أيضا أولا؟ وجهان (10).

______________________________

(6) لعدم كونه من شرط الزيادة في القرض، بل هو بيع مستقل و قرض كذلك.

(7) في استفادة المقرض نفعا لكنه يختلف مع الأول موضوعا كما مر.

(8) قد ذكرنا بعضها في الربا المعاملي فراجع.

(9) كما هو مورد النص (1).

(10) من حيث يصدق أنه: «جر النفع» في الجملة فيحرم.

و من حيث أن المقترض نفى ما أنشأه المقرض فكأنه لم يقبل إيجابه فلم يتحقق عقد حتى يتحقق الربا و المفروض تقومه بالعقد فقد أعطى الزيادة مع تصريحه بنفي الشرط فلا وجه للحرمة حينئذ.

إن قيل: فعلى هذا لا وجه لتصرف المقترض في ما أخذه من المقرض لعدم تحقق العقد القرضي بينهما.

يقال: التصرف منوط بالعلم بالرضا و هو متحقق كما هو المفروض.

ص: 63


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الصرف حديث: 1.

مسألة 5: إنما تحرم الزيادة مع الشرط

(مسألة 5): إنما تحرم الزيادة مع الشرط، و أما بدونه فلا بأس به (11)، بل يستحب ذلك للمقترض (12) حيث أنه من حسن القضاء و «خير الناس أحسنهم قضاء» (13) بل يجوز ذلك إعطاء و أخذا لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء فيقرضه كل ما احتاج إلى الاقتراض، أو كان الاقتراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء و يكافئ من أحسن اليه بأحسن الجزاء بحيث لو لا ذلك لم يقرضه (14).

______________________________

هذا و العرف يساعد الأخير و الاحتياط يوافق الأول.

(11) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها كقول أبي جعفر عليه السّلام: «خير القرض ما جر منفعة» (1).

(12) للإجماع، و السيرة النبوية (2)، و النصوص منها قوله عليه السّلام: «خير القرض ما جر منفعة» (3).

(13) كما هو مورد النص (4)، و في الحديث: «بارك اللّه على سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل، الاقتضاء» (5).

(14) للإطلاقات و العمومات، و لأن هذه الأمور ليست متوقفة على قصد القربة حتى ينافيها قصد الخلاف مضافا إلى خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام:

«قلت له الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر، فيقولون له: أقرضنا دنانير فأنا نجد من يبيع لنا غيرك و لكنا نخصك بأحمالنا من أجل أنك تقرضنا.

فقال: لا بأس به إنما يأخذ دنانير مثل دنانيره و ليس بثوب إن لبسه كسر

ص: 64


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين حديث: 6.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 6.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين حديث: 6.
4- صحيح مسلم ج 10 صفحة: 700 ط- دار الكتب العلمية.
5- الوسائل باب: 42 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.

نعم، يكره أخذه للمقرض (15)، خصوصا إذا كان إقراضه لأجل ذلك، بل يستحب انه إذا أعطاه المقترض شيئا بعنوان الهدية و نحوها يحسبه عوض طلبه، بمعنى أنه يسقط منه بمقدار (16).

مسألة 6: إنما يحرم شرط الزيادة للمقرض

(مسألة 6): إنما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض فلا بأس

______________________________

ثمنه، و لا دابة إن ركبها كسرها، و إنما هو معروف يصنعه إليهم» (1)، و خبر ابن دراج عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: أصلحك اللّه إنا نخالط نفرا من أهل السواد فنقرضهم القرض و يصرفون إلينا غلاتهم فنبيعها لهم بأجر و لنا في ذلك منفعة فقال: لا بأس، قال: و لو لا ما يصرفون إلينا من غلاتهم لم نقرضهم، قال عليه السّلام: لا بأس» (2).

(15) لخبر الصفار قال: «كتبت إلى الأخير عليه السّلام: رجل يكون له على رجل مائة درهم فيلزمه فيقول له: انصرف إليك إلى عشرة أيام و أقضي حاجتك، فإن لم انصرف فلك عليّ ألف درهم حالّة من غير شرط، و أشهد بذلك عليه ثمَّ دعاهم إلى الشهادة فوقع عليه السّلام لا ينبغي لهم أن يشهدوا إلا بالحق و لا ينبغي لصاحب الدين أن يأخذ إلا الحق إنشاء اللّه» (3)، و خبر ابن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل يرهن العبد أو الثوب أو الحلي أو المتاع من متاع البيت فيقول صاحب الرهن للمرتهن: أنت في حل من لبس هذا الثوب فالبس الثوب و انتفع بالمتاع و استخدم الخادم؟ قال عليه السّلام: هو له حلال إذا أحله و ما أحب له أن يفعل»(4)، و خبر الحلبي عن الصادق عليه السّلام: انه كره للرجل أن ينزل على غريمه، قال: لا يأكل من طعامه و لا يشرب من شرابه و لا يعتلف من علفه» (5).

(16) لخبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام قال: «إن رجلا أتى عليا عليه السّلام فقال: إن لي على رجل دينا فأهدى إليّ هدية، قال عليه السّلام: أحسبه من

ص: 65


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 10 و 12 و 14 و 15.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 10 و 12 و 14 و 15.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 10 و 12 و 14 و 15.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 10 و 12 و 14 و 15.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب الدين و القرض حديث: 2.

بشرطها للمقترض (17)، كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدي ثمانية، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤديها مكسورة، فما تداول بين التجار من أخذ الزيادة و إعطائها في الحوائل المسماة عندهم ب (صرف البرات) و يطلقون عليه بيع الحوالة و شراؤها إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم و أخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقل منه لا بأس به، كما إذا احتاج أحد إلى إيصال مبلغ إلى بلد فيجي ء عند التاجر و يعطي له مائة درهم على أن يعطيه الحوالة بتسعين درهما على طرفه في ذلك البلد، حيث أن في هذا القرض يكون مائة درهم في ذمة التاجر و هو المقترض و جعل الزيادة له.

إن كان بإعطاء الأقل و أخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلا في الربا، كما إذا احتاج أحد إلى مقدار من الدراهم و يكون له المال في بلد آخر فيجي ء عند التاجر و يأخذ منه تسعين درهما على أن يعطيه الحوالة بمائة درهم على من كان عنده المال في بلد آخر ليدفع إلى طرف التاجر في ذلك البلد، حيث إن التاجر في هذا الفرض قد أقرض تسعين و جعل له زيادة عشرة، فلا بد لأجل التخلص من الربا من إعمال بعض الحيل الشرعية (18).

______________________________

دينك عليه» (1).

(17) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة السلطنة، و اختصاص أدلة حرمة الربا القرضي بما إذا كان شرط الزيادة للمقرض، و إطلاق قوله عليه السّلام: «خير القرض ما جر منفعة» (2)، بعد اختصاص قوله عليه السّلام: «كل قرض جر نفعا فهو ربا» (3) بخصوص شرط الزيادة للمقرض.

(18) من صلح أو هبة أو إيقاع هذا العمل بعنوان البيع و الشراء بأن يبيع مائة

ص: 66


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 1 و 6.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الدين و القرض حديث: 1 و 6.
3- تقدم في صفحة: 60.

مسألة 7: لو ارتكب الربا القرضي عالما عامدا لا يبطل أصل القرض

(مسألة 7): لو ارتكب الربا القرضي عالما عامدا لا يبطل أصل القرض و إنما الفاسد هو الزيادة المشروطة (19)، فيكفي رد الزائد مع جوده لصاحبه إن كان معلوما (20)، و أما لو كان مجهولا فمع وجوده يكون في حكم مجهول المالك (21)، و مع تلف الزائد و صيرورته في الذمة يلحقه حكم المظالم (22).

مسألة 8: إذا علم بوقوع عقد ربوي في ضمن معاملاته و لكن جهل عدده

(مسألة 8): إذا علم بوقوع عقد ربوي في ضمن معاملاته و لكن جهل عدده أو علم بالعقد و جهل بمقدار الزيادة المشترطة في القرض يكفي إخراج القدر المتيقن منها في الصورتين (23)، و الأحوط المصالحة مع المالك إن

______________________________

درهم بتسعين درهم لوجود غرض صحيح في هذه المعاملة، فيخرج الموضوع بذلك عن القرض الربوي لعدم كونه قرضا، و كذا عن المعاملة الربوية لعدم كون العوضين من المكيل أو الموزون كما هو معلوم.

(19) للأصل و الإطلاق، و عدم الدليل على البطلان إلا ما ذكروه من الوجوه المخدوشة و قد فصلنا الكلام في الربا المعاملي (1)، إذ المسألتان من باب واحد فلا مبرر للإعادة.

(20) لوجود المقتضي لوجوب الرد حينئذ و فقد المانع عنه فتشمله عمومات الأدلة مثل قاعدة «اليد» و نحوه.

(21) لانطباق عنوان مجهول المالك على صاحب المال حينئذ قهرا و قد فصلنا القول في ذلك في كتاب الخمس و سيأتي في كتاب اللقطة.

(22) لأن رد المظالم في اصطلاح الفقهاء عبارة عن مال الغير إذا تلف و صار في الذمة، و هذا هو الفرق بين مجهول المالك و رد المظالم إذ الأول عين خارجي و الثاني ذمي، فيرجع فيه إلى الحاكم الشرعي.

(23) لما أثبتناه في الأصول من جريان البراءة عند تردد متعلق التكليف

ص: 67


1- راجع ج: 17 صفحة: 299.

عرفه (24)، و مع الحاكم الشرعي إن كان مجهولا (25).

مسألة 9: إذا علم إجمالا بوجود الربا في ماله المعلوم

(مسألة 9): إذا علم إجمالا بوجود الربا في ماله المعلوم و لكنه اختلط به و لم يعلم الربا تفصيلا فمع معرفة المالك يصالح معه (26)، و مع الجهل بالقدر و المالك يجب تخميسه (27).

مسألة 10: إذا قلد في بعض المسائل الربوية من يقول بصحة الارتكاب موضوعا أو حكما

(مسألة 10): إذا قلد في بعض المسائل الربوية من يقول بصحة الارتكاب موضوعا أو حكما ثمَّ قلد من يقول بعدم الجواز فيها، فبالنسبة إلى ما مضى يصح و لا شي ء عليه و إن بقي عينه (28)، و لا يجوز له الارتكاب ما دام يقلد من يقول بالربا فيها (29).

مسألة 11: لو ارتكب الربا مع الجهل بالحكم

(مسألة 11): لو ارتكب الربا مع الجهل بالحكم أو ببعض الخصوصيات أو بالموضوع ليس عليه شي ء (30)، و لكن الأحوط التصالح

______________________________

بين الأقل و الأكثر فراجع كتابنا (تهذيب الأصول).

(24) خروجا عن خلاف من ذهب إلى وجوب الأكثر عند دوران الأمر بين الأقل و الأكثر.

(25) لأن هذا من صغريات الحسبة التي يكون المرجع فيها الحاكم الشرعي.

(26) لأنه لا شك حينئذ في فراغ الذمة بالمصالحة و المراضاة.

و أما احتمال القرعة أو التعيين بنحو آخر ففيه تفصيل ذكرناه في كتاب الخمس.

(27) لما مر في كتاب الخمس في المورد الخامس من الموارد التي يجب الخمس فيها فراجع.

(28) لفرض انه كان معتمدا في صحة الارتكاب على الحجة الشرعية و هي التقليد الصحيح.

(29) لفرض أن مقلده يقول بالحرمة.

(30) لجملة من الأخبار منها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام «كل ربا أكله

ص: 68

مع المالك إن أمكن و مع العدم ان يجري عليه حكم مجهول المالك (31).

مسألة 12: إذا ورث مالا و علم أن فيه الربا

(مسألة 12): إذا ورث مالا و علم أن فيه الربا و لم يعلم انه الربا المحلل أو المحرم لا شي ء عليه (32)، و كذا لو شك في أصل الربا (33)، و إن علم أنه الربا المحرم و كان جميع الأطراف موردا لابتلائه وجب عليه الاجتناب (34) و إن لم يكن كذلك فلا شي ء عليه (35).

______________________________

الناس بجهالة ثمَّ تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة» (1)، و في صحيح ابن مسلم: «دخل رجل على أبي جعفر عليه السّلام من أهل خراسان قد عمل الربا حتى كثر ماله ثمَّ انه سأل الفقهاء فقالوا: ليس يقبل منك شي ء إلا ان ترده إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر عليه السّلام فقص عليه قصته، فقال له أبو جعفر عليه السّلام، مخرجك من كتاب اللّه فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَى اللّهِ و الموعظة التوبة» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار، و قد مر ما يتعلق بها و المناقشة فيها في الربا المعاملي فراجع (3)، إذ المسألتان من باب واحد فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(31) خروجا عن المناقشات التي ذكرها صاحب الجواهر المتقدمة في الربا المعاملي فراجع هناك.

(32) لأصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

(33) لما تقدم في سابقة مضافا إلى الأصل.

(34) لحجية العلم الإجمالي كالتفصيلي، و يجري فيه الأقسام المتقدمة في كتاب الخمس.

(35) لأصالتي الصحة و البراءة، و في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال:

«أتى رجل أبي عليه السّلام فقال: إني ورثت مالا و قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه

ص: 69


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الربا حديث: 2 و 7.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الربا حديث: 2 و 7.
3- راجع ج: 17 صفحة: 303.

نعم إن كان عينه موجودا رده إلى مالكه إن علم به و إلا يجري عليه حكم مجهول المالك حينئذ (36).

مسألة 13: يمكن التخلص من الربا بأمور

(مسألة 13): يمكن التخلص من الربا بأمور:

الأول: أن يبيع المقرض ماله إلى المقترض بما شاءا من الثمن مثل ان يبيع له مائة دينار بمائة و ثلاثة دنانير إلى مدة معلومة (37).

الثاني: أن يعطي ماله مضاربة إلى المقرض (أو المصرف) و يتصالحا في الربح أو في الزيادة (38).

الثالث: أن يتقارضا مثلا بمثل من غير شرط الزيادة و يهب المقترض

______________________________

قد كان يربى- و قد عرف أن فيه رباء و استيقن ذلك- و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، و قد سألت فقهاء أهل العراق و أهل الحجاز فقالوا لا يحل أكله، فقال أبو جعفر عليه السّلام: إن كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك، و اجتنب ما كان يصنع صاحبه فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد وضع ما مضى من الربا و حرم عليهم ما بقي فمن جهل وسع له جهله حتى يعرفه فاذا عرف تحريمه حرم عليه و وجب عليه فيه العقوبة إذا ركبه كما يجب على من يأكل الربا» (1).

(36) لما عرفت وجه ذلك مكررا فلا وجه للتكرار.

(37) لخروج ذلك موضوعا عن القرض بل هو معاملة مستقلة لا ربط لها بالقرض و الشرط الزيادة فيه.

(38) لأنه ليس من القرض المشروط فيه الزيادة بل هو مضاربة و التصالح في الربح حذرا عن اعتبار الإشاعة فيها و تقدم في أحكام المضاربة ذلك فراجع فلا وجه للإعادة.

ص: 70


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الربا حديث: 3.

(أو البنك) الزيادة هبة مستقلة إلى المقرض (39).

الرابع: أن تكون الزيادة صلحا مستقلا بعد القرض لا أن يكون مشروطا في عقد القرض (40).

مسألة 14: لو أعطى المالك ماله إلى المصارف

(مسألة 14): لو أعطى المالك ماله إلى المصارف أو البنوك أو غيرهما بعنوان الوديعة مع الإذن في تصرفهم فيها يجوز له أخذ الزيادة حينئذ منهم (41).

مسألة 15: لو اضطر إلى القرض الربوي أو معاملة ربوية- لا يحل به الربا

(مسألة 15): لو اضطر إلى القرض الربوي أو معاملة ربوية- لا يحل به الربا (42).

مسألة 16: القروض الربوية الواقعة بين الكفار صحيحة

(مسألة 16): القروض الربوية الواقعة بين الكفار صحيحة بعد

______________________________

(39) و هذا أيضا كسابقه خروج موضوعي عن القرض.

(40) لأن كلا منهما عنوان مستقل لا ربط له بالآخر أصلا و كل ذلك خروج موضوعي كما عرفت.

ثمَّ أنه لو وقع القرض الربوي بين بعض المصارف و شخص فهل يجوز للحاكم الشرعي التخلص عنه بما يراه بالطرق الشرعية؟ مقتضى عموم ولايته ذلك.

(41) أما جواز أصل هذا العمل أي: عنوان الاستيداع فلا اشكال فيه كما تقدم في كتاب الوديعة.

و أما صحة أخذ الزيادة فلأجل أن المفروض أنه ليس قرضا مشروطا فيه الزيادة لكونها عنوان مباين عرفا و شرعا مع القرض.

نعم، لو كان مراده من الاستيداع الاستقراض المعهود تحرم الزيادة حينئذ مع شرط الزيادة فيه و لكن ذلك بعيد جدا من مرادهم.

(42) لإمكان التخلص بإعطاء الزيادة بعنوان مطلق العطية لا الربا المحرم أو إعطائها بإحدى الوجوه المتقدمة.

ص: 71

إسلامهم (43)، و إن لم يسلموا، فإن كانت صحيحة على مذهبهم يمكن تصحيحه بالنسبة إلينا أيضا (44).

مسألة 17: وردت موارد نفي الشارع فيها الربا مطلقا تقدم ذكرها في الربا المعاملي

(مسألة 17): وردت موارد نفي الشارع فيها الربا مطلقا تقدم ذكرها في الربا المعاملي (45).

______________________________

(43) لقوله تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ (1) الشاملة للفرض، و لحديث: «الإسلام يجب ما قبله» (2)، و لقول أبي جعفر عليه السّلام:

«من أدرك الإسلام و تاب عما كان عمله في الجاهلية وضع اللّه عنه ما سلف، فمن ارتكب الربا بجهالة و لم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر اللّه في المستقبل و ليس عليه فيما مضى شي ء» (3)، الشامل لما إذا كانت العين الربوية موجودة أيضا.

(44) لعموم قاعدة الإلزام، و لما مر من تعليل جواز استيفاء الدين من الذمي من ثمن خمر أو خنزير الشامل للمقام أيضا، فعن داود بن سرحان قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل كانت له على رجل دراهم فباع خنازير أو خمرا و هو ينظر فقضاه؟ قال عليه السّلام: لا بأس أما للمقضي فحلال و أما للبائع فحرام» (4).

ثمَّ أنه لو كان المقرض من الفرق الذين يرون حلية الربا في مذهبهم فمقتضى قاعدة (الإلزام) أيضا صحة الأخذ منه.

(45) الموارد المذكورة خروج حكمي عن الربا القرضي و المعاملي و هي أربعة تقدم تفصيلها (5)، فلا وجه للإعادة بالتكرار، إذ الربا المعاملي و القرضي

ص: 72


1- سورة البقرة: 275.
2- تقدم في المجلد السابع صفحة: 288.
3- أورد بعض الخبر في المستدرك: باب: 5 من أبواب الربا حديث: 5.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب الدين.
5- راجع ج: 17 صفحة: 327.

مسألة 18: يجوز أخذ المال- قرضا أو غيره- من البنوك و المصارف مسلما كان أهلها أولا

(مسألة 18): يجوز أخذ المال- قرضا أو غيره- من البنوك و المصارف مسلما كان أهلها أولا (46).

مسألة 19: لا يجوز للمملوك أن يتصرف في ماله بالقرض و الاقتراض إلا بإذن سيده

(مسألة 19): لا يجوز للمملوك أن يتصرف في ماله بالقرض و الاقتراض إلا بإذن سيده (47).

______________________________

من باب واحد إلا ما أخرجه الدليل.

(46) لأصالة الإباحة و الحلية و إن علم باشتمالها على أموال محرمة، لعدم كون جميع الأطراف موردا للابتلاء.

نعم، لو علم إجمالا باشتمال ما أخذ على الحرام يرجع إلى الحاكم الشرعي حينئذ.

(47) لأنه ممنوع من التصرف و لا يصح منه شي ء إلا بإذن سيده كما تقدم في موارد متعددة.

و هناك فروع كثيرة منعنا عن التعرض لها عدم الابتلاء بها في هذه الأعصار.

ص: 73

ص: 74

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الرهن

اشارة

كتاب الرهن و هو دفع العين للاستيثاق على الدين (1) و يقال للعين «الرهن»

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي جعل الأبدان مرهونة بالأعمال و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين.

هذه المادة- ر- ه- ن- أينما استعملت تدل على الثبات و الدوام و الحبس و التوثيق و التشديد و التأكيد قال تعالى كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (1)، و قال تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (2)، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «أنفسكم مرهونة بأعمالكم» (3)، و بهذا المعنى استعملت في كلمات الفقهاء، فالرهن ثابت و دائم و محبوس ما دام الدين باقيا فليس لهم اصطلاح خاص بل تبعوا العرف و اللغة كما في جميع موضوعات الأحكام من العقود و الإيقاعات.

(1) و قد عبر بالاستيثاق في الروايات ففي صحيح ابن سنان: «يرتهن الرجل بماله رهنا قال عليه السّلام: نعم استوثق من مالك» (4)، و غيره.

ص: 75


1- سورة الطور. 21.
2- سورة البقرة: 283.
3- الوافي ج 7: صفحة 53 باب: 58 من أبواب فضل شهر رمضان.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الرهن حديث: 1.

و «المرهون» و لدافعها «الراهن» و لآخذها «المرتهن»، و يحتاج إلى العقد المشتمل على الإيجاب و القبول (2)، و الأول من الراهن، و هو كل لفظ أفاد المعنى المقصود في متفاهم أهل المحاورة كقوله: «رهنتك» أو «أرهنتك» أو «هذا وثيقة عندك على مالك» و نحو ذلك، و الثاني من المرتهن، و هو كل لفظ دال على الرضا بالإيجاب (3)، و لا يعتبر فيه العربية (4) بل الظاهر عدم اعتبار الصيغة فيه أصلا فيقع بالمعاطاة (5).

مسألة 1: يشترط في الراهن و المرتهن البلوغ

(مسألة 1): يشترط في الراهن و المرتهن البلوغ و العقل و القصد

______________________________

ثمَّ أن هذا إذا لو حظ بالمعنى المصدري و أما إذا لو حظ بالمعنى الاسمي فيصير منسلخا عن معنى المصدر يكون اسما للوثيقة الخاصة، كالفرق بين الغسل و الغسل فليس في الرهن حقيقة شرعية بل و لا متشرعة.

(2) أما كونه عقدا فهو من المسلمات بل من ضروريات الفقه، كما ان تقوم كل عقد بالإيجاب و القبول أيضا كذلك.

(3) تقدم غير مرة أن المناط في عناوين العقود ابرازها باللفظ الظاهر في المعنى المقصود عند العرف و أهل المحاورة، فكل ما كان كذلك يجزي و يصح و لو كان مجازا و ما لم يكن كذلك لا يجزي و لا يكتفى به كما هو الحال في جميع المكالمات و الاحتجاجات الدائرة بين الناس في العرفيات الدائرة بينهم ما لم يدل دليل شرعي على الخلاف.

(4) لإطلاق الأدلة بعد عدم دليل على التقييد بها فيقع بكل لغة و لو مع التمكن منها و إن كان الأحوط مراعاتها حينئذ.

(5) لما تقدم في كتاب البيع أن مقتضى العمومات و الإطلاقات في كل عقد إن الفعلي منه كالقولي إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام فتشملها الأدلة بلا كلام.

ص: 76

و الاختيار (6)، و في خصوص الأول عدم الحجر بالسفه و الفلس (7)، و يجوز لولي الطفل و المجنون رهن مالهما مع المصلحة و الغبطة (8).

مسألة 2: يشترط في صحة الرهن القبض

(مسألة 2): يشترط في صحة الرهن القبض من المرتهن (9) بإقباض

______________________________

(6) للإجماع على أن هذه كلها من الشرائط العامة لكل عقد مطلقا.

نعم، البلوغ و العقل و القصد شرط الصحة، و الاختيار شرط للزوم، و تقدم في شرائط المتعاقدين من كتاب البيع ما ينفع المقام.

(7) لأنه تصرف مالي، و هما ممنوعان عنه كما يأتي في كتاب الحجر.

(8) للإجماع، و اقتضاء ولايته ذلك. و المرجع في المصلحة و الغبطة نظر ثقات أهل الخبرة.

(9) لا ريب في وجوب القبض تكليفا في الرهن عند الجميع للإجماع، و لأن الرهن التزام من الراهن بإعطاء الوثيقة للدين و قبول من المرتهن لذلك الالتزام فيجب الوفاء به للعمومات و الإطلاقات.

و إنما الاختلاف في حكمه الوضعي أي: انه شرط للصحة أو شرط للزوم أو لا يتوقف الرهن عليه لا صحة و لا لزوما و إنما هو واجب تكليفي فقط؟

فذهب جمع إلى الأول مدعين عليه الإجماع، و جمع آخر إلى الثاني مع دعوى الإجماع عليه أيضا.

و لا ريب في سقوط إجماعهم أولا بالمعارضة، و ثانيا بأن الظاهر كونه من الإجماعات الاجتهادية لا التعبدية المحضة حتى تكون حجة فالعمدة حينئذ الأدلة الخاصة و هي قوله تعالى فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ (1)، و قول أبي جعفر عليه السّلام:

«لا رهن إلا مقبوضا» (2).

و أشكل على دلالة الآية أولا بأنها إرشاد إلى ما هو واقع في الخارج لا أن

ص: 77


1- سورة البقرة: 283.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الرهن حديث: 1.

.....

______________________________

تكون في مقام التشريع.

و ثانيا: أن ذلك في سياق الشهادة قرينة على أنه من المندوبات لا من الوضعيات.

و على الحديث بأنه في مقام نفي الكمال لا نفي أصل الصحة أو اللزوم فلا يصح الاستدلال بالآية و الحديث لكل من شرط الصحة أو اللزوم.

و فيه: أما الخدشة على دلالة الآية فغير واردة لأن المنساق من الآيات الواردة في بيان الأحكام أن تكون تشريعية لا إرشادية إلا مع قرينة معتبرة عليه، و على فرض أن تكون إرشاديا فهي إرشاد إلى الصحيح عند الناس في رهونهم و وثاقهم، و مقتضى مرتكزاتهم اعتبار القبض و تسلط المرتهن عليها.

و بالجملة: مقتضى مرتكزات الدائنين كون استيلائهم على الوثيقة شرطا للصحة و الآية الكريمة نزلت على طبق هذا المرتكز، و مع الشك فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر بعد عدم صحة التمسك بالأدلة اللفظية، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و من ذلك يظهر عدم ورود الخدشة على دلالة الحديث أيضا، لأن المنساق من سنخ هذه التعبيرات نفي الحقيقة و الذات إلا مع القرينة على الخلاف.

ثمَّ إنه قال الفقيه الهمداني و نعم ما قال: «و من المحتمل قريبا مساوقة اللزوم مع الصحة عندهم في الرهن لعدم الوثوق بالرهن الجائز، فمن عبّر بأنه شرط في لزومه أراد أنه شرط في صيرورته لازما نافذا عند الشارع، و من نفاه قال انه يصح بدون ذلك و صحته لا ينفك عن اللزوم- إلى أن قال- و إطلاق اللازم على المؤثر خصوصا إذا كانت ماهيته مساوقة للزوم ليس بمستبعد في كلمات قدماء الأصحاب»، ثمَّ استظهر رحمه اللّه عن المسالك أن نزاعهم في أن القبض شرط لصحة الوقف أو في لزومه من هذا القبيل أيضا فراجع.

أقول: و على هذا يصير هذا النزاع الذي أطيل فيه الكلام لفظيا فراجع و تأمل.

ص: 78

من الراهن أو بإذن منه (10)، و لو كان في يده شي ء وديعة أو عارية بل و لو غصبا فأوقعا عقد الرهن عليه كفى، و لا يحتاج إلى قبض جديد (11)، و لم

______________________________

(10) لأن القبض بلا إذن ممن له الإذن كالعدم لا يترتب عليه الأثر و يكون فاسدا، مضافا إلى الإجماع على اعتبار الإذن فيه.

و ما يقال: من أنه بمجرد تحقق عقد الرهن يتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة فله أخذها و لو من دون إذن الراهن.

مردود: بأن تعلق الحق بناء على كون القبض شرطا للصحة ليس فعليا من كل جهة بل معلق على اقباض الراهن، و المفروض أنه متوقف على الإذن و كذا لو كان شرطا للزوم، أو لم يكن شرطا فإن المنساق من جعل شي ء وثيقة للدين إذن المديون فيه لا استيلاء الدائن عليه و لو من دون إذنه، فإن مقتضى الأصل عدم صحته و عدم ترتب أثر الرهن عليه و لا يصح التمسك بإطلاقات الرهن، لفرض الشك في الموضوع، و الظاهر استنكار المتشرعة بل مطلق الملاك لما إذا أخذ المرتهن العين المرهونة من الراهن بلا إذنه و إجازته، و يكفي هذا في اعتبار الإذن بعد عدم ثبوت الردع عنه شرعا.

(11) لأن كل ذلك قبض، فتشمله إطلاق أدلة اعتبار القبض لوجود المقتضي و فقد المانع.

و دعوى: انه إذا كان غصبا فهو فاسد فيكون كالعدم و كالقبض بلا إذن في عدم الاعتبار به (لا وجه له)، إذ فيه أولا: أن النهي في غير العبادة لا يوجب الفساد.

و ثانيا: أنه فاسد ما دام اتصافه بالغصبية، و أما إذا اتصف بالرهنية عرفا فلا وجه للفساد حينئذ لاختلاف الحيثيتين و الجهتين الموجب لاختلاف الحكم قهرا، و لا يحتاج إلى مضي زمان بين زوال يد العدوان و حدوث الارتهان لأن الزوال و الحدوث اعتباري رتبي لا أن يكون خارجيا زمانيا فلا وجه لما عن

ص: 79

يزل الضمان في الغصب (12).

و لو رهن المشاع لا يجوز تسليمه إلى المرتهن إلا برضا شريكه (13)، و لكن لو سلمه إليه فالظاهر كفايته في تحقق القبض الذي هو شرط لصحته، و إن تحقق العدوان بالنسبة إلى حصة شريكه (14).

مسألة 3: إنما يعتبر القبض في الابتداء

(مسألة 3): إنما يعتبر القبض في الابتداء، و لا يعتبر استدامته (15)، فلو قبضه المرتهن ثمَّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه لم

______________________________

بعض من اعتباره في المقام.

إن قيل: نعم القبض السابق في الوديعة و العارية كان بعنوانهما و قد زال و نشك حينئذ في إذن آخر عند حدوث الرهن فيحتاج اليه.

يقال: القبض حصل في الحالتين وجدانا، و الحالتان بعد حصول سببهما من الأمور الانطباقية القهرية لا توجب اختلافا في ذات القبض و إنما توجب اتصاف ذات القبض لعرض خارجي عنواني بلا تغير ذاتي فيه كما هو واضح.

(12) للأصل و إطلاق دليل الضمان إلا إذا كان العنوان ظاهرا في إسقاطه.

(13) لحرمة التصرف في المال المشترك إلا برضا الشركاء، و تقدم التفصيل في كتاب الشركة فراجع.

(14) أما تحقق القبض فلفرض تسليم الراهن العين المرهونة إلى المرتهن وجدانا.

و أما تحقق العدوان فلفرض انه تصرف في مال الشريك بغير إذنه بتسليمه إلى المرتهن فيكون آثما لا محالة، فيصير المقام كالتصرف فيما يملكه المتصرف و فيما لا يملكه.

(15) لإجماع الإمامية مضافا إلى الإطلاقات و العمومات بناء على استفادة كفاية صرف وجود القبض منها كما هو الظاهر لا الطبيعة السارية المستمرة إلى حين وفاء الدين فإنه يحتاج إلى القرينة و هي مفقودة.

ص: 80

يضر و لم يطرأه البطلان (16).

نعم، للمرتهن استحقاق إدامة القبض و كونه تحت يده (17) فلا يجوز انتزاعه منه إلا إذا شرط في العقد كونه بيد الراهن أو يد ثالث (18).

مسألة 4: يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه و يصح بيعه

(مسألة 4): يشترط في المرهون أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه و يصح بيعه (19)، فلا يصح رهن الدين قبل قبضه (20)، و لا رهن

______________________________

(16) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(17) لأنه لا معنى لكون المال وثيقة للدين إلا هذا بحسب الانظار المتعارفة و الأدلة الشرعية منزلة عليها.

(18) لشمول عموم أدلة الشروط فيصح و ينفذ و يكون المشروط له كالوكيل للمرتهن حينئذ، فلا تنافي بين استحقاقه الذاتي و اشتراط كون العين عند غيره.

(19) أما اعتبار العينية فعمدة دليلهم السيرة و الإجماع، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بالإطلاقات.

و أما اعتبار المملوكية، فغني عن البيان، لأن ما لا ملكية له عرفا و شرعا كيف يجعل وثيقة للدين، مع أنه لا يمكن للدائن استفادة ماله منه بعد امتناع المديون عن الأداء.

و منه يعلم الوجه في إمكان القبض و صحة البيع إذ لا معنى للرهن عرفا إلا استيلاء المرتهن على العين المرهونة و بيعه عند امتناع الراهن عن أداء الدين، مع أن اعتبار كل ذلك من المجمع عليه لديهم، و تقدم ما يدل على اعتبار القبض في الرهن فراجع.

(20) لأن مقتضى مرتكزات الناس في الرهون الدائرة لديهم أنهم يرون وثيقة دينهم حاضرا لديهم، فكأن دينهم موجودا لديهم و لم يغب عنهم و لا معنى للرهن عندهم إلا هذا، و الشارع قرر طريقتهم لأنه لم يأت بمعنى مخترع

ص: 81

المنفعة (21) و لا الحر و الخمر و الخنزير (22)، و لا مال الغير إلا بإذنه أو إجازته (23)، و لا الأرض الخراجية (24)، و لا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده (25)، و لا الوقف و لو كان خاصا (26).

مسألة 5: لو رهن ما يملكه مع ملك غيره في عقد واحد

(مسألة 5): لو رهن ما يملكه مع ملك غيره في عقد واحد صح في

______________________________

للرهن فيكون قوام الرهن بذلك عرفا و شرعا، و هذا المعنى لا يتحقق في الدين قبل قبضه كما هو معلوم خصوصا مع كثرة مسامحة الناس في أداء ديونهم و عدم مبالاتهم في الوثيقة لها و الاهتمام بها، و قد يدعى الإجماع على أنه لا يصح رهن الدين و لكن في الجواهر: «دون تحصيله خرط القتاد».

(21) للإجماع، و السيرة، و علل بأنه لا يمكن قبضها، و بأنها متدرجة الوجود فما مضت منها فاتت و ما بقت ربما لا تفي بقدر الدين.

و يرد الأول بأن قبض العين قبض لها كما في سائر الموارد، و الثاني بإمكان إيجار العين و جعل الأجرة رهنا، و الرد الأول صحيح و الثاني خلف.

(22) لعدم الملكية شرعا في الجميع بضرورة المذهب بل الدين.

(23) للإطلاق و الاتفاق في كل من المستثنى و المستثنى منه، و ظاهرهم جريان الفضولية في الرهن أيضا، لإطلاق ما دل على صحة الفضولي الشامل للرهن أيضا فراجع ما ذكرناه في بيع الفضولي.

(24) لعدم الملكية الشخصية فيها إجماعا و نصا (1).

(25) لعدم القدرة على التسليم.

(26) لعدم جواز بيعه كما مر في كتاب البيع فلا موضوع لاستيفاء الدين من ثمنه، و على فرض جواز بيعه في بعض الموارد لا بد و أن يشتري بثمنه بدله كما مر فلا أثر له بالنسبة إلى الدين.

ثمَّ أنه قد تذكر في المقام قاعدة أن «كل ما جاز بيعه جاز رهنه»، و هي في

ص: 82


1- راجع ج: 17 صفحة: 66.

ملكه، و وقف في ملك غيره على إجازة مالكه (27).

مسألة 6: لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحة رهن ما فيها مستقلا

(مسألة 6): لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحة رهن ما فيها مستقلا، و كذا مع أرضها بعنوان التبعية، و أما رهن أرضها مستقلا ففيه إشكال (28).

مسألة 7: لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدين

(مسألة 7): لا يعتبر أن يكون الرهن ملكا لمن عليه الدين (29)، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين غيره تبرعا و لو من غير إذنه، بل و لو

______________________________

الجملة لا بأس بها لأنها المتيقن من إجماعهم لو تمَّ و أما كليتها بحيث تكون من القواعد فلم تثبت بدليل معتبر من نص أو إجماع، فلا وجه للنقض و الانتقاض بعد عدم الكلية فيها.

(27) أما الصحة في ملكه فلوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها بعد أن كان الرهن انحلاليا بالنسبة إلى العين المرهونة.

و أما التوقف على الإجازة في غير ما يملكه فلأنه من صغريات الفضولي و دليله يشمل المقام.

(28) أما جواز رهن نفس الغرس و البناء فلفرض كونه مالكا لها فيشملها إطلاق أدلة الرهن و ظاهرهم الإجماع عليه أيضا، و أما رهن الأرض تبعا للأثر فلحصول الملكية الشخصية التبعية أيضا، فيكون المقتضي للصحة موجودا و المانع عنها مفقودا فيشملها الإطلاق و الاتفاق.

و أما الإشكال في الأخير فهو مبني على أن الملكية التبعية الحاصلة للأرض تبعية تقييدية حقيقية للأثر بحيث لو القى قيدية الأثر و لحاظه لا ملكية أصلا، أو أن الأثر منشأ لحصول الملكية التبعية قهرا ما دام باقيا قيدت الأرض به أو لا، لو حظ في العقد أو لا، و لا يبعد مساعدة الأذهان العرفية على الثاني، و يأتي في كتاب الأحياء ما ينفع المقام.

(29) لإطلاق أدلة الرهن و قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» فلمالك

ص: 83

مع نهيه (30)، و كذا يجوز للمديون أن يستعير شيئا ليرهنه على دينه (31)، و لو رهنه و قبضه المرتهن ليس لمالكه الرجوع (32)، و يبيعه المرتهن (33)، كما يبيع ما كان ملكا للمديون، و لو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به (34)، لو بيع بالقيمة أو بالأكثر و بقيمة تامة لو بيع بأقل من قيمته (35)، و لو عين له أن يرهنه على حق مخصوص من حيث القدر أو الحلول

______________________________

العين أن يرهن ماله على دين كل من شاء و أراد مع حصول وثيقة الدين بذلك عرفا فلا مانع في البين و يقتضيه الأصل أيضا.

(30) لا بد و أن يقيد بما إذا لم تحصل منة و مهانة على من عليه الدين من صاحب المال و إلا فالظاهر مراعاة إذنه.

(31) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(32) لأن الإذن في الإرهان مع الالتفات إلى أن الرهن وثيقة للدين و في معرض البيع لأداء الدين التزام منه بإبقاء ماله عرضة لهذا الغرض إن لم يؤد المديون دينه، فكأنه التزم على نفسه بإبقاء المال لدين من عليه الحق إلى ان يتبين الحال.

(33) إذ لا معنى لجعل المالك ماله رهنا لدين الغير إلا هذا فالمالك أذن بالالتزام للمرتهن في جعل ماله وثيقة لدين الغير أن يبيعه وفاء للدين عند عدم وصول دينه اليه.

(34) لقاعدة «السلطنة» بالنسبة إلى المعير بعد فرض عدم تمليك العين بالنسبة إلى المستعير، فهي باقية على ملك المعير كما في كل عارية و مقتضى كون البيع عن إذن من مالك العين هو صحة مطالبة المعير بعوض ماله، سواء كان هو القيمة الواقعية أم أكثر منها لفرض كون كل منهما عوض ماله الذي أذن في بيعه.

(35) لعدم شمول الإذن المالكي لهذه الصورة، فمقتضى قاعدة «السلطنة»

ص: 84

أو الأجل أو عند شخص معين لم يجز له مخالفته (36)، و لو أذنه في الرهن مطلقا جاز له الجميع (37) و تخير.

مسألة 8: لو كان الرهن على الدين المؤجل

(مسألة 8): لو كان الرهن على الدين المؤجل و كان مما يسرع اليه الفساد قبل الأجل فإن شرط بيعه قبل أن يطرأ عليه الفساد صح الرهن، و يبيعه الراهن أو يوكل المرتهن في بيعه (38).

و إن امتنع أجبره الحاكم (39)، فإن تعذر باعه الحاكم (40)، و مع فقده باعه المرتهن (41)،

______________________________

صحة مطالبته بالقيمة التامة، كما ان مقتضى قاعدة «اليد» بعد عدم شمول الإذن لها هو ذلك أيضا.

نعم، لو فرض وجود قرينة معتبرة في البين على الإذن في البيع مطلقا حتى بالأقل ليس له مطالبة القيمة التامة، لفرض إذنه في البيع بالأقل.

(36) لأصالة عدم حق له في غير ما عين له، مضافا إلى الإجماع.

(37) لثبوت إطلاق الإذن الشامل للجميع، فيتخير فيما شاء من موارد الإذن.

(38) أما صحة الرهن فللإطلاق و الاتفاق و وجود المقتضي و فقد المانع.

و أما صحة البيع من الراهن أو توكيل المرتهن فيه فلقاعدة السلطنة بعد عدم مزاحمة حق الغير لمكان الشرط.

(39) لأن هذا من احدى موارد الأمور الحسبية التي له الولاية عليها، و لأن جعله و نصبه لاحقاق الحق و رفع الظلم و الباطل و ما نحن فيه من احدى مصاديقهما.

(40) لانحصار موضوع الحسبة حينئذ بنفس الحاكم بعد فرض سقوط المباشرة من الطرف للتعذر، فتشمله أدلة ولايته.

(41) لأنه حينئذ إحسان و معروف فيمكن استفادة الإذن له من قوله تعالى:

ص: 85

فإذا بيع يجعل ثمنه رهنا (42)، و كذلك الحال لو أطلق و لم يشترط البيع و لا عدمه (43)، و أما لو شرط عدم البيع إلا بعد الأجل بطل الرهن (44)، و لو رهن ما لا يتسارع إليه الفساد فعرض ما صيره عرضة للفساد كالحنطة لو ابتلّت لم ينفسخ الرهن (45)، بل يباع و يجعل ثمنه رهنا (46).

مسألة 9: لا إشكال في أنه يعتبر في المرهون كونه معينا

(مسألة 9): لا إشكال في أنه يعتبر في المرهون كونه معينا، فلا يصح رهن المبهم (47)، كأحد هذين.

______________________________

ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، و قوله عليه السّلام: «كل معروف صدقة» (2)، و قوله عليه السّلام: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (3)، بعد فرض أن البيع حينئذ اعانة للخير بالنسبة للمالك لصون ماله عن الفساد.

(42) لأن الرهنية متقومة بقدر خاص من المالية و تبديل صورة العين المرهونة لعذر شرعي لا يوجب زوال الرهنية عن أصل المالية، فحق الرهانة ثابت بالنسبة إليها و الصورة الخاصة كانت طريقا لإحرازها فالمدار عليها و هي المناط في الوثيقة كما لا يخفى، فلا نحتاج حينئذ في جعله رهنا إلى عقد جديد.

(43) لتحقق موضوع بيع العين المرهونة مع ثبوت المعرضية للفساد فيجري فيه جميع ما تقدم بلا فرق بينهما.

(44) لعدم صحة جعل مثل هذا وثيقة للدين عند العرف لكونه في معرض الزوال بلا بدل فلا يتحقق موضوع الرهن و لا الوثيقة.

(45) للأصل، و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(46) كما تقدم في الفرع السابق من غير فرق، و يكون المتصدي للبيع على نحو ما مر مترتبا.

(47) للإجماع، و قاعدة «نفي الغرر» الشاملة للمقام أيضا، و لكن المتيقن

ص: 86


1- سورة التوبة: 91.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب فعل المعروف حديث: 5.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 2.

نعم، يصح رهن الكلي في المعين (48) كصاع من صبرة و شاة من هذا القطيع، و قبضه إما بقبض الجميع أو بقبض ما عينه الراهن منه (49) فإذا عين بعد العقد صاعا أو شاة و قبضه المرتهن صح و لزم (50)، و لا يصح رهن المجهول من جميع الوجوه (51)، كما إذا رهن ما في الصندوق المقفل، و إذا رهن الصندوق بما فيه صح بالنسبة إلى الظرف دون المظروف (52).

و أما المعلوم الجنس و النوع المجهول المقدار كصبرة من حنطة

______________________________

من الإجماع و المتفاهم من القاعدة ما إذا لم يكن في معرض التعيين عرفا و الا فشمول دليل المنع له مشكل بل ممنوع، و كذا يشكل المنع فيما إذا كان الشيئان من معمل واحد و قياس واحد فإنه لا إبهام و لا غرر في رهن أحدهما بهما، فيختار المرتهن أيهما شاء كما في جملة من المصنوعات الحديثة لأن المرجع في الإبهام و التعيين متعارف أهل الخبرة بالأشياء، فمع عدم حكمهم بالإبهام تشمله الإطلاقات و العمومات.

(48) للتعيين في الجملة و لا دليل على اعتبار أزيد منه مع المعرضية القريبة العرفية للتعيين من كل جهة فتشمله الإطلاقات و العمومات.

(49) لكونه مالكا فيكون حق التعيين و القبض له.

نعم، لو وقع تنازع في البين في جهة من الجهات لا بد من التراضي أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

(50) لوجود المقتضي لهما و فقد المانع عنهما فتشمله أدلة الصحة و اللزوم.

(51) للاتفاق، و لأنه لا يتحقق منه تمام الاستيثاق.

(52) لتحقق الجهالة في المظروف دون الظرف، و لكن لا بد و أن يقيد ذلك بما إذا كان الظرف قابلا للرهانة عرفا لا ما إذا لم تكن له مالية أصلا

ص: 87

مشاهدة فالظاهر صحة رهنه (53).

مسألة 10: يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمة

(مسألة 10): يشترط فيما يرهن عليه أن يكون دينا ثابتا في الذمة (54)، لتحقق موجبه من اقتراض أو إسلاف مال أو شراء أو استئجار

______________________________

بالنسبة إلى الدين.

(53) للعمومات و الإطلاقات بعد مسامحة الناس في هذا المقدار من الجهالة في الرهون الشائعة بينهم، فتنزل الأدلة على هذا الشائع المتعارف و طريق الاحتياط واضح.

(54) صحة الرهن على الدين الثابت في الذمة لا إشكال فيها من أحد و تدل عليها ظواهر الأدلة، و الإجماع و السيرة القطعية بين الأمة.

و أما عدم الصحة على ما لم يستقر في الذمة حين الرهن و يستقر فيها بعده فالمشهور فيه البطلان، و استدل عليه.

تارة: بظواهر الأدلة.

و أخرى: بالإجماع.

و ثالثة: بعدم صدق وثيقة الدين قبل حصوله.

و رابعة: بأنه خلاف المتعارف فلا تشمله الأدلة.

و يمكن المناقشة في الثالثة بأن جعل الرهن بلحاظ حال حصول الدين فيما بعد لا بقيد عدم حصوله فعلا فلا محذور منه، و في الأخير بأن عدم التعارف لا يوجب عدم شمول الإطلاق له كما هو واضح إلا إذا رجع الدليل إلى ظهور فيما هو المتعارف، و حينئذ فهو العمدة مع ظهور الإجماع.

و من ذلك يظهر أنه لا دليل على بطلان الرهن على الدين المقارن حصوله لتحقق الرهن، لأن المتيقن من الإجماع هو سبق الرهن زمانا على الدين الحادث لا حقا كذلك، و أما التقارن الزماني فداخل تحت العمومات و الإطلاقات و إن كان الأحوط تركه.

ص: 88

عين بالذمة و غير ذلك (55)، حالا كان الدين أو مؤجلا (56)، فلا يصح الرهن على ما يقترض أو على ثمن ما يشتريه فيما بعد، فلو رهن شيئا على ما يقترض ثمَّ اقترض لم يصر بذلك رهنا، و لا على الدية قبل استقرارها بتحقق الموت و إن علم أن الجناية تؤدي إليه، و لا على مال الجعالة قبل تمام العمل (57).

مسألة 11: كما يصح في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الأجرة التي في ذمة المستأجر كذلك يصح أن يأخذ المستأجر الرهن

(مسألة 11): كما يصح في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الأجرة التي في ذمة المستأجر كذلك يصح أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمة المؤجر (58).

مسألة 12: الظاهر أنه يصح الرهن على الأعيان المضمونة

(مسألة 12): الظاهر أنه يصح الرهن على الأعيان المضمونة (59)، كالمغصوبة و العارية المضمونة و المقبوض بالسوم و نحوها، و أما عهدة الثمن أو المبيع أو الأجرة أو عوض الصلح و غيرها لو خرجت مستحقة

______________________________

(55) كالمهر و الدية الثابتة و نحوهما.

(56) لصدق الثبوت في الذمة بالنسبة إلى كل منهما.

(57) كل ذلك لفقد شرط الصحة و هو الدين الثابت في الذمة.

(58) لكون كل منهما دين ثابت في الذمة فيشملها إطلاق أدلة الرهن.

(59) مورد الرهن إما دين أو عين غير مضمونة- كالعارية و الوديعة و نحوهما- أو عين مضمونة- كالمغصوب و العارية المضمونة و نحوهما- أو عهدة الثمن و المبيع و نحوهما، و لا ريب في صحة الرهن في الأول، كما لا إشكال في عدم صحته في الثاني للإجماع.

و قد وقع الخلاف في الثالث فعن جمع منهم الشهيدين الصحة للعمومات و الإطلاقات.

و نسب إلى الأكثر عدم الصحة و استدل عليه.

تارة: بالأصل.

ص: 89

.....

______________________________

و أخرى: باختصاص الأدلة بالدين إما ظاهرا أو انصرافا.

و ثالثة: بأنه إذا صح الرهن فيها صح في غير المضمون أيضا.

و الكل مخدوش. أما الأصل، فلا وجه له مع وجود الإطلاق و العموم كما هو معلوم، و أما اختصاص الأدلة بالدين فهو إما لأجل الانصراف إلى الغالب الذي لا اعتبار به كما ثبت في محله، أو لأجل كون المورد هو الدين و هو أيضا لا يوجب التخصيص، و أما الملازمة فلا دليل عليه من عقل أو نقل، مع أن المستفيضة المشتملة على الاستيثاق من المال شامل للأعيان المضمونة مثل قول الصادق عليه السّلام: «استوثق من مالك ما استطعت» (1)، خرج غير المضمونة بالإجماع و بقي الباقي، و الظاهر مساعدة العرف على صحة الرهن على الأعيان المضمونة أيضا.

و أما الرابع: و هو ضمان عهدة المبيع إن ظهر مستحقا للغير و كذا الثمن و المهر و نحوها، فربما يقال بعدم تحقق الرهن فيها لعدم ثبوت موضوعه و هو الاستحقاق للغير فعلا، فكيف يتحقق الرهن بل و مع الشك في الصدق لا يصح التمسك بالأدلة، لأنه حينئذ تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

و فيه: أنه لا ريب في صدق المال في هذه الموارد فيشملها إطلاق قوله عليه السّلام: «استوثق من مالك ما استطعت» (2)، و تكفي المعرضية لكون المال للغير عرفا في صحة الرهن عليها مهما صدق الاستيثاق على المال بحسب المتعارف، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار فعلية الاستحقاق للغير.

و بالجملة: المدار على صحة إطلاق الرهن و عدم استنكاره عرفا صدق الاستيثاق.

و أما دعوى أن هذه الأمور مبنية على الإرفاق و الرهن عليها ينافي الإرفاق ممنوع صغرى و كبرى.

ص: 90


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الرهن حديث: 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الرهن حديث: 5.

للغير ففي صحة الرهن عليها تأمل و إشكال (60).

مسألة 13: لو اشترى شيئا بثمن في الذمة جاز جعل المبيع رهنا على الثمن

(مسألة 13): لو اشترى شيئا بثمن في الذمة جاز جعل المبيع رهنا على الثمن (61).

مسألة 14: لو رهن على دينه رهنا ثمَّ استدان مالا آخر من المرتهن

(مسألة 14): لو رهن على دينه رهنا ثمَّ استدان مالا آخر من المرتهن جاز جعل ذلك الرهن رهنا على الثاني أيضا (62)، و كان رهنا عليهما معا، سواء كان الثاني مساويا للأول في الجنس و القدر أو مخالفا، و كذا له أن يجعله على دين ثالث و رابع إلى ما شاء و كذا إذا رهن شيئا على دين جاز أن يرهن شيئا آخر على ذلك الدين و كانا جميعا رهنا عليه.

مسألة 15: لو رهن شيئا عند زيد ثمَّ رهنه عند آخر أيضا باتفاق من المرتهنين

(مسألة 15): لو رهن شيئا عند زيد ثمَّ رهنه عند آخر أيضا باتفاق من المرتهنين كان رهنا على الحقين إلا إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأول و كونه رهنا على خصوص الدين الثاني (63).

______________________________

و بعبارة أخرى: الرهن يصح للتوثيق الفعلي الاحتياطي أيضا.

(60) ظهر وجهه مما مر مع جوابه.

(61) لشمول ما تقدم من الأدلة لهذه الصورة أيضا.

(62) لإطلاق أدلة الرهن الشامل لجميع الصور المفروضة في هذه المسألة فالمقتضي للصحة في جميعها موجود و المانع عنها مفقود بعد رضاء المرتهن بذلك، و الأقسام ثلاثة.

فتارة: يرهن المال الواحد رهنا لديون كثيرة عند مرتهن واحد.

و أخرى: يرهن أموالا متعددة رهنا لدين واحد عند مرتهن واحد.

و ثالثة: يرهن المال الواحد لديون كثيرة عند أشخاص متعددين بإذنهم و إجازتهم.

و الكل صحيح للإطلاق و يأتي القسم الأخير في المسألة التالية.

(63) فيتعين رهنا للثاني حينئذ لزوال الأول بالفسخ.

ص: 91

مسألة 16: لو استدان اثنان من واحد كل منهما دينا

(مسألة 16): لو استدان اثنان من واحد كل منهما دينا ثمَّ رهنا عنده مالا مشتركا بينهما و لو بعقد واحد ثمَّ قضى أحدهما دينه انفكت حصته عن الرهانة و صارت طلقا (64)، و لو كان الراهن واحدا و المرتهن متعددا- بأن كان عليه دين لاثنين فرهن شيئا عندهما بعقد واحد- فكل منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدين (65)، و مع التفاوت فالظاهر التقسيط و التوزيع بنسبة حقهما (66)، فإن قضى دين أحدهما انفك عن الرهانة ما يقابل حقه (67)، هذا كله في التعدد ابتداء، و أما التعدد الطارئ فالظاهر إنه لا عبرة به (68)، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفك نصيب أحدهما بأداء حصته من الدين، كما أنه لو مات المرتهن عن ولدين فأعطى أحدهما نصيبه من الدين لم ينفك بمقداره من الرهن.

مسألة 17: لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل

(مسألة 17): لا يدخل الحمل الموجود في رهن الحامل و لا الثمر في رهن النخل و الشجر، و كذا ما يتجدد (69)،

______________________________

(64) لوجود المقتضي للطلقية و فقد المانع عنها، فتحقق لا محالة و أما جواز استدانة اثنين عن واحد و رهن شي ء مشترك بينهما عنده فيدل على صحته الأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(65) لكون تساوي الدينين قرينة عرفية معتبرة على كون كل منهما مرتهن للنصف.

(66) لحكم العرف بذلك ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(67) لأنه لا وجه للتوزيع بالنسبة إلى الارتهان إلا هذا فينفك الرهن بالرهن بالنسبة إلى ما يؤدي من الدين، و يبقى بالنسبة إلى ما بقي منه.

(68) لأصالة بقاء الرهانة بالنسبة إلى ما وقع الرهن عليه و التعدد الطارئ على العين المرهونة لا يوجب انحلاله إلى اثنين بعد ما أنشأ بعنوان واحد عن واحد بواحد.

(69) لاختلاف ذلك كله مع العنوان المذكور في عقد الرهن الواقع على

ص: 92

إلا إذا اشترط دخولها (70).

نعم، الظاهر دخول الصوف و الشعر و الوبر في رهن الحيوان، و كذا الأوراق و الأغصان حتى اليابسة في رهن الشجر (71)، و أما اللبن في الضرع و مغرس الشجر و رأس الجدار- أعني موضع الأساس من الأرض-

______________________________

الحيوان الحامل و على النخل و الشجر و نحوها، فلا وجه للدخول مضافا إلى ظهور الإجماع.

(70) فيدخل حينئذ لمكان الشرط الذي يجب الوفاء به، أو كان هناك تعارف معتبر.

(71) كل ذلك لمكان التبعية العرفية فيما ذكر و عدم ملاحظتها شيئا مستقلا في مقابل الحيوان و الشجر، بل لا يرى الحيوان و الشجر إلا مركبا عنهما كتركيب البيت من الجدران و نحوها، فالأقسام ثلاثة:

فتارة: يحكم العرف بالتعدد اعتبارا.

و أخرى: يحكم بالوحدة الاعتبارية.

و ثالثة: يشك في ذلك، و في الأولى لا يدخل، و في الثانية يدخل، و في الأخيرة مقتضى الأصل الأزلي عدم الدخول أيضا بعد الشك في شمول الدليل له و عدم صحة التمسك به حينئذ لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و حيث إن التمسك بالأصل الأزلي خلاف الانظار العرفية فلا بد من التصالح و التراضي.

و يمكن جعل المسألة من باب الأقل و الأكثر لأن الأقل علم بتحقق الرهن به و الأكثر مشكوك من هذه الجهة فيرجع إلى الأصل فيجري الأصل في العدم المحمولي أيضا بلا محذور فيه، و هكذا بعينه حكم التبعية.

فتارة: يحكم العرف بالتبعية.

و أخرى: يحكم بعدمها.

ص: 93

ففي دخولها تأمل و إشكال (72)، لا يبعد عدم الدخول و إن كان الأحوط التصالح و التراضي (73).

مسألة 18: الرهن لازم من جهة الراهن

(مسألة 18): الرهن لازم من جهة الراهن، و جائز من طرف المرتهن (74).

فليس للراهن انتزاعه منه بدون رضاه (75)، إلا أن يسقط حقه من الارتهان أو ينفك الرهن بفراغ ذمة الراهن من الدين بالأداء أو الإبراء أو غير ذلك (76)، و لو برأت ذمته من بعض الدين فالظاهر بقاء الجميع،

______________________________

و ثالثة: يشك فيها.

(72) من صحة كون ذلك كله من التبعية في الجملة، فيدخل كل ذلك في الرهن.

و من صحة التشكيك في التبعية خصوصا في بعض أقسامها فلا وجه للجزم بالتبعية حينئذ.

(73) ظهر وجهه مما ذكرنا.

(74) للإجماع في كل منهما و به يخرج عن جريان أصالة اللزوم بالنسبة إلى المرتهن، مضافا إلى أن الجواز من طرف الراهن ينافي كون الرهن وثيقة للدين و حبسا بالنسبة إليه.

و عن جمع منهم صاحب الجواهر أنه لا يجوز اشتراط الخيار للراهن لكونه خلاف الاستيثاق و الحبس، فيكون منافيا لمقتضى العقد هذا بعد تمامية الرهن بالقبض و أما قبله، فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر بعد الشك في شمول الأدلة له، و لا يبعد جريان الخيار باعتبار وثاقة المالية فتتبدل العين إلى غيرها مع بقاء الرهانة.

(75) لأنه لا معنى للزوم إلا هذا.

(76) كالصلح و الهبة و الاحتساب من الحقوق المنطبقة عليه، و الوجه في ذلك كله واضح لزوال موضوع الرهن بذلك كله فلا يبقى رهن بعدها حتى

ص: 94

رهنا (77)، على ما بقي إلا إذا اشترطا التوزيع، فينفك منه على مقدار ما برأ منه، و يبقى رهنا على مقدار ما بقي، أو شرطا كونه رهنا على المجموع من حيث المجموع، فينفك الجميع بالبراءة عن بعض الدين (78).

مسألة 19: لا يجوز للراهن التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن

(مسألة 19): لا يجوز للراهن التصرف في الرهن إلا بإذن المرتهن (79)، سواء كان ناقلا للعين كالبيع أو المنفعة كالإجارة أو مجرد

______________________________

يبحث عن حكمه.

(77) على ما يأتي وجهه آنفا.

(78) الأقسام أربعة:

الأول: رهن المجموع على كل جزء من الحق.

الثاني: رهن المجموع على صرف وجود الحق مطلقا و لو بجزء منه.

الثالث: رهن الأجزاء المشاعة على الأجزاء كذلك.

الرابع: رهن المجموع من حيث المجموع كذلك.

و حكم الكل واضح ففي الأول لا ينفك من الرهن شي ء بسقوط بعض الدين لفرض كونه رهنا على كل جزء من المجموع، و مثله الثاني لفرض وجود الدين و الحق و لو بجزء منه، و أما الثالث فينفك من الرهن بمقدار ما وفّى و يبقى منه بقدر ما بقي من الدين، و أما الرابع فينفك الجميع بسقوط بعض الدين و لو كان يسيرا لزوال المجموع من حيث المجموع به كما هو واضح، و حيث إن المنساق من إطلاق الرهن هو القسم الأول يبقى جميع الرهن و لو سقط بعض الدين.

نعم، لو شرط التوزيع ينفك من الرهن بقدر ما سقط الدين على حسب الشرط.

(79) أما أصل عدم الجواز في الجملة فللإجماع و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف» (1)، و لأن جواز التصرف من الراهن ينافي

ص: 95


1- مستدرك الوسائل باب: 17 من أبواب الرهن حديث: 6.

الانتفاع به و إن لم يضر به كالركوب و السكنى و نحوها (80)، فإن تصرف بغير الناقل أثم، و لم يترتب عليه شي ء (81)، إلا إذا كان بالإتلاف، فيلزم قيمته و تكون رهنا (82)، و إن كان بالبيع أو الإجارة أو غيرهما من النواقل وقف على إجازة المرتهن (83)، ففي مثل الإجارة تصح بالإجازة، و بقيت

______________________________

الحبس و الاستيثاق الذي يتقوم به الرهن عرفا.

و أما الجواز بإذن المرتهن فلفرض أن المنع من جهة حقه المتعلق بالمرهون، فإذا رضي فلا موضوع لعدم الجواز بعد رضاه كما هو معلوم.

(80) للإطلاق و الاتفاق الشامل للجميع، و أما التصرفات التي تكون لمصلحة العين المرهونة، فمقتضى الأصل الجواز بعد انصراف أدلة المنع عن مثلها.

(81) أما الإثم فلأنه خالف الحكم الشرعي الفعلي المنجز، و أما عدم ترتب شي ء عليه فلفرض بقاء العين المرهونة بلا حصول نقص فيه من جهة تصرفه فلا موجب للضمان لأنه تصرف في ملكه.

و أما صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل رهن جاريته قوما أ يحل له أن يطأها؟ قال عليه السّلام: إن الذين ارتهنوها يحولون بينه و بينها، قلت:

أرأيت إن قدر عليها خاليا؟ قال: نعم لا أرى به بأسا» (1)، و مثله صحيح الحلبي إلا أن فيه «لا أرى هذا عليه حراما» (2)، فاسقطهما عن الاعتبار موافقتهما للعامة و هجر الأصحاب عنهما.

(82) أما لزوم المثل أو القيمة فلفرض أنه أتلف متعلق حق الغير من حيث المالية و وثاقة الدين، و أما أنه رهن فلفرض أنه العوض بدل المعوض من هذه الجهة لا أن يكون ملكا للمرتهن، فمقتضى كون المعوض كالعوض أنه يكون رهنا كما كان العوض كذلك.

(83) لتعلق حق المرتهن به فيتوقف على اجازته كما في كل عقد وقع

ص: 96


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام الرهن حديث: 2 و 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام الرهن حديث: 2 و 1.

الرهانة على حالها (84) بخلافها في البيع، فإنه يصح بها و تبطل الرهانة (85)، كما أنها تبطل بالبيع إذا كان عن إذن سابق من المرتهن (86).

مسألة 20: لو أتلف العين المرهونة متلف

(مسألة 20): لو أتلف العين المرهونة متلف فإن كان مثليا يضمن بالمثل و إلا فبالقيمة (87)، و تبقى الرهانة على حالها (88).

______________________________

على مال الغير أو متعلق حقه، و قد مر في بيع الفضولي ما ينفع المقام فراجع.

(84) لاختلاف موردهما فالعين متعلق حق المرتهن و المنفعة مورد استفادة المستأجر و المفروض أن المرتهن أجاز ذلك، فيكون المقتضي لصحة الإجازة و بقاء الرهانة موجودا و المانع عنهما مفقودا فتصح الإجارة و تبقى الرهانة لا محالة.

(85) أما صحة البيع فلوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها فتصح لا محالة.

و أما بطلان الرهانة فلفرض أن الراهن نقل العين المرهونة إلى غيره و المرتهن أجاز ذلك، و مقتضى إطلاق اجازته أنها منقولة إليه مطلقا بلا تسلط للمرتهن عليه بوجه من الوجوه و لا معنى لبطلان الرهانة إلا هذا.

و بعبارة أخرى: اجازته لبيع العين المرهونة إسقاط للرهن عرفا.

نعم، لو كانت قرينة معتبرة في البين دالة على أن اجازته للبيع كانت مقيدة بكون العين مرهونة لديه و قبل المشتري و الراهن ذلك كانت الرهانة باقية، و يكون المشتري بمنزلة الراهن إن كان بناء البيع و الإجازة عندهم على ذلك.

(86) لأنه لا فرق بين الإذن السابق و الإجازة اللاحقة من جهة الدلالة على الرضا إلا بالسبق و اللحوق، و هو لا بأس به كما مر في الفضولي.

(87) أما أصل الضمان فلقاعدة اليد و الإجماع.

و أما كونه بالمثل أو القيمة فلأنهما الأصل في التلف.

(88) للأصل و الإطلاق إلا إذا قيدت بخصوص العينية فقط فيبطل حينئذ

ص: 97

مسألة 21: لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بدون إذن الراهن

(مسألة 21): لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بدون إذن الراهن (89)، فلو تصرف فيه بركوب أو سكنى و نحوهما ضمن العين لو تلفت تحت يده للتعدي (90)، و لزمه أجرة المثل لما استوفاه من المنفعة (91)، و لو كان ببيع و نحوه أو بإجارة و نحوها وقع فضوليا (92)، فإن أجازه الراهن صح، و كان الثمن و الأجرة المسماة له (93)، و كان الثمن رهنا

______________________________

لانتفاء الموضوع.

(89) لأنه لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره إلا بإذنه بالأدلة الأربعة كما تقدم، مضافا إلى ما مر من النبوي «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف» (1).

(90) و هو يوجب الضمان لقاعدة «على اليد» مضافا إلى الإجماع، و لا تشمله قاعدة «عدم ضمان الأمين» لخروجه عن الأمانة بالتعدي.

(91) للإجماع و قاعدة «على اليد» و أصالة الاحترام في مال الغير التي هي من الأصول النظامية العقلائية، و أما ما يدل على الجواز فمحمول إما على صورة الإذن من الراهن أو على العلم بالرضا، أو مساواة ما استفاد لما أنفق من باب أجرة المثل، كقول علي عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الظهر يركب إذا كان مرهونا و على الذي يركب نفقته، و الدر يشرب إذا كان مرهونا و على الذي يشرب نفقته» (2)، و مثله غيره.

(92) لأن العقد الفضولي عبارة عن عقد وقع على مال الغير أو مورد حقه بدون إذنه، و لا ريب في تحقق الأول في المقام لفرض كون العين المرهونة ملكا للراهن بلا كلام.

(93) للإجماع و لوجود المقتضي لملكيته لها و فقد المانع كما هو واضح فالثمن عوض ملكه و الأجرة عوض منفعة ملكه بلا مانع في البين.

ص: 98


1- تقدم في صفحة: 95.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الرهن حديث: 2.

في البيع (94)، لم يجز لكل منهما التصرف فيه إلا بإذن الآخر (95)، و بقي العين رهنا في الإجارة (96)، و إن لم يجز كان فاسدا (97).

مسألة 22: منافع الرهن- كالسكنى و الركوب

(مسألة 22): منافع الرهن- كالسكنى و الركوب و كذا نماءاته المنفصلة- كالنتاج و الثمر و الصوف و الشعر و الوبر- و المتصلة- كالسمن و الزيادة في الطول و العرض- كلها للراهن (98)، سواء كانت موجودة حال الارتهان أو وجدت بعده (99)، و لا يتبعه في الرهانة إلا نماءاته المتصلة (100).

مسألة 23: لو رهن الأصل و الثمرة أو الثمرة منفردة صح

(مسألة 23): لو رهن الأصل و الثمرة أو الثمرة منفردة صح (101)،

______________________________

(94) لظهور كون اجازة الراهن اجازة للبيع بهذا القيد، و لأصالة بقاء الرهنية و عدم ما يوجب زوالها.

(95) لأن هذا من أحكام مطلق الرهن الصحيح و المفروض انه رهن صحيح.

(96) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(97) للأصل و الإجماع بل الضرورة من المذهب إن لم يكن من الدين.

(98) لقاعدة التبعية، مضافا إلى إجماع الفقهاء و النصوص، ففي موثق ابن عمار عن الصادق عليه السّلام «أنه سأله عن رجل ارتهن دارا لها غلة لمن الغلة؟

قال عليه السّلام لصاحب الدار» (1)، و في خبر أبي العباس عنه عليه السّلام أيضا: «و قضي في كل رهن له غلة أن غلته تحسب لصاحبه عليه» (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(99) لفرض تحقق النماء في الصورتين فتشملهما قاعدة التبعية.

(100) لما تقدم في (مسألة 16) فراجع.

(101) للإطلاق و الاتفاق.

ص: 99


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الرهن حديث: 3 و 4.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الرهن حديث: 3 و 4.

فلو كان الدين مؤجلا و أدركت الثمرة قبل حلول الأجل فإن كانت تجفف و يمكن إبقاؤه بالتجفيف جففت و بقيت على الرهن، و إلا بيعت و كان الثمن رهنا (102).

مسألة 24: ليس للراهن أن يجعل منافع العين المرهونة للمرتهن

(مسألة 24): ليس للراهن أن يجعل منافع العين المرهونة للمرتهن (103).

مسألة 25: يجوز للراهن أن يؤجر العين المرهونة إلى المرتهن بأجرة المثل

(مسألة 25): يجوز للراهن أن يؤجر العين المرهونة إلى المرتهن بأجرة المثل أو أكثر أو أقل مع عدم الشرط (104).

مسألة 26: إذا كان الدين حالا أو حل و أراد المرتهن استيفاء حقه

(مسألة 26): إذا كان الدين حالا أو حل و أراد المرتهن استيفاء حقه فإن كان وكيلا عن الراهن في بيع الرهن و استيفاء دينه منه فله ذلك من دون مراجعة إليه (105)، و إلا ليس له أن يبيعه (106) بل يراجع الراهن و يطالبه بالوفاء و لو ببيع الرهن أو توكيله في بيعه (107)، فإن امتنع من ذلك رفع

______________________________

(102) أما التجفيف فلأنه من مقدمات إبقاء الرهن مع الإمكان فيجب ذلك مقدمة و الظاهر أنه لو كانت له مئونة فهي على الراهن، لكونها من فروع حفظ ماله و وثيقة لدينه.

و أما جواز البيع فلانحصار حفظ المالية فيه حينئذ.

و أما كون الثمن رهنا فلأجل أن البيع إنما يقع لأجل التحفظ على المالية و الوثاقة الدينية.

(103) لأنه من الربا المحرم.

(104) لكون الإجارة مستقلة غير مرتبطة بالدين فلا موضوع للربا.

(105) لفرض بقاء الإذن السابق فلا وجه بعده للمراجعة، و مع الشك في بقائه يستصحب بقاءه مع عدم امارة على الخلاف.

(106) للأصل و الإجماع.

(107) لأن ذلك كله من فروع استيلائه و سلطنته على مطالبة حقه مضافا إلى

ص: 100

أمره إلى الحاكم ليلزمه بالوفاء أو البيع (108)، فإن امتنع، على الحاكم إلزامه باعه عليه بنفسه أو بتوكيل الغير و لو كان هو المرتهن نفسه (109)، و مع فقد الحاكم أو عدم اقتداره على إلزام بالبيع أو على البيع عليه، لعدم بسط اليد باعه المرتهن بنفسه (110)، و استوفى حقه أو بعضه من ثمنه إذا ساواه أو كان أقل، و إن كان أزيد كان الزائد عنده أمانة شرعية (111)، يوصله إلى صاحبه.

مسألة 27: لو لم يكن عند المرتهن بينة مقبولة

(مسألة 27): لو لم يكن عند المرتهن بينة مقبولة لإثبات دينه و خاف من أنه لو اعترف عند الحاكم بالرهن جحد الراهن الدين فأخذ منه الرهن بموجب اعترافه و طولب منه البينة على حقه جاز له بيع الرهن من دون مراجعة إلى الحاكم (112)، و كذا لو مات الراهن و خاف المرتهن جحود

______________________________

ظهور الإجماع على صحة ما ذكر.

(108) لأن المورد حينئذ من الأمور الحسبية التي لا بد للناس من الرجوع إليه، و لا بد له من القيام بها بما يقتضيه نظره.

(109) لعموم ولايته و اعتبار نظره الشامل لجميع ذلك بحسب ما تقتضيه خصوصيات الموضوع مع أن ذلك كله من المسلمات بين الفقهاء.

(110) لقاعدة «نفي الضرر» و «نفي الحرج» بعد انحصار استنقاذ حقه في ذلك.

(111) لما مر من ثبوت الإذن شرعا في التصرف فيه فتكون أمانة شرعية لا محالة بعد عدم إمكان إجراء حكم التعدي عليه.

(112) للإجماع، و ما يأتي من المكاتبة بعد القطع بعدم الخصوصية لموردها، مضافا إلى قاعدة نفي الضرر و الحرج، و يمكن أن يستشهد له في الجملة بما ورد في المقاصة (1).

ص: 101


1- راجع صفحة: 31.

الوارث (113).

مسألة 28: لو وفي بيع بعض الرهن بالدين اقتصر عليه على الأحوط لو لم يكن الأقوى

(مسألة 28): لو وفي بيع بعض الرهن بالدين اقتصر عليه على الأحوط لو لم يكن الأقوى (114).

______________________________

(113) إجماعا و نصا ففي خبر سليمان بن حفص المروزي: «أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام: في رجل مات و له ورثة فجاء رجل فادعى عليه مالا و ان عنده رهنا، فكتب عليه السّلام: إن كان له على الميت مال و لا بينة له عليه، فليأخذ ماله بما في يده و ليرد الباقي على ورثته، و متى أقر بما عنده أخذ به و طولب بالبينة على دعواه و أوفى حقه بعد اليمين، و متى لم يقم البينة و الورثة ينكرون فله عليهم يمين علم يحلفون باللّه ما يعلمون أن له على ميتهم حقا» (1).

(114) لأصالة عدم جواز التصرف في ما يتعلق بالغير إلا بدليل خاص يدل عليه، و المتفاهم من الأدلة الدالة على جواز البيع لاستيفاء الدين هو الاقتصار على مقدار الدين، و مع الشك لا يصح التمسك بالإطلاق لأجل الشك في الموضوع.

و قد يستدل لجواز بيع الكل بخبر إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السّلام:

«عن الرجل يكون عنده الرهن فلا يدري لمن هو من الناس، قال عليه السّلام: لا أحب أن يبيعه حتى يجي ء صاحبه، فقلت: لا يدري لمن هو من الناس، فقال: فيه فضل أو نقصان؟ قلت: فإن كان فيه فضل أو نقصان، قال عليه السّلام: إن كان فيه نقصان فهو أهون يبيعه فيؤجر فيما نقص من ماله، و إن كان فيه فضل فهو أشدهما عليه يبيعه و يمسك فضله حتى يجي ء صاحبه» (2).

و فيه: انه يمكن حمله على ما إذا لم يمكن بيع البعض كما أنه المتيقن من الإجماع أيضا.

ص: 102


1- الوسائل باب: 20 من أبواب الرهن.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الرهن حديث: 2.

و بقي الباقي أمانة عنده (115)، إلا إذا لم يمكن التبعيض و لو من جهة عدم الراغب أو كان فيه ضرر على المالك فيباع الكل (116).

مسألة 29: إذا كان الرهن من مستثنيات الدين

(مسألة 29): إذا كان الرهن من مستثنيات الدين كدار سكناه و دابة ركوبه جاز للمرتهن بيعه (117)، و استيفاء طلب منه كسائر الرهون.

______________________________

و احتمال أن يكون صرف وجود جواز البيع و لو في الجملة منشأ لجواز بيع الكل لا دليل له يصح الاعتماد عليه في مقابل الأصل بعد الشك في شمول دليل جواز البيع لمثله، كما أن رهن الكل ليست قرينة معتبرة لجواز بيعه لصحة أن تكون العين المرهونة أكثر من الدين كما هو الغالب.

(115) لأصالة بقاء أمانيته، بعد الإذن الشرعي في البيع في الجملة و لخبر ابن عمار المتقدم: «يبيعه و يمسك فضله حتى يجي ء صاحبه».

(116) لقاعدة: «نفي الضرر» و «الحرج» مضافا إلى ظهور الإجماع عليه و ما مر من خبر ابن عمار.

(117) لسبق حقه و كونه وثيقة دينه، و ظهور الإجماع.

و أما خبر إبراهيم بن عثمان عن الصادق عليه السّلام: «قلت: رجل لي عليه دراهم و كانت داره رهنا فأردت أن أبيعها، قال عليه السّلام: أعيذك اللّه أن تخرجه من ظل رأسه» (1)، فلا بد من حمله على مطلق المرجوحية لظهوره فيها و إعراض الأصحاب عن حرمة البيع.

و لكن نسب إلى الصدوق رحمه اللّه الاشتراك مع الغرماء لخبر مهجور شاذ ففي خبر عبد اللّه بن الحكم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أفلس و عليه دين لقوم و عند بعضهم رهون، و ليس عند بعضهم فمات و لا يحيط ماله بما عليه من الدين؟ قال: يقسم جميع ما خلف من الرهون و غيرها على أرباب الدين بالحصص» (2)، و في خبر سليمان بن حفص المروزي قال: «كتبت إلى أبي

ص: 103


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الدين حديث: 4.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب الرهن حديث: 1.

مسألة 30: إذا كان الراهن مفلسا

(مسألة 30): إذا كان الراهن مفلسا أو مات و عليه ديون للناس كان المرتهن أحق من باقي الغرماء باستيفاء حقه من الرهن (118)، فإن فضل شي ء يوزع على الباقين بالحصص (119)، و إن نقص الرهن عن حقه استوفى بعض حقه من الرهن و يضرب بما بقي من الغرماء في سائر أموال الراهن لو كان (120).

مسألة 31: الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه

(مسألة 31): الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه لو تلف أو تعيب من دون تعد و تفريط (121)، و يصدّق قوله في دعوى التلف مع

______________________________

الحسن عليه السّلام في رجل مات و عليه دين و لم يخلف شيئا إلا رهنا في يد بعضهم فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن أ يأخذ بماله أو هو و سائر الديان فيه شركاء؟

فكتب عليه السّلام جميع الديان في ذلك سواء يتوزعونه بينهم بالحصص» (1).

(118) لأصالة بقاء حقه و ظهور الإجماع و أنه لا معنى للوثاقة الدينية إلا هذا، و أما الخبران المتقدمان فقد مر ما فيهما فراجع.

(119) لأنه مال المديون من غير تعلق حق خاص به، و كل ما كان كذلك يوزع على الغرماء بالحصص.

(120) لفرض كونه دائنا لم يف الرهن بدينه فيكون ما بقي من دينه كسائر الغرماء في مال المديون، مضافا إلى ظهور الإجماع في ذلك كله.

(121) إجماعا و نصوصا ففي صحيح جميل عن الصادق عليه السّلام: «عن رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن، قال: هو من مال الراهن و يرتجع المرتهن بماله عليه» (2)، و في صحيح إسحاق بن عمار: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرجل يرتهن العبد فيصيبه عور أو ينقص من جسده شي ء على من يكون نقصان ذلك؟ قال عليه السّلام: على مولاه- الحديث-» (3)، و في خبره الآخر عنه عليه السّلام أيضا:

ص: 104


1- الوسائل باب: 19 من أبواب الرهن حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الرهن حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الرهن حديث: 4.

اليمين (122)، من غير فرق بين ذهابه وحده أو مع جملة من ماله (123).

______________________________

«الرجل يرهن الغلام أو الدار فتصيبه الآفة على من يكون؟ قال عليه السّلام: على مولاه، ثمَّ قال عليه السّلام: أرأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ قلت: هو في عنق العبد، قال:

ألا ترى فلم يذهب مال هذا، ثمَّ قال: أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ قلت: لمولاه، قال: كذلك يكون عليه ما يكون له» (1)، و في النبوي المعروف: «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه و عليه غرمه» (2)، و كذا النبوي الآخر: «الخراج بالضمان» (3).

و أما ما يظهر منه الخلاف- كخبر ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرهن، فقال: إن كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن، و إن كان أقل من ماله فهلك الرهن أدى إليه صاحبه فضل ماله، و إن كان سواء فليس عليه شي ء» (4). و في خبر عبد اللّه بن الحكم: «سألت الصادق عليه السّلام عن رجل رهن عند رجل رهنا على ألف درهم، و الرهن يساوي ألفين فضاع؟ فقال:

يرجع عليه بفضل ما رهنه، و إن كان أنقص مما رهنه عليه رجع على الراهن بالفضل، و إن كان الرهن يسوى ما رهنه عليه فالرهن بما فيه» (5)، و مثلهما غيرهما من الأخبار- فلا بد من حمله على التفريط أو طرحه.

و أما الضمان مع التعدي أو التفريط فبالإجماع إن لم يكن من الضرورة الفقهية، و قد مر غير مرة ثبوته معهما في جميع الأمانات المالكية و الشرعية.

(122) لقاعدة «تصديق قول الأمين مع اليمين».

(123) لشمول القاعدة و إطلاق ما تقدم من الأدلة لكلتا الصورتين، و أما

ص: 105


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الرهن حديث: 6.
2- مستدرك الوسائل باب: 10 من أبواب الرهن: 3 ج حديث: 2.
3- مستدرك الوسائل باب: 7 من أبواب الخيار حديث: 3.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الرهن حديث: 3.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الرهن حديث: 5.

نعم، لو كان في يده مضمونا لكونه مغصوبا أو عارية مضمونة مثلا ثمَّ ارتهن عنده لم يزل الضمان (124)، إلا إذا أذن له المالك في بقائه تحت يده فيرتفع الضمان على الأقوى (125)، و إذا أنفك الرهن بسبب الأداء أو الإبراء أو نحو ذلك يبقى أمانة مالكية في يده لا يجب تسليمه إلى المالك إلا مع المطالبة كسائر الأمانات (126).

______________________________

مرسل أبان عن الصادق عليه السّلام قال: سألته كيف يكون الرهن بما فيه إذا كان حيوانا أو دابة أو ذهبا أو فضة أو متاعا فأصابه جانحة حريق أو لصوص فهلك ماله أجمع أو نقص متاعه و ليس له على مصيبته بينة؟ قال عليه السّلام: إذا ذهب متاعه كله فلم يوجد له شي ء فلا شي ء عليه، و إن ذهب من بين ماله و له مال فلا يصدق» (1)، فمضافا إلى قصور سنده و معارضته بصحيح جميل المتقدم و غيره يمكن حمله على مورد الاتهام.

(124) للأصل بعد كون تحقق عنوان الارتهان أعم من الإذن في القبض شرعا و عرفا.

(125) لعدم المقتضي للضمان حينئذ إلا توهم توقف القبض الصحيح على الإقباض الخارجي و هو باطل، لأن عدم الإذن في القبض سابقا ثمَّ وجوده لا حقا وجداني، و هما صفتان مختلفتان توجبان الاختلاف الاعتباري فيما يكون في يد المرتهن و هو يجزي في الاختلاف الاعتباري العنواني، و لا دليل على اعتبار أزيد منه، فالقبض و الإقباض.

تارة: خارجي.

و أخرى: اعتباري، فيصير المقام من الثاني دون الأول و مقتضى المتعارف بين الناس إجزاء الثاني أيضا، و يكون انقلاب اليد العدواني إلى الأماني حينئذ قهريا لا محالة.

(126) أما بقاء الأمانة المالكية فللاستصحاب، و أما عدم وجوب التسليم،

ص: 106


1- التهذيب: ج: 7 صفحة 173 حديث: 766 و في الوسائل باب: 9 من الرهن.

مسألة 32: لا تبطل الرهانة بموت الراهن و لا بموت المرتهن

(مسألة 32): لا تبطل الرهانة بموت الراهن و لا بموت المرتهن (127)، فينتقل الرهن إلى ورثة الراهن مرهونا (128)، على دين مورثهم و ينتقل إلى ورثة المرتهن حق الرهانة (129)، فإن امتنع الراهن من استئمانهم كان له ذلك (130)، فإن اتفقوا على أمين (131)، و إلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه (132)، و إن فقد الحاكم فعدول المؤمنين (133).

مسألة 33: لو ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصية

(مسألة 33): لو ظهر للمرتهن أمارات الموت يجب عليه الوصية

______________________________

فلأصالة البراءة عنه.

(127) للأصل و الإجماع و إطلاق الأدلة.

(128) أما انتقال الرهن إلى الورثة فلأدلة الإرث، و أما كونه مرهونا فلما مر في سابقة من غير فرق.

(129) لظهور الإجماع على أن هذا الحق قابل للانتقال إلى الورثة مضافا إلى إطلاق بعض أدلة الإرث (1)، الشامل للحق القابل للانتقال أيضا.

(130) لأصالة بقاء سلطنته على ملكه، و حق الاستيمان عليه بالنسبة إلى كل من شاء و أراد بعد زوال من استأمنه بالموت، و عدم الملازمة بين إرث حق الرهانة و الامانة بوجه من الوجوه.

(131) يسلم الرهن اليه لوجود المقتضي حينئذ للتسليم و فقد المانع عنه إذا الحق بينهم و لا يعدوهم.

(132) لكون المورد حينئذ من الأمور الحسبية التي يرجع فيها إلى الحاكم الشرعي و يتبع نظره فيها.

(133) لانتهاء الأمر إليهم في مثل هذه الأمور بعد فقد الحاكم الشرعي و العلم برضا الشارع بتصدّيهم لذلك حينئذ.

ص: 107


1- راجع ج: 18 صفحة: 153.

بالرهن و تعيين المرهون و الراهن و الإشهاد كسائر الودائع (134)، و لو لم يفعل كان مفرطا و عليه ضمانه (135).

مسألة 34: لو كان عنده رهن قبل موته

(مسألة 34): لو كان عنده رهن قبل موته ثمَّ مات و لم يعلم بوجوده في تركته لا تفصيلا و لا إجمالا (136)، و لم يعلم كونه تالفا بتفريط منه لم يحكم به في ذمته (137) و لا بكونه موجودا في تركته (138)، بل يحكم

______________________________

(134) للإجماع، و هذا حكم جميع الأمانات مطلقا- شرعية كانت أو ماليكة- و قد تقدم ما يتعلق بذلك في أحكام الأموات و كتاب الوديعة، و سيأتي في كتاب الوصية أيضا.

(135) بلا إشكال فيه من أحد لتحقق التفريط الموجب للضمان نصا كما تقدم و فتوى.

(136) أما مع العلم التفصيلي به، فلا ريب في حكمه.

و أما مع العلم الإجمالي فتجري فيه الصور الأربعة التي تقدمت في كتاب الخمس (1).

و أما خبر القلاء قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل مات أخوه و ترك صندوقا فيه رهون بعضها عليه اسم صاحبه و بكم هو رهن و بعضها لا يدري لمن هو و لا بكم هو رهن فما ترى في هذا الذي لا يعرف صاحبه؟ قال عليه السّلام: هو كماله» (2)، فلا بد من حمله على صورة عدم العلم بالرهن أصلا أو طرحه.

(137) لأصالة براءة ذمته بعد عدم موجب لاشتغالها به و لاحتمال كونه تالفا بلا تفريط، فلا منشأ للضمان حينئذ لكونه مشروطا بأمر وجودي لا بد من إحرازه و هو التفريط، و لا طريق لإحرازه بل مقتضى أصالة الصحة عدمه.

(138) لأن ظاهر يده على التركة أمارة الملكية ما لم يعلم الخلاف

ص: 108


1- راجع ج: 11 صفحة: 410.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الرهن حديث: 1.

بكونها لورثته (139).

نعم، لو علم أنه قد كان موجودا في أمواله الباقية إلى بعد موته و لم يعلم أنه باق فيها أم لا كما إذا كان سابقا في صندوقه داخلا في الأموال التي كانت فيه و بقيت إلى زمان موته و لم يعلم أنه قد أخرجه و أوصله إلى مالكه أو باعه و استوفى ثمنه أو تلف بغير تفريط منه أم لا لم يبعد أن يحكم ببقائه فيها (140)، فيكون بحكم معلوم البقاء و قد مر بعض ما يتعلق بهذه المسألة في بعض مسائل المضاربة.

______________________________

و المفروض عدمه، و لا يجري استصحاب البقاء لفرض وجود أمارة الملكية على الخلاف و هي ظاهر اليد.

(139) لعموم أدلة الإرث مثل قوله عليه السّلام: «ما تركه الميت فلوارثه» (1)، الشامل للمقام فلا محذور في البين.

(140) لاستصحاب البقاء لو لا احتمال شمول إطلاق خبر القلاء، و لكن الظاهر عدم وجود عامل بإطلاقه.

نعم، تجري قاعدة اليد الحاكمة على الاستصحاب البقاء، مع أن احتمال التلف من غير تفريط موجب لأصالة البراءة عن وجوب الإخراج بالنسبة إلى الورثة، و كذا احتمال الإخراج و الإيصال إلى صاحبه موافق لظاهر حال المسلم خصوصا إذا كان ممن يعتني بدينه، و كل ذلك توجب الخدشة في جريان الاستصحاب، و لعل وجه عدم جزمه رحمه اللّه بالفتوى من هذه الجهات.

ثمَّ إن في المقام صورا ستة:

الأولى: أن يعلم بكون الرهن في جملة التركة و حكمها وجوب الإخراج إن علم تفصيلا، و التصالح و التراضي إن علم إجمالا، و قد مر صور الإجمال في

ص: 109


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة.

مسألة 35: لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن و دينارا آخر منه بلا رهن

(مسألة 35): لو اقترض من شخص دينارا مثلا برهن و دينارا آخر منه بلا رهن ثمَّ دفع إليه دينارا بنية الأداء و الوفاء فإن نوى كونه عن ذي الرهن سقط و انفك رهنه، و إن نوى كونه عن الآخر لم ينفك الرهن (141) و بقي

______________________________

كتاب الخمس فلا وجه للإعادة فراجع.

الثانية: أن يعلم أنه كان عند الميت رهنا و لم يعلم أنه في التركة أو تلف بغير تفريط أو لا؟ و حكمها عدم وجوب الإخراج و كون تمام المال للورثة.

الثالثة: هذه الصورة مع العلم بأنه ليس في التركة أصلا و حكمها كالصورة السابقة من غير فرق، بل كون التركة في هذه الصورة للورثة أولى من السابقة كما لا يخفى.

الرابعة: أن يعلم تلفه في يد المرتهن في زمان حياته، و لم يعلم أنه على وجه الضمان أو لا، و حكمها أنه لا شي ء على الورثة للأصل بعد عدم ثبوت التفريط بل مقتضى ظاهر حال المسلم عدمه.

الخامسة: يعلم أنه كان عنده إلى أن مات و أنه لم يتلف إلا أنه لم يوجد في تركته، نسب إلى أكثر العلماء الضمان و لعله لوجوده عنده و عدم التلف و ان عدم الوجدان في التركة أعم من التلف بلا ضمان، فيتحقق الضمان لا محالة.

و عن العلامة «ان الذي يقتضيه النظر عدم الضمان» أقول: لعله لظاهر اليد، و عموم أدلة الإرث.

و يمكن الخدشة فيه بصحة الانتقال إلى الورثة، و لكن يجب عليهم تفريغ ذمة ميتهم من تركته، فما نسب إلى أكثر الأصحاب هو الموافق للعلم بكونه عند الميت إلى أن مات.

السادسة: هذه الصورة مع احتمال كون التلف بعد الموت و الظاهر عدم الضمان فيها، للأصل بعد عدم التفريط.

(141) الوجه فيهما واضح أما في الأول، فلوجود المقتضي لانفكاك الرهن

ص: 110

دينه، و إن لم يقصد إلا أداء دينار من الدينارين من دون تعيين كونه عن ذي الرهن أو غيره لا إشكال في عدم انفكاك الرهن (142)، و هل يوزع على الدينين فإذا أكمل أداء دين ذي الرهن انفك رهنه أو يحسب ما دفعه أداء لغير ذي الرهن و يبقى ذو الرهن بتمامه لا ينفك رهنه إلا بأدائه؟

وجهان (143).

مسألة 36: يقبل إقرار الراهن بالإقباض، إلا مع القرينة على الخلاف

(مسألة 36): يقبل إقرار الراهن بالإقباض (144)، إلا مع القرينة على الخلاف (145)، و تسمع دعواه لو ادعى المواطاة على الإقرار مع اليمين (146).

مسألة 37: لو اختلفا ما على الرهن قلة أو كثرة

(مسألة 37): لو اختلفا ما على الرهن قلة أو كثرة مثل ما لو قال

______________________________

و هو القصد و التعيين و فقد المانع فلا بد من الانفكاك لا محالة.

و أما الثاني فلفرض أنه عين الأداء فيما لا رهن عليه فكيف ينفك الرهن فيما لم يقصد لانفكاكه، فيكون من قبيل حصول المعلول بلا علة.

(142) للأصل بعد بعدم تحقق قصد بالنسبة إليه.

(143) وجه التوزيع أن الاحتساب لكل واحد منهما بالخصوص بلا مرجح، و العدل و الانصاف يقتضي التوزيع.

و وجه الاحتساب لغير ذي الرهن أنه قهري بعد كون فك الرهن قصديا إراديا في صورة تعدد الدين كما في المقام و المفروض عدم تحققه، عليه يشكل فك نصف الرهن في صورة التوزيع أيضا لفرض عدم القصد اليه.

(144) لعموم قوله عليه السّلام: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1).

(145) لسقوط الإقرار حينئذ و عدم الاعتبار به.

(146) لأن كل دعوى لها أثر تقبل و أما إثباتها إما يحتاج إلى بينة أو يمين.

ص: 111


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار حديث: 1.

الراهن: الدين مائة دينار، و قال المرتهن: إنه أكثر يقدم قول الراهن (147).

مسألة 38: لو اختلفا في متاع

(مسألة 38): لو اختلفا في متاع فقال المالك انه وديعة و قال الممسك أنه رهن يقدم قول المالك مع اليمين (148).

مسألة 39: لو أذن الراهن في بيع الرهن

(مسألة 39): لو أذن الراهن في بيع الرهن و رجع ثمَّ اختلفا، فقال

______________________________

(147) للأصل إلا أن يثبت المرتهن دعواه بالبينة، و لجملة من الأخبار منها خبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل يرهن عند صاحبه رهنا لا بينة بينهما فيه فادعى الذي عنده الرهن أنه بألف و قال صاحب الرهن إنه بمائة، قال عليه السّلام: البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف، و إن لم يكن له بينة فعلى الراهن اليمين» (1)، و قريب منه خبر ابن أبي يعفور (2)، و خبر عبيد بن زرارة (3).

و أما ما يظهر منه الخلاف كخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «في رهن اختلف فيه الراهن و المرتهن، فقال: الراهن هو بكذا و كذا، و قال المرتهن: هو بأكثر، قال علي عليه السّلام: يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنه أمينه» (4)، فهو معرض عنه، مع موافقته للعامة.

(148) لأصالة عدم الرهانة و لا يعارض بأصالة عدم الوديعة لأن أصل الأمانة مسلمة بين الطرفين.

فيكون النزاع من المدعي و المنكر فإن أثبت الممسك الرهنية بحجة معتبرة فهو و إلا فالقول قول المالك، و لأصالة عدم حق للممسك على المالك بالنسبة إلى خصوص هذا المتاع، و يدل عليه صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل رهن عند صاحبه رهنا فقال الذي عنده الرهن: ارتهنته عندي بكذا و كذا، و قال الآخر إنما هو عندك وديعة، فقال: البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا و كذا فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين» (5).

ص: 112


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الرهن حديث: 1 و 2 و 3 و 4.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الرهن حديث: 1 و 2 و 3 و 4.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب الرهن حديث: 1 و 2 و 3 و 4.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب الرهن حديث: 1 و 2 و 3 و 4.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب الرهن حديث: 1.

المرتهن: رجعت بعد البيع، و قال الراهن: بل قبله يقدم قول المرتهن (149).

مسألة 40: إذا ادعى الراهن أن العين المرهونة كان فرسا

(مسألة 40): إذا ادعى الراهن أن العين المرهونة كان فرسا و ادعى المرتهن أنها كانت غنما بطل الرهن (150).

______________________________

و ما يظهر منه الخلاف كخبر ابن صهيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متاع في يد رجلين أحدهما يقول استودعتكه و الآخر يقول هو رهن؟ فقال عليه السّلام:

القول قول الذي يقول هو: انه رهن إلا أن يأتي الذي ادعى أنه أودعه بشهود (1)، و في موثق ابن أبي يعفور: «على صاحب الوديعة البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب الرهن» (2)، فمعرض عنه مضافا إلى ضعف السند، مع إمكان حمله بما لا يعارض المقام و النزاع و سقوط الدعوى.

و أما اليمين فلأجل قطع الخصومة.

(149) لأصالة بقاء الإذن فيصح البيع.

و توهم أن هذا من الأصول المثبتة لتوقفه على إثبات بقاء الإذن إلى بعد البيع.

فاسد، لأنا لا نحتاج إلى إثبات البعدية و غيرها من العناوين، بل نستصحب بقاء الإذن إلى حين وقوع البيع فيصح البيع لا محالة.

(150) لأصالة عدم وقوع الرهن على كل واحد منهما، بل نرجع إلى أصالة عدم ترتب أثر الرهن بعد تعارض الأصلين و سقوطهما بالمعارضة و عدم طريق لإثبات قول كل واحد منهما، مع أن المنساق من الرهن الصحيح و لزومه من طرف الراهن غير هذه الصورة.

و بعد عدم صحة ترتب الأثر يسقط العلم الإجمالي بوقوع رهن في الجملة عن التأثير، مع أن الاختلاف من طرف المرتهن في العين المرهونة رجوع منه في الرهن.

ص: 113


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الرهن حديث: 3 و 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الرهن حديث: 3 و 2.

مسألة 41: لو اختلفا في رد الرهن فالقول قول الراهن مع يمينه

(مسألة 41): لو اختلفا في رد الرهن فالقول قول الراهن مع يمينه (151).

مسألة 42: لو اختلف الراهن و المرتهن في القيمة المضمونة بالتفريط فالقول قول الراهن

(مسألة 42): لو اختلف الراهن و المرتهن في القيمة المضمونة بالتفريط فالقول قول الراهن (152).

مسألة 43: الرهون الدائرة في المصارف على أقسام

(مسألة 43): الرهون الدائرة في المصارف على أقسام:

الأول: ما إذا كان أخذ النقد من المصرف بعنوان القرض و دفع العين إليه لأجل الرهن على الدين و اشترط المصرف أن يبيع الرهن عند الأجل لاستيفاء دينه و هذا صحيح (153).

الثاني: هذه الصورة بعينها مع اشتراط الزيادة و أخذ النفع و هذه الصورة باطلة (154).

الثالث: لو أخذ القرض و دفع الرهن و أعطي الراهن شيئا للمصرف لأجرة عمل مشروع من دون شرط في عقد الرهانة أصلا، و هذا صحيح (155).

الرابع: ما إذا كان قرضا محضا و رهن عليه من دون شرط الزيادة و لكن أعطى الراهن شيئا تبرعا إلى المصرف لأجل أغراض صحيحة مشروعة فإنه يجوز بلا إشكال (156).

______________________________

(151) لأصالة عدم الرد إلا أن يثبت الرد بحجة معتبرة.

(152) لأصالة البراءة عن الأكثر إلا أن يثبت الراهن الزيادة بحجة معتبرة، و لا ربط للمقام بمسألة بقاء أمانة المرتهن أو خروجه عنها كما لا يخفى.

(153) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها.

(154) لكونها من الربا المحرم التي تقدم تفصيلا.

(155) لعدم كونه من الربا المحرم كما مر.

(156) لأنه خارج عن موضوع الربا من جهة عدم الشرط في البين

ص: 114

مسألة 44: ينبغي للمسلم أن يكون وثوقه لأخيه المسلم أكثر من وثوقه إلى الرهن

(مسألة 44): ينبغي للمسلم أن يكون وثوقه لأخيه المسلم أكثر من وثوقه إلى الرهن خصوصا إذا كان المرتهن أهل أمانة و ثقة (157).

______________________________

كما تقدم.

(157) لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من كان الرهن عنده أوثق من أخيه المسلم فاللّه منه برئ» (1)، أو «أنا منه برئ»، و لكن في خبر سالم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخبر الذي روي أن من كان بالرهن أوثق منه بأخيه المؤمن فأنا منه برئ؟ قال: ذلك إذا ظهر الحق و قام قائمنا أهل البيت» (2)، هذا بعض الكلام في كتاب الرهن و الحمد للّه أولا و آخرا.

ص: 115


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الرهن.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الرهن.

ص: 116

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الحجر

اشارة

كتاب الحجر و هو في الأصل بمعنى المنع (1)، و شرعا كون الشخص ممنوعا في

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين.

المنع و التضييق في الجملة متحقق في جميع مشتقات هذه المادة- ح- ج- ر- سواء استعملت في الحرام كما في قوله تعالى وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (1)، أي حراما محرّما لأن الحرام يمنع المكلف عن ارتكابه، أو في العقل كما في قوله تعالى هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (2)، لأن العقل يمنع الإنسان عن ارتكاب القبائح أو في غيرهما، فهو متضمن للمنع في الجملة لغة و شرعا و عرفا فليس للفقيه اصطلاح جديد فيه بل هو بالمعنى اللغوي و العرفي موضوع بحث الفقهاء.

ثمَّ ان سلب النفوذ في موارد الحجر معلوم و اما سلب أصل الأهلية مطلقا فيحتاج إلى دليل يدل عليه، فإذا ليس كل محجور عليه مسلوب العبارة و الإرادة مطلقا.

(1) كما عرفت آنفا. ثمَّ إن الحجر في الجملة على قسمين:

ص: 117


1- سورة الفرقان: 22.
2- سورة الفجر: 5.

الشرع عن التصرف في ماله (2)، بسبب من الأسباب و هي كثيرة (3)، نذكر منها ما هو العمدة و هي ستة:

الأول: الصغر.

الثاني: الجنون.

الثالث: السفه.

الرابع: الفلس.

الخامس: مرض الموت.

السادس: الرق.

______________________________

الأول: من يحجر عليه لحق نفسه.

الثاني: من يحجر عليه لحق غيره.

فالأول الصبي و المجنون و السفيه، و الثاني أقسام منها المفلس و غيره.

(2) فيكون الحجر في الاصطلاح من احدى مصاديق مطلق المنع الذي يستعمل فيه لفظ الحجر.

(3) متفرقة في الأبواب المختلفة كالرهن و الارتداد و الكتابة، و قد ذكرنا في البيع بعضها فراجع.

ص: 118

الأول: الصغر

اشارة

الأول: الصغر

مسألة 1: الصغر- و هو الذي لم يبلغ حد البلوغ

(مسألة 1): الصغر- و هو الذي لم يبلغ حد البلوغ محجور عليه شرعا لا تنفذ تصرفاته في أمواله (4)، ببيع و صلح و هبة و إقراض و إيداع و اعارة و غيرها، و إن كانت في غاية الغبطة و الصلاح (5)، بل لا يجدي في

______________________________

(4) كتابا كقوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1) و ذكرنا في التفسير معنى الآية المباركة و ما يتعلق بالابتلاء و الرشد (2)، و سنة، و إجماعا من الفقهاء بل العقلاء في الجملة، و يمكن الاستدلال بدليل العقل أيضا لأن في تصرف الصبي معرضية قريبة للفساد و الإفساد و التضييع و العقل يحكم بقبح ذلك كله، أما الأخبار ففي خبر ابن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام: «الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع، و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» (3)، و في خبر هشام عن الصادق عليه السّلام: انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام و هو أشده و إن احتلم و لم يونس منه رشده و كان سفيها، أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله» (4)، و في خبر عيص بن القاسم عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟ قال عليه السّلام: إذا علمت أنها لا تفسد و لا تضيع» (5)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(5) لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك.

ص: 119


1- سورة النساء: 6.
2- راجع مواهب الرحمن ج: 7 صفحة: 268 طبعة النجف الأشرف.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب عقد البيع حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب عقد البيع حديث: 1 و 2.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الحجر حديث: 3.

الصحة إذن الولي سابقا و لا إجازته لا حقا عند المشهور (6).

مسألة 2: كما أن الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمته

(مسألة 2): كما أن الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمته، فلا يصح منه الاقتراض و لا البيع و الشراء في الذمة بالسلم و النسيئة و إن كانت مدة الأداء مصادفة لزمان بلوغه، و كذلك بالنسبة إلى نفسه، فلا ينفذ منه التزويج، و لا الطلاق و لا إجارة نفسه، و لا جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة و غير ذلك (7).

نعم، يجوز له حيازة المباحات (8)، بالاحتطاب و الاحتشاش و نحوهما و يملكها بالنية (9)، بل و كذا يملك الجعل في الجعالة

______________________________

(6) لذهابهم إلى أن قصد الصبي كالعدم، و تمسكوا لذلك بقوله عليه السّلام:

«عمد الصبي خطأ» (1)، و تقدم في أول كتاب البيع ما ينفع المقام.

(7) كل ذلك للإطلاق و الاتفاق و تصريحهم بأن قصد الصبي كالعدم في العقود و الإيقاعات مطلقا، و سيأتي مزيد بيان في كتابي النكاح و الطلاق.

(8) لأنها من قبيل الأسباب التوليدية لحصول الملك لمن حاز و ليست من العقود و لا الإيقاعات.

(9) أي: نية التملك لأصالة عدم حصول الملكية إلا بذلك و يكفي فيها النية الإجمالية الارتكازية المنبعثة عن قصد نفس الحيازة، لأن حيازة المباحات لا تكون غالبا إلا لأجل تملكها، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا المقدار من النية.

و ما يقال: من أنه لا وجه لاعتبار نية الصبي و قصده كما هو المشهور.

مردود: بأن القصد المنفي إنما هو قصده لإنشاء العقد أو الإيقاع لا مطلق القصد كقصده لأفعاله الإرادية الاختيارية كمشية و قيامه و قعوده و حركاته

ص: 120


1- الوسائل باب: 36 من أبواب القصاص.

بعمله (10)، و إن لم يأذن له الولي فيهما (11).

مسألة 3: يعرف البلوغ، في الذكر و الأنثى

(مسألة 3): يعرف البلوغ (12)، في الذكر و الأنثى بأحد أمور ثلاثة:

الأول: نبات الشعر الخشن على العانة (13)، و لا اعتبار بالزغب

______________________________

و سكناته، و ما ورد من أن «عمد الصبي خطأ» (1)، إنما هو تنزيل حكمي شرعي لمصالح كثيرة لا أن يكون أمرا حقيقيا خارجيا بحيث لم يتصف أفعاله بالعمد أصلا.

(10) لأنها أيضا من قبيل الأسباب التوليدية.

(11) لأن ما هو من قبيل الأسباب لا وجه لإناطتها بالإذن كالنجاسة الحاصلة للصبي بملاقاة النجاسة، و الطهارة الحاصلة له بالغسل بالماء.

(12) البلوغ حالة طبيعية تكوينية كالصباوة و الشيخوخة و الهرم جعلها اللّه في الإنسان بل في مطلق الحيوان الذي له توالد و تناسل إبقاء للنوع، و يحدث لعروض تلك الحالة التمايل الجنسي، و ليس البلوغ أمرا تعبديا و لا من الحقيقة الشرعية و لا يختص أصله بملة دون أخرى و لا بحيوان دون آخر كسائر الحالات الطبيعية العارضة للحيوان.

نعم، يمكن اختلاف علاماته في الإنسان باختلاف المذاهب و الأديان، و هو أعم من اختلاف الذات و الحقيقة، و ما وصل إلينا من الشريعة في العلامات القطعية و ما ذكره غيرنا غايتها إنها ظنية و لا اعتبار بها، بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار.

(13) إجماعا و نصوصا من الفريقين (2)، فعن الصادق عليه السّلام: «الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان الخيار له إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة أو شعر في وجهه أو ينبت في عانته» (3)، و ما ورد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أن

ص: 121


1- الوسائل باب: 11 من أبواب العاقلة كتاب القصاص.
2- راجع السنن الكبرى للبيهقي ج: 6 صفحة: 58 و المغني لابن قدامة ج: 4 صفحة: 514.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب عقد النكاح حديث: 9.

و الشعر الضعيف (14).

الثاني: خروج المني (15)، سواء خرج يقظة أو نوما بجماع أو

______________________________

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عرضهم يومئذ على العانات فمن وجده أنبت قبله، و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراري» (1)، و النصوص و ان اختصت بالذكر إلا انه قام الإجماع على عدم الفرق في هذه العلامة بين الذكر و الأنثى، فدليل التعميم في الحقيقة مختص بالإجماع، كما أن اعتبار الخشونة أيضا كذلك، إذ لم نجد لفظها فيما وصل إلينا من النصوص، كما أن ما يظهر منه كفاية نبات الشعر على الوجه كقوله عليه السّلام فيما تقدم: «أو شعر في وجهه» محمول أو مطروح.

(14) قطعا و إجماعا فيهما.

(15) كتابا قال تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ (2)، و قال تعالى أيضا وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا (3)، و سنة مستفيضة بين الفريقين فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم» (4)، و قوله صلّى اللّه عليه و آله لمعاذ: «خذ من كل حالم دينارا» (5)، و عن الصادق عليه السّلام: «انقطاع يتم اليتيم الاحتلام و هو أشده» (6)، و في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله: «يا علي لا يتم بعد احتلام» (7)، و عنه عليه السّلام: «على الصبي إذا احتلم الصيام» (8)، إلى غير ذلك من الأخبار، و إجماعا من المسلمين، و الأنثى كالذكر في ذلك للإطلاق و الاتفاق.

ص: 122


1- الوسائل باب: 65 من أبواب جهاد العدو.
2- سورة النساء: 6.
3- سورة النور: 59.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
5- سنن أبي داود كتاب الأمارة حديث: 3038 صفحة 167 ج 3.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الحجر حديث: 1.
7- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9 و 10.
8- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9 و 10.

احتلام أو غيرهما (16).

الثالث: السنّ، و هو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة هلالية، و في الأنثى تسع سنين (17).

______________________________

(16) لإطلاق الأخبار و معاقد الإجماعات الشامل لجميع ذلك، و لا بد و أن يكون ذلك فيما يمكن عادة، فلو كان على خلاف العادة كما إذا كان فيما دون التسعة في الأنثى و دون العشرة في الذكر يشكل الحكم بكونه بلوغا كما عن بعض الفقهاء، و لكن الأحوط ترتب آثار البلوغ عملا بالإطلاق إلا إذا علم بعدم كونه منيا، و لا فرق في هاتين العلامتين بين الذكر و الأنثى إجماعا و لإطلاق الأدلة.

(17) إجماعا، و نصوصا منها صحيح ابن محبوب عن عبد العزيز عن حمزة بن حمران قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة و يقام عليه و يؤخذ بها؟ فقال عليه السّلام: إذا خرج عن اليتيم و أدرك، قلت: فلذلك حد يعرف؟ فقال عليه السّلام: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة و أخذ بها و أخذت له، قلت:

فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة و تؤخذ بها و تؤخذ لها؟ قال عليه السّلام: إن الجارية ليست مثل الغلام، إن الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع و أقيمت عليها الحدود التامة و أخذ لها و بها، و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتيم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك» (1).

و هذا الصحيح من محكمات أخبار الباب و مبيناتها و مما يشهد متنه بصحة سنده كما لا يخفى على أهله، و لا بد من رد غيره اليه أو طرحه عند المعارضة، و مقتضى الأصل و الإجماع و المنساق من الأدلة هو إكمال خمسة

ص: 123


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 2.

.....

______________________________

عشر سنة في الذكر و تسع سنين في الأنثى كما في سائر الأخبار المشتملة على العدد في جميع الموارد، إذ المنساق منها عرفا هو إكمال العدد، فلا وجه لباقي الأقوال من كفاية إكمال الأربع عشر كما نسب إلى ابن الجنيد أو الدخول في الخمس عشر كما حكى عن بعض و لم يعرف القائل به و احتمل اتحاده مع قول ابن الجنيد، أو الدخول في الأربع عشر كما نسب إلى السيوري و غيره أو ثلاث عشر سنة تمسكا ببعض الأخبار كخبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قلت له:

جعلت فداك في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال في ثلاث عشرة و أربع عشرة قلت: فإنه لم يحتلم فيها، قال: و إن كان لم يحتلم فإن الأحكام تجري عليه» (1)، لقصور كل ذلك عن معارضة ما هو المشهور، مع إمكان الحمل على صورة تحقق الإنبات أو الاحتلام أو مجاز الأول و المشارفة فيما إذا كان التحديد بالأقل من خمسة عشر.

و أما خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين» (2)، و مثله خبر أبي بصير فلا وجه لجعله للتحديد في هذا الأمر العام البلوى لأن الترديد ينافي التحديد كما هو معلوم فلا بد من حمله على العوارض الخارجية من تحمل بعض الجواري للدخول بها في تسع سنين و بعضها لعدم تحمل ذلك إلا بعده، مع أنه لا يعارض أخبار التسع (3)، لفرض كونه مثبتا و لا تعارض بين المثبتين و إنما التعارض في ذكر العشرة و هو محمول على ما قلناه.

و بالجملة: اختلاف نفوس الذكور في الاحتلام و الإنبات، و اختلاف الإناث في تحمل الدخول و عدمه أوجب أن تكون العلامة من الموضوعات

ص: 124


1- الوسائل باب: 40 من أبواب الوصايا حديث: 4.
2- الوسائل باب: 45 مقدمات النكاح حديث: 2.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات، 2، 3 من الوصايا حديث: 12 و 15 من الوقوف و الصدقات حديث: 4.

كذلك (18).

مسألة 4: لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي

(مسألة 4): لا يكفي البلوغ في زوال الحجر عن الصبي، بل لا بد معه من الرشد و عدم السفه بالمعنى الذي سنبينه (19).

______________________________

التشكيكية بالنسبة إلى التحديد الزماني و السني.

ثمَّ إن المنساق من الأدلة و الفتاوي أن لكل واحد من هذه العلامات الثلاثة موضوعية خاصة، فلو تقدم أحدها على الآخرين يتحقق البلوغ بما تقدم و تكون البقية كاشفا عن تحققه سابقا كما هو شأن جميع العلامات المتعددة التي تجعل لكل شي ء شرعا أو عرفا.

نعم، السبب للبلوغ في الواقع واحد و هو وصول النفس إلى حدوث التمايل الجنسي فيها و الثلاثة المذكورة في الشرع علامات كشف الشرع عنها.

هذا بالنسبة إلى أصل البلوغ الشرعي للرجل و المرأة من حيث تعلق الواجبات و المحرمات بهما غير القابلة للتغيير و التبديل.

و أما بالنسبة إلى الجهات الخارجية فيمكن للحاكم الشرعي تحديدها بوقت معين بحسب ما تقتضيه المصلحة، كما إذا حدد في التصدي للمعاملات الكلية الخطرة لمن بلغ سبعة عشر سنة مثلا، و هذا ليس تحديد في أصل البلوغ بل تحديد لموضوع حكم تقتضيه المصلحة لذلك.

(18) لأن المنساق من الأدلة الهلالية كما تقدم غير مرة.

(19) للأصل، و الإجماع، و قوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1)، و النصوص منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام و هو أشده و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله» (2)، و المراد

ص: 125


1- سورة النساء: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الحجر حديث: 1.

مسألة 5: ولاية التصرف في مال الطفل

(مسألة 5): ولاية التصرف في مال الطفل و النظر في مصالحه و شؤونه لأبيه وجده لأبيه (20)، و مع فقدهما للقيم من أحدهما، و هو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظرا في أمره (21)، و مع فقد الوصي تكون الولاية و النظر للحاكم الشرعي (22)، و أما الأم و الجد للأم و الأخ فضلا عن الأعمام و الأخوال فلا ولاية لهم عليه بحال (23).

نعم، الظاهر ثبوتها لعدول المؤمنين مع فقد الحاكم (24).

______________________________

بالولي الأب و الجد و يتم الكلام في وصيهما بالقول بعدم الفصل، و يأتي في السفه ما ينفع المقام.

(20) إجماعا بل ضرورة من الفقه، و تدل عليه نصوص مختلفة في الأبواب المتفرقة منها قوله صلّى اللّه عليه و آله لرجل: «أنت و مالك لأبيك» (1)، الشامل للجد أيضا، و منها ما ورد في نكاح الصغيرة «ليس لها مع أبيها أمر» (2)، و غيره من الأخبار على ما يأتي التفصيل في كتاب النكاح.

(21) لقاعدة: «أن كل ما جاز فعله حال الحياة جازت الوصية به بعد الممات إلا ما خرج بالدليل»، و لا دليل على الخروج في المقام مضافا إلى الإجماع و السيرة المستمرة بين المتشرعة.

(22) لأن ذلك من أهم الأمور الحسبية التي لا بد له من قيامه بها مضافا إلى الإجماع على أنه ولي من لا ولي له.

(23) للأصل، و الإجماع، و اختصاص أدلة الولاية عليه بمن ذكر، و سيأتي في النكاح ما يتعلق بالمقام.

(24) لانطباق الأمور الحسبية التي لا يجوز تعطيلها و لا بد من القيام بها قهرا عليهم حينئذ، و تقدم في كتاب البيع ما ينفع المقام و ذكرنا أنه يكفي الوثوق

ص: 126


1- الوسائل باب: 78 من أبواب ما يكتسب به.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب عقد النكاح و أوليائه حديث: 3.

مسألة 6: الظاهر أنه لا يشترط العدالة في ولاية الأب و الجد

(مسألة 6): الظاهر أنه لا يشترط العدالة في ولاية الأب و الجد (25)، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما (26)، لكن متى ظهر له و لو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه عزلهما و منعهما من التصرف في أمواله (27)، و لا يجب عليه الفحص عن عملهما و تتبع سلوكهما (28).

مسألة 7: الأب و الجد مستقلان في الولاية

(مسألة 7): الأب و الجد مستقلان في الولاية (29)، فينفذ تصرف

______________________________

و لا تعتبر العدالة إلا طريقا لإحراز القيام بالوظيفة الشرعية بالنسبة إلى مال الصغير و نفسه.

(25) للأصل، و الإطلاق، و ان المناط كله في ولايتهما القيام بمصالح الصبي نفسا و مالا، و قد يكون غير العادل أبصر بها من العادل، و قد ذكر لاعتبار العدالة فيهما ما لا تخفى الخدشة فيه تعرضنا في كتاب البيع و أشكلنا عليه (1).

و هل يعتبر الإسلام فيما إذا كان المولى عليه مسلما أو لا؟ الأحوط هو الاعتبار، و على هذا لو ارتد الأب عن صغار مسلمين تنقطع ولايته عنهم فترجع إلى الحاكم الشرعي.

(26) إذ لا تصل النوبة إلى ولاية الحاكم مع وجودهما و عدم اعتبار العدالة فيهما كما مر.

نعم، مع اعتبارها يكون وجود غير العادل كالعدم فيثبت موضوع ولاية الحاكم حينئذ.

(27) لسقوط ولايتهما حينئذ فيتصدى الحاكم حينئذ إلى عزلهما و منعهما عن التصرف من باب النهي عن المنكر.

(28) للأصل بعد عدم دليل على الوجوب مع دعوى الإجماع على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية.

(29) لإطلاق دليل ولايتهما الشامل لحال الانفراد و غيره مضافا إلى

ص: 127


1- راجع ج: 16 صفحة: 408.

السابق منهما و لغي اللاحق (30)، و لو اقترنا ففي تقديم الجد (31)، أو الأب (32)، أو عدم الترجيح (33)، و بطلان تصرف كليهما وجوه، بل أقوال، فلا يترك الاحتياط (34).

مسألة 8: الظاهر أنه لا فرق بين الجد القريب و البعيد

(مسألة 8): الظاهر أنه لا فرق بين الجد القريب و البعيد (35)، فلو كان له أب وجد و أب الجد و جدّ الجد فلكل منهم الولاية.

مسألة 9: يجوز للولي بيع عقار الصبي مع الحاجة

(مسألة 9): يجوز للولي بيع عقار الصبي مع الحاجة و اقتضاء المصلحة (36)، فإن كان البائع هو الأب و الجد جاز للحاكم تسجيله و إن لم يثبت عنده أنه مصلحة (37)، و أما غيرهما كالوصي فلا يسجله إلا بعد

______________________________

الإجماع.

(30) لعدم الموضوع لتصرف اللاحق مع صحة تصرف السابق كما هو المفروض لوقوعه عن أهله و في محله.

(31) لما ورد من تقديمه في النكاح (1)، فيقدم في غيره بالأولى.

(32) لكونه أقرب و انه السبب في ولاية الجد.

(33) لأن ما ذكر من المرجحات أمور ظنية لا أن يكون مورد نص أو معقد إجماع معتبر فلا اعتبار بها.

(34) و هو يحصل بتوافقهما معا فيما يتصرفان و عدم تحقق أي تصرف منهما إلا بعد توافقهما عليه.

(35) لصدق الجد عليهما لغة و عرفا و شرعا فتشملهما الأدلة.

(36) إذ لا معنى للولاية إلا العمل بما فيه الحاجة و المصلحة للمولّى عليه.

(37) لأن كونه صلاحا عند الولي يكفي في صحة البيع و اعتباره مطلقا و لا أثر لنظر الحاكم الشرعي بعد وجود الولي و أمانته.

ص: 128


1- الوسائل باب: 11 من أبواب عقد النكاح و أوليائه.

ثبوت كونه مصلحة عنده على الأحوط (38).

مسألة 10: يجوز للولي المضاربة بمال الطفل

(مسألة 10): يجوز للولي المضاربة بمال الطفل و إبضاعه (39)، بشرط وثاقة العامل و أمانته (40)،

______________________________

(38) لأصالة عدم ترتب الأثر على تسجيله و حكمه إلا بذلك، و لا يجري هذا الأصل فيما إذا كان البائع وليا لأن كونه وليا كالأمارة المقدمة على هذا الأصل، و لكن الأقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا أحرز الحاكم وثاقة الوصي و أمانته.

الثاني: ما إذا شك في ذلك.

الثالث: ما إذا أحرز العدم، و تجري عين هذه الأقسام في الولي أيضا، و في القسم الأول يصح التسجيل من دون فحص، لفرض إحراز الوثاقة و الأمانة، و في الثاني تجري قاعدة الصحة فيهما فيصح التسجيل بلا فحص، و في الثالث لا يجوز التسجيل من دون الفحص مطلقا بلا فرق بين الولي و الوصي عنه من هذه الجهة في الأقسام الثلاثة.

إلا أن يقال: بعدم تحقق القسم الثاني بالنسبة إلى الولي لمكان رأفته، فكأن المال مال نفسه فيبذل جهده في جلب المصلحة و دفع المفسدة فيما يفعل بخلاف الوصي فإنه أجنبي عن مال المولّى عليه، فيشكل جريان قاعدة الصحة بالنسبة إليه مع إمكان التفحص عن الحال بسهولة، و العرف يساعد على ما قلناه.

(39) لإطلاق الأدلة مضافا إلى النص و الإجماع و في خبر بكر بن حبيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل دفع اليه مال يتيم مضاربة، فقال عليه السّلام: إن كان ربح فلليتيم و إن كان وضيعة فالذي أعطى ضامن» (1)، و قريب منه غيره، و تقدم في كتاب الزكاة ما ينفع المقام كما سيأتي في كتاب الوصية بعض ما يتعلق بالمقام.

(40) لأنه المنساق من الأدلة، و المتيقن من الاتفاق فيرجع في غيره إلى

ص: 129


1- الوسائل باب: 10 من أبواب المضاربة.

فإن دفعه إلى غيره ضمن (41).

مسألة 11: يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلّمه الصنعة

(مسألة 11): يجوز للولي تسليم الصبي إلى أمين يعلّمه الصنعة، أو إلى من يعلّمه القراءة و الخط و الحساب و العلوم العربية و غيرها من العلوم النافعة لدينه و دنياه (42) و يلزم عليه أن يصونه عما يفسد أخلاقه فضلا عما يضر بعقائده (43).

مسألة 12: يجوز لولي اليتيم إفراده بالمأكول

(مسألة 12): يجوز لولي اليتيم إفراده بالمأكول و الملبوس من ماله و ان يخلطه بعائلته و يحسبه كأحدهم فيوزع المصارف عليهم على الرؤوس في المأكول و المشروب و أما الكسوة فيحسب على كل شخص كسوته، و كذا الحال في اليتامى المتعددين، فيجوز لمن يتولى إنفاقهم إفراد كل و إن يخلطهم في المأكول و المشروب و يوزع المصارف عليهم على الرؤوس دون الكسوة و يحسب على كل واحد ما يحتاج إليه منها (44).

______________________________

أصالة عدم الولاية بعد عدم شمول الدليل له أو الشك في الشمول مع ما تقدم من النص الظاهر في الضمان.

(41) لتحقق التعدي و التفريط حينئذ فيخرج عن الاستيمان بذلك فيتحقق الضمان قهرا.

(42) لأن ذلك كله من لوازم ولايته، مضافا إلى السيرة و الإجماع.

(43) لأن ذلك من أهم جهات ولايته عليه بل لم تشرع الولاية إلا لذلك فيلزم عليه القيام بها، و تقتضيه سيرة المتشرعة خلفا عن سلف و لقوله صلّى اللّه عليه و آله:

«كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته» (1).

(44) كل ذلك للأصل، و إطلاق أدلة الولاية، و ظهور الإجماع و ظاهر الآية الكريمة:

ص: 130


1- كنز العمال ج: 6 ص: 11 حديث: 91 ط- حيدر آباد.

مسألة 13: إذا كان للصغير مال على غيره

(مسألة 13): إذا كان للصغير مال على غيره جاز للولي أن يصالحه عنه ببعضه مع المصلحة (45)، لكن لا يحل على المتصالح باقي المال (46)، و ليس للولي إسقاطه بحال (47).

______________________________

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (1)، و في رواية أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه السّلام: «تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم و تخرج من مالك قدر ما يكفيك ثمَّ تنفقه، قلت: أرأيت إن كانوا يتامى صغارا و كبارا و بعضهم أعلى كسوة من بعض و بعضهم آكل من بعض و ما لهم جميعا؟ فقال: أما الكسوة فعلى كل إنسان منهم ثمن كسوته، و اما الطعام فاجعلوه جميعا فإن الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير» (2)، و في خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «قلت له: يكون لليتيم عندي الشي ء و هو في حجري أنفق عليه منه، و ربما أصيب مما يكون له من الطعام، و ما يكون مني إليه، أكثر قال عليه السّلام: لا بأس بذلك» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار، و لأن ذلك تسهيل على الأولياء ليرغبوا في الاهتمام بشؤون اليتامى.

(45) لإطلاق دليل ولايته الشامل لكل ما فيه المصلحة للصغير، و المفروض تحققها لحفظ بقية المال عرفا، و لكن لا بد و أن تكون تلك المصلحة مما يعتنى بها عند المتشرعة، و مع العدم أو الشك فيه لا يجوز ذلك للولي، لأصالة عدم الولاية بعد الشك في شمول الإطلاق لها.

(46) للأصل بعد عدم ثبوت حق له، و جواز الدفع من الولي لمصلحة فيه لا يلازم جواز الأخذ كما في كل مال يدفع إلى الظالم مثلا لدفع ظلمه.

(47) لأنه إضرار بالنسبة إلى الصغير فلا ولاية له عليه، كما لا ولاية له على إتلاف ماله، و لا إشكال فيه فيما إذا لم يكن في البين مصلحة راجحة، و أما معها

ص: 131


1- سورة البقرة: 220.
2- الوسائل باب: 73 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 4.
3- الوسائل باب: 73 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1 و 4.

مسألة 14: ينفق الولي على الصبي بالاقتصاد

(مسألة 14): ينفق الولي على الصبي بالاقتصاد لا بالإسراف و لا بالتقتير ملاحظا له عادته و نظراءه، فيطعمه و يكسوه ما يليق بشأنه (48).

مسألة 15: لو ادعى الولي الإنفاق على الصبي

(مسألة 15): لو ادعى الولي الإنفاق على الصبي أو على ماله أو دوابه بالمقدار اللائق و أنكر بعد البلوغ أصل الإنفاق أو كيفيته فالقول قول الولي مع اليمين (49)،

______________________________

فالظاهر الجواز فيما إذا كانت مساوية فضلا عما إذا كانت أكثر كما إذا كان الدين مثلا عشرة دنانير فأسقطه الولي و دفع المديون إلى الصغير عشرة أو اثنتي عشرة دنانير هدية مثلا، و أما إذا كانت أقل كما إذا أسقط عشرة دنانير و وصل من المديون إلى الصغير ثمانية و لم يكن فيه مصلحة فلا يصح.

و أما إذا كانت مصلحة للصغير فالظاهر الجواز أيضا لعموم أدلة الولاية مع وجود المصلحة.

و منه يظهر ما في المتن «لا يسقط بحال».

و يمكن أن يقال:- و إن كان خلاف الظاهر- ان نظر الماتن قدس سرّه إلى عدم السقوط مطلقا بالنسبة إلى المديون لما مر في سابقة من أنه لا يحل للمتصالح باقي المال، ففي مورد الإسقاط لا يسقط عن المديون شي ء، و ان كان فعل الولي جائزا من جهة انطباق عنوان المصلحة عليه أيضا، فلا إشكال حينئذ على العبارة، أو يكون مراده إسقاط باقي المال فتبرأ ذمة المتصالح أصلا.

(48) لأن ذلك كله هو المعروف بين المتشرعة، بل متعارف الناس فتنزل الأدلة عليه لا محالة مضافا إلى الإجماع على اعتبار ذلك كله، و قد ورد النص في عدم التقتير في الإنفاق فعن عيص بن القاسم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اليتيم تكون غلته في الشهر عشرين درهما كيف ينفق عليه منها؟ قال عليه السّلام: قوته من الطعام و التمر، و سألته: أنفق عليه ثلثها؟ قال عليه السّلام: نعم و نصفها» (1).

(49) أما تقدم قوله فلأنه ولي و أمين و كل منهما بمنزلة الامارة المقدمة

ص: 132


1- الوسائل باب: 74 من أبواب ما يكتسب به.

إلا أن يكون مع الصبي البينة (50).

______________________________

على الأصل الذي يكون مع المنكر فلا بد من تقديم قول الولي حينئذ. و أما اليمين فلقطع الخصومة و النزاع من البين.

(50) فيعمل بالبينة حينئذ لكونها حجة معتبرة على خلاف قول الولي و الأمين، كما في كل مقام قامت حجة معتبرة على خلاف قولهما فيقدم بلا إشكال.

إن قيل: أنه لا وجه لاعتبار البينة في المقام لأنها على المدعي و اليمين على من أنكر كما في الحديث (1)، و في المقام يكون الصبي منكرا لا مدعيا فلا موضوع لقبول بينته.

يقال: بأن مقتضى إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان- الحديث-» (2)، قبولها حتى من المنكر ما لم يكن دليل معتبر على الخلاف، و كذا إطلاق ما دل على اعتبار البينة (3).

نعم، قد أشكل على قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان» أنه في مقام أصل التشريع في الجملة فلا يصح التمسك بإطلاقه لقبول البينة من المنكر، مع أن ظاهر الفقهاء أن البينة من المنكر بينة نفي و لا تقبل بينة النفي لاعتبار الجزم في مورد البينة و النفي أعم من الجزم بمورده، و لكنه مردود بأن قوله عليه السّلام: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»، إنما هو من باب الغالب لا الحد و الحصر الحقيقي، و الظاهر أن كلمات الفقهاء أيضا كذلك محمول على ما إذا لم يكن جزم بمفادها في النفي، و أما إن كان المشهود به في

ص: 133


1- مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب كيفية الحكم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 1 و 2 من أبواب كيفية الحكم.

مسألة 16: لو أقر الصبي بالبلوغ

(مسألة 16): لو أقر الصبي بالبلوغ لا يقبل قوله إلا بالاختبار (51).

مسألة 17: لو شك في بلوغ الصغير يحكم بعدمه

(مسألة 17): لو شك في بلوغ الصغير يحكم بعدمه، و يقبل قول الولي في الصغر و الكبر إن لم يكن معارض في البين (52).

______________________________

البينة مجزوما به كالبينة على الإثبات فلا دليل لهم على عدم الاعتبار و لو كانت من المنكر، بل يكفينا عمومات حجية البينة حينئذ، و أما اعتبار الجزم فلا ريب و لا إشكال فيه حتى في النفي و الا فلا وجه لاعتبارها كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى هذا مع تضمن دعوى الصبي الإثبات أيضا فإنه يرجع في حاق الواقع إلى مطالبة حقه من الولي، فتأمل فإن مناط صدق الإثبات و النفي هو المدلول المطابقي العرفي لا إمكان الإرجاع إليهما بأي وجه أمكن.

ثمَّ أن في تعبير الماتن رحمه اللّه بقوله: «إلا أن يكون مع الصبي بينة» إشارة إلى أنه لا يعتبر أن يكون قيام البينة من قبل الصبي فلو قامت بينة من الخارج على كذب الولي في دعواه يسقط قوله أيضا إن كان ذلك عند الحاكم الشرعي.

(51) لما سيأتي في كتاب الإقرار من اعتبار البلوغ في المقر، و سيأتي تفصيل دعوى السن و الاحتلام هناك إن شاء اللّه تعالى.

(52) أما الأول فللاستصحاب، و أما الثاني فلأنه ولي و أمين و ذلك من مقتضيات ولايته و أمانته، و أما إذا كان في البين معارض فلا بد من التثبت ليعلم الحال.

ص: 134

الثاني: الجنون

اشارة

الثاني: الجنون

مسألة 1: المجنون كالصغير في جميع ما ذكر

(مسألة 1): المجنون كالصغير في جميع ما ذكر (53).

نعم، في ولاية الأب و الجد و وصيهما عليه إذا تجدد جنونه بعد بلوغه و رشده أو كونها للحاكم إشكال (54)، فلا يترك الاحتياط بتوافقهما معا.

______________________________

(53) للأصل، و الإجماع، و إطلاق الأدلة فيما إذا اتصل الجنون بالصغر فلا إشكال فيه من أحد.

(54) البحث فيه تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الإطلاقات.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم ولايتهما عليه بعد انقطاعها بالبلوغ و الرشد.

و أما الثانية: فالشك في شمول أدلة ولايتهما للفرض يكفي في عدم الشمول، لأنه مع الشك فيه يكون التمسك بها من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و هو غير جائز هذا مع ثبوت إطلاق في أدلة ولايتهما في البين، و أما مع العدم فالأمر أوضح.

و أما الثالثة: فادعى الشهرة بل الإجماع على طرفي النقيض فعن بعض ادعاء الشهرة و عن آخر ادعاء الإجماع على عدم الفرق بين الجنون المتصل و المنفصل في ثبوت ولايتهما على كل منهما، و عن آخر دعوى الشهرة بل الإجماع على الفرق بين المتصل فتثبت الولاية لهما عليه و المنفصل فلا ولاية لهما عليه.

مع هذا الخلاف كيف يعتمد على أحد القولين و حينئذ فالمجنون إذا

ص: 135

مسألة 2: المجنون الأدواري في حال جنونه ممنوع عن التصرف

(مسألة 2): المجنون الأدواري في حال جنونه ممنوع عن التصرف (55)، و أما بعد الإفاقة فيكون كالعاقل (56).

مسألة 3: البالغ السكران الفاقد للقصد تبطل عباداته و معاملاته

(مسألة 3): البالغ السكران الفاقد للقصد تبطل عباداته و معاملاته و لا ولاية لأحد عليه (57)، و أما المغمى عليه فقد مر حكمه سابقا.

مسألة 4: لا فرق في الجنون بين الاختياري منه

(مسألة 4): لا فرق في الجنون بين الاختياري منه كشرب دواء يوجبه- أو غيره (58).

______________________________

تجدد جنونه بعد بلوغه و رشده يكون ممن لا ولي له، و كل من لا ولي له فالحاكم وليه.

و لكن يمكن أن يقال: أن المناط كله في ثبوت ولايتهما إنما هو شفقتهما و رأفتهما و أنسبهما بأحوال المولّى عليه فيكونان أبصر بما يتعلق بحفظه و منافعه و مضاره، و هذا المناط موجود فيما انفصل جنونه عن صغره و لا بأس بصحة دعوى القطع بهذا المناط و وجوده نوعا فيهما و العرف بحسب ارتكازاته يعترف به أيضا، و لكن لا يترك الاحتياط الذي ذكره في المتن و يكفي الاحتياط فيهما استيذان الولي من الحاكم، و كذا الكلام في وصيهما من غير فرق لأن شفقة الأب و الجد اقتضت وصيتهما إلى الشخص المخصوص و اختيارهما له دون غيره.

(55) لما تقدم من عموم الدليل الشامل للمطبق و الأدواري.

(56) لعمومات الأدلة الشاملة له.

(57) أما بطلانهما فلفقد القصد و عدم الاعتماد على قصده لو فرض صدوره منه عند العقلاء و يجب عليه قضاء عباداته.

و أما الولاية فلأصالة عدمها لأحد عليه من أب أو جد أو الحاكم لأنه بمنزلة النائم يزول سكره في أمد معين.

(58) للإطلاق الشامل لهما و ان ذهب جمع إلى وجوب قضاء عباداته حينئذ.

ص: 136

الثالث: السفه

اشارة

الثالث: السفه السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة على حفظ ماله و الاعتناء بحاله، يصرفه في غير موقعه، و يتلفه بغير محله و ليست معاملاته مبنية على المكايسة و التحفظ عن المغابنة، لا يبالي بالانخداع فيها، يعرفه أهل العرف و العقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجا عن طورهم و مسلكهم (59)، بالنسبة إلى أمواله تحصيلا و صرفا.

______________________________

السفه و الرشد ليسا من الموضوعات التعبدية الشرعية و لا من الموضوعات المستنبطة بل هما من العرفيات غير مختصة بمذهب دون آخر و لا بطائفة دون أخرى، و المرجع في تعيينهما هو العرف و هما من الأمور التشكيكية و لهما مراتب متفاوتة، و قد أطلق السفيه على شارب الخمر (1)، بل على كل ظالم كما في الحديث الوارد في تفسير قوله تعالى لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ (2): «لا يكون السفيه أما التقي» (3)، و يطلق أيضا على كل من يخوض فيما لا يفهم و ما لا ينبغي الخوض منه كما في قوله تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النّاسِ ما وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ (4).

(59) و هذا هو المرتكز في أذهان الناس في معناه و موارد إطلاقه في المحاورات العرفية فيكون المرجع في معنى السفه و الرشد هو العرف دون غيره إذا أطلق بالنسبة إلى المال و الحال.

و نعم ما قال في الجواهر: «إن تطويل الكلام في معنى الرشد من تضييع

ص: 137


1- الوسائل باب: 45 و 35 من أبواب الوصايا.
2- البقرة: 124.
3- الوافي باب: 4 من أبواب وجوب الحجة حديث: 2 جزء: 2 ص: 18.
4- البقرة: 142.

مسألة 1: السفيه محجور عليه شرعا

(مسألة 1): السفيه محجور عليه شرعا (60)، لا ينفذ تصرفاته في ماله ببيع و صلح و إجارة و هبة و إيداع و عارية و غيرها و لا يتوقف حجره

______________________________

العمر»، و يعلم منه أن التطويل في معنى السفه أيضا كذلك، و ليس المراد بالسفيه الأبله الذي ورد في مدحه ما ورد (1)، إذ المراد بالأبله الممدوح من كان يهتم بدينه غاية الاهتمام و له عقل كامل و لكنه يكون غافلا عن الشر و عما يهتمون به أهل الدنيا في شؤون دنياهم و يبذلون جهدهم في متاع الحياة الدنيا، و الأبله من يهتم بالآخرة بخلاف أهل الدنيا، فيصير أبلها عند الناس لكونه على خلاف طريقتهم في الاهتمام بالدنيا.

(60) يمكن أن يستدل على ثبوت الحجر للسفيه بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى (حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (2)، و قوله تعالى وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (3)، فإن ظهورهما في حجر السفيه عن التصرف مما لا ينكر عند العرف.

و من السنة نصوص كثيرة منها قول الصادق عليه السّلام فيما تقدم من خبر هشام:

«و ان احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله» (4)، و في خبر بياع اللؤلؤ: «إذا بلغ و كتب عليه الشي ء أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا» (5)، و في خبر ابن سنان: «جاز له كل شي ء الا أن يكون ضعيفا أو سفيها»(6) إلى غير ذلك من النصوص.

ص: 138


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 25 و 26.
2- سورة النساء: 6.
3- سورة النساء: 5.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الحجر حديث: 1.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب الحجر حديث: 5.
6- الوسائل باب: 14 من أبواب عقد البيع حديث: 3.

على حكم الحاكم على الأقوى (61)، و لا فرق بين أن يكون سفهه متصلا بزمان صغره أو تجدد بعد البلوغ (62)، فلو كان سفيها ثمَّ حصل له الرشد

______________________________

و من الإجماع: إجماع الفقهاء بل العقلاء.

و من العقل: إن في تصرفاته المالية معرضية قريبة لفساد المال و إفساده و تضييعه، و كل ذلك من القبائح النظامية العقلائية فيحكم العقل حكما بتيا بلزوم رفع هذه القبائح بإشراف حاكم الشرع على أفعاله.

(61) لإطلاق الكتاب، و السنة، و السيرة، و ان ترتب الحكم على ثبوت الموضوع قهري إلا مع دلالة دليل على الاشتراط بشي ء و هو مفقود هذا مضافا إلى أصالة عدم الاشتراط بعد وجود الإطلاق.

و لكن نسب إلى المشهور التوقف على حكمه لأصالة عدم تحقق السفه و عدم تحقق الحجر و أصالة الصحة في تصرفاته المالية إلا بعد حكم الحاكم عليه بالسفه، و لأنه من الموضوعات الاجتهادية الاختلافية فلا بد في ثبوته من الرجوع إلى الحاكم الشرعي و حكمه بتحققه.

و الكل مخدوش إذ الأصل محكوم بإطلاق الوارد في مقام البيان ظاهرا، و الموضوع من الموضوعات العرفية الذي يعرفه كل من كان معاشرا معه، بل لا بد للفقيه أن يراجع من يعاشره و يصاحبه للاطلاع على الموضوع ما لم يكن بنفسه معاشرا له، فيكون السفه كالصغر و الرقية من الموضوعات الخارجية التي يترتب عليها الحجر قهرا مع تحققها خارجا حكم بها الحاكم أو لا بل أطلع عليها أو لا.

نعم، لو كان في ثبوته معرضية للنزاع و الجدال و الإهانة يتوقف ثبوته على حكم الحاكم دفعا لذلك كله، و يمكن أن يكون نظر المشهور إلى ذلك و إن لم يظهر هذا من كلماتهم.

(62) لشمول ما ذكر من الأدلة لكل منهما من غير فرق بينهما.

ص: 139

ارتفع حجره فإن عاد إلى حالته السابقة حجر عليه، و لو زالت فك حجره، و لو عاد عاد الحجر عليه و هكذا (63).

مسألة 2: ولاية السفيه للأب و الجدّ

(مسألة 2): ولاية السفيه للأب و الجدّ و وصيهما (64) إذا بلغ سفيها، و فيمن طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي (65).

مسألة 3: كما أن السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمته

(مسألة 3): كما أن السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمته بأن يتعهد مالا أو عملا، فلا يصح اقتراضه و ضمانه، و لا بيعه و شراؤه بالذمة و لا إجارة نفسه، و لا جعل نفسه عاملا في المضاربة أو المزارعة أو المساقاة و غير ذلك (66).

مسألة 4: معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله

(مسألة 4): معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله، فلو كان بإذن الولي أو إجازته صح و نفذ (67).

______________________________

(63) لأن ترتب الحكم على ثبوت الموضوع قهري و ارتفاعه كذلك.

(64) كما عن جمع بل عن مجمع البرهان و المفاتيح «أنه لا خلاف فيه»، و لكن عن صاحب الجواهر المناقشة في ثبوت عدم الخلاف في المال، و استدلوا على ثبوت ولايتهما معا بالاستصحاب، و ظاهر الأدلة كقوله تعالى:

فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1)، و قول الصادق عليه السّلام كما تقدم: «ان احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه ماله وليه» (2)، و لا ريب في ظهورها في توجيه الخطاب إلى ولي الصغير و هو الأب و الجد، و وصي الأب و الجد كأحدهما.

(65) لانحصار الولاية فيه حينئذ، و أنه ولي من لا ولي له.

(66) لأن كلّ تصرف مالي لا ينفذ إلا بإذن الولي.

(67) لوجود المقتضي للصحة و النفوذ و فقد المانع عنها، لأن السفيه ليس

ص: 140


1- سورة النساء: 6.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الحجر حديث: 1.

نعم، في مثل العتق و الوقف (68)، مما لا يجري فيه الفضولية يشكل صحته (69)، بالإجازة اللاحقة من الولي، و لو أوقع معاملة في حال سفهه

______________________________

مسلوب العبارة بل هو محجور عليه من جهة انخداعه و عدم مكايسته.

فإذا كانت تصرفاته مع إذن الولي أو إجازته فلا موضوع للحجر لأن التصرف ينسب إلى الولي حينئذ دون السفيه، فكل تصرف حصل منه بإشراف الولي سابقا أو لاحقا، فمقتضى العمومات الصحة بعد عدم صحة التمسك بدليل حجر السفيه لعدم الموضوع له حينئذ.

(68) أما العتق فلأنه إيقاع، و ادعي الإجماع على عدم جريان الفضولية فيه.

و يرد عليه ما أشكلنا فيه سابقا في بحث الفضولي و إن قلنا بأنه عقد كما هو المشهور فلا دليل لهم على عدم جريان الفضولية فيه إلا دعوى اعتبار قصد القربة فيه، و كل ما يعتبر فيه لا تجري فيه الفضولية و هو ممنوع صغرى و كبرى و لعل مراد المشهور بما نسب إليهم من اعتبار القربة في الوقف اعتباره شأنا أي:

لا بد و أن يكون بنحو يصح أن يتقرب به لا أن يكون المراد اعتبار قصد القربة في قوام ذاته كما في العبادات مثل الصلاة و الصيام و نحوهما، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(69) إن قلنا بجريان الفضولية فيهما فلا بد من الجزم بالصحة، و إن قلنا بالعدم فلا بد من الجزم بالبطلان فلا وجه للإشكال و الترديد، و لعل نظره رحمه اللّه إلى خروج المقام عن موضوع الفضولي و عدم ربط له به أصلا لأن الصحة في المقام و عدمها مبنية على سقوط المعرضية عن الانخداع و عدمه و مع إذن الولي تسقط المعرضية، و لو قلنا بعدم جريان الفضولي في مثل العتق و الوقف و مع عدم السقوط لا ينفع الإذن و لو قلنا بجريانها فيهما.

ثمَّ ان الظاهر أن المعرضية للانخداع حكمة في الحجر على السفيه ما لم

ص: 141

ثمَّ حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الولي (70).

مسألة 5: لا يصح زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته

(مسألة 5): لا يصح زواج السفيه (71) بدون إذن الولي أو إجازته،

______________________________

يتحقق رشده لا أن تكون علة تامة منحصرة، فعلى هذا في مثل زماننا هذا عينت أسعار غالب الأشياء و مقاديرها من قبل السلطة يكون السفيه محجور عليه أيضا بالنسبة إليها ما لم يثبت رشده و زوال سفهه.

(70) لفرض اعتبار نظره و رأيه حين الرشد و زوال سفهه فالمقتضي لصحة الإجازة موجود و المانع عنها مفقود.

(71) البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى: بحسب الأدلة.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم الحجر و عدم ولاية لأحد عليه في زواجه كسائر أفعاله الاختيارية من أكله و شربه و قيامه و قعوده و طاعاته و غيرها.

و أما الثاني: فصريح الآية الكريمة (1)، هو الاختصاص بالمال، و كذا صحيح، عيص بن القاسم و هشام، فعن الصادق عليه السّلام: «سألته عن اليتيمة متى يدفع إليها مالها؟ قال عليه السّلام: إذا علمت انها لا تفسد و لا تضيع» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا:

«انقطاع يتم اليتيم الاحتلام و هو أشده و ان احتلم و لم يؤنس منه رشد و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله» (3)، و أما ما اشتمل على جواز الأمر كخبر أبي الحسين الخادم: «إذا بلغ و كتب عليه الشي ء جاز عليه أمره إلا أن يكون

ص: 142


1- سورة النساء: 6.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب الوصايا حديث: 1.
3- الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا: 9 و تقدم في ص 154.

.....

______________________________

سفيها أو ضعيفا» (1)، و مثله غيره(2)، فالمراد بها بقرينة غيرها جواز الأمر في البيع و الشراء كخبر ابن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام: «دفع إليها مالها و جاز أمرها في الشراء و البيع، و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتيم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم- الحديث-» (3).

و أما مفهوم صحيح سنان عن الصادق عليه السّلام: «إذا بلغ أشده ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المسلمين- إلى أن قال- و جاز له كل شي ء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها» (4)، فلا بد من تقييده بمنطوق خبر هشام المتقدم (5).

و لكن يمكن أن يقال: ان ذكر المال في الأدلة و ذكر البيع و الشراء في جواز الأمر إنما هو من باب الغالب لا التقييد الحقيقي، و المناط في الحجر عليه ثبوت المعرضية العرفية للانخداع فإذا وجد في الزواج يترتب عليه الحجر قهرا، مع أن لنا أن نتمسك بالفحوى بدعوى: أنه إذا ثبت الحجر في المال من الانخداع يثبت في الزواج بالأولى، لاهتمام الناس بخصوصياته أكثر من اهتمامهم بالمال.

و لكنه مع ذلك مشكل، إذ لنا أن نقول ليس مطلق الانخداع في كل شي ء موجبا للحجر بل خصوص الانخداع في المال فقط، و يرجع في البقية مطلقا إلى الأصل بعد فقد الدليل هذا كله بالنسبة إلى ذات النكاح.

و أما المهر فهو تصرف مالي فلا بد من كونه بإشراف الولي لا محالة، و غاية ما يمكن أن يقال: إن الزواج ملازم عرفا للتصرف المالي فيجري عليه حكم التصرف المالي من هذه الجهة.

و أما الأخير فيظهر من المحقق رحمه اللّه في الشرائع توقفه على إذن الولي أيضا

ص: 143


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الحجر حديث: 5.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب الشهادات حديث: 18.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب الحجر حديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب عقد البيع حديث: 3 و 2.
5- الوسائل باب: 14 من أبواب عقد البيع حديث: 3 و 2.

لكن يصح طلاقه و ظهاره و خلعه، و يقبل إقراره إذا لم يتعلق بالمال كما لو أقر بالنسب أو بما يوجب القصاص و نحو ذلك (72)، و لو أقر بالسرقة يقبل في القطع دون المال (73).

مسألة 5: لا ريب في صحة عبادات السفيه و عدم توقفها على إذن الولي

(مسألة 5): لا ريب في صحة عبادات السفيه و عدم توقفها على إذن الولي (74)، و أما العبادات المتوقفة على المال مثل الزكاة و الحج فيصح أن يقال بعدم توقف صحتها عليه أيضا (75).

______________________________

حيث قال: «و لو أذن له الولي النكاح جاز».

هذا إذا كان سفيها في الماليات و في الزواج و أما لو كان سفيها في النكاح و لم يكن سفيها في الماليات، فمقتضى ما ذكرناه ثبوت الحجر عليه أيضا في النكاح، و لكن قال السيد في العروة: «لم أر من تعرض له» فالأقسام ثلاثة: السفيه في المال و في الزواج، و السفيه في المال فقط دون الزواج، و السفيه في الزواج فقط دون المال.

(72) كل ذلك لعدم التصرف المالي، و ظهور الإجماع على عدم الحجر فيها، و أما إذا كان الخلع مستلزما للتصرف المالي فمقتضى الإطلاقات حجره بالنسبة إليه.

ثمَّ لا يخفى أن الإقرار بالنسب قد يوجب المال فلا بد و أن لا يكون محجورا بالنسبة إليه أيضا، كما إذا أقر بنسب يكون في رتبته فيرث أو أقر بأحد العمودين فيوجب الإنفاق.

نعم، قد لا يوجبه كما لو أقر بالسبب البعيد مع وجود القريب أو أقر بأحد العمودين مع استغنائه عن الإنفاق عليه.

(73) لأن الأول ليس من التصرف المالي فلا حجر عليه فيه بخلاف الثاني فإنه محجور فيه.

(74) لعدم كونها من التصرفات المالية حتى يتوقف على الإذن.

(75) لكونه بالغا عاقلا فتشمله جميع أدلة تلك التكاليف بلا محذور.

ص: 144

مسألة 6: لو وكل شخص السفيه في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز

(مسألة 6): لو وكل شخص السفيه في بيع أو هبة أو إجارة مثلا جاز و لو كان وكيلا في أصل المعاملة لا مجرد إجراء الصيغة (76).

مسألة 7: لو حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء أو تركه مما لا يتعلق بماله انعقد حلفه و نذره

(مسألة 7): لو حلف السفيه أو نذر على فعل شي ء أو تركه مما لا يتعلق بماله انعقد حلفه و نذره (77)، و لو حنث كفّر كسائر ما أوجب الكفارة (78)، كقتل الخطأ أو الإفطار في شهر رمضان، و هل يتعين عليه الصوم و لو تمكن منه أو يتخير بينه و بين الكفارة المالية كغيره؟ وجهان، أحوطهما الأول (79)، بل لا يخلو من قوة.

______________________________

نعم، لو استظهر من حاله إعمال السفه فيها يتولى الولي صرف المال حينئذ.

(76) أما الصحة و الجواز في مجرد اجراء العقد فلا ريب و لا اشكال فيه، للإطلاقات و العمومات بعد عدم كون السفيه مسلوب العبارة.

و أما في أصل المعاملة فلأنه و إن كان تصرفا ماليا لكنه ليس من نفسه و لنفسه بل للأجنبي و تحت إشرافه و نظره فلا وجه للحجر فيه، لأن ظواهر الأدلة ثبوت الحجر على السفيه في ماله لا في مال الغير بعد إذنه و توكيله.

(77) للإطلاق و الاتفاق، و ليس من التصرف المالي حتى يكون محجورا عليه.

(78) لأن الكفارة عند حصول سببها تكليف شرعي لا وجه للحجر عليها- كسائر تكاليفه الشرعية المترتبة على الأسباب الخاصة- كالضمان و الطهارة و النجاسة و كفارات الإحرام و نحوها.

(79) منشأ التردد أن أدلة الحجر المالي هل تشمل مثل المقام مع التمكن من عدم صرف المال و عدم الحرج عليه فيكون مثل الفقير و العبد في هذه الجهة أو لا؟

بدعوى: كون الكفارة مطلقا حكما شرعيا فلا تشملها أدلة الحجر،

ص: 145

نعم، لو لم يتمكن من الصوم تعين غيره (80)، كما إذا فعل ما يوجب الكفارة المالية على التعيين، كما في كفارات الإحرام كلها أو جلها (81).

مسألة 8: لو كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه

(مسألة 8): لو كان للسفيه حق القصاص جاز أن يعفو عنه بخلاف الدية و أرش الجناية (82).

مسألة 9: لو أطلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه و لم ير المصلحة في إجازته

(مسألة 9): لو أطلع الولي على بيع أو شراء مثلا من السفيه و لم ير المصلحة في إجازته فإن لم يقع إلا مجرد العقد ألغاه (83)، و إن وقع تسليم و تسلم للعوضين فما سلمه إلى الطرف الآخر يسترده و يحفظه (84)، و ما تسلمه و كان موجودا يرده إلى مالكه، و إن كان تالفا ضمنه السفيه، فعليه مثله أو قيمته (85)، لو قبضه بغير إذن من مالكه، و إن كان بإذن منه و تسليمه لم يضمنه (86)، و قد تلف من مال مالكه.

______________________________

و يمكن القول بالشمول لكونه تصرفا ماليا فلا قصور في شمول الأدلة له إلا دعوى الانصراف و كونه من الانصرافات المعتبرة أول الكلام مع تمكن السفيه من غيره، و إمكان أن يجعل ذلك وسيلة لإعمال السفه في ماله بما شاء.

(80) لفرض عدم التمكن إلا من المالي فيكون حينئذ كسائر الواجبات المالية المتعينة بالنسبة إليه التي لا تشملها أدلة الحجر كالحج و الإنفاق و نحوهما.

(81) كما تقدم مفصلا في كتاب الحج فراجع.

(82) أما صحة عفوه لحق القصاص فلأنه ليس بمالي.

و أما عدم الصحة في الدية فلأنها مالية و هو محجور عن التصرف المالي.

(83) لمكان ولايته عليه، بل هو ملغى مع عدم الإذن بلا حاجة إلى الغاية.

(84) لأنه لا معنى لولايته عليه إلا حفظ ماله و رعاية حاله.

(85) كل ذلك لقاعدة «اليد» و الإجماع بعد كون أصل التسليم باطلا و بغير إذن من له الإذن.

(86) بدعوى: أنه مع علمه بسفاهته أقدم على هتك ماله و ألغى احترامه

ص: 146

نعم، يقوى الضمان لو كان المالك الذي سلمه الثمن أو المبيع جاهلا بحاله (87)، خصوصا إذا كان التلف بإتلاف منه (88)، و كذا الحال فيما لو اقترض السفيه و أتلف المال (89).

مسألة 10: لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى

(مسألة 10): لو أودع شخص وديعة عند السفيه فأتلفها ضمنها على الأقوى (90).

______________________________

فلا وجه للضمان مع ذلك، و لكن يمكن الإشكال في هذا الإطلاق لأن العلم بفساد المعاملة لا يوجب هتك المال عرفا، كما في جميع المعاملات الفاسدة الواقعة بين الناس مع العلم بالفساد لأن الهتك إما قصدي أو انطباقي و المفروض عدم القصد لهتك المال و الانطباق القهري خلاف المتعارف بين الناس في المعاملات الدائرة بينهم، مع أن مقتضى قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» الضمان مطلقا.

نعم، لو صدق ذلك عرفا و صدق أنه أعطاه المال مجانا لا وجه للضمان حينئذ.

(87) لعدم صدق الإقدام على الهتك و المجانية حينئذ مع الجهل بالفساد، و قد مر في البيع الفاسد بعض ما ينفع المقام فراجع و لا فرق فيه بين الجهل بالحكم أو الجهل بالموضوع.

(88) لظهور إجماعهم على الضمان في صورة الإتلاف و أن المباشر للإتلاف مقدم على السبب حينئذ.

(89) لكون الحكم مطابقا للقاعدة فتشمل جميع الصغريات.

(90) لقاعدة الإتلاف، و ظهور الإجماع، و تقديم المباشر على السبب هذا إذا لم يكن المقام من قوة السبب على المباشر و إلا فيقدم السبب حينئذ فلا ضمان على السفيه، و يمكن الاختلاف باختلاف السفهاء فرب دفع مال إلى السفيه يعد من الإقدام على هتك المال، فحينئذ لا وجه لضمانه، و بذلك يمكن

ص: 147

سواء علم المودع بحاله أو جهل بها (91).

نعم، لو تلفت عنده لم يضمنه (92) حتى مع تفريطه في حفظها (93).

______________________________

أن يجمع بين كلماتهم فمن يظهر منه الضمان كما عن المحقق و الشهيد الثانيين أرادوا صورة ما إذا لم يكن المورد من إقدام المالك على هتك ماله، و من قال بعدم ضمانه كما يظهر من تردد المحقق يريد بذلك ما إذا كان المورد من موارد اقدام المالك على هتك ماله، فلا ضمان على السفيه حينئذ كالمجنون.

و أما خبر حريز قال: «كانت لإسماعيل بن أبي عبد اللّه دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن، فقال إسماعيل يا أبه ان فلانا يريد الخروج إلى اليمن و عندي كذا و كذا دينارا أ فترى ان أدفعها اليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا بني أما بلغك أنه يشرب الخمر- إلى أن قال- و دفع إسماعيل إليه دنانيره، فاستهلكها و لم يأته بشي ء منها، فخرج إسماعيل و قضى أن أبا عبد اللّه عليه السّلام حج و حج إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت و يقول: «اللهم أجرني و أخلف عليّ» فلحقه أبو عبد اللّه عليه السّلام فهمزه بيده من خلفه، و قال له: يا بني فلا و اللّه مالك على اللّه هذا، و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك و قد بلغك أنه يشرب الخمر فأتمنته- إلى أن قال- و لا تأتمن شارب الخمر أن اللّه عز و جل يقول في كتابه وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ فأي سفيه أسفه من شارب الخمر؟- الحديث» (1)، فأسقطه عن الاعتبار لكونه في مقام النهي عن ائتمان الخائن فلا ربط له بائتمان السفيه.

نعم أطلق عليه السّلام السفيه على شارب الخمر و هو إطلاق حسن و إرشاد إلى خيانته و الكلام في غير ذلك.

(91) لشمول إطلاق ما ذكر للصورتين.

(92) لأنه استأمن السفيه و لا وجه لتضمين الأمين.

(93) إذ لا أثر لحفظ السفيه شرعا حتى يفرق فيه بين التفريط و عدمه

ص: 148


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الوديعة حديث: 1.

مسألة 11: لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده

(مسألة 11): لا يسلّم إلى السفيه ماله ما لم يحرز رشده (94).

و إذا اشتبه حاله يختبر (95)، بأن يفوّض إليه مدة معتدا بها بعض الأمور مما يناسب شأنه (96)، كالبيع و الشراء و الإجارة و الاستئجار لمن يناسبه مثل هذه الأمور، و الرتق و الفتق في بعض الأمور، مثل مباشرة الإنفاق في مصالحه أو مصالح الولي و نحو ذلك فيمن يناسبه ذلك، و في السفيهة يفوض إليها ما يناسب النساء من إدارة بعض مصالح البيت و المعاملة مع النساء من الإجارة و الاستئجار للخياطة أو الغزل أو النساجة و أمثال ذلك، فإن أنس منه الرشد بأن رأى منه المداقة و المكايسة و التحفظ عن المغابنة في معاملاته و صيانة المال من التضييع و صرفه في موضعه و جريه مجرى العقلاء دفع إليه ماله و إلا فلا.

______________________________

فتبقى قاعدة «عدم تضمين الأمين» بلا معارض و لا مدافع بعد كون حفظ السفيه كالعدم شرعا بل عند العقلاء أيضا، و لا إشكال فيه مع العلم بسفاهته و أما مع الجهل به فيكون كذلك لإلغاء الشارع احترام فعله لأجل سفاهته فتأمل.

(94) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(95) لا ريب في أن الاختبار له طريقية لا أن تكون له موضوعية خاصة فيجب مع ترتب واجب عليه على ما يأتي من التفصيل.

(96) كيفية الاختبار و كميته موكولة إلى المتعارف و ليس أمرا تعبديا شرعيا و يختلف باختلاف الأشخاص و العادات و الأمكنة، و المناط كله حكم الثقات المطلعين على السفه و الرشد، فمع حكمهم بثبوت الموضوع يترتب الحكم لا محالة.

و أما المرسل عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «في قوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى من كان في يده مال بعض اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح و يحتلم، فإذا احتلم و وجب عليه الحدود و إقامة الفرائض و لا يكون مضيعا و لا

ص: 149

مسألة 12: إذا احتمل حصول الرشد للصبي قبل البلوغ يجب اختباره قبله

(مسألة 12): إذا احتمل حصول الرشد للصبي قبل البلوغ يجب اختباره قبله (97) ليسلّم إليه ماله بمجرد بلوغه لو آنس منه الرشد، و إلا ففي كل زمان احتمل فيه ذلك عند البلوغ أو بعده (98)، و أما غيره فإن

______________________________

شارب خمر و لا زانيا، فاذا آنس منه الرشد دفع اليه المال، و أشهد عليه فاذا كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ فليمتحن بريح إبطه أو نبت عانته، و إذا كان ذلك فقد بلغ، فيدفع اليه ماله إذا كان رشيدا» (1)، فلا وجه للاعتماد عليه لقصور سنده و إعراض الأصحاب عنه.

(97) لظاهر الآية الكريمة وَ ابْتَلُوا الْيَتامى (2)، فإن المستفاد منها أن مجرد البلوغ لا يوجب رفع الحجر بل لا بد من ثبوت الرشد أيضا فمن احتمل عدم رشده في صغره لا بد و أن يختبر لإثبات الرشد فيه حتى يدفع إليه ماله عند بلوغه، و مقتضى الأصل الموضوعي عدم ثبوت الرشد أيضا إلا بحجة معتبرة و هو الاختبار، و لا يخفى أن بعض مراتب الصباوة ملازم لعدم الرشد و لذلك ذكر اللّه تعالى الابتلاء و الاختبار في الآية الشريفة.

ثمَّ إن هذا الوجوب مقدمي لوجوب تسليم المال اليه و هو غير محدود بوقت خاص، بل وقته كل ما احتمل فيه حصول الرشد للاحتفاظ على المال و قطع الولاية على الرشيد البالغ و حرمة تصرفه في مال الغير إلا بإذنه، و يمكن أن يقال: إن هذا الوجوب عقلي لدوران أمر الولي بين حرمة التصرف في مال المولّى عليه إن كان رشيدا و وجوب حفظه إن كان سفيها و العقل في مثله يحكم بوجوب الاختبار دفعا للضرر المحتمل على مخالفته.

(98) إذ المناط كله جريان أصالة بقاء عدم الرشد الذي كان في حال الصباوة، و جريان أصالة بقاء الحجر و هي مع احتمال البقاء سواء كان الاحتمال

ص: 150


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الحجر حديث: 1.
2- سورة النساء: 6.

ادعى حصول الرشد له و احتمله الولي يجب اختباره (99)، و إن لم يدّع حصوله ففي وجوب الاختبار بمجرد الاحتمال إشكال لا يبعد عدم الوجوب بل لا يخلو من قوة (100).

مسألة 13: لو شك في شخص أنه سفيه أو ليس بسفيه

(مسألة 13): لو شك في شخص أنه سفيه أو ليس بسفيه فإن كان له حالة سابقة بالرشد يحكم بعدم سفاهته (101) و إن لم يكن كذلك يختبر (102).

______________________________

قبل البلوغ أو حينه أو بعده و لا واقع لهذا الاحتمال إلا الابتلاء و الاختبار.

(99) لان دعواه على الولي لا يقبل إلا بحجة معتبرة للولي، و الاختبار حجة معتبرة له.

(100) لأصالة بقاء السفه و الحجر و ولاية الولي، و ظهور الإجماع على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ما لم يدل عليه دليل بالخصوص و تنظير المقام بما ورد في اليتيم (1)، قياس لا نقول به.

نعم، لو فرض الشك في بقاء الموضوع و تبدله يشكل جريان الأصل حينئذ، كما ان التمسك بالإجماع على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية للمقام مشكل لما ذكرناه في الأصول من أن الشبهات التي لها معرضية عرفية للوقوع في خلاف الواقع لا بد من الفحص فيها و لو كانت موضوعية، فلا بد في بقاء ولاية الولي حينئذ من إثبات الموضوع له و هو الاختبار و الظاهر تعين هذا، لا أن يكون المراد بالاحتمال الذي يذهب بأدنى تأمل فلا بد من الاحتياط بالاختبار.

(101) لاستصحاب بقاء الرشد، و أصالة عدم الولاية لأحد عليه.

(102) لأصالة عدم ترتب الأثر على تصرفاته المالية بعد الشك في شمول

ص: 151


1- سورة النساء: 6.

مسألة 14: لو أقر شخص على نفسه بالسفاهة يقبل إقراره إن كان مأمونا فيحجره الحاكم

(مسألة 14): لو أقر شخص على نفسه بالسفاهة يقبل إقراره إن كان مأمونا فيحجره الحاكم (103).

مسألة 15: يثبت السفه بما يثبت به غيره من الموضوعات من العلم و الشياع و البينة

(مسألة 15): يثبت السفه بما يثبت به غيره من الموضوعات من العلم و الشياع و البينة (104).

مسألة 16: قد يصل العبد من جهة الانقطاع إلى اللّه تعالى

(مسألة 16): قد يصل العبد من جهة الانقطاع إلى اللّه تعالى الى حد لا يعتني بالدنيا و ما فيها فليس هذا بسفيه و إن اعتبره الناس منه (105).

______________________________

العمومات لمثله، و الشك في جريان أصالة الصحة.

نعم، لو جرت أصالة الصحة فلا يبقى موضوع للاختبار و يختلف الموضوع باختلاف الموارد.

(103) لما سيأتي في كتاب الإقرار من أن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، و المفروض أنه عاقل فيتحقق الموضوع و يترتب عليه الحكم من الحجر إن لم تكن قرينة على الخلاف.

(104) لحجية ذلك كله كما ذكرناه مرارا.

(105) لعدم انطباق عنوان السفه عليه بل هو ممن قيل فيه «نرجو شفاعة من لا تقبل شهادته»، و لو كان ذلك سفيها لعم السفه و الحجر جملة من أولياء اللّه تعالى و أحبائه المخلصين، و لا ينبغي لعاقل أن يتفوه بذلك.

ص: 152


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار.

الرابع: المفلس

اشارة

الرابع: المفلس و هو من حجر عليه عن ماله لقصوره عن ديونه (106).

مسألة 1: من كثرت عليه الديون و لو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرف فيها

(مسألة 1): من كثرت عليه الديون و لو كانت أضعاف أمواله يجوز له التصرف فيها بأنواعه و نفذ أمره فيها بأصنافه و لو بإخراجها جميعا عن ملكه مجانا أو بعوض ما لم يحجر عليه الحاكم الشرعي (107).

______________________________

مادة الإفلاس (ف- ل- س) بجميع مشتقاته تنبئ عن حالة العسر سواء كانت مسبوقة باليسر أم لا، و لا يبعد أن يكون غالب استعمالاته فيما إذا كانت مسبوقة باليسر، و في الحديث: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: أ تدرون ما المفلس؟

قالوا: المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع، فقال صلّى اللّه عليه و آله: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة و يأتي قد شتم هذا و قذف هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيؤخذ هذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمَّ طرح في النار» (1).

و أما الحجر عليه فهو خارج عن حقيقته ليس منه و لا جزء مفهومه كما في جميع موارد الحجر من الصغر و الرق بل هو حكم شرعي.

(106) هذا هو المعروف بين الفقهاء، و إنما ذكر الحجر في تعريفه لابتناء جملة من المسائل عليه لا لأنه داخل في معناه اللغوي أو العرفي كما عرفت، و لذا يصح أن يقال: لم يحجر الحاكم على المفلس بعد أو طلب الغرماء من الحاكم أن يحجر على المفلس إلى غير ذلك من الاستعمالات الصحيحة الدالة على صحة التفكيك بينهما.

(107) كل ذلك لقاعدة السلطنة، و الإجماع، و إطلاق الأدلة.

ص: 153


1- صحيح مسلم باب: 15 من أبواب كتاب البر و الصلة.

نعم، لو كان صلحه عنها أو هبتها مثلا لأجل الفرار من أداء الديون يشكل الصحة (108)، خصوصا فيما إذا لم يرج حصول مال آخر له باكتساب و نحوه (109).

______________________________

(108) أما الحرمة التكليفية للفرار عن الدين، فيدل عليها بالفحوى ما دل على حرمة المماطلة في أداء الدين و انها من المعاصي الكبيرة، و قد تقدم في أحكام الدين (1) فراجع.

و أما بطلان الصلح و الهبة فيمكن أن يستدل عليه بأن عنوان الفرار عن الدين إذا انطبق على عقد من العقود ينطبق عليه قهرا تفويت حق الغير و تضييعه و الإضرار به، و لا ريب في فساد ذلك كله و بطلانه.

و بعبارة أخرى: المنساق إلى الأذهان- خصوصا لدى المتشرعة- الحرمة التكليفية و الوضعية معا لا خصوص الأولى فقط، كما في كل ما يوجب تفويت حق الغير و تضييعه.

و يمكن الإشكال فيه بأن الحرمة التكليفية مسلمة لما مر من الفحوى و أما الفساد و الحرمة الوضعية فلا تستفاد من الأدلة في مقابل عمومات الصلح و الهبة و أصالة الصحة، و يكفي الشك في تحققها في التمسك بأصالة الصحة إلا أن يقال: انه مع انطباق عنوان تفويت حق الغير و تضييعه على الصلح و الهبة، لا وجه للشك في الفساد لأن المتشرعة يستنكرون صحة مثل هذا الصلح و الهبة و يرونهما نحو تعد بالنسبة إلى الدائن و تفويتا لحقه الثابت على المديون، و حينئذ فيرجع إلى أصالة عدم ترتب الأثر عليهما بعد عدم صحة التمسك بالإطلاق و العموم للشك في الصدق و استنكار المتشرعة لصحة الصلح و الهبة فلا تجري معه أصالة الصحة أيضا.

(109) لصدق التفويت و التضييع و الإضرار حينئذ، و قد عرفت أن المدار

ص: 154


1- تقدم في صفحة: 30.

مسألة 2: لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة

(مسألة 2): لا يجوز الحجر على المفلس إلا بشروط أربعة (110).

الأول: أن تكون ديونه ثابتة شرعا (111).

الثاني: أن تكون أمواله من عروض و نقود و منافع و ديون على الناس- ما عدا مستثنيات الدين- قاصرة عن ديونه (112).

الثالث: أن تكون الديون حالة فلا حجر عليه لأجل الديون المؤجلة (113) و إن لم يف ماله بها لو حلت (114)، و لو كان بعضها حالا و بعضها مؤجلا فإن قصر ماله عن الحالة يحجر عليه (115) و إلا فلا (116).

الرابع: أن يرجع الغرماء كلهم أو بعضهم إلى الحاكم و يلتمسوا منه الحجر عليه (117).

______________________________

على صدق هذه العناوين عرفا.

(110) للأصل و الإجماع، و ما عن العلامة من زيادة شرط خاص و هو المديونية لا وجه له أما أولا فلأن الدين موضوع البحث و مورد الشرط، و ثانيا فلأنه يرجع إلى الشرط الأول.

(111) لأصالة بقاء سلطنته على أمواله، و أصالة عدم تحقق الحجر عليه إلا بذلك، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

(112) لما مر في سابقة من غير فرق.

(113) لعدم استحقاق المطالبة مع التأجيل فلا موضوع للحجر عليه حينئذ.

(114) للأصل بعد توقف الحجر على مطالبة الغرماء له و ليس لهم حق المطالبة فعلا من جهة عدم حلول الأجل.

(115) لوجود المقتضي حينئذ للحجر عليه و فقد المانع عنه.

(116) لعدم الموضوع للحجر عليه حينئذ لأن شرطه قصور المال عن الدين الحال.

(117) للأصل، و لأن الحق لهم و لا معنى للحجر مع عدم مطالبة من له

ص: 155

مسألة 3: بعد ما تمت الشرائط الأربعة و حجر عليه الحاكم و حكم بذلك

(مسألة 3): بعد ما تمت الشرائط الأربعة و حجر عليه الحاكم و حكم بذلك (118).

______________________________

الحق.

نعم، لو كان الحاكم الشرعي وليا شرعيا للمفلس يصح له الحجر عليه بنظره بلا التماس أحد منه لأن الحق له حينئذ، و لو سئل المفلس بنفسه عن الحاكم الحجر عليه من دون التماس الغرماء لا يحجر الحاكم عليه للأصل بعد عدم دليل عليه.

(118) لأن الحجر عليه لا بد و أن يستند إلى حجة معتبرة و هي حكم الحاكم الشرعي في هذا الموضوع الذي هو مظنة النزاع و الخصومة، و لو تعذر الحاكم الشرعي و تمت الشرائط الأربعة عند عدول المؤمنين فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر بحجر غيره، و إن كان مقتضى إطلاق بعض أدلة الحسبة ترتبه كقوله عليه السّلام: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه» (1)، و لم أر عاجلا تعرضا لهذه المسألة في الكلمات.

و أما إنكار أصل حجر المفلس كما عن صاحب الحدائق لأنه لا دليل عليه من الاخبار فلا وجه له أما أولا فلعدم انحصار الدليل في الاخبار بل الإجماع المسلم بين الفقهاء دليل عليه.

و ثانيا: قد ذكر ذلك بنحو الإجمال في الأخبار أيضا كموثق عمار عن الصادق عليه السّلام: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يحبس في الدين فاذا تبين له حاجة و إفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا: «أن عليّا عليه السّلام كان يفلس الرجل إذا التوى على غرمائه ثمَّ يأمر به فيقسم ماله بينهم بالحصص فإن أبى باعه فقسم بينهم» (3)، و في خبر الأصبغ بن نباتة «قضى في الدين انه يحبس

ص: 156


1- الوسائل باب: 29 من أبواب فعل المعروف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الحجر حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الحجر حديث: 1.

تعلق حق الغرماء بأمواله (119)، و لا يجوز له التصرف فيها بعوض كالبيع و الإجارة و بغير عوض كالوقف و الهبة إلا بإذنهم أو إجازتهم (120)،

______________________________

صاحبه فإن تبين إفلاسه و الحاجة فيخلى سبيله» (1)، فالحجر على المفلس نحو احتياط و احتفاظ بالنسبة إلى أموال الناس يحكم بصحته العقلاء و الظاهر جريان سيرتهم عليه في الجملة.

(119) المحتملات في تحجير المفلس ثلاثة:

الأول: أن يكون من مجرد الحكم بحرمة تصرفه في أمواله للديون التي تكون عليه و قصور أمواله عنها.

الثاني: أن يتبدل حق الغرماء من ذمته إلى أمواله.

الثالث: أن لا يحدث حق لهم في ماله و لكنهم أولى بالتصرف فيها من دون حدوث حق لهم فيها، و ظاهر الكلمات هو الثاني، و يمكن إرجاع الأخير إليه أيضا، و لم يبينوا أن هذا الحق من سنخ أي حق من الحقوق هل كحق الرهانة أو من غيره؟ فأصل الحق ثابت و سائر خصوصياته منفي بالأصل و لعل العرف يساعد على أنه كحق الرهانة.

ثمَّ أن الوجه في تعلق حق الغرماء بأمواله- أنه بعد سقوط اعتبار الذمة للمفلس لعدم اعتبار العرف له مال مطلقا إلا أمواله الخارجية- يدور الأمر بين سقوط دين الغرماء مطلقا أو تبدل ما في ذمة المفلس إلى أمواله الخارجية، و الأول خلاف الأصل و الإجماع بل الضرورة فيتعين الثاني، فلم يتبدل أصل دين الغرماء و أنما تبدل ظرفه و محله جمعا بين الحقين و رعاية للعدل و الإنصاف في البين.

(120) لفرض تعلق حق الغرماء بأمواله نظير تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة، و لا وجه لتعلق الحق إلا أنه لا تنفذ تصرفات المالك بدون إذن ذي

ص: 157


1- الوسائل باب: 11 من أبواب كيفية الحكم ج: 18.

و إنما يمنع عن التصرفات الابتدائية فلو اشترى شيئا سابقا بخيار ثمَّ حجر عليه فالخيار باق (121) و كان له فسخ البيع و إجازته.

نعم، لو كان له حق مالي سابقا على الغير ليس له إسقاطه و إبراؤه كلا أو بعضا (122).

مسألة 4: إنما يمنع عن التصرف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه

(مسألة 4): إنما يمنع عن التصرف في أمواله الموجودة في زمان الحجر عليه، و أما الأموال المتجددة الحاصلة له بغير اختياره كالإرث أو باختياره بمثل الاحتطاب و الاصطياد و قبول الوصية و الهبة، و نحو ذلك ففي شمول الحجر لها إشكال (123).

______________________________

الحق أو إجازته.

(121) لأن أصل الخيار كان من تصرفاته السابقة على الحجر عليه و إعماله تابع لأصله، و لو شك في أن اعمال الخيار مورد الحجر أو لا؟ فأصالة الصحة و عدم تعلق الحجر به جارية كما لا يخفى.

(122) لأن الإسقاط تصرف مالي يقع بعد الحجر عليه فلا ينفذ منه إلا بإذن الغرماء أو إجازتهم.

(123) من أصالة عدم تعلق الحجر بالمتجدد فلا حجر بالنسبة إليه و الشك في شمول الحجر بالنسبة إليه و نفوذ حكم الحاكم فيه يكفي في صحة الرجوع إلى الأصل فيهما.

و من أن الحكمة و المصلحة في الحجر إنما هو مراعاة حال الديان، و هذه الحكمة و المصلحة موجودة في المتجدد كوجودها في المال السابق فيثبت الحجر بالنسبة إليه أيضا.

و فيه: أن المنساق من الحجر عرفا إنما هو المال الموجود حينه و تعلقه بالمتجدد خلاف الأنظار العرفية فالأصل باق بحاله، و الحكمة و المصلحة المذكورة و إن اقتضى الحجر في المتجدد أيضا و لكنه من مجرد الحكمة- ما لم

ص: 158

نعم، لا إشكال في جواز تجديد الحجر عليها (124).

مسألة 5: لو أقرّ بعد الحجر بدين سابق صح

(مسألة 5): لو أقرّ بعد الحجر بدين سابق صح (125) و شارك المقرّ له مع الغرماء (126).

______________________________

يشمل المورد إنشاء حكم الحاكم بالحجر عليه- لا يكفي في تحقق الحجر لأن الحكمة من طرق الصحة في مقام الثبوت و هو لا يتم بدون تمامية مقام الإثبات.

(124) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ.

(125) لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، و ظهور الإجماع بالنسبة إلى نفسه.

(126) كما عن جمع منهم المحقق في الشرائع، و استدل عليه.

تارة: بأن الإقرار كالبينة فكما أن فيها يشارك الغرماء المقر له فكذا في الإقرار.

و أخرى: بأن الحجر في المقام حدث من حكم الحاكم لا من حدوث حق للغرماء في المال حتى يكون الإقرار في حق الغير.

و ثالثة: بالملازمة العرفية بين القبول لنفسه و القبول في حق الغرماء.

و رابعة: بأن الغرماء يرضون بذلك مع اطلاعهم عليه غالبا.

و الكل مخدوش إذ الأول قياس مع أنه أول الدعوى، و الثاني خلاف ظاهر الكلمات، و الثالث يحتاج إلى دليل على إثبات الملازمة و هو مفقود، و الأخير لا ريب فيه مع إحراز الرضا إنما البحث في غيره و هو الإقرار في حق الغير فلا يسمع إلا أن يقال: إن الشك في كون هذا الحق من الحقوق التي ينافيه مثل هذا الإقرار يكفي في جريان أصالة الصحة في الإقرار.

و بالجملة الأقسام أربعة:

الأول: إن لا يكون الإقرار في حق الغير.

ص: 159


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار 2 ج 16.

و كذا لو أقرّ بدين لا حق (127)، و أسنده إلى سبب لا يحتاج رضا الطرفين مثل الإتلاف و الجناية و نحوهما، و أما لو أسنده إلى سبب يحتاج إلى ذلك كاقتراض و الشراء بما في الذمة و نحو ذلك (128)، نفذ الإقرار في حقه (129)، لكن لا يشارك المقر له مع الغرماء (130).

مسألة 6: لو أقر بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص لا إشكال في نفوذ إقراره في حقه

(مسألة 6): لو أقر بعين من الأعيان التي تحت يده لشخص لا إشكال في نفوذ إقراره في حقه (131)، فلو سقط حق الغرماء و انفك الحجر لزمه

______________________________

الثاني: أن يشك في ذلك و هو صحيح في الصورتين و يشارك المقر له مع الغرماء.

الثالث: أن يكون الإقرار في حق الغير فيبطل أصل الإقرار.

الرابع: أن يكون تحليل الإقرار إلى جهتين يكون في حق نفسه من جهة و في حق الغير من جهة أخرى، فيقبل بالنسبة إلى نفسه و يبطل بالنسبة إلى الغير.

و يمكن أن يجعل المدار على حصول الاطمئنان النوعي برضا الغرماء فمعه ينفذ و مع عدمه لا أثر له، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل.

(127) بناء على ما ذكرنا لا فرق بين جميع صور المسألة ما دام يصدق عليه أن الإقرار في حق الغير و هو لا يقبل.

(128) لأنه بالنسبة إلى الغرماء إقرار في حق الغير و هو لا يقبل إلا بقبوله و رضاه، و قد مر أن الحكم في جميع صور المسألة هكذا: «ما دام يصدق الإقرار في حق الغير عرفا».

(129) لوجود المقتضي للنفوذ و فقد المانع عنه فينفذ لا محالة.

(130) لأنه بالنسبة إليهم إقرار في حق الغير، كما إذا أقر بأنه مديون لزيد بألف دينار مثلا يقبل إقراره بالدين لكن لا يشارك في ما حجر المقر عليه.

(131) لعموم قوله عليه السّلام: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، من غير دليل

ص: 160


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار.

تسليمها إلى المقرّ له أخذا بإقراره.

و أما نفوذه في حق الغرماء بحيث تدفع إلى المقرّ له في الحال ففيه إشكال الأقوى العدم (132).

مسألة 7: بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلس

(مسألة 7): بعد ما حكم الحاكم بحجر المفلس و منعه عن التصرف في أمواله يشرع في بيعها (133)، و قسمتها بين الغرماء بالحصص و على نسبة ديونهم مستثنيا منها مستثنيات الدين (134)، و قد مرت في كتاب

______________________________

على الخلاف.

(132) لكونه من الإقرار في حق الغير عرفا.

و ما يقال: من أنه بالإقرار يخرج عن مورد حق الغير فلا وجه للتمسك لبطلان الإقرار من هذه الجهة.

مردود: لكونه متوقفا على عدم سبق الحجر عليه و أما مع سبقه فقد تعلق حقهم بالمال، بل يمكن أن يقال بتعلق الحق تعلقا شأنيا قبل الحجر عليه أيضا.

و في المسألة أقوال خمسة من شاء العثور عليها و على بطلانها فليراجع المطولات كالجواهر إذ لا طائل لنقلها ثمَّ بيان فسادها مع وجود الأهم في البين في مثل عصرنا هذا.

(133) لأنه من نتيجة ولايته على الحجر بعد تمامية الشرائط و إنما الكلام في أن ذلك على سبيل مطلق الرجحان، لأنه سعى في قضاء حاجة الغرماء و إيصال حقهم إليهم و حفظه عن المعرضية للتضييع فيشمله جميع ما دل على رجحان السعي في قضاء حوائج الناس و المسارعة و الاستباق إلى الخيرات، أو على سبيل الوجوب كما في جميع موارد الأمور الحسبية؟ الظاهر هو الأخير خصوصا مع مطالبة الغرماء لذلك.

(134) لإطلاق أدلة استثنائها الشامل للمقام أيضا كما تقدم (1)، مضافا إلى الإجماع.

ص: 161


1- راجع صفحة: 24.

الدين، و كذا أمواله المرهونة عند الدّيان لو كان، فإن المرتهن أحق باستيفاء حقه من الرهن (135)، الذي عنده و لا يحاصه فيه سائر الغرماء و قد مر في كتاب الرهن.

مسألة 8: إن كان من جملة مال المفلس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمته كان البائع بالخيار

(مسألة 8): إن كان من جملة مال المفلس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمته كان البائع بالخيار (136)، بين أن يفسخ البيع و يأخذ عين ماله

______________________________

(135) لأصالة بقاء حقه و ظهور الإجماع مع سبق حقه، فلا يعارضه حق آخر و تقدم في الرهن ما ينفع المقام (1).

(136) هذا هو خيار التفليس الذي ذكره الشهيد قدّس سرّه في اللمعة، و يمكن أن يجعل هذا الخيار مطابقا للقاعدة لسبق حق البائع و صحة تعلق الغرض بعين المال كتعلقه بمالية المال فله الخيار من هذه الجهة.

هذا مضافا إلى ظهور الإجماع و النبوي المعمول به «من وجد عين ماله عند مفلس فهو أحق به من الغرماء» (2)، و صحيح عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه قال عليه السّلام: لا يحاصه الغرماء» (3)، بناء على أن المراد منه لو بضميمة كلام الأصحاب فسخ العقد لا عدم المحاصة، و إلا لوجب التعرض لزيادته على دينه و نقيصته، و مثله مرسل جميل عن الصادق عليه السّلام: «في رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع، و لم يدفع الثمن ثمَّ مات المشتري و المتاع قائم بعينه، فقال: إذا كان المتاع قائما بعينه رد إلى صاحب المتاع و ليس للغرماء أن يحاصوه» (4)، و صحيح أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحل ماله و أصاب البائع متاعه بعينه

ص: 162


1- تقدم في صفحة: 104.
2- كنز العمال ج: 4 كتاب التفليس حديث: 1385 ط- حيدر آباد.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الحجر حديث: 2 و 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الحجر حديث: 2 و 1.

و بين الضرب مع الغرماء بالثمن و لو لم يكن له مال سواها (137).

مسألة 9: قيل هذا الخيار على الفور

(مسألة 9): قيل هذا الخيار على الفور (138)، فإن لم يتبادر بالرجوع في العين تعين له الضرب مع الغرماء (139)، و هو الأحوط (140) لكن الظاهر العدم (141).

نعم، ليس له الإفراط في تأخير الاختيار بحيث يتعطل أمر التقسيم على الغرماء (142)، فإذا وقع منه ذلك خيّره الحاكم (143)، بين الأمرين

______________________________

له أن يأخذه إذا خفي له؟ قال: إن كان عليه دين و ترك نحوا مما عليه فليأخذه ان أخفى له فإن ذلك حلال له، و لو لم يترك نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي ء يأخذ بحصته و لا سبيل له على المتاع» (1)، و موردهما و إن كان في الميت إلا أن ما هو المعروف من أن المورد لا يخصص الحكم الوارد يشمل المقام.

(137) لإطلاق الأخبار مع ظهور خبر أبي ولاد في ذلك.

(138) استقربه في محكي التذكرة و جامع المقاصد، و جعله أولى في المسالك لأن الخيار خلاف الأصل، فيقتصر فيه على المتيقن.

(139) لسقوط حق الفسخ حينئذ بالنسبة إليه فيتعين عليه الضرب مع الغرماء.

(140) لأنه جمع بين الحقين، و أنه الأشهر في كلام الأصحاب كما عن جامع المقاصد.

(141) لإطلاق الدليل من غير ما يصلح للتقييد.

(142) لكونه إضرارا بالنسبة إليهم، فيشمله حديث نفي الضرر (2).

(143) لأن ذلك من الأمور الحسبية التي لا بد له من تصديها مع وجود

ص: 163


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الحجر حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات.

فإن امتنع عن اختيار أحدهما ضربه مع الغرماء بالثمن.

مسألة 10: يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين

(مسألة 10): يعتبر في جواز رجوع البائع بالعين حلول الدين فلا رجوع لو كان مؤجلا (144).

مسألة 11: لو كانت العين من مستثنيات الدين

(مسألة 11): لو كانت العين من مستثنيات الدين ليس للبائع أن يرجع إليها على الأظهر (145).

مسألة 12: المقرض كالبائع

(مسألة 12): المقرض كالبائع في أن له الرجوع في العين المقترضة لو وجدها عند المقترض (146)، بل و كذا المؤجر (147) فإن له فسخ الإجارة إذا حجر على المستأجر قبل استيفاء المنفعة (148).

مسألة 13: لو وجد البائع أو المقرض

(مسألة 13): لو وجد البائع أو المقرض بعض العين المبيعة أو

______________________________

المقتضى و فقد المانع.

(144) لعدم استحقاقه المطالبة حينئذ فليس له حق الفسخ لترتبه على استحقاق المطالبة.

(145) لأدلة استثنائها الشاملة للمقام أيضا، و منشأ التردد إمكان دعوى انصرافها عما نحن فيه فهو مخدوش لأنه بدوي لا اعتبار به.

(146) لصدق أن المتاع قائم بعينه، و صدق وجدان العين المذكور في الأدلة فيشمل جميع ذلك و يكون ذكر البيع في بعضها (1)، من باب المثال، و كذا يشمله إطلاق الكلمات أيضا.

(147) الكلام فيه عين الكلام في المقرض فلا وجه للإعادة.

(148) لفرض أن ملك المؤجر موجود و يصدق أنه قائم بعينه حينئذ، و لكن لو كان بعد الاستيفاء فلا شي ء للمالك حينئذ يكون أولى به، فتشتغل ذمة المستأجر لا محالة لها.

ص: 164


1- راجع صفحة: 162.

المقترضة كان لهما الرجوع (149)، إلى الموجود بحصته من الدين و الضرب بالباقي مع الغرماء (150)، كما أن لهما الضرب بتمام الدين معهم (151)، و كذا إذا استوفى المستأجر (152) بعض المنفعة كان للمؤجر فسخ الإجارة بالنسبة إلى ما بقي من المدة بحصتها من الأجرة و الضرب مع الغرماء بما قابلت المنفعة الماضية كما إن له الضرب معهم بتمام الأجرة (153).

مسألة 14: لو زادت في العين المبيعة

(مسألة 14): لو زادت في العين المبيعة أو المقترضة زيادة

______________________________

(149) لصدق وجود عين المال على الموجود.

فيشمله إطلاق الأدلة الدالة على التخيير، و صدق التلف بالنسبة إلى الباقي، فيرجع إلى أصالة اللزوم، مضافا إلى ظهور عدم الخلاف.

و تبعض الصفقة هنا لا أثر له لكونه من مقتضيات الدليل الدال على هذا الحكم.

و توهم: أنه لا وجه للتمسك بالإطلاق هنا بعد تلف البعض لعدم صدق كون المتاع قائما بعينه.

مدفوع: بأن المراد بكونه قائما بعينه البقاء في الجملة في مقابل التلف تماما.

(150) لتحقق الدين بالنسبة إلى الباقي حينئذ.

(151) لصدق عدم قيام المتاع بعينه فيترتب عليه حكمه و هو الضرب مع الغرماء في تمامه.

(152) الكلام فيه عين الكلام في البيع فلا يحتاج إلى الإعادة فراجع و تأمل.

(153) لصدق الدين و حجر المديون، فتشمله الأدلة الدالة على ضرب الدائن مع الغرماء في المال.

ص: 165

متصلة (154)، كالسمن تتبع الأصل فيرجع البائع أو المقرض إلى العين كما هي، و أما الزيادة المنفصلة كالحمل و الولد و اللبن و الثمر على الشجر فهي للمشتري و المقترض و ليس للبائع و المقرض الرجوع إلى الأصل (155).

مسألة 15: لو تعيبت العين عند المشتري مثلا

(مسألة 15): لو تعيبت العين عند المشتري مثلا فإن كان بآفة سماوية

______________________________

(154) الزيادة المتصلة على أقسام ثلاثة:

الأول: ما يحكم فيها العرف بالتبعية المحضة كالسمن اليسير الذي لا يلحظ مستقلا مثلا.

الثاني: ما يلحظ مستقلا و لها أهمية كبيرة من حيث القيمة و المالية، كالحيوان المهزول الذي ليست له قيمة معتنى بها فصار سمينا بحيث تغير مع حالته الأولى بالكلية من حيث القيمة و من سائر الجهات.

الثالث: ما يشك العرف في انه من أي القسمين.

و لا ريب في تحقق التبعية بالنسبة إلى الأصل في القسم الأول، لحكم العرف بذلك فتكون الزيادة للبائع و المقترض لكونها تابعة للأصل، و حيث إن الأصل لهما تكون الزيادة أيضا كذلك.

و أما القسم الثاني: فلا وجه للتبعية لكونها كالمباين بالنسبة إلى الأصل عرفا فكيف تكون تابعة له.

و أما الأخير: فيمكن أن يقال فيه بالتبعية لأصالة التبعية في الزيادة المتصلة عرفا إلا ما خرج بالدليل، و مدرك هذا الأصل هو حكم العرف به و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل.

(155) لأن الزيادة المنفصلة ليست عين مال البائع و المقرض حتى يصح لهما أخذها بل حدثت في ملك المشتري و المقترض، فمقتضى قاعدة التبعية كونها للمشتري أو المقترض كما في سائر الموارد من النماءات المنفصلة التي حدثت في ملك شخص ثمَّ زالت ملكيته عن الأصل بسبب من الأسباب.

ص: 166

أو بفعل المشتري فللبائع أن يأخذها كما هي بدل الثمن و أن يضرب بالثمن مع الغرماء (156)،

______________________________

(156) و هذا هو المشهور بين الفقهاء لشمول إطلاق دليل التخيير لهذه الصورة أيضا، مع أن ظاهرهم الإجماع عليه، و التوهم السابق في تلف البعض جار في المقام مع جوابه بل بالأولى لصدق بقاء تمام العين بلا تلف بعض منه، فاذا صح التخيير في تلف البعض صح في بقاء الكل عرفا مع العيب.

ثمَّ إن أخذ البائع للعين بدل الثمن من مقتضيات رفع البيع و فسخه بينه و بين المشتري فإنه إذا ارتفع البيع رجع كل من العوضين إلى مالكه عينا أو بدلا.

و توهم: أن العين في يد المشتري غير مضمونة على البائع فلا وجه لتعلق حقه بها، كما أنه لا وجه لتعلق الغرماء به بعد فرض تعلق حق البائع به.

مدفوع: بأن تعلق حق البائع به لأجل ما مر من النصوص و تعلق حق الغرماء به لفرض صدق إنها من مال المشتري.

نعم، الشارع جعل البائع أولى و أحق بها فجعل له الخيار.

ثمَّ إن العيب الحاصل إما بآفة سماوية أو بفعل المشتري أو بفعل البائع أو بفعل الأجنبي، و في الكل إما أن تكون مما يوجب استحقاق الأرش للبائع أولا، و اختلفت الأقوال بين الإفراط و التفريط، فمن قائل بعدم الثبوت و الاستحقاق أصلا، لأن الأرش كنماء الملك فيكون للمشتري فلا وجه لاستحقاق البائع له، و الشارع إنما جعل له الفسخ في الموجود من ماله فقط فإذا فسخ يرجع الموجود اليه دون غيره.

و خدشة هذا القول ظاهرة لأن التنظير بالنماء قياس و حصول النقص في مال البائع بعد رجوعه إليه وجداني فلا وجه لعدم تداركه مطلقا.

و من قائل بثبوته له مطلقا لأن الفسخ يوجب رجوع مال البائع اليه فإذا كان فيه نقصان جزءا و صفة لا بد من تداركه عليه، لقاعدة نفي الضرر و ليس الأرش

ص: 167

و كذا لو حصل بفعل البائع (157)، و أما إن كان بفعل الأجنبي فالبائع بالخيار (158)، بين أن يضرب مع الغرماء بتمام الثمن و بين أن يأخذ العين معيبا و حينئذ فيحتمل أن يضارب الغرماء (159) في جزء

______________________________

إلا هذا.

و من مفصل بينما إذا كان من حصل بفعله العيب ضامنا له كالأجنبي فيثبت الأرش و من لا يكون ضامنا، فلا وجه لثبوته لأنه إن حصل بآفة سماوية فقد حصل في ملك المشتري و لا موجب لضمان أحد له، و إن حصل بفعل المشتري فهو تصرف منه في ملكه و لا موجب للضمان أيضا.

إلا أن يقال: ان هذا ضمان يغتفره العرف و العقلاء بعد حكم الشارع بصحة رجوع البائع إلى عينه و ثبوت الخيار له لعدم عود ماله كاملا إليه فيصح اعتبار الضمان حينئذ عرفا، و على هذا لا فرق في ثبوت الأرش بين تمام الأقسام ما دام العرف يعتبر مثل هذا الضمان، لأنه من الوضعيات العرفية يدور مدار اعتبار العرف و عدم ردع الشارع عنه، بل مقتضى عموم قاعدة «نفي الضرر» تقريره.

(157) لأن ثبوت الأرش له مستلزم لثبوت الأرش للمالك لنفسه في ماله بما جناه بيده و هو بعيد جدا فلا وجه للأرش حينئذ.

و عن جمع أنه كالأجنبي لفرض انقطاع علاقته عن المال بعد البيع ما لم يرجع إليه لخياره و التصرف وقع بعد البيع و قبل ثبوت الخيار له، بل و كذا لو وقع بعد ثبوت الخيار و قبل أخذ العين فإنه باق على ملك المشتري بعد و يكون البائع كالأجنبي عنه فيما يأتي من الحكم.

(158) لما تقدم من النص (1).

(159) نسب هذا الاحتمال إلى المشهور لأنه لو يتضارب بتمام الأرش يلزم

ص: 168


1- تقدم في صفحة: 162.

من الثمن نسبته إليه كنسبة الأرش إلى قيمة العين، و يحتمل أن يضاربهم في تمام الأرش (160)، فإذا كان الثمن عشرة و قيمة العين عشرين و أرش النقصان أربعة،- خمس القيمة- فعلى الأول يضاربهم في اثنين و على الثاني في أربعة و لو فرض العكس بأن كان الثمن عشرين و القيمة عشرة و كان الأرش اثنين- خمس العشرة- يكون الأمر بالعكس يضاربهم في أربعة على الأول و في اثنين على الثاني و المسألة محل إشكال (161)، فالأحوط للبائع أن يقتصر على أقل الأمرين و هو الاثنان في الصورتين (162).

مسألة 16: لو اشترى أرضا فأحدث فيها

(مسألة 16): لو اشترى أرضا فأحدث فيها بناء أو غرسا ثمَّ فلّس كان للبائع الرجوع إلى أرضه (163)،

______________________________

الجمع بين العوض و المعوض.

(160) هذا الاحتمال من العلامة، و أجاب في جامع المقاصد عن إشكال لزوم الجمع بين العوض و المعوض في بعض الفروض بخروج المقام عن المعاوضة تخصصا، لأن المقام من باب غرامة الفائت لا من باب المعاوضة حتى يلزم المحذور.

(161) تنزيلا للمقام بما ذكر في غيره من أخذ تفاوت القيمة، و لكنه لا يخلو من قياس من اختلاف الموردين و لا نص و لا إجماع في البين كما اعترف به و إنما بنيت المسألة على الظنون الاجتهادية القابلة للنقض و الإبرام و بسط الكلام.

(162) بناء على كون المورد من موارد أخذ التفاوت، و لكن تقدم أنه لا يخلو من شبهة القياس في البين و لا دليل يصح الاعتماد عليه فحينئذ يكون الاحتياط في التخلص بالتصالح و التراضي.

(163) لصدق انها عين ماله مضافا إلى الإجماع.

ص: 169

لكن البناء و الغرس للمشتري (164)، و ليس له حق البقاء و لو بالأجرة (165) فإن تراضيا على البقاء مجانا أو بالأجرة (166)، و إلا فللبائع إلزامه بالقلع (167)، لكن مع دفع الأرش (168)، كما أن للمشتري القلع لكن مع طمّ الحفر (169)، و الأحوط للبائع عدم إلزامه بالقلع (170) و الرضا ببقائه و لو بالأجرة إذا أراده المشتري (171).

______________________________

(164) للأصل، و الإجماع.

(165) لفرض أن الأرض ملك الغير و لا يصح التصرف في ملك الغير و لو إبقاء- لما كان حدوثه بحق- إلا برضاه.

(166) لأن الحق لهما، فلهما أن يتراضيا بما شاءا.

(167) لقاعدة السلطنة، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(168) جمعا بين الحقين و دفعا للتضرر من البين.

(169) أما تسلطه على القلع فلأن المقلوع ماله فيكون مسلطا عليه، مضافا إلى إطلاق ما دل على أن الرجوع إلى العين الشامل لمثل ذلك أيضا. و أما لزوم طم الحفر فلدفع تضرر البائع بالحفر.

(170) استوجهه في الشرائع لأنهما قد وضعا بحق خاص خالص للمالك و في ملكه فليس لأحد حق فيهما مطلقا إلا برضاه.

و فيه: أن الشك في أن حدوث هذا الحق للمشتري دائمي أو ما دائمي يكفي في صحة قلعه مع الأرش، لإطلاق ما دل على رجوع العين إليه، الظاهر في رجوعها إليه بجميع أنحاء سلطاته من دفع المزاحمات و المنافيات كما كانت كذلك قبل البيع.

(171) ثمَّ أنه قد يشكل في جواز أخذ الأجرة للبائع من المشتري، لأن

ص: 170

مسألة 17: لو خلط المشتري مثلا ما اشتراه بماله

(مسألة 17): لو خلط المشتري مثلا ما اشتراه بماله فإن كان بغير جنسه ليس للبائع الرجوع في ماله و بطل حقه من العين (172).

و إن كان بجنسه كان له ذلك (173) سواء خلط بالمساوي أو الأردى أو الأجود و بعد الرجوع يشارك المفلس بنسبة مالهما في المقدار لكن فيما إذا اختلط بالمساوي اقتسماه عينا بنسبة مالهما و أما في غيره فيباع المجموع و يخص كل منهما من الثمن بنسبة قيمة ماله، فإذا خلط منّا من زيت يسوى درهما بمن من زيت يسوى درهمين يقسم الثمن بينهما أثلاثا، و إذا أراد أحدهما البيع ليس للآخر الامتناع.

نعم، لصاحب الأجود مطالبة القسمة العينية بنسبة مقدار المالين فإنه قد رضى بدون حقه، و ليس للآخر الامتناع و مطالبة البيع و تقسيم الثمن بنسبة القيمة هذا، و لكن في أصل المسألة و هو كون البائع أحق بماله في صورة الامتزاج عندي تأمل و إشكال (174)، فالأحوط عدم الرجوع إلا مع

______________________________

الحق و منه يظهر أن الأحوط ترك أخذ الأجرة إلا برضاه أو يرضى بالبقاء بلا أجرة، لاحتمال أن يكون مجرد الوضع بحق شيئا يلزم إبقائه و عدم السلطنة على إزالته و لو بأجرة.

(172) المناط في سقوط حقه عن العين و صيرورته كسائر الغرماء صدق أن المتاع ليس قائما بعينه و صدق عدم التمييز فيصير حينئذ كسائر الغرماء لفرض عدم التمييز بين ماله و سائر أموال المفلس، و يكون ماله بحكم التلف و يكون كباقي الغرماء الذين ذهبت أموالهم و تعلق حقهم بأموال المفلس.

(173) مع عدم التمييز و صدق أن المتاع ليس قائما بعينه كيف يكون له ذلك؟! مع أن موضوع حق البائع هو كون المتاع قائما بعينه بل و مع الشك فيه لا يصح التمسك بهذا الإطلاق لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(174) لصدق عدم قيام المتاع بعينه لا أقل من الشك في ذلك و كونها من

ص: 171

رضا الغرماء.

مسألة 18: لو اشترى غزلا فنسجه أو دقيقا فخبزه أو ثوبا فقصره أو صبغه لم يبطل حق البائع من العين

(مسألة 18): لو اشترى غزلا فنسجه أو دقيقا فخبزه أو ثوبا فقصره أو صبغه لم يبطل حق البائع من العين على إشكال في الأولين (175).

مسألة 19: غريم الميت كغريم المفلس

(مسألة 19): غريم الميت كغريم المفلس فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه لكن بشرط أن يكون ما تركه وافيا بدين الغرماء (176)، و إلا فليس له ذلك بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم و إن كان الميت قد مات محجورا عليه (177).

مسألة 20: يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله

(مسألة 20): يجري على المفلس إلى يوم قسمة ماله نفقته و كسوته (178)، و نفقة من يجب عليه نفقته و كسوته على ما جرت عليه

______________________________

جملة أموال المفلس معلوم فيتعلق بها حق الغرماء فلا بد للبائع من التراضي بينهم.

(175) لصدق كون المتاع قائما بعينه في الأخير و الشك في ذلك في الأولين.

(176) للإجماع، و صحيح أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحل ماله و أصاب البائع متاعه بعينه، له أن يأخذه إذا خفي له؟ قال عليه السّلام: إن كان عليه دين و ترك نحوا مما عليه فليأخذه ان حق له فإن ذلك حلال له، و لو لم يترك نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي ء يأخذ بحصته و لا سبيل له على المتاع» (1).

(177) للإطلاق الشامل لهذه الصورة أيضا.

(178) للإجماع و النبوي: «إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان له

ص: 172


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام الحجر حديث: 3.

عادته (179)، و لو مات قدم كفنه (180)، بل و سائر مؤن تجهيزه من السدر و الكافور و ماء الغسل و نحو ذلك (181) على حقوق الغرماء و يقتصر على الواجب على الأحوط و إن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوة (182).

مسألة 21: لو قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه

(مسألة 21): لو قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه ثمَّ ظهر غريم آخر لم ينقض القسمة على الأقوى (183)، بل يشارك مع كل منهم على

______________________________

فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول» (1)، و لسبق وجوب ذلك على حق الغرماء المقدم على حقهم بمقتضى فتوى الأصحاب و لخبر علي بن إسماعيل: «عن رجل من أهل الشام أنه سأل أبا الحسن عليه السّلام عن رجل عليه دين قد فدحه و هو يخالط الناس و هو يؤتمن يسعه شراء الفضول من الطعام و الشراب، فهل يحل له أم لا؟ و هل يحل أن يتطلع من الطعام أم لا يحل له إلا بقدر ما يمسك به نفسه و يبلغه؟ قال عليه السّلام: لا بأس بما أكل» (2).

(179) لأنه المنساق من الأدلة و المتسالم عليه بين الأصحاب.

(180) لقوله صلّى اللّه عليه و آله: «أول ما يبدأ به من المال الكفن» (3)، مضافا إلى الإجماع.

(181) لأن الظاهر أن الكفن ذكر مثالا للتجهيزات الواجبة مع ظهور الإجماع عليه، و تقدم بعض الكلام في أحكام التجهيزات فراجع.

(182) أما الاحتياط فللاقتصار على المتيقن من الأدلة، و أما اعتبار المتعارف فلصحة دعوى أن المنساق من الأدلة كما في نفقاته في حال حياته خصوصا مع كثرة اهتمام الشارع بحفظ شؤون المؤمن حيا و ميتا، و تقدم في أحكام التجهيزات بعض ما ينفع المقام.

(183) كما اختاره في جامع المقاصد معللا بأن القسمة وقعت عن أهلها

ص: 173


1- كنز العمال ج: 6 حديث: 1680 صفحة: 220 ط- حيدر آباد الهند.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب الدين و القرض.
3- راجع مسألة 9 و 10 من الدين صفحة 16.

الحساب فإذا كان مجموع ماله ستين و كان له غريمان يطلب أحدهما ستين و الآخر ثلاثين فأخذ الأول أربعين و الثاني عشرين، ثمَّ ظهر ثالث يطلب منه عشرة يأخذ من الأول أربعة و من الثاني اثنين فيصير حصة الأول ستة و ثلاثين و الثاني ثمانية عشر و الثالث ستة يأخذ كل منهم ثلاثة أخماس طلبه و هكذا.

مسألة 22: لو قال المفلس هذا المال أمانة لغائب عندي

(مسألة 22): لو قال المفلس هذا المال أمانة لغائب عندي و لم يكن له بيّنة يقبل قول المفلس مع اليمين (184) و يقر في يده، و لو قال إنه لحاضر و صدّقه دفع إليه (185)،

______________________________

و في محلها فيملك المقسوم عليهم ما قبضوه، و أما ما قبضوه زائدا على حقهم فيجب عليهم رده إلى الغريم الذي ظهر بعد القسمة.

و فيه: ان مقتضى الأصل بقاء المال على الإشاعة و عدم تحقق القسمة و عدم ملكية المقسوم عليهم لما قبضوه و عدم تعينه لهم بعد عدم الحصر الواقعي فيهم، و إنما كان حصرا ظاهريا انكشف خلافه فيكون وجود هذه القسمة كالعدم، و لذا اختار جمع نقض القسمة بمعنى تبين بطلانه فيستأنف الحاكم القسمة من رأس، و لعل الأذهان العرفية تساعد على هذا، و الظاهر أن القائلين بعدم النقض لا يقولون به في صورة الخطأ في القسمة و النسيان و الجهل و التعبد و نحو ذلك بل يقولون ببطلانها فيها، فليكن المقام أيضا كذلك، و منه يظهر حكم ما لو وجد الغريم الآخر عين ما له في أموال المفلس.

و تظهر الثمرة بين القولين في موارد منها النماء فإنه للمفلس بناء على النقض فيصرف في ديونه و للمقسوم عليهم بناء على العدم.

(184) لأنه من الأمور التي لا تعلم إلا من قبله، و المفروض عدم وجود بينة في البين، فيقبل قوله مع اليمين إلا إذا أقام الغرماء بيّنة مقبولة على أن المال ملكه لا أن يكون أمانة عنده.

(185) لوجود المقتضي و فقد المانع، و أصالة عدم تعلق حق الغرماء به.

ص: 174

و إن أكذبه قسم بين الغرماء (186).

مسألة 23: إذا باع شقصا و فلّس المشتري كان للشريك المطالبة بالشفعة

(مسألة 23): إذا باع شقصا و فلّس المشتري كان للشريك المطالبة بالشفعة و يكون البائع أسوة مع الغرماء في الثمن (187).

مسألة 24: إذا باع شيئا سلفا ثمَّ فلس المشتري

(مسألة 24): إذا باع شيئا سلفا ثمَّ فلس المشتري و حل الأجل يرجع البائع إلى عين ماله مع وجوده و يضرب مع الغرماء إن كان تالفا (188).

مسألة 25: لو جنى على المفلّس جان خطأ تعلق حق الغرماء بالدية

(مسألة 25): لو جنى على المفلّس جان خطأ تعلق حق الغرماء بالدية (189)، و إن كان عمدا كان بالخيار بين القصاص و أخذ الدية (190)

______________________________

(186) لأن ظاهر اليد أنه ماله و المفروض عدم حجة على الخلاف.

(187) أما الأول فلإطلاق أدلة الشفعة الشاملة للمقام أيضا، مضافا إلى دعوى الإجماع على ثبوتها.

و أما الثاني فلفرض كون مال البائع في يد المشتري، فيكون البائع أسوة مع الغرماء.

هذا إذا أخذ الشفيع المال بالشفعة و أما مع بقائه عند المشتري ثمَّ عرض الحجر عليه للفلس فيمكن أن يقال: بأن البائع أحق بماله، و لكنه يشكل أيضا بأن الأحقية إنما تثبت فيما إذا لم يتعلق به حق الغير و المفروض تعلق حق الشفيع.

(188) أما إن وجد البائع عين ماله عند المسلم اليه فلما مر من دليله سابقا و أما لو وجده تالفا فلإطلاق الأدلة الدالة على أن ماله أسوة للغرماء، و في المسألة تفصيل آخر و من شاء فليراجع المطولات.

(189) لأنها ماله و يتعلق حق الغرماء بأمواله، و يمكن الإشكال بأن المنساق من الأدلة تعلق حق الغرماء بما له من الأموال الموجودة لا الحاصلة بالجناية، فالعمدة هو الإجماع لو تمَّ.

(190) لما سيأتي في كتاب الديات إن شاء اللّه تعالى من التخيير في صورة

ص: 175

إن بذلت له و لا يتعين عليه قبول الدية (191).

مسألة 26: لا تحل الديون المؤجلة بالحجر و تحل بالموت

(مسألة 26): لا تحل الديون المؤجلة بالحجر و تحل بالموت (192).

مسألة 27: لو مات المفلس حل ما عليه و لا يحل ما له

(مسألة 27): لو مات المفلس حل ما عليه (193)، و لا يحل ما له (194).

______________________________

العمد بينهما.

(191) للأصل، و لأنه اكتساب و لا يجب عليه ذلك، و لكنه مشكل لو لم يكن إجماع للشك في شمول الاكتساب لمثل قبول الدية.

(192) أما الأول فللأصل بعد اعتبار كون الحجر بالنسبة إلى الديون الحالية، و أما الثاني فلنصوص تقدم بعضها في كتاب الدين فلا وجه للإعادة (1).

(193) نصا كما تقدم في أحكام الدين، و إجماعا.

(194) للأصل و دعوى الإجماع، و عدم صحة القياس على ما عليه.

ص: 176


1- راجع مسألة 9 و 10 من الدين صفحة: 16.

الخامس: المرض

اشارة

الخامس: المرض المريض إذا لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح يتصرف في ماله بما شاء و كيف شاء، و ينفذ جميع تصرفاته في جميع ما يملكه (195).

إلا فيما أوصى بأن يصرف شي ء بعد موته (196) فإنه لا ينفذ فيما زاد على ثلث ما يتركه (197)، كما أن الصحيح أيضا كذلك و يأتي تفصيل ذلك في محله (198).

______________________________

(195) بالأدلة الأربعة فمن الكتاب مفهوم قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، و من السنة نصوص كثيرة في أبواب متفرقة منها قوله عليه السّلام:

«الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح» (2)، و قريب منه غيره، و يدل عليه قاعدة السلطنة أيضا، و من الإجماع إجماع الإمامية، و من العقل حكم العقلاء اجمع قولا و عملا بثبوت هذه الولاية لصاحب المال مع عدم مانع في البين، و في الحقيقة يرجع حكمهم هذا إلى قاعدة السلطنة التي هي من القواعد العقلية النظامية.

(196) للنصوص المستفيضة منها قوله عليه السّلام: «تجاز الوصية ما لم يتعد الثلث» (3)، و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال عليه السّلام: ثلث ماله و للمرأة أيضا» (4)، و الإجماع الدال على أن الوصية تخرج من الثلث إلا مع اجازة الورثة كما سيأتي في كتاب الوصية.

(197) لما مر آنفا و يأتي في كتاب الوصية أيضا.

(198) راجع كتاب الوصية.

ص: 177


1- سورة النساء: 29.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصية حديث: 5.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصية حديث: 5 و 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصية حديث: 5 و 2.

و أما إذا اتصل مرضه بموته لا إشكال في عدم نفوذ وصيته بما زاد على الثلث كغيره (199)، كما أنه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلقة بماله كالبيع بثمن المثل و الإجارة بأجرة المثل و نحو ذلك (200)، و كذا أيضا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله بالأكل و الشرب و الإنفاق على نفسه و من يعوله و الصرف على أضيافه و في مورد يحفظ شأنه و اعتباره و غير ذلك (201)، و بالجملة كل صرف يكون فيه غرض عقلائي مما لا يعدّ سرفا و تبذيرا أي مقدار كان و إنما الإشكال و الخلاف في مثل الهبة و العتق و الوقف و الصدقة و الإبراء و الصلح بغير عوض و نحو ذلك من التصرفات التبرعية، في ماله مما لا يقابل بالعوض و يكون فيه إضرار بالورثة و هي المعتبر عنها بالمنجزات (202)، و انها هل هي نافذة من الأصل بمعنى نفوذها و صحتها مطلقا، و إن زادت على ثلث ماله بل و إن تعلقت بجميع ماله بحيث لم يبق شي ء للورثة أو هي نافذة بمقدار الثلث فإن زادت يتوقف صحتها و نفوذها في الزائد على إمضاء الورثة و الأقوى هو الأول (203).

______________________________

(199) لما تقدم آنفا و يأتي في كتاب الوصية أيضا.

(200) لإطلاق أدلة تلك العقود، و قاعدة السلطنة و السيرة و الإجماع.

(201) لما مر من قاعدة السلطنة، و الإجماع، و سيرة المتشرعة بل يكون منعه عن ذلك مستنكرا لدى العقلاء اجمع.

(202) و قد كتبوا فيها رسائل كثيرة و منشأها اختلاف الآراء و النصوص كما تأتي الإشارة إليها في محله.

(203) نسب ذلك إلى أكثر القدماء، و في الرياض نسبته إلى المشهور و عن الغنية و الانتصار دعوى الإجماع عليه و استدل له.

تارة: بقاعدة السلطنة.

ص: 178

.....

______________________________

و أخرى: بأصالة الصحة.

و ثالثة: باستصحاب الصحة.

و رابعة: بالأدلة الأربعة الدالة على لزوم العقد و صحتها كما تقدم (1).

و خامسة: بإطلاقات كل عقد و تصرف و إيقاع.

و خامسة: بالسيرة و الإجماعات المنقولة و عن الشيخ نسبته ذلك إلى أخبار الطائفة.

و سادسة: بالأخبار الكثيرة الخاصة الناصة أو الظاهرة في ذلك كصحيح صفوان عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يعطي الشي ء من ماله في مرضه، فقال عليه السّلام: إذا أبان فهو جائز و إن أوصى به فهو من الثلث» (2)، و المراد من الإبانة التنجيز بقرينة المقابلة الواردة فيه و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يكون له الولد أ يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال عليه السّلام: هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت إن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا إن شاء و هبة و إن شاء تصدق به و إن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت فإن أوصى به فليس له إلا الثلث إلا أن الفضل في أن لا يضيع من يعوله و لا يضر بورثته» (3).

و خبر عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين، به قال: نعم فإن أوصى به فليس له إلا الثلث» (4).

و في خبر أبي المحامد عنه عليه السّلام أيضا: «الإنسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه» (5) و خبر الساباطي «صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شي ء من الروح يضعه حيث يشاء» (6)، و في خبره الآخر: «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز» (7)، فيشمل المنجز بالفحوى و هذه الأخبار مع تعاضدها بالشهرة القديمة و الأصول العقلية تجزي في الحكم، بل واحد منها يجزي فلا

ص: 179


1- راجع ج: 16 صفحة: 231.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 6 و 2 و 7 و 8 و 4 و 5.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 6 و 2 و 7 و 8 و 4 و 5.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 6 و 2 و 7 و 8 و 4 و 5.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 6 و 2 و 7 و 8 و 4 و 5.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 6 و 2 و 7 و 8 و 4 و 5.
7- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 6 و 2 و 7 و 8 و 4 و 5.

.....

______________________________

وجه للإطالة في نقل جميعها، و لا المناقشة في سند بعضها أو دلالة بعضها الآخر فإن ذلك باطل كما لا يخفى على من راجع المفصلات خصوصا رسالة المحقق اليزدي التي أوردها في ختام حاشيته الشريفة على المكاسب، فإنه أحسن ما وضع في المسألة على ما ظفرنا عليه.

هذا خلاصة ما استدل به للقول الأول و هو الخروج من الأصل.

القول الثاني: الخروج من الثلث و عدم الخروج من الأصل نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين.

تارة: و إلى الأكثر أخرى و إلى عامة المتأخرين ثالثة، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه و لا يخفى أن في دعوى الغنية الإجماع تهافتا منه لنقله الإجماع على القول الأول أيضا.

و لا بد من التأمل في النسبة إلى الأكثر أو المشهور أيضا كما لا يخفى على المتأمل في الكلمات و المتفحص فيها، و دليلهم اخبار ادعى في جامع المقاصد تواترها و هي طوائف:

أحدها: ما دل على أن للرجل عند موته ثلث ماله كخبر يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال عليه السّلام: له ثلث ماله و للمرأة أيضا» (1)، و في خبر ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام ما للرجل من ماله عدن موته؟ قال عليه السّلام: الثلث و الثلث كثير» (2)، و عنه عليه السّلام أيضا:

«للرجل عند موته ثلث ماله و إن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه» (3)، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم» (4)، إلى غير ذلك من الأخبار و ظهورها في الوصية و لو بقرينة غيرها مما لا ينكر فلا وجه للتطويل بأكثر مما ذكرنا.

الثانية: ما ورد في خصوص العتق و هي أقسام من الأخبار منها خبر عقبة

ص: 180


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا حديث: 10 و 2 و 8 و 7.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا حديث: 10 و 2 و 8 و 7.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصايا حديث: 10 و 2 و 8 و 7.
4- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الوصايا حديث: 3.

.....

______________________________

بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال عليه السّلام: ما يعتق منه إلا ثلثه» (1)، و مثله غيره.

و منها: ما عن محمد بن مسلم قال: «سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصى بوصيته و كان أكثر من الثلث قال عليه السّلام: يمضى عتق الغلام و يكون النقصان فيما بقي» (2)، و قريب منه غيره.

و منها: ما عن زرارة عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أعتق مملوكه عند موته و كان عليه دين، فقال عليه السّلام: إن كان قيمته مثل الذي عليه و مثله جاز عتقه و إلا لم يجز» (3)، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في العتق و عدها من المقام بعيد جدا كما لا يخفى على الأعلام، لأن المنساق من كلماتهم في أبواب العتق انها مسألة أخرى لا ربط لها بالمنجّزات مع إمكان حمل بعضها على الوصية كخبر علي بن عقبة تجد شاهدا على ما قلنا، فعن الصادق عليه السّلام: «في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال عليه السّلام:

ما يعتق منه إلا ثلاثة و سائر ذلك الورثة أحق بذلك و لهم ما بقي» (4).

الثالثة: الأخبار الدالة على عدم الصحة في بعض المنجزات كالنحلة كما في خبر جراح المدائني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عطية الوالد لولده يبينه قال عليه السّلام: إذا أعطاه في صحته جاز» (5)، و العطية كما في خبر سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عطية الوالد لولده؟ فقال: أما إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء و أما في مرضه فلا يصلح» (6)، و الصداق كما في صحيح الحلبي قال:

ص: 181


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 13.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصايا حديث: 3.
3- الوسائل باب: 39 من أبواب الوصايا حديث: 6.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصايا حديث: 4.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 14 ج 13.
6- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 11، 15 ج 13.

مسألة 1: لا إشكال و لا خلاف في أن الواجبات المالية

(مسألة 1): لا إشكال و لا خلاف في أن الواجبات المالية التي يؤديها المريض في مرض موته كالخمس و الزكاة و الكفارات تخرج من الأصل (204).

______________________________

«سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها؟ فقال عليه السّلام: لا و لكنها إن وهبت له جاز ما وهبت له من ثلثها» (1)، و في خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «أنه كان يرد النحلة في الوصية و ما أقر به عند موته بلا ثبت و لا بينة ردّه» (2)، و الحق أن ظهورها في الكراهة بملاحظة مجموع أخبار الباب بعد رد بعضها إلى بعض مما لا ينكر فلا وجه لعدها معارضا لما ثبت بالأصول العقلية و النقلية المتقدمة.

الرابعة: ما عن علي عليه السّلام: «ما أبالي أضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال» (3)، و مثله غيره.

و فيه: ان المنساق منها عرفا الوصية بالزائد على الثلث لإخراج المال عن ملك الورثة رأسا قبل الموت فلا ربط لها بالمقام أيضا.

فخلاصة الكلام: إن كل من لاحظ جميع الأخبار الواردة من بدئها إلى ختامها يحكم بفطرته بترجيح الأخبار الدالة على صحة المنجّزات من الأصل على الأخبار الدالة على انها من الثلث لو فرض التعارض مع أنه لا موضوع للتعارض كما مر، و لا أدري ما بالهم «رحمهم اللّه تعالى» حكموا بالحمل على الكراهة في موارد كثيرة من الفقه من موارد التعارض بحمل ما دل على المنع عليها، و في المقام قالوا بالبطلان فيا ليتهم قالوا بالجواز مع الكراهة ليوافق ذلك مع أقوالهم في سائر أبواب الفقه.

(204) للإجماع، و لأنها دين و كل دين يخرج من الأصل، أما الصغرى

ص: 182


1- الوسائل باب: 17 من أبواب الوصايا حديث: 11، 15 ج 13.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصايا حديث: 12.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الوصايا حديث: 1.

مسألة 2: البيع و الإجارة المحاباتيان

(مسألة 2): البيع و الإجارة المحاباتيان كالهبة بالنسبة إلى ما حاباه (205)، فيدخلان في المنجزات التي هي محل الإشكال و الخلاف فإذا باع شيئا يسوى مائة بخمسين فقد أعطى المشتري خمسين كما إذا وهبه (206).

مسألة 3: الصدقة و إن كانت من المنجزات

(مسألة 3): الصدقة و إن كانت من المنجزات كما أشرنا إليه لكن الظاهر أنه ليس منها ما يصدق المريض لأجل شفائه و عافيته بل هي ملحقة بالمعاوضات فكأن المريض يشتري به حياته و سلامته (207).

مسألة 4: لو قلنا بكون المنجزات ينفذ من الثلث

(مسألة 4): لو قلنا بكون المنجزات ينفذ من الثلث يشكل القول به في المرض الذي يطول سنة أو سنتين أو أزيد (208)، إلا فيما إذا وقع التصرف في أواخره القريب من الموت، بل ينبغي أن يقتصر على المرض

______________________________

فلإطلاق الدين عليها عند المتشرعة، و أما الكبرى فللنص (1)، و الإجماع، و تقدم في كتاب الحج و يأتي في الوصية بعض ما ينفع المقام.

(205) لتحقق ملاك الهبة فيها و هو عدم العوض و تحقق المجانية بالنسبة إلى ما حاباه.

(206) فيتحقق المجانية حينئذ و يصير من صغريات المقام.

(207) مع أن الظاهر انصراف الأدلة عنها و هي تختلف باختلاف الأشخاص و الجهات و الأمر سهل بعد اختيار أن المنجزات من الأصل.

(208) الموجود في النصوص لفظ «المرض» (2) و «حضره الموت» و «عند موته» (3)، و «و حضرته الوفاة» (4)، و المنساق منها بعد رد بعضها إلى بعض هو

ص: 183


1- الوسائل باب: 28 من أبواب الوصية.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب الوصية حديث: 4.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الوصية حديث: 3 و 4 و 6.
4- الوسائل باب: 43 من أبواب الوصية حديث: 1.

المخوف (209)، الذي يكون معرضا للخطر و الهلاك فمثل حمى يوم خفيف اتفق الموت به على خلاف مجاري العادة يمكن القول بخروجه (210)، كما انه ينبغي الاقتصار على ما إذا كان الموت بسبب ذلك المرض الذي وقع التصرف فيه فإذا مات فيه و لكن بسبب آخر من قتل أو افتراس سبع، أو لذع حية و نحو ذلك يكون خارجا (211).

مسألة 5: لا يبعد يلحق بالمرض

(مسألة 5): لا يبعد يلحق بالمرض حال كونه معرض الخطر و الهلاك كأن يكون في حال المراماة في الحرب أو في حال إشراف السفينة على الغرق أو كانت المرأة في حال الطلق (212).

مسألة 6: لو أقرّ بدين أو عين من ماله

(مسألة 6): لو أقرّ بدين أو عين (213) من ماله في مرض موته

______________________________

المرض المتصل بالموت عرفا اتصالا قريبا بحيث يصدق عند المتعارف أن هذا المرض صار سببا قريبا لموته، و في موارد الشك يرجع إلى قاعدة السلطنة و الصحة، مع أنه بعد أن بطل أصل المبنى لا وجه لهذا البحث أصلا لعدم الفرق حينئذ بين المريض و الصحيح متصلا كان مرضه بموته أو لا.

(209) ليس في الأدلة هذا اللفظ و إنما ذكره الشيخ رحمه اللّه و من تبعه و لعلهم أرادوا ما ذكرناه أيضا.

(210) لما مر من قاعدتي السلطنة و الصحة.

(211) لما مر في سابقة من قاعدتي السلطنة و الصحة بعد عدم صحة التمسك بما دل على الخروج من الثلث لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(212) بدعوى أن المناط كله ظهور أمارة الموت و قرب وقوعه عرفا فيشمل ذلك كله، و لكنه من مجرد الدعوى كما لا يخفى على من تأمل في الأخبار المتقدمة.

(213) لإطلاق الأدلة الشامل لهما و لكن جل الأخبار مشتمل على الدين (1)،

ص: 184


1- راجع الوسائل باب: 16 من أبواب أحكام الوصايا.

لوارث أو أجنبي (214)، فإن كان مأمونا غير متهم نفذ إقراره في جميع ما أقرّ به و إن كان زائدا على ثلث ماله بل و إن استوعبه (215)، و إلا فلا ينفذ

______________________________

و إن كان بعضها متضمن للعين (1)، أيضا و فيه غنى و كفاية في التعميم لهما.

(214) لشمول إطلاق الأدلة لكل واحد منهما كما يأتي، و يمكن أن يكون الإقرار بغير الدين و العين كالإقرار بمنفعة شي ء مثلا أو الانتفاع به.

(215) المنساق من المنجّزات في مورد بحث الفقهاء هو إنشاء التصرف تمليكا أو نحوه أو الالتزام بأحدهما فيكون الإقرار خارجا عن مورد بحثهم تخصصا، لكونه إخبارا لا إنشاء فلا ملازمة بين المسألتين لا بحسب الأقوال و لا بحسب الأدلة فلا بد و أن يعمل في الإقرار بحسب القواعد العامة أولا، ثمَّ بحسب الأدلة الخاصة المنافية لها و الجمع بينها ثمَّ العمل بالمتحصل منه فيما خالف القواعد العامة، مقتضاها النفوذ مطلقا مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2)، و قوله عليه السّلام: «المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا عليه» (3)، و قوله عليه السّلام: «لا أقبل شهادة الفاسق إلا على نفسه» (4)، و لا يبعد انصرافها عن مورد التهمة في مثل المقام الذي يكون الإقرار مضرا بالغير فيصير مفادها متحدا مع ما يستفاد من الأخبار بعد الجمع بينهما كما يأتي، و هي على أقسام أربعة:

الأول: ما هو مطلق في النفوذ كخبر أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مريض أقر عند الموت لوارث بدين له عليه؟ قال: يجوز ذلك قلت فإن أوصى لوارث بشي ء، قال عليه السّلام: جائز» (5)، و خبر سعد بن سعد (6)، عن الرضا عليه السّلام: «عن رجل مسافر حضره الموت فدفع ماله إلى رجل من التجار،

ص: 185


1- الوسائل باب: 57 و 58 و 59 و 60 من أبواب الوصايا.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار ج: 16.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار حديث: 1.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب الإقرار حديث: 1.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 4 و 6.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 4 و 6.

.....

______________________________

فقال له: إن هذا المال لفلان بن فلان ليس لي فيه قليل و لا كثير فادفعه اليه يصرفه حيث يشاء، فمات و لم يأمر صاحبه الذي جعل له بأمر و لا يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك كيف يصنع؟ قال عليه السّلام: يضعه حيث يشاء»، و خبر السكوني عن علي عليه السّلام: في رجل أقر عند موته لفلان و فلان لأحدهما عندي ألف درهم ثمَّ مات على تلك الحال، فقال علي عليه السّلام: أيهما أقام البينة فله المال، و إن لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان» (1)، فمقتضى إطلاق هذه الأخبار نفوذ الإقرار مطلقا و لكن يقيد بما يأتي من القسم الرابع.

الثاني: خبر إسماعيل بن جابر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أقر لوارث له و هو مريض بدين له عليه؟ قال عليه السّلام يجوز عليه إذا أقر به دون الثلث» (2)، و خبر سماعة قال: «سألته عمن أقر للورثة بدين عليه و هو مريض؟

قال عليه السّلام: يجوز عليه ما أقر به إذا كان قليلا» (3)، إذ المراد منه الثلث للإجماع على عدم اعتبار القلة بما هي فهذا القسم مطلق في الخروج من الثلث.

الثالث: خبر مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السّلام قال:

«قال علي عليه السّلام: لا وصية لوارث و لا إقرار له بدين، يعني إذا أقر المريض لأحد من الورثة بدين له فليس له ذلك» (4)، و في خبر السكوني عنه عليه السّلام أيضا: «أنه كان يرد النحلة في الوصية و ما أقر به عند موته بلا ثبت و لا بينة رده» (5)، و هذا القسم يطرح أو يحمل على التقية.

الرابع: صحيحة أبي أيوب عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أوصى لبعض ورثته إن له عليه دينا، فقال عليه السّلام: إن كان الميت مرضيا فأعطه الذي أوصى له» (6)، و في صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: الرجل يقر لوارث بدين، فقال:

ص: 186


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الوصية حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 3.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 9 و 13 و 12.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 9 و 13 و 12.
5- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 9 و 13 و 12.
6- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 8.

فيما زاد على ثلثه (216)، و المراد بكونه متهما وجود أمارات يظن معها

______________________________

يجوز إذا كان مليا» (1)، و في خبر العلاء قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة استودعت رجلا مالا فلما حضرها الموت قالت له: إن المال الذي دفعته إليك لفلانة و ماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل فقالوا: إنه كان لصاحبتنا مال و لا نراه إلا عندك فاحلف لنا مالها قبلك شي ء أ فيحلف لهم؟ فقال عليه السّلام: إن كانت مأمونة عنده فيحلف لهم، و إن كان متهمة فلا يحلف و يضع الأمر على ما كان، فإنما لها من مالها ثلثه» (2)، و في رواية أبي بصير قال: «سألته عن رجل معه مال مضاربة فمات و عليه دين، و أوصى أن هذا الذي ترك لأهل المضاربة أ يجوز ذلك؟

قال عليه السّلام: نعم، إذا كان مصدقا» (3)، و في مكاتبة محمد بن عبد الجبار عن العسكري عليه السّلام: «إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من رأس المال إن شاء اللّه، و إن لم يكن الدين حقا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها كفى أو لم يكف (4)، و بهذا القسم من الأخبار نقيد ما تقدم من الإطلاقات، و لا يبقى مجال للشك بعد وجوده لما ذكره المشهور إذ المراد من قولهم عليهم السّلام فيما تقدم-: «إذا كان مصدقا» أو «مرضيا» أو «مليا» أو «مأمونة» أو «إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج من رأس المال»- عدم التهمة في إقراره فلهذا القسم من النصوص نحو حكومة و شرح بالنسبة إلى ما مر من الأقسام، و المتحصل منها أن المتهم ينفذ إقراره من الثلث و غيره من الأصل لعناوين كثيرة و هي ملازمة عرفا لعدم الاتهام، فلا مجال للبحث عن أن الاتهام مانع أو المأمونية شرط.

و أما الأقوال فأنهاها بعضهم إلى عشرة لا فائدة في التعرض لها وردها بعد وضوح الأمر بحمد اللّه تعالى.

(216) للقسم الرابع من النصوص الذي له حكومة على سائر الأقسام فتقيد إطلاقاتها به لا محالة.

ص: 187


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 5 و 20.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 5 و 20.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 10 و 14.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الوصية حديث: 10 و 14.

بكذبه (217) كأن يكون بينه و بين الورثة معاداة يظن معها بأنه يريد بذلك اضرارهم، أو كان له محبة شديدة مع المقر له يظن معها بأنه يريد بذلك نفعه.

مسألة 7: إذا لم يعلم حال المقر

(مسألة 7): إذا لم يعلم حال المقر و أنه كان متهما أو مأمونا ففي الحكم بنفوذ إقراره في الزائد على الثلث و عدمه إشكال (218) فالأحوط التصالح بين الورثة و المقر له (219).

مسألة 8: إنما يحسب الثلث في مسألتي المنجزات و الإقرار

(مسألة 8): إنما يحسب الثلث في مسألتي المنجزات و الإقرار بالنسبة إلى مجموع ما يتركه في زمان موته (220) من الأموال عينا أو دينا أو منفعة أو حقا ماليا يبذل بإزائه المال كحق التحجير (221)، و هل تحسب الدية من

______________________________

(217) لأن هذا هو المنساق من الاتهام و عدم المأمونية و نحوها الوارد كل ذلك في النصوص المتقدمة.

(218) مقتضى أصالة عدم حجية الإقرار عند الشك فيها عدم النفوذ، و لا حاكم على هذا الأصل إلا إطلاقات أدلة المقام و لا وجه للتمسك بها لأن الشبهة مصداقية سواء كان الاتهام مانعا أو الوثوق شرطا، و لا بد من إحراز الموضوع على كل حال ثمَّ التمسك بالدليل و لا بأصالة الصحة لأنها لا تثبت الموضوع المعلق عليه الحكم.

نعم، تجري أصالة عدم المانعية بالعدم الأزلي بناء على كون الاتهام مانعا، و لكنه خلاف ظواهر الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض و صدرها إلى ذيلها الظاهرة بعد ذلك في شرطية الوثوق بالصدق.

(219) خروجا عن خلاف من أجرى العمومات، و أصالة الصحة الجارية في المقام.

(220) للإجماع، و لأنه المنساق من الأدلة.

(221) و حق الشفعة و حق نصب الشبكة و نحوهما.

ص: 188

التركة و تضم إليها و يحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا، وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من الرجحان (222).

______________________________

(222) و هو المشهور المدعى عليه الإجماع و استدلوا بنصوص بعضها واردة في الدية بقتل الخطأ كخبر محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:

«قضي أمير المؤمنين في رجل أوصى لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله ثلثا أو ربعا أو أقل من ذلك أو أكثر ثمَّ قتل بعد ذلك الموصي فودي فقضى في وصيته انها تنفذ من ماله و من ديته كما أوصى» (1).

و عنه أيضا قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فيقتل الرجل خطأ يعني الموصي، فقال عليه السّلام: يجاز لهذه الوصية من ماله و من ديته» (2).

و مثله غيره و بعضها وردت في مطلق الدية مثل خبر عبد الحميد قال:

«سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل قتل و عليه دين و أخذ أهل الدية الدية من قاتلهم أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال عليه السّلام: نعم، قلت: و هو لم يترك، قال عليه السّلام: أما إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين» (3)، و مثله خبر يحيى الأزرق (4)، و بعضها الآخر وردت في خصوص العمد كرواية ابن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السّلام: «قلت فإن هو قتل عمدا و صالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال عليه السّلام: بل يؤدوا دينه من ديته التي صالحوا عليها أولياؤه فإنه أحق بديته من غيره» (5).

و قد تعدوا «قدس أسرارهم» من الدين الوارد في تلك النصوص، قال

ص: 189


1- الوسائل باب: 14 من أبواب الوصايا حديث: 3.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب الوصايا حديث: 1.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الدين حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الدين حديث: 1 و 2.
5- الوسائل باب: 59 من أبواب القصاص في النفس حديث: 2.

.....

______________________________

السيد المحقق اليزدي في الرسالة التي كتبها في منجزات المريض في ختام حاشيته الشريفة على المكاسب «نعم يشكل في العمدية من جهة عدم النص»، و فيه لفظ العمد ورد فيما مر من الأخبار، ثمَّ قال: «إلا انك قد عرفت تعدي الأصحاب و لعله من جهة التعليل في الخبر الأخير من كونه «أحق بديته»، بل يمكن أن يقال أنه بمقتضى القاعدة أيضا حيث أن الدية عوض عن نفس المقتول فهي إما تكون له أولا و لكونه غير قابل للمال أو غير محتاج إليه تدفع إلى وارثه، و يكون التعليل في الخبر شاهدا على ذلك، و من ذلك يظهر التعدي إلى المنجزات و الأقارير أيضا، و لم يذكر في خبر من الأخبار مع إمكان الاستدلال على ذلك بما مر في خبر إسحاق «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر الأموال» (1)، إذ الحكم بكونها ميراثا يقتضي ما ذكرنا من احتسابها من التركة المفروض كون ثلثها للميت، و يؤيد ذلك تسالم الأصحاب على كونها إرثا و أنها يرثها كل مناسب و مسابب و إن كان ممن لا يرث حق القصاص- إلى أن قال- و إن أبيت عن ذلك كله.

فأقول: إن ذلك كله مما يورث الشك في المطلب فنرجع إلى عمومات أدلتها الحاكمة بالنفوذ مطلقا، و من الأصل إذ القدر المسلم من الخارج عنها ما إذا لم يخرج من الثلث حتى مع ملاحظة الدية فإذا خرج من ثلث المجموع منها و من التركة نرجع إلى تلك العمومات- إلى أن قال- و أما دية الجناية عليه بعد الموت كقطع رأسه حيث أن فيه مائة دينار على ما دل عليه جملة من الأخبار، و الجناية على سائر أطرافه بما يوجب الدية أو الأرش على ما ذكروه في باب الديات، فيظهر من تلك الأخبار انها لا تصل إلى الوارث بل هي للميت يحج بها عنه أو يتصدق بها عنه و سيأتي ما ينفع المقام في كتاب القصاص إن شاء اللّه تعالى.

ص: 190


1- الوسائل باب: 14 من أبواب موانع الإرث حديث: 1.

مسألة 9: ما ذكرنا من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصية

(مسألة 9): ما ذكرنا من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصية و في المنجزات على القول به إنما هو إذا لم يجز الورثة و إلا نفذتا بلا إشكال (223)، و لو أجاز بعضهم نفذ بمقدار حصته (224)، و لو أجازوا بعضا من الزائد عن الثلث نفذ بقدره (225).

مسألة 10: لا إشكال في صحة إجازة الوارث بعد موت المورّث

(مسألة 10): لا إشكال في صحة إجازة الوارث بعد موت المورّث، و هل تصح منه في حال حياته بحيث تلزم عليه و لا يجوز له الرد بعد ذلك أم لا؟ قولان أقواهما الأول (226)، خصوصا في الوصية (227)، و إذا رد في حال الحياة يمكن أن يلحقه الإجازة بعد ذلك على الأقوى (228).

______________________________

(223) و لا خلاف فيه لأن المنع إنما هو لمراعاة حقهم و مع إجازتهم يكون المقتضي للصحة موجودا و المانع عنها مفقودا.

(224) لما مر في سابقة من غير فرق.

(225) لوجود المقتضي للصحة في ذلك المقدار و فقد المانع عنها فينفذ لا محالة.

(226) للقطع بأن المناط في المنع إنما هو مراعاة حقهم و التوفير عليهم فمع انفاذهم للمنجز و الإقرار و الوصية لا وجه يتصور للبطلان و التعليق على الإجازة، و دعوى: أنه لا حق لهم في المال في زمان الحياة لا وجه له إن أريد به نفي الحق مطلقا حتى اقتضاء.

نعم، هو الصحيح في نفي الحق الفعلي من كل جهة بل لنا أن نقول أن مقتضى العمومات الأولية نفوذ الأقارير و التصرفات حتى المعلّقة على الموت لأن ملكه أبدي لا أن يكون موقتا بالحياة حتى يكون تصرفه تصرفا في مال الغير، و منه يظهر الوجه في عدم صحة النقض لرجوعه إلى نقض الحكم الشرعي و هو لا يصح.

(227) لما تقدم أيضا من ورود النص فيها.

(228) تقدم ذلك في بيع الفضولي عند التعرض لتخلل رد المالك بين عقد

ص: 191

مسألة 11: لو تصرف في حال سكرات الموت مع كمال شعوره يصح تصرفاته

(مسألة 11): لو تصرف في حال سكرات الموت مع كمال شعوره يصح تصرفاته (229).

______________________________

الفضولي و الإجازة، و اخترنا هناك عدم مانعية الرد و عدم تأثيره في بطلان الإجازة اللاحقة، و لكن الاحتياط هناك خوفا من دعوى الإجماع من بعض على البطلان و إن ناقشنا في اعتباره، و لم نظفر على من يدعى الإجماع في المقام على البطلان حتى يصلح ذلك الاحتياط.

(229) لأنه خارج عن موضوع مرض الموت و إن لحق بالميت في بعض الأحكام الأخرى على ما يأتي بعضها في كتاب القصاص.

ص: 192

السادس: الرق

السادس: الرق المملوك ممنوع عن التصرف في ماله إلا بإذن من مولاه (230).

______________________________

(230) كتابا و سنة و إجماعا فمن الكتاب قوله تعالى ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ (1)، و من السنة أخبار كثيرة منها ما عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه قال في المملوك ما دام عبدا فإنه و ماله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلا أن يشاء سيده» (2)، و قريب منه غيره، و من الإجماع إجماع الإمامية بل المسلمين و المسألة غير مبنية على أنه يملك ماله أو لا كما هو واضح، و سيأتي في كتاب الطلاق ما ينفع المقام كما تقدم في كتاب القرض ما يتعلق بالمقام.

هذا بعض الكلام في كتاب الحجر و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 193


1- سورة النحل: 75.
2- الوسائل باب: من أبواب الوصايا حديث: 1.

ص: 194

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الوكالة

اشارة

كتاب الوكالة و هي تولية الغير في إمضاء أمر (1) أو استنابته في التصرف فيما كان له ذلك (2).

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين.

و هي- بالفتح أو الكسر من العقود الإذنية- المتعارفة بين الناس.

(1) كما في اللغة و العرف و بهذا المعنى المرتكز في النفوس و الشائع بين الناس وقع موضوعا لجملة من الأحكام الشرعية لا أن تكون لها حقيقة شرعية أو متشرعة، و حقيقة معناها عند العرف و اللغة التفويض و الاعتماد، و يترتب عليهما الاستنابة في التصرف فيما كان له ذلك.

(2) تقدم أن الاستنابة متفرعة على أصل التفويض و الاعتماد الذين هما المعنى الحقيقي و العرفي للوكالة أولا و بالذات.

ثمَّ إنه لا بد من تقييد الاستنابة بحال الحياة ليحصل الفرق بينها و بين الوصية التي هي استنابة بعد الموت، كما أن الفرق بينها و بين الوديعة و المضاربة هو أن الاستنابة في الوكالة مدلول مطابقي لها بخلافهما فإنها من المداليل

ص: 195

و حيث أنها من العقود (3) تحتاج إلى إيجاب و قبول (4) و يكفي في الإيجاب كل ما دل على التولية و الاستنابة المزبورتين كقوله «وكلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوضته إليك» أو «استنبتك فيه» و نحوها (5) بل

______________________________

الالتزامية لهما، كما أن الفرق بينها و بين العارية ظاهر لأن العارية تسليط على العين للانتفاع بها مجانا فلا ربط لها بالوكالة.

(3) على المشهور بين الأصحاب و لا ريب في كونها عقدا إذا تحقق فيها الإيجاب و القبول إنما الكلام فيما تسالموا عليه من أنه لو قال: «وكلتك في بيع داري» فباعه يصح البيع، و ظاهر إطلاق كلامهم الصحة و لو كان قبل القبول، و جعل نفس البيع قبولا خلاف المنساق من كلامهم.

نعم، لا بأس بدعوى الانصراف اليه، كما أن الاكتفاء بمجرد الرضا لا يخرجه عن الفضولية فتحتاج الصحة إلى إجازة لاحقه من المالك مع أنهم لا يقولون به، مع أنها لو كانت من العقود لاعتبر فيها مقارنة القبول للإيجاب و لا يقولون به بل يجوزون وكالة حاضر لغائب، و كل ذلك شاهد على عدم تقومها بالعقدية، فتكون حقيقتها الاعتماد و التفويض و الإيكال و يكون الرد مانعا لا أن يكون القبول شرطا، و يشهد لعدم كون الوكالة من العقود موارد استعمال التوكيل في القرآن الكريم (1)، و السنن المعصومية و المتعارف بين أهل اللغة و العرف، فإن المنساق من هذه الكلمة (الوكالة) التفويض و الاعتماد و إيكال الأمر الظاهر كل ذلك في قيام المعنى بشخص واحد، كما أنه يشهد لعدم كونها عقدا كثرة توسع الفقهاء فيها و عدم اعتبارهم جملة من شرائط العقد فيها، و لكن الأحوط ما هو المشهور.

(4) لأنها عقد بناء على المشهور و كل عقد متقوم بهما على ما تقدم في كتاب البيع.

ص: 196


1- سورة الأنعام: 89.

الظاهر كفاية قوله «بع داري» مثلا قاصدا به الاستنابة في بيعها (6) و في القبول كل ما دل على الرضا (7) بل الظاهر أنه يكفي فيه فعل ما و كل فيه (8) كما إذا أوكله في بيع شي ء فباعه أو شراء شي ء فاشتراه له، بل يقوى وقوعها بالمعاطاة (9) بأن سلم إليه متاعا ليبيعه فتسلمه لذلك (10) بل لا يبعد تحققها بالكتابة (11) من طرف الموكّل و الرضا بما فيها من طرف

______________________________

(5) مما له ظهور عرفي في المعنى المراد و يعتمد عليه المتعارف في المحاورات، و تقدم غير مرة اعتبار هذا الظهور و صحة الاكتفاء به عند الشارع.

(6) لظهور قوله حينئذ في الوكالة المعهودة و لو بواسطة القرينة، و لا دليل على اعتبار أزيد من هذا النحو من الظهور بل مقتضى الأصل عدمه بعد صدق عنوان الوكالة عليه عرفا.

نعم، لو لم يصدق أو شك فيه فمقتضى الأصل عدم تحققها كما لا يخفى.

(7) لاعتبار الرضا المكشوف عنه بالكشف المعتبر لدى العقلاء بل الفقهاء ما لم يدل دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

(8) فإنه كاشف عن رضاه بالإيجاب مع التفاته إليه، و أما مع غفلته عنه بالمرة فلا طريق لإحراز الكاشفية ليصح الاعتماد عليه و حينئذ فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر.

(9) لما مر في البيع من أنها موافقة للقاعدة فتشمل كل عقد إلا ما خرج بدليل خاص و لا دليل على الخروج في المقام.

(10) فيحصل الفعل من الطرفين من أحدهما التسليم و من الآخر التسلّم و هما فعلان في مقابل الإيجاب و القبول القوليين.

(11) لفرض أن الطرفين قصدا الوكالة بهذا العنوان المبرز عنهما في الخارج، و لم يرد تحديد خاص للعنوان المبرز للوكالة شرعا فيصح بكل ما حصل ما لم ينه الشارع و لا نهي في المقام كما لا يخفى، و يمكن جعل ذلك من

ص: 197

الوكيل و إن تأخر وصولها إليه مدة (12) فلا يعتبر فيه الموالاة بين إيجابها و قبولها.

و بالجملة يتسع الأمر فيها بما لا يتسع في غيرها من العقود (13) حتى أنه لو قال الوكيل «أنا وكيلك في بيع دارك» مستفهما فقال «نعم» صح و تمَّ (14)

______________________________

المعاطاة إذ لا فرق فيها بين ما إذا تحققت بالفعل الذي هو فعل بالعنوان الأولي للتسليم و التسلّم، أو مرآة لما هو الفعل و هي الكتابة فيكون إطلاق المعاطاة عليه بالمسامحة، لعدم حصول فعل من الطرفين و لا بأس به كما مر في البيع فراجع، كما أنه يمكن أن يكون عنوانا مستقلا في مقابل اللفظ و المعاطاة، و دليل صحته العمومات و الإطلاقات بعد صدق عنوان الوكالة عليه عرفا و قد شاع الاكتفاء بالكتابة في جملة من العقود الإذنية في هذه الأعصار من غير استنكار من أحد.

(12) إجماعا و نصا تأتي الإشارة إليه.

(13) هذا هو المعروف بين الفقهاء و احتمال أن ما وسع فيه ليس من الوكالة و إنما هو من مجرد الإذن و الترخيص بالنسبة إلى الحكم التكليفي فقط لا أن يكون بعنوان عقد الوكالة خلف، لفرض أن مورد التوسعة في كلماتهم إنما هو عقد الوكالة في مقابل سائر العقود كما لا يخفى على من تأمل الكلمات.

(14) لفرض قصدهما الوكالة المعهودة بما صدر عنهما، و ليس في البين ما يدل على تحديد خاص و تعيين شي ء مخصوص في العنوان المبرز للوكالة من نص أو إجماع معتبر، فلا بد من الصحة حينئذ إلا ما يقال: من أن مقتضى الأصل عدم تحقق عنوان الوكالة المعهودة و عدم ترتب آثارها.

يقال: بعد قصدهما الوكالة و صدق الوكالة عرفا على ما صدر لا وجه لعدم ترتب الأثر بل يتمسك بأدلة صحة الوكالة لتحقق موضوعها عرفا.

نعم، لو شك في الصدق العرفي تجري حينئذ أصالة عدم تحقق الوكالة

ص: 198

و إن لم نكتف بمثله في سائر العقود (15).

مسألة 1: يشترط فيها التنجيز

(مسألة 1): يشترط فيها التنجيز (16) بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة بشي ء كأن يقول مثلا إذا قدم زيد و جاء رأس الشهر وكلتك أو أنت وكيلي في أمر كذا.

نعم لا بأس بتعليق متعلق الوكالة و التصرف الذي استنابه فيه (17) كما لو قال: «أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد و وكلتك في شراء كذلك في وقت كذا».

______________________________

و عدم ترتب آثارها و هو خلف الفرض، و الظاهر أن النزاع صغروي فمن يقول بالصحة يستظهر الصدق العرفي للوكالة عليه و من يقول بعدمها يشك في ذلك.

(15) لدعوى الإجماع على صحة الوكالة حينئذ بخلاف سائر العقود.

(16) على المشهور و دليله منحصر بدعوى الإجماع، و قد يستدل بأمور أخر تعرضنا لها في البيع و ناقشنا في الجميع فراجع، و كون الإجماع من الإجماع المعتبر أول الدعوى.

ثمَّ إنه على فرض بطلان الوكالة مع التعليق و عدم التنجيز هل يبطل أصل الإذن أيضا؟ مقتضى الأصل بقاؤه إلا أن يقال ان المنساق من الإذن إنما هو الحصة الخاصة منه، و حينئذ لا يبقى شي ء حتى يستصحب.

(17) للأصل و الإطلاق و السيرة بعد عدم دليل على بطلان التعليق في أصل الوكالة غير دعوى الإجماع فضلا عن متعلقه.

ص: 199

شرائط الموكل و الوكيل

اشارة

شرائط الموكل و الوكيل

مسألة 2: يشترط في كل من الموكل و الوكيل

(مسألة 2): يشترط في كل من الموكل و الوكيل البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (18)، فلا يصح التوكيل و لا التوكل من الصبي و المجنون و المكره.

و في الموكل كونه جائز التصرف فيما وكل فيه فلا يصح توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه (19) دون ما لم يحجر عليهما فيه كالطلاق (20) و نحوهما.

و في الوكيل كونه متمكنا عقلا و شرعا من مباشرة ما توكل فيه (21) فلا تصح وكالة المحرم فيما لا يجوز له كابتياع الصيد و إمساكه و إيقاع عقد

______________________________

(18) هذه كلها من الشرائط العامة في كل عقد تعرضنا لدليلها في عقد البيع، و يغني ذلك عن التعرض لها مستقلا في كل عقد إذ الدليل واحد و المصاديق متعددة فراجع، و قد أشرنا انه لا دليل لهم على اعتبار البلوغ في مجرد إجراء الصبي العقد إذا كان الصبي مميزا فيه و حصل منه العقد جامعا للشرائط و إن كان خلاف الاحتياط.

(19) للإجماع، و لأنه لمكان حجره شرعا لا اختيار له في ما وكل فيه فيكون توكيله باطلا من هذه الجهة أيضا.

(20) لوجود المقتضي للصحة حينئذ مع تحقق سائر الشرائط و فقد المانع فتشمله الأدلة فيصح لا محالة.

(21) لاعتبار القدرة في متعلق الوكالة و غير المقدور شرعا كغير المقدور عقلا، مضافا إلى الإجماع، و كذا الكلام فيما لا يجوز التسبيب منه فيه فلا تجوز

ص: 200

النكاح (22).

مسألة 3: لا يشترط في الوكيل الإسلام

(مسألة 3): لا يشترط في الوكيل الإسلام فتصح وكالة الكافر بل و المرتد و إن كان عن فطرة عن المسلم و الكافر (23).

إلا فيما لا يصح وقوعه من الكافر (24) كابتياع مصحف أو مسلم على إشكال (25)، فيما إذا كان لمسلم و كاستيفاء حق أو مخاصمة مع مسلم على تردد خصوصا إذا كان لمسلم (26).

مسألة 4: تصح وكالة المحجور عليه

(مسألة 4): تصح وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممن لا حجر عليه لاختصاص ممنوعيتها بالتصرف في أموالهما (27).

______________________________

الوكالة منه فيه.

(22) لعدم القدرة عليه شرعا كما تقدم في كتاب الحج فراجع.

(23) للإطلاق كقوله عليه السّلام: «من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج» (1)، و العموم و الاتفاق، و أصالة الصحة.

(24) البطلان في هذه الموارد مبنى على ان وكالة الكفار فيها سبيل و استيلاء على المسلم و القرآن حتى ينفى بآية نفي السبيل (2)، و كذا بالنسبة إلى المصحف أو أنه ليس من السبيل، و قد مر التفصيل في كتاب البيع فراجع و يأتي بعض الكلام في كتاب القضاء.

(25) منشأ الإشكال هل أنه من السبيل المنفي أو لا؟ و تقدم التفصيل في البيع.

(26) ظهر مما تقدم في وجه الإشكال و ظهر منشأ التردد هنا أيضا.

(27) كما تقدم في حجر السفيه (3).

ص: 201


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الوكالة حديث: 1.
2- سورة النساء: 141.
3- راجع صفحة: 145.

مسألة 5: لو جوزنا للصبي بعض التصرفات في ماله

(مسألة 5): لو جوزنا للصبي بعض التصرفات في ماله كالوصية بالمعروف لمن بلغ عشر سنين كما يأتي جاز له التوكيل فيما جاز له (28).

مسألة 6: ما كان شرطا في الموكل و الوكيل

(مسألة 6): ما كان شرطا في الموكل و الوكيل ابتداء شرط فيهما استدامة (29) فلو جنّا أو أغمي عليهما أو حجر على الموكل بالنسبة إلى ما وكل فيه بطلت الوكالة (30) و لو زال المانع احتاج عودها إلى توكيل جديد (31).

______________________________

(28) للملازمة العرفية بين جوازها و جواز الوكالة.

(29) استدل عليه. تارة: بالإجماع.

و أخرى: بأن الوكالة متقومة بالإذن و هو يبطل مع عروض أحدهما، و الثاني عين المدعى مع أنه يمكن اختلاف ذلك باختلاف الخصوصيات و الجهات.

نعم، لا ريب في أن ما هو المشهور هو الأحوط.

(30) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و لما مر من الدليل على البطلان و لا يجري استصحاب بقاء الإذن لوجود الدليل على الخلاف.

(31) لأن الإذن السابق قد زال و الوكالة الجديدة تحتاج إلى إذن جديد.

ص: 202

شرائط الموكل فيه و موارده

اشارة

شرائط الموكل فيه و موارده

مسألة 7: يشترط فيما وكل فيه أن يكون سائغا في نفسه

(مسألة 7): يشترط فيما وكل فيه أن يكون سائغا في نفسه (32) و ان يكون للموكل السلطنة شرعا على إيقاعه فلا توكيل في المعاصي كالغصب و السرقة و القمار و نحوهما و لا فيما ليس له السلطنة على إيقاعه كبيع مال الغير من دون ولاية له عليه و لا يعتبر القدرة عليه خارجا مع كونه مما يصح وقوعه منه شرعا (33) فيجوز لمن لم يقدر على أخذ ماله من غاصب إن يوكل في أخذه منه من يقدر عليه.

مسألة 8: إذا لم يتمكن شرعا أو عقلا

(مسألة 8): إذا لم يتمكن شرعا أو عقلا من إيقاع أمر إلا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل كتطليق امرأة لم تكن في حبالته و تزويج من كانت مزوجة أو معتدة و إعتاق عبد غير مملوك له و نحو ذلك لا إشكال في جواز التوكيل فيه تبعا لما تمكن منه (34) بأن يوكله في إيقاع المراتب عليه ثمَّ إيقاع ما رتب عليه بأن يوكله مثلا في تزويج امرأة له ثمَّ طلاقها أو شراء عبد له ثمَّ إعتاقه أو شراء مال ثمَّ يبيعه و نحو ذلك، و أما التوكيل فيه استقلالا من دون التوكيل في المرتب عليه ففيه اشكال (35)، بل الظاهر عدم

______________________________

(32) للإجماع بل الضرورة المذهبية إن لم تكن دينية فيه و في تاليه.

(33) للأصل و الإطلاق و السيرة و ظهور الاتفاق.

(34) لوجود المقتضي للصحة حينئذ و فقد المانع عنها فتكون من وكالتين مترتبتين لا محذور فيهما فكل منهما مترتبة الثانية على الأولى، و كذا لو وكله في الكلي الذي يشمل المترتب و المترتب عليه بأن وكله في جميع أموره مطلقا.

(35) من أن الموكل فيه غير مقدور أولا و بالذات و من أنه مقدور بالبيع من

ص: 203

الصحة (36)، من غير فرق بين ما كان المرتب عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدة و بين غيره فلا يجوز أن يوكل في تزويج المعتدة بعد انقضاء العدة و المزوجة بعد طلاق زوجها أو بعد موته و كذا في طلاق زوجة سينكحها أو إعتاق عبد سيملكه أو بيع متاع سيشتريه و نحو ذلك (37).

مسألة 9: يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة

(مسألة 9): يشترط في الموكل فيه أن يكون قابلا للنيابة (38)، بأن لم

______________________________

حيث حفظ كلام العاقل عن اللغوية له فيكون وكيلا للمترتب عليه.

(36) لصدق عدم القدرة على الموكل فيه عرفا، و حفظ كلام العاقل عن اللغوية من الأمور التي لا يلتفت إليها عامة الناس.

نعم، لو كانت الوكالة منصرفة إلى الوكالة المترتب عليه أيضا تصح و تصير مثل القسم الأول حينئذ.

(37) لما مر من عدم القدرة على الموكل فيه عرفا ابتداء و بالذات في ذلك كله.

(38) بإجماع الفقهاء و مرتكزات العقلاء ثمَّ إن الأقسام ثلاثة:

الأول: ما لا تقبل النيابة شرعا.

الثاني: ما تقبلها كذلك.

الثالث: ما يشك في أنه من أي القسمين، و حكم الأولين واضح و مقتضى العمومات و الإطلاقات و أصالة الصحة و أصالة عدم اعتبار المباشرة إلحاقه بالقسم الثاني فلا مجرى مع العموم و الإطلاق، و أصالة الصحة لأصالة عدم ترتب الأثر، لحكومة الجميع عليها، و المراد بالعموم و الإطلاق عموم دليل ما وكل فيه و إطلاقه عقدا كان أو إيقاعا أو فعلا آخر خصوصا ما انطبق عليه إعانة المؤمن و قضاء حاجته، و على هذا تصح دعوى أصالة صحة النيابة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «و قد يستفاد من التأمل في كلام الأصحاب أن الأصل جواز الوكالة في كل شي ء كما يومئ إلى ذلك ذكر

ص: 204

يعتبر في مشروعية وقوعه عن الإنسان إيقاعه بالمباشرة كالعبادات البدنية من الطهارات الثلاثة و الصلوات و الصيام فرضها و نفلها (39)، دون المالية منها كالزكاة و الخمس و الكفارات فإنه لا يعتبر فيها المباشرة (40) فيصح التوكيل و النيابة فيها إخراجا و إيصالا إلى مستحقيها (41).

مسألة 10: يصح التوكيل في جميع العقود

(مسألة 10): يصح التوكيل في جميع العقود (42) كالبيع و الصلح و الإجارة و الهبة و العارية و الوديعة و المضاربة و المزارعة و المساقاة و القرض و الرهن و الشركة و الضمان و الحوالة و الكفالة و الوكالة و النكاح إيجابا و قبولا في الجميع، و كذا في الوصية و الوقف و في الطلاق و الإعتاق و الإبراء و الأخذ بالشفعة و إسقاطها، و فسخ العقد في موارد ثبوت الخيار و إسقاطه.

نعم الظاهر أنه لا يصح التوكيل في الرجوع إلى المطلقة في

______________________________

الدليل فيما لا يصح فيه من النص على اعتبار المباشرة و نحوها مما يمتنع من الوكالة دون ما صحت فيه».

أقول: و على هذا ينبغي للفقهاء التعرض لما لا تجوز فيه الوكالة لا ما تجوز فيه لأن الثاني كثير جدا دون الأول كما لا يخفى على المتأمل في الكلمات.

(39) لاعتبار المباشرة في ذلك كله بالإجماع بل الضرورة الفقهية.

(40) للإجماع، و السيرة العملية قديما و حديثا، مضافا إلى ظواهر الأدلة الواردة في الزكاة، و إطلاق أدلة جميعها الذي مقتضاها عدم اعتبار المباشرة، و أن المناط كله إنما هو وصول المال إلى المورد بأي وجه تحقق ذلك.

(41) تقدم في كتاب الزكاة ما يتعلق بالمقام.

(42) للإجماع و السيرة العملية، و الأصل الذي تعرض له صاحب الجواهر فيما مر من كلامه.

ص: 205

الطلاق الرجعي (43)، كما أنه لا يصح في اليمين و النذور و العهد و اللعان و الإيلاء و الظهار (44) و الشهادة و الإقرار (45) على إشكال في الأخير.

مسألة 11: يصح التوكيل في القبض و الإقباض

(مسألة 11): يصح التوكيل في القبض (46) و الإقباض في موارد لزومهما كما في الرهن و القرض و الصرف بالنسبة إلى العوضين، و السلم بالنسبة إلى الثمن و في إبقاء الديون و استيفائها و غيرها (47).

مسألة 12: يجوز التوكيل في الطلاق

(مسألة 12): يجوز التوكيل في الطلاق غائبا كان الزوج أم حاضرا (48) بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلق نفسها أو بأن توكل الغير

______________________________

(43) مقتضى جميع ما تقدم هو جوازها فيه أيضا إن لم يكن التوكيل بنفسه رجوعا فينتفي موضوع الوكالة حينئذ إذ الرجوع خفيف المؤنة جدا كما يأتي في محله.

(44) مقتضى ما تقدم جواز الوكالة في إجراء الصيغة في جميع ذلك لو لم يكن إجماع في البين و هو غير معلوم.

(45) لا دليل لهم على عدم جريان الوكالة فيهما إلا دعوى انصراف أدلتها عنهما، و لا يخفى أنه أول الدعوى و هذا وجه الإشكال الذي ذكر في المتن و هو لا يختص بخصوص الإقرار بل يجري في الشهادة أيضا، و إن كان دعواه في الإقرار أقوى من الشهادة.

(46) للإجماع و السيرة و قاعدة السلطنة.

(47) لما مر في سابقة.

(48) لإطلاق أدلة الطلاق الشامل للمباشرة و التوكيل و حديث: «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (1)، في مقام بيان الولاية على اختيار الطلاق لا في مقام مجرى صيغته بعد استناده إلى من أخذ بالساق، كما أن خبر زرارة الدال على

ص: 206


1- سنن البيهقي ج: 7 كتاب الطلاق صفحة: 360.

الزوج أو عن نفسها (49).

مسألة 13: يجوز الوكالة و النيابة في حيازة المباح

(مسألة 13): يجوز الوكالة و النيابة في حيازة المباح (50) كالاستقاء و الاحتطاب و الاحتشاش و غيرها، فإذا وكل و استناب شخصا في حيازتها و قد حازها بعنوان النيابة عنه كانت بمنزلة حيازة المنوب عنه و صار ما حازه ملكا له (51).

______________________________

عدم جواز الوكالة في الطلاق (1)، لا اعتبار به لإعراض الأصحاب و مخالفته للسيرة المستمرة بين المسلمين في كل عصر، و كذا من فرّق بين الغائب و الحاضر فلا يجوز في الثاني بخلاف الأول لا دليل له يصح الاعتماد عليه.

(49) كل ذلك لإطلاق أدلة الطلاق، و أصالة الصحة، و إن الأصل صحة النيابة في كل شي ء و بكل نحو إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج في المقام.

نعم، في الأخير يصير الوكيل في الطلاق وكيلا عن الوكيل و لا بأس به مع شمول إطلاق الوكالة لهذا النحو من التوكيل أيضا.

(50) لما مر مرارا من الأدلة الشاملة للوكالة في حيازة المباحات أيضا.

(51) لأن الوكيل حينئذ بمنزلة الآلة للموكل فكأنه وقعت الحيازة له من الموكل.

ثمَّ إن الوكيل في حيازة المباح.

تارة: يقصد الحيازة للموكل.

و أخرى: يقصدها لنفسه.

و ثالثة: لا يقصدها بل تقع منه غفلة و بلا قصد، و على الكل اما أن تقع في محل مباح أجنبي عن الموكل، و أخرى فيما له نحو حق فيه تعرضنا لبعض أحكامها في خمس المعدن و في الإجارة لحيازة المباحات، و تأتي جملة أخرى

ص: 207


1- الوسائل باب: 39 من مقدمات الطلاق.

مسألة 14: يشترط في الموكل فيه التعيين

(مسألة 14): يشترط في الموكل فيه التعيين (52) بأن لا يكون مجهولا أو مبهما فلو قال وكلتك من غير تعيين أو على أمر من الأمور أو على شي ء مما يتعلق به و نحو ذلك لم يصح.

نعم لا بأس بالتعميم أو الإطلاق (53) كما نفصله.

______________________________

منها في كتاب حيازة المباحات.

(52) لإجماع الفقهاء و بناء العقلاء و سيرة المتشرعة و حديث نفي الغرر (1).

(53) للإطلاق، و الاتفاق، و الأصل الذي تقدم عن صاحب الجواهر، و يأتي التفصيل المتعلق بكل منها.

ص: 208


1- راجع ج: 17 صفحة: 8.

أقسام الوكالة و أحكامها

اشارة

أقسام الوكالة و أحكامها

مسألة 15: الوكالة إما خاصة و إما عامة و إما مطلقة

(مسألة 15): الوكالة إما خاصة و إما عامة و إما مطلقة (54)، فالأولى ما تعلقت بتصرف معين في شخص معين كما إذا وكله في شراء عبد شخصي معين و هذا مما لا إشكال في صحته (55)، و أما الثانية فإما عامة من جهة التصرف و خاصة من جهة متعلقه كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في داره المعينة من بيعها و هبتها و إجارتها و غيرها و إما بالعكس كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه و إما عامة من كلتا الجهتين كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في جميع ما يملكه أو في إيقاع جميع ما كان له فيما يتعلق به بحيث يشمل التزويج له و طلاق زوجته.

و كذا الثالثة قد تكون مطلقة من جهة التصرف خاصة من جهة متعلقه كما إذا وكله في أنه إما أن يبيع داره المعينة بيعا لازما أو خياريا أو يرهنها أو يؤجرها و أوكل التعيين إلى نظره و قد تكون بالعكس كما إذا احتاج إلى بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو دوابه أو غيرها فوكل شخصا في أن يبيع أحدها و فوّض الأمر في تعيينه بنظره (56) و مصلحته و قد تكون مطلقة من

______________________________

(54) و الثلاثة من المفاهيم المبيّنة العرفية الشائعة عند الناس، و ما يأتي من ذكر بيانها كذلك، كما أن الحصر بينها في ذلك إجمالا و بنحو الكلية استقرائي و يمكن أن يكون عقليا و إلا فيمكن تشقيق أقسام أخرى من هذه الكليات.

(55) إجماعا بل ضرورة من المذهب إن لم يكن من الدين.

(56) و يطلق عليه الوكيل المفوض و حيث إن للتفويض مراتب كثيرة شدة

ص: 209

كلتا الجهتين كما إذا وكله في إيقاع أحد العقود المعاوضية من البيع أو الصلح أو الإجارة مثلا على أحد أملاكه من داره أو دكانه أو خانه مثلا و أوكل التعيين من الجهتين إلى نظره و الظاهر صحة الجميع (57) و إن كان بعضها لا يخلو من مناقشة لكنها مندفعة (58).

مسألة 16: قد مر أنه يعتبر في الموكّل فيه التعيين

(مسألة 16): قد مر أنه يعتبر في الموكّل فيه التعيين و لو بالإطلاق أو التعميم فإنهما أيضا نحو من التعيين (59)، و يقتصر الوكيل في التصرف على ما شمله عقد الوكالة (60) صريحا أو ظاهرا و لو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية (61)

______________________________

و ضعفا يمكن أن يطلق على غير هذه الصورة أيضا الوكيل المفوّض بحسب مراتب التفويض.

(57) و كذا تصح لو كانت بنحو التخيير بين أمرين أو أمور مطلقا، و ذلك كله لأصالة صحة الوكالة في كل شي ء إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج.

(58) أما المناقشة فهي احتمال الجهالة في صورة الترديد و احتمال الضرر في صورة الإطلاق، و الأولى مندفعة بتحمل الوكالة للجهالة بما لا يتحمله سائر العقود، و أما الأخيرة فاطمينان الموكل بالوكيل و أنه لا يفعل له إلا ما فيه المصلحة يدفع هذا الاحتمال.

(59) لأن الإطلاق هي الطبيعة المنطبقة على كل فرد و العموم هو السريان في الافراد و لكل منهما نحو تعين في مقابل الإهمال المحض و أهل العرف يكتفون بالإطلاق و العموم و لا يكتفون بالمهمل من كل جهة، و لا وجه لتكرار هذه الجملة بعد ما مرت في شرائط الموكل فيه (مسألة 14).

(60) لأصالة عدم صحة تصرفه في غيره، مضافا إلى الإجماع و سيرة المتشرعة.

(61) لاعتبار جميع ذلك في المحاورات الدائرة بين الناس و عدم ثبوت

ص: 210

و لو كانت هي العادة الجارية (62) على أن من يوكل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا كما إذا وكله في البيع بالنسبة إلى تسليم المبيع أو في الشراء بالنسبة إلى تسليم الثمن (63) دون قبض الثمن و المثمن (64) إلا إذا شهدت قرائن الأحوال بأنه قد وكله في البيع أو الشراء بجميع ما يترتب عليها.

مسألة 17: لو خالف الوكيل عما عين له

(مسألة 17): لو خالف الوكيل عما عين له و أتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة فإن كان مما يجري فيه الفضولية كالعقود توقفت صحته على اجازة الموكل و إلا بطل (65)، و لا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة كما إذا وكله في بيع داره فآجرها أو ببعض الخصوصيات

______________________________

الردع عنها شرعا فيصح الاعتماد عليها.

(62) لأنها معتبرة بين الملتزمين بتلك العادة و المفروض عدم وصول الردع عنها من الشرع فلا بد من إتباعها.

(63) لأنه المتعارف في الوكالة في البيع و الشراء فتنزّل الوكالة على ما هو المتعارف.

(64) لعدم شمول الوكالة في مجرد البيع لهما مع أن الشك في الشمول يكفي في عدم الصحة ما لم تكن قرينة معتبرة في البين تدل على الشمول.

(65) أما التوقف على الإجازة فلفرض أن التصرف وقع بغير إذن من له الإذن.

و أما الصحة معها فلما مر في بيع الفضولي من أن التصرفات الفضولية مع اجازة من له حق الإجازة صحيحة إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج في المقام.

و أما البطلان مع عدمها فللعمومات و الإطلاقات الدالة على بطلان التصرف فيما يتعلق بالغير بدون إذنه.

ص: 211

كما إذا وكله في أن يبيع نقدا فباع نسية أو بالعكس، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس أو يبيعه من فلان فباعه من غيره و هكذا (66).

نعم، لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصية أيضا صح (67) كما إذا وكله في أن يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين حيث إن الظاهر عرفا بل المعلوم من حال الموكل أن تحديد الثمن بدينار إنما هو من طرف النقيصة فقط لا من طرف النقيصة و الزيادة معا فكأنه قال إن ثمنها لا ينقص عن دينار.

نعم، لو فرض وجود غرض صحيح في التحديد به زيادة و نقيصة كان بيعها بالزيادة كبيعها بالنقيصة فضوليا يحتاج إلى الإجازة، و من هذا القبيل ما إذا وكله في أن يبيعها في سوق مخصوص بثمن معين فباعها في غيرها بذلك الثمن، فربما يفهم عرفا أنه ليس الغرض إلا تحصيل الثمن فيكون ذكر السوق المخصوص من باب المثال، و لو فرض احتمال وجود غرض عقلائي في تعيينها احتمالا معتدا به لم يجز التعدي عنه (68).

مسألة 18: لو وكلت امرأة زوجها في شي ء

(مسألة 18): لو وكلت امرأة زوجها في شي ء أو بالعكس ثمَّ حصل الطلاق بينهما تبقى الوكالة على حالها إلا أن تكون قرينة في البين على

______________________________

(66) لأن كل ذلك من صغريات الفضولي و لا فرق بين جميع أقسامه في الصحة مع الإجازة و البطلان بدونها.

(67) مع وجود مبرز خارجي في البين من لفظ أو قرينة معتبرة يدل عليه و إلا فلا يخرج عن الفضولية بناء على أن مجرد العلم بالرضا من دون مبرز في الخارج يدل عليه لا يخرج العقد عن الفضولية، و قد مر التفصيل في كتاب البيع فراجع و كذا الكلام في جميع الأمثلة المذكورة.

(68) و إن تعدى يكون من موارد الفضولي.

ص: 212

ارتباط بقائها ببقاء الزوجية (69).

مسألة 19: يجوز للولي كالأب و الجد للصغير

(مسألة 19): يجوز للولي كالأب و الجد للصغير أن يوكل غيره فيما يتعلق بالمولّى عليه مما له الولاية فيه (70).

مسألة 20: لا يجوز لوكيل أن يوكل غيره

(مسألة 20): لا يجوز لوكيل أن يوكل غيره (71) في إيقاع ما توكل فيه لا عن نفسه و لا عن الموكل (72) إلا بإذن الموكل و يجوز بإذنه بكلا النحوين (73) فإن الموكل في إذنه أحدهما بأن قال مثلا «وكل غيرك عني أو عنك» فهو المتبع و لا يجوز له التعدي عما عينه (74) و لو أطلق فإن وكله في أن يوكل كما إذا قال مثلا «وكلتك في أن توكل غيرك» فهو إذن في توكيل الغير عن الموكل و إن كان مجرد الإذن فيه كما إذا قال وكل غيرك فهو

______________________________

(69) أما بقاء الوكالة فللأصل و الإطلاق و أما ذهابها مع القرينة فلفرض تحديد البقاء بحد خاص و هو بقاء الزوجية.

(70) للأصل و الإطلاق و الاتفاق و السيرة العملية من المتشرعة.

(71) لأصالة عدم حق له على ذلك و أصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم دليل حاكم عليها.

(72) لجريان الأصلين المذكورين في كل واحد منهما، و المراد بعدم الجواز عدم الصحة و عدم ترتب الأثر إن كان من مجرد إنشاء عقد الوكالة.

نعم، لو سلم إلى الوكيل ما وكل فيه بلا إذن من الموكل يكون ذلك حراما تكليفيا أيضا.

(73) لوجود المقتضي للصحة فيهما حينئذ و فقد المانع عنها فتصح بكل واحد منهما لا محالة.

(74) أما الصحة فيما عين فلفرض وجود الإذن فيه بالخصوص و أما عدم جواز التعدي عنه فللأصل كما مر.

ص: 213

إذن في توكيله عن نفسه على تأمل (75).

مسألة 21 لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل

(مسألة 21) لو كان الوكيل الثاني وكيلا عن الموكل كان في عرض الوكيل الأول (76) فليس له أن يعزله و لا ينعزل بانعزاله بل لو مات الأول يبقى الثاني على وكالته (77) و أما لو كان وكيلا عن الوكيل كان له أن يعزله و كانت وكالته تبعا لوكالته (78)، فينعزل بانعزاله أو بدونه، و هل للموكل أن يعزله حتى من دون أن يعزل الوكيل الأول لا يبعد أن يكون له ذلك (79).

مسألة 22: يجوز أن يتوكل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد

(مسألة 22): يجوز أن يتوكل اثنان فصاعدا عن واحد في أمر واحد (80) فإن صرح الموكل بانفرادهما جاز لكل منهما الاستقلال في

______________________________

(75) الظاهر أن ذلك كله تابع للاستفادة من القرائن المعتبرة حالية كانت أو مقالية، و مع عدمها يؤخذ بالمتيقن و هو أيضا يختلف باختلاف الحالات و الجهات، و لا ريب في أن الاحتياط في الاستيذان و الاستجازة جديدا.

(76) لعدم ربط للوكيل الأول حينئذ بالنسبة إليه لفرض أنه وكيل عن الموكل مستقلا في عرضه.

(77) لأنه لا وجه للاستقلالية و عدم التبعية إلا ذلك.

(78) لفرض أنه وكيل عنه و مأذون من قبله من دون ربط له بالموكل في هذه الجهة.

(79) لأن الموكل هو الأصل للوكيل الأول و هو و إن كانت له جهة استقلالية و لكن مع عزل الموكل يشك في شمول الإذن في التوكيل حتى لهذه الصورة.

نعم، لو كانت في البين قرينة تدل على أنه لا أثر لعزل الموكل مطلقا حتى مع عدم عزل الوكيل لا ينعزل حينئذ بعزل الموكل، بل لا بد من عزل الوكيل الأول للوكيل الثاني حتى ينعزل.

(80) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

ص: 214

التصرف من دون مراجعة الآخر (81) و إلا لم يجز الانفراد لأحدهما (82) و لو مع غيبة صاحبه أو عجزه (83) سواء صرح بالانضمام و الاجتماع أو أطلق (84) بأن قال مثلا وكلتكما أو أنتما وكيلاي و نحو ذلك، و لو مات أحدهما بطلت الوكالة رأسا (85) مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزل منزلته و بقي وكالة الباقي فيما لو صرح بالانفراد (86).

مسألة 23: الوكالة عقد جائز من الطرفين

(مسألة 23): الوكالة عقد جائز من الطرفين (87) فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكل و غيبته و كذا للموكل أن يعزله (88)، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إياه (89) فلو أنشأ عزله و لكن لم يطلع عليه الوكيل

______________________________

(81) لأنه لا معنى للاستقلال إلا ذلك.

(82) لفرض عدم الإذن معه فيصير تصرفه من موارد الفضولي فمع الإجازة اللاحقة يصح و إلا فلا.

(83) لفرض عدم الإذن في حال الانفراد، و الغيبة و العجز لا يوجب حدوث الإذن للأصل.

(84) أما مع التصريح فهو واضح و أما مع الإطلاق فللانصراف إليه لو لم تكن قرينة على الخلاف.

(85) لقاعدة انتفاء الكل بانتفاء أحد أجزائه مضافا إلى الإجماع.

(86) لوجود المقتضي لبقاء وكالته و انتفاء المانع عنه فتبقى لا محالة.

(87) للإجماع، و ظواهر النصوص المتفرقة في الأبواب المختلفة (1)، يأتي التعرض لبعضها.

(88) لأنه لا معنى للعقد الجائز إلا ذلك.

(89) على المشهور للنص، بل ادعي عليه الإجماع، ففي صحيح ابن سالم

ص: 215


1- راجع الوسائل باب: 1 و 3 من أبواب الوكالة.

.....

______________________________

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الأمور و أشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر فقال: اشهدوا أني قد عزلت فلانا عن الوكالة، فقال عليه السّلام: إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكّل فيه قبل العزل فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل، كره الموكل أم رضي، قلت: فإن الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة، فالأمر على ما أمضاه؟ قال عليه السّلام: نعم، قلت له: فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثمَّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي ء؟ قال عليه السّلام: نعم، إن الوكيل إذا وكل ثمَّ قام عن المجلس فأمره ماض أبدا و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافهه بالعزل عن الوكالة» (1).

و في رواية علاء بن سيابة (2)، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة وكلت رجلا بأن يزوجها من رجل فقبل الوكالة فأشهدت له بذلك، فذهب الوكيل فزوجها ثمَّ إنها أنكرت ذلك الوكيل، و زعمت أنها عزلته عن الوكالة فأقامت شاهدين أنها عزلته؟ فقال عليه السّلام: ما يقول من قبلكم في ذلك؟ قلت: يقولون ينظر في ذلك فإن كانت عزلته قبل أن يزوج فالوكالة باطلة و التزويج باطل و إن عزلته و قد زوجها فالتزويج ثابت على ما زوّج الوكيل، و على ما أنفق معها من الوكالة إذا لم يتعد شيئا مما أمرت به و اشترطت عليه في الوكالة. ثمَّ قال: يعزلون الوكيل عن وكالتها و لم تعلمه بالعزل؟ قلت: نعم يزعمون أنها لو وكلت رجلا و أشهدت في الملإ و قالت في الخلإ اشهدوا أني قد عزلته أبطلت وكالته بلا أن تعلم في العزل و ينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة، و في غيره لا يبطلون الوكالة إلا أن يعلم الوكيل بالعزل، و يقولون: المال منه عوض لصاحبه و الفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد، فقال عليه السّلام: سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم و أفسده إن النكاح أحرى و أحرى أن يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون

ص: 216


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الوكالة حديث: 1.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوكالة حديث: 1.

لم ينعزل (90) فلو أمضى أمرا قبل أن يبلغه العزل و لو بإخبار ثقة كان ماضيا نافذا (91).

مسألة 24: تبطل الوكالة بموت الوكيل

(مسألة 24): تبطل الوكالة بموت الوكيل و كذا بموت الموكل (92) و إن لم يعلم الوكيل بموته (93)

______________________________

الولد إن عليّا عليه السّلام أتته امرأة تستعديه على أخيها فقالت: يا أمير المؤمنين إني وكلت أخي هذا بأن يزوجني رجلا و أشهدت له ثمَّ عزلته من ساعته تلك فذهب فزوجني ولي بيّنة أني قد عزلته قبل أن يزوجني، فأقامت البينة، فقال الأخ: يا أمير المؤمنين إنها وكلتني و لم تعلمني أنها عزلتني عن الوكالة حتى زوجتها كما أمرتني، فقال لها: ما تقولين؟ قالت: قد أعلمته يا أمير المؤمنين، فقال لها: أ لك بينة بذلك؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون بأني قد عزلته فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: كيف تشهدون؟ قالوا: نشهد أنها قالت اشهدوا أني قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا و إني مالكة لأمري قبل أن يزوجني، فقال:

أشهدتكم على ذلك بعلم منه و محضر؟ فقالوا: لا، فقال: تشهدون أنها علمته بالعزل كما أعلمته الوكالة؟ قالوا: لا، قال عليه السّلام: أرى الوكالة ثابتة و النكاح واقعا، أين الزوج؟ فجاء فقال عليه السّلام: خذ بيدها بارك اللّه لك فيها، فقالت: يا أمير المؤمنين أحلفه أني لم أعلمه العزل و لم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح، قال عليه السّلام:

و تحلف؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين فحلف فأثبت وكالته و أجاز النكاح»، و يدل على ذلك صحيحة معاوية بن وهب.

(90) لما تقدم من النص.

(91) لما مر في صحيح ابن سالم.

(92) للإجماع و انسباق حال الحياة من الوكالة بطرفيها إلا مع وجود قرينة معتبرة على الخلاف و هي منتفية، مع أن في أصل الوكالة بعد الموت بحث إلا إذا انطبقت على الوصية.

(93) لزوال موضوع الوكالة بمجرد موت الموكل و عدم دليل على اعتبار علمه، كما مر في صورة عزله.

ص: 217

و بعروض الجنون و الإغماء (94) على كل منهما، و أما الحجر على الموكل فتبطل الوكالة أيضا إن كان موردها التصرفات المالية في مال الموكل (95)، و بتلف ما تعلقت به الوكالة (96) و يفعل الموكل ما تعلقت به الوكالة كما لو وكله في بيع سلعة ثمَّ باعها أو فعل ما ينافيه كما لو وكله في بيع عبد ثمَّ أعتقه (97).

مسألة 25: كل مورد تبطل الوكالة فيه يجب على الوكيل دفع العين الموكل فيه إلى الموكل فورا

(مسألة 25): كل مورد تبطل الوكالة فيه يجب على الوكيل دفع العين الموكل فيه إلى الموكل فورا و إلا ضمن لو تلف (98)، و أما لو لم يتمكن من الفورية و تلف حينئذ فلا ضمان عليه (99).

مسألة 26: يجوز التوكيل في الخصومة

(مسألة 26): يجوز التوكيل في الخصومة و المرافعة (100) فيجوز

______________________________

(94) للإجماع، و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين المطبق و الأدوار و القليل و الكثير في الثاني.

(95) لفرض تحقق المنع من الموكل عن التصرف فيه كما سبق في كتاب الحجر.

(96) كتوكيله في تزويج امرأة فماتت أو عتق عبد فمات، و أما لو وكّله في بيع شي ء أو شرائه فإن استفيدت من القرائن التخصيص بالعين فتبطل أيضا، و إن استفيدت منها التعميم إلى البدل تبقى الوكالة و الحق التعبير بزوال موضوع الوكالة أو قيدها حتى يكون أعم و يشمل ما إذا شرطت العدالة فظهر فسقه.

(97) لانتفاء الموضوع في ذلك كله.

(98) أما وجوب الدفع إلى الموكل فورا فلما ادعي عليه الإجماع من فورية دفع أموال الناس و حقوقهم إليهم، و أما الضمان مع عدم دفعه فورا و تمكنه منه فلتحقق التفريط.

(99) لأصالة بقاء الأمانة الشرعية و لا تضمين بالنسبة إلى الأمين.

(100) لما مر من الأدلة العامة، مضافا إلى السيرة في المقام ما لم تكن

ص: 218

لكل من المدعي و المدعى عليه أن يوكل شخصا عن نفسه بل يكره لذوي المروات من أهل الشرف و المناصب الجلية (101) أن يتولوا المنازعة و المرافعة بأنفسهم خصوصا إذا كان الطرف بذي اللسان و لا يعتبر رضا صاحبه (102) فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.

مسألة 27: الوكيل في الخصومة

(مسألة 27): الوكيل في الخصومة إن كان وكيلا عن المدعي كانت وظيفته بث الدعوى على المدعى عليه عند الحاكم و اقامة البينة و تعديلها و تحليف المنكر و طلب الحاكم على الخصم و القضاء عليه، و بالجملة كل ما يقع وسيلة إلى الإثبات (103)، و أما الوكيل عن المدعى عليه فوظيفته

______________________________

لإبطال حق أو إحقاق باطل و يجوز أخذ الأجرة في مورد جوازه.

(101) لقول علي عليه السّلام: «إن للخصومة قحما و إن الشيطان ليحضرها و إني لأكره أن أحضرها» (1)، مع استنكار النفوس الآبية عن التعرض لمقابلة ذوي الألسن البذيئة، و أما مخاصمة النبي صلى اللّه عليه و آله مع صاحب الناقة الى رجل من قريش (2)، و مخاصمة علي عليه السّلام في درع طلحة إلى شريح (3)، و مخاصمة السجاد عليه السّلام مع زوجته الشيبانية إلى قاضي المدينة، فلعلها لجهات خارجية موجبة لرفع الكراهة.

(102) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(103) لأن ذلك كله من شأن المدعي و وظيفته، و المفروض أنه وكيل فيما هو وظيفة المدعي، و لا يجوز له التخطي عما عين الموكل له شيئا إلا بإذنه.

نعم، لو كان وكيلا في فصل الدعوى بأي نحو اقتضته الشريعة يجوز له فصلها بأي نحو شاء.

ص: 219


1- المغني لابن قدامة ج: 5 صفحة: 205 كتاب الوكالة ط بيروت.
2- راجع الوسائل باب: 18 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث: 6.

الإنكار و الطعن على الشهود و اقامة بينة الجرح و مطالبة الحاكم بسماعها و الحكم بها، و بالجملة عليه السعي في الدفع ما أمكن (104).

مسألة 28: لو ادعى منكر الدين مثلا في أثناء مرافعة وكيله و مدافعته عنه الأداء و الإبراء انقلب مدعيا

(مسألة 28): لو ادعى منكر الدين مثلا في أثناء مرافعة وكيله و مدافعته عنه الأداء و الإبراء انقلب مدعيا (105)، و صارت وظيفة وكيله إقامة البينة على هذه الدعوى و طلب الحكم بها من الحاكم (106)، و صارت وظيفة وكيل خصمه الإنكار (107) و الطعن في الشهود و غير ذلك.

مسألة 29: لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله

(مسألة 29): لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكله (108) فلو أقرّ وكيل المدعي القبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأن الحق مؤجل أو أن البينة فسقة أو أقرّ وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي لم يقبل (109)، و بقيت الخصومة على حالها (110) سواء أقرّ في

______________________________

(104) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

(105) لتحقق دعوى الإبراء أو الأداء منه وجدانا، و هو مباين مع إنكار أصل الدين لغة و عرفا و شرعا، و لا ربط لأحدهما بالآخر فلا محالة يصير مدعيا و ينقلب إليه.

(106) لأنه ليس وظيفة المدعي أو الوكيل إلا ذلك كما يأتي في كتاب القضاء.

(107) لأنه إذا صار المنكر مدعيا يصير طرف النزاع منكرا للأداء و الإبراء و إلا فلا نزاع بينهما و هو خلف.

(108) لأنه خلاف جعل الوكالة في تقرير الدعوى و خلاف المنساق من الوكالة فلا يشمله إطلاق الوكالة فيكون كالمدعي على الموكل فلا يقبل دعواه إلا بالبينة.

(109) لما مر في سابقة من غير فرق.

(110) للأصل بعد عدم قيام حجة شرعية على فصلها.

ص: 220

مجلس الحكم أو في غيره (111) لكن ينعزل و تبطل وكالته و ليس له المرافعة لأنه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.

مسألة 30: الوكيل في الخصومة لا يملك الصلح عن الحق

(مسألة 30): الوكيل في الخصومة لا يملك الصلح عن الحق و لا الإبراء منه (112) إلا أن يكون وكيلا في ذلك أيضا بالخصوص (113).

مسألة 31: يجوز أن يوكل اثنين فصاعدا في الخصومة

(مسألة 31): يجوز أن يوكل اثنين فصاعدا في الخصومة كسائر الأمور (114) فإن لم يصرح (115) باستقلال كل واحد منهما لم يستقل بها أحدهما بل يتشاوران و يتباصران (116)، و يعضد كل واحد منهما صاحبه و يعينه على ما فوض إليهما.

مسألة 32: إذا وكل الرجل وكيلا بحضور الحاكم

(مسألة 32): إذا وكل الرجل وكيلا بحضور الحاكم في خصوماته و استيفاء حقوقه مطلقا أو في خصومة شخصية ثمَّ قدّم الوكيل خصما لموكله و نشر الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه (117)، و كذا إذا

______________________________

(111) لجريان ما قلناه في كل منهما.

(112) لعدم شمول الوكالة فيهما لهما، لخروجهما عن عنوان الخصومة لغة و عرفا و شرعا.

(113) لتحقق الوكالة فيهما حينئذ فتصح فيهما أيضا لا محالة كما في أصل الخصومة.

(114) لظهور الإطلاق و الاتفاق.

(115) يكفي الظهور العرفي في ذلك و لو لم يكن تصريح في البين.

(116) لأن الاستقلالية خصوصية زائدة يشك في شمول الإطلاق لها بخلاف التشاور و التباصر فإن الإطلاق يشمله عرفا لو لم يكن هو المنساق منه كذلك.

(117) لوجود المقتضي للسماع و فقد المانع عنه حينئذ لكونه كنفس المدعي فيترتب عليه الأثر لا محالة.

ص: 221

ادعى عند الحاكم أن يكون وكيلا في الدعوى و أقام البينة عنده (118) على وكالته و أما إذا ادعى الوكالة من دون بينة عليها فإن لم يحضر خصما عنده أو أحضر و لم يصدقه في وكالته لم يسمع دعواه (119)، و أما إذا صدقه فيها فالظاهر أنه يسمع دعواه (120)، لكن لم يثبت بذلك وكالته عن موكله بحيث يكون حجة عليه (121) فإذا قضت موازين القضاء بحقية المدعي يلزم المدعى عليه بالحق (122)، و أما إذا قضت بحقية المدعى عليه فالمدعي على حجته فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها (123).

مسألة 33: إذا وكله في الدعوى و تثبيت حقه على خصمه و ثبته لم يكن له قبض الحق

(مسألة 33): إذا وكله في الدعوى و تثبيت حقه على خصمه و ثبته لم يكن له قبض الحق (124) فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل (125).

______________________________

(118) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

(119) لعدم كونه مدعيا و لم يثبت كونه وكيلا عنه بطريق معتبر فلا وجه لترتب الأثر على دعواه.

(120) لأن حق الرد و النقض و الإبرام منحصر به و المفروض أنه صدقه فلا مانع في البين من القبول.

(121) للأصل بعد عدم طريق معتبر لإثباته إلا أن يكون ثقة، و قلنا بثبوت الموضوعات بقول الثقة أيضا كثبوتها بالبينة.

(122) لتمامية موازين الحكم حينئذ لدى الحاكم الشرعي.

(123) للأصل بعد عدم تمامية موازين الحكم لا بمباشرة المدعي و لا بوكيل معتبر عنده.

(124) للأصل بعد عدم شمول مورد الوكالة له لاختصاصه بإثبات الحق لا قبضه.

(125) لأصالة عدم ثبوت هذه السلطنة و الولاية له و أصالة عدم سقوط

ص: 222

مسألة 34: لو وكله في استيفاء حق له على غيره

(مسألة 34): لو وكله في استيفاء حق له على غيره فجحده من عليه الحق لم يكن للوكيل مخاصمته و المرافعة معه، و تثبيت الحق عليه (126) ما لم يكن وكيلا في الخصومة (127).

مسألة 35: لو نذر أن لا يتصدى للوكالة فوكله غيره

(مسألة 35): لو نذر أن لا يتصدى للوكالة فوكله غيره و قبل و أتى بموردها فعل حراما و يجب عليه الكفارة (128)، و لكن يصح ما فعله (129).

مسألة 36: يجوز التوكيل بجعل و بغير جعل

(مسألة 36): يجوز التوكيل بجعل و بغير جعل (130)، و إنما يستحق الجعل فيما جعل له الجعل بتسليم العمل الموكل فيه (131)، فلو وكله في البيع أو الشراء و جعل له جعلا كان للوكيل مطالبة الموكل به بمجرد إتمام المعاملة و إن لم يتسلم الموكل الثمن أو المثمن، و كذا لو وكله في المرافعة و تثبيت حقه استحق الجعل بمجرد إتمام المرافعة و ثبوت الحق و إن لم يتسلمه الموكل (132).

______________________________

الحق الثابت عليه بذلك.

(126) لاختصاص الإذن بخصوص استيفاء الحق دون المخاصمة لإثباته و لو خاصمه و أثبت ذلك ثمَّ اجازه الموكل يكون من صغريات الفضولي.

(127) من تصريح بذلك أو ظهور معتبر و لو بالدلالة الملازمة المعتبرة عرفا.

(128) لمخالفة النذر و يأتي في كتاب الكفارات مقدارها.

(129) لما قلنا في الأصول من أن النهي في غير العبادات لا يوجب الفساد.

(130) للأصل و الإطلاق و الاتفاق و السيرة المستمرة قديما و حديثا.

(131) للأصل و الإجماع و لأنه المنساق من الوكالة ما لم تكن قرينة على الخلاف.

(132) لصدق تمامية عمل الوكيل بإتمام العمل و كون تسلم الموكل خارجا

ص: 223

مسألة 37: لو وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء لم يكن له مطالبة وارثه

(مسألة 37): لو وكله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء لم يكن له مطالبة وارثه (133).

نعم، لو كانت عبارة الوكالة شاملة له كما لو قال اقبض حقي الذي على فلان كان له ذلك (134).

مسألة 38: لو وكله في استيفاء دينه من زيد

(مسألة 38): لو وكله في استيفاء دينه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة فقال زيد للوكيل: خذ هذه الدراهم و اقض بها دين فلان- يعني موكله- فأخذها صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه (135)، و كانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين (136) فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل (137).

و لو تلفت عنده بقي الدين بحاله (138)، و لو قال خذها عن الدين الذي تطالبني به لفلان فأخذها كان قابضا للموكل (139)، و برئت ذمة زيد و ليس له الاسترداد (140).

______________________________

عنه ما لم يكن شرطا على الخلاف.

(133) لعدم شمول مطالبة الدين عن شخص للمطالبة من وارثه ما لم تكن قرينة ظاهرة في الشمول له أيضا.

(134) لشمول الوكالة للوكالة في الأخذ عن الوارث أيضا.

(135) لظهور قول زيد في الوكالة عنه في أداء دينه عرفا فيتبع هذا الظهور لا محالة.

(136) للأصل بعد عدم حصول ما يوجب الخروج عن ملكه.

(137) لقاعدة السلطنة بعد كونه باقيا على ملكه و عدم خروجه عنه.

(138) للأصل بعد عدم حصول ما يوجب سقوطه.

(139) لظهور عبارته في أنه إنفاذ لما يطلبه الوكيل عن الموكل.

(140) أما براءة ذمته فلوصول الحق إلى صاحبه لفرض أن يد الوكيل في

ص: 224

مسألة 39: الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه

(مسألة 39): الوكيل أمين (141) بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه (142) إلا مع التفريط أو التعدي (143) كما إذا لبس ثوبا توكل في بيعه أو حمل على دابة توكل في بيعها، لكن لا تبطل بذلك وكالته (144) فلو باع الثوب بعد لبسه صح بيعه (145) و إن كان ضامنا له لو تلف قبل أن يبيعه (146) و بتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه (147).

مسألة 40: لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل

(مسألة 40): لو وكله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل (148)

______________________________

الأخذ كيد الموكل فيه فقد وصل الحق إلى الموكل بسبب توكيله الصحيح الحاصل منه، و أما أنه ليس له الاسترداد فلصيرورة المال ملكا للموكل بأخذ وكيله و ليس له أخذ ملك الغير إلا بإذنه.

(141) لإجماع الفقهاء و بناء العقلاء.

(142) لمنافاة الضمان للاستيمان نصا (1)، و إجماعا، و قد تكرر ذلك في كتاب الوديعة و الإجارة و غيرهما فراجع.

(143) لقاعدة اليد بعد خروجها عن الأمانة و انقلابها إلى الخيانة للتعدي و التفريط.

(144) للأصل بعد عدم اعتبار العدالة في الوكيل.

(145) لفرض بقاء الوكالة فقد صدر البيع عن الوكيل الشرعي و لا بد من الصحة حينئذ.

(146) لانقلاب يده من الأمانة إلى الخيانة.

(147) لوصول الحق إلى أهله فلا يبقى موضوع للضمان.

(148) للأصل بعد كون الوكالة في الإيداع مطلقة فلم يحصل من الوكيل

ص: 225


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الوديعة.

إلا إذا وكله في أن يودعه عنده مع الإشهاد (149) و كذا الحال فيما لو وكله في قضاء دينه فأداه بلا إشهاد و أنكر الدائن (150).

مسألة 41: إذا وكله في بيع سلعة أو شراء متاع

(مسألة 41): إذا وكله في بيع سلعة أو شراء متاع فإن صرّح يكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعم نفسه فلا إشكال (151)، و إن أطلق و قال أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلاني فهل يعم نفس الوكيل فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه أم لا؟ وجهان بل قولان أقواهما الأول (152) و أحوطهما الثاني (153).

______________________________

التعدي أو التفريط حتى يضمن.

(149) لتحقق التعبدي حينئذ، و كذا الحال لو كان في البين انصراف أو قرينة معتبرة على الاشهاد بحيث يسقط الإطلاق عن الظهور الإطلاقي.

(150) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

(151) لتعين الأول في الغير تصريحا و التصريح بالإطلاق في الثاني الشامل لنفسه و غيره و يصح كل منهما بلا إشكال، و كذا لو كان كل منهما بالظهور المعتبر و لو لم يكن تصريح في البين.

(152) لشمول الإطلاق لنفسه أيضا كما قال به جماعة، و نسب إلى المشهور المنع لخبر معمر الزيات عن الصادق عليه السّلام قال: «جعلت فداك إني رجل أبيع الزيت يأتي من الشام فآخذ لنفسي مما أبيع؟ قال عليه السّلام: ما أحب لك ذلك، قال:

إني لست أنقص لنفسي شيئا مما أبيع، قال عليه السّلام: بعه من غيرك و لا تأخذ منه شيئا، أ رأيت لو أن رجلا قال لك: لا أنقصك رطلا من دينار كيف كنت تصنع؟ لا تقر به» (1)، و لكنه يمكن استظهار الكراهة منه.

(153) ظهر وجه الاحتياط مما مر.

ص: 226


1- الوسائل باب: 6 من أبواب آداب التجارة حديث: 2.

مسألة 42: لو تعدى الوكيل في مورد الوكالة

(مسألة 42): لو تعدى الوكيل في مورد الوكالة ثمَّ تاب و تلفت العين بعد التوبة فالأحوط الضمان (154).

مسألة 43: لو اشتبه الوكيل في مورد الوكالة

(مسألة 43): لو اشتبه الوكيل في مورد الوكالة و أوجب خسارة على الموكل ففي ضمانه وجه (155).

مسألة 44: لو وكل وكيلين على وجه الاستقلالي

(مسألة 44): لو وكل وكيلين على وجه الاستقلالي في إخراج ما عليه من الحقوق الشرعية فأخرجها كل منهما بدفعها إلى مستحقه برئت ذمة الموكل بما دفعه الأول و له استرداد ما دفعه الثاني إن كان موجودا عند المستحق (156)، و إذا كان تالفا فلا ضمان عليه كما لا ضمان على الوكيل أيضا (157) و إن أخرجاه دفعة تخير بين الرجوع على كل من الفقيرين مع وجوده و مع تلفه لا ضمان (158)، و هذا بخلاف ما لو كان عليه دين لشخص فوكل وكيلين في أدائه فأداه كل منهما فإن له أن يرجع بالزائد و لو

______________________________

(154) لتحقق الخيانة، و احتمال أن التوبة يذهبها و ان التضمين إنما هو في ظرف الخيانة دون ما بعد التوبة مشكل لكونه خلاف أنظار المتشرعة الملتزمين بدينهم و لذا نسب إلى المشهور الضمان مطلقا، و تقدم في الوديعة و العارية ما يناسب المقام فراجع.

(155) لأن موضوع عدم تضمين الأمين إنما هو في مورد استلزم صحة انتسابه إلى الخيانة، و المفروض في المقام اتفاقهما على عدم الخيانة فيشمله إطلاق قاعدة اليد و التسبيب أو المباشرة.

(156) أما براءة ذمة الموكل بدفع الأول للانطباق القهري فلا يبقى موضوع للحق حينئذ، و أما أن له استرداد ما دفعه الثاني فلقاعدة السلطنة.

(157) لأصالة البراءة بعد كون التسبيب من قبل الموكل.

(158) أما جواز الرجوع في صورة البقاء فلقاعدة السلطنة و أما عدم الجواز مع التلف فلأصالة البراءة.

ص: 227

مع التلف (159).

مسألة 45: تثبت الوكالة بالعلم و البينة

(مسألة 45): تثبت الوكالة بالعلم و البينة و إقرار الموكل (160) و لا يثبت بغير ذلك إلا إذا أفاد العلم (161).

مسألة 46 يجوز للمالك أن يوكل غير الأمين

(مسألة 46) يجوز للمالك أن يوكل غير الأمين في مال نفسه دون مال غيره كمال القصر و الوقف و غيرهما (162).

مسألة 47 لو اتفقا في أصل الوكالة

(مسألة 47) لو اتفقا في أصل الوكالة و اختلفا في ما هو دائر بين المتباينين أو بين الأقل و الأكثر أو بين المطلق و المقيد يقدم قول الموكل (163).

مسألة 48: لو اختلفا في العمل بمورد الوكالة

(مسألة 48): لو اختلفا في العمل بمورد الوكالة فقال الموكل ما عملت فيه و قال الوكيل بل عملت بما وكلتني فيه يقدم قول الوكيل (164).

مسألة 49: إذا وكله في شراء شي ء

(مسألة 49): إذا وكله في شراء شي ء و اختلفا في قدر الثمن فقال الوكيل اشتريته بكذا و قال الموكل اشتريته بأقل منه يقدم قول

______________________________

(159) لأن ما دفعه كان بإزاء طلبه و لم يكن بدون عوض فهو كما لو أعطاه أزيد من طلبه لأجل الاشتباه في الحساب فيجب رد الزائد بخلاف الحقوق الشرعية التي لم تكن بإزائها عوض فمع التلف ليس له الرجوع.

(160) للإجماع بل الضرورة الفقهية في كل ذلك كما تقدم.

(161) للأصل بعد عدم دليل على الثبوت بغير ما ذكر، و يأتي في كتاب الشهادات ما ينفع المقام.

(162) أما الأول فلقاعدة السلطنة إن لم ينطبق عليه عنوان السفاهة و أما الثاني فلعدم الولاية.

(163) لأصالة عدم تعلق الوكالة بما يدعيه الوكيل إلا بعد إثباته بحجة شرعية و لأن الموكل أعرف في مورد الوكالة من غيره.

(164) لأنه أمين و قوله يقبل في ما ائتمن فيه إلا إذا ثبت خلافه بدليل معتبر.

ص: 228

الوكيل (165)، و كذا لو اختلفا في تصرف الوكيل و عمله بما وكل فيه من بيع أو شراء أو قبض حق أو وفاء دين أو نحو ذلك و عدمه يقدم قول الوكيل أيضا (166).

مسألة 50: لو اشترى الوكيل شيئا

(مسألة 50): لو اشترى الوكيل شيئا فقال الموكل اشتريته لي و قال الوكيل إنما اشتريته لغيرك أو لنفسي قدم قوله مع اليمين (167).

مسألة 51: إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها

(مسألة 51): إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها (168)، و لو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل (169)، وإذا اختلفا في دفع المال إلى الموكل فالظاهر أن القول قول الموكل (170)

______________________________

(165) لأنه أمين و أعرف بما فعله إلا أن يثبت المدعي خلافه بحجة شرعية، و لا وجه لإجراء أصالة عدم الزيادة مع ما دل على عدم تضمين الأمين (1).

(166) لفرض استيمانه و ليس لمن استأمن الأمين أن يتهمه- كما في الحديث- (2) إلا بحجة معتبرة.

(167) لأنه أعرف بقصده إلا أن تكون حجة معتبرة على الخلاف. و أما اليمين فلفصل الخصومة.

(168) للأصل و الاتفاق.

(169) لأصالة عدم التلف و أصالة الصحة في عمل المسلم و عدم صدور الخيانة منه.

(170) لأصالة عدم الدفع كما في جميع الموارد التي تكون من هذا القبيل و هذا القول نسب إلى جماعة فلم يفرقوا بين صورة الجعل و غيرها في تقديم قول الموكل، كما في جميع الموارد التي يختلف فيها في الدفع و عدمه.

ص: 229


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الوديعة.

خصوصا إذا كانت بجعل (171)، و كذا الحال فيما إذا اختلف الوصي و الموصى له في دفع المال الموصى به إليه و الأولياء حتى الأب و الجد إذا اختلفوا مع المولّى عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه فإن القول قول المنكر في جميع ذلك (172).

نعم، لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلق بهم في زمان ولايتهم فالظاهر أن القول قول الأولياء بيمينهم (173).

______________________________

(171) نسب الى المشهور التفصيل بين ما إذا كانت بجعل فيقدم قول الموكل و بينما إذا كانت بغير جعل فيقدم قول الوكيل، لأنه مع عدم الجعل محسن محض كالودعي فيدل على قبول قوله ما دل على قبول قول الودعي.

و إن كان بجعل فقد أخذ لمصلحة نفسه فيعمل حينئذ بحسب الأصل و قاعدة «أن اليمين على من أنكر» و فيه: أن مقتضى قاعدة اليد أن كل من كان في يده مال الغير لا بد و ان يثبت إيصاله إليه بطريق معتبر شرعي مطلقا بجعل كان أو غيره إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج في المقام و الودعي خرج بالدليل و هو الإجماع الخاص بها.

(172) لأصالة عدم الدفع و مقتضى قاعدة اليد إثبات الدفع بطريق معتبر في جميع ذلك.

(173) لظاهر الحال، و لأنهم المؤتمنون من اللّه تعالى و كان طرف النزاع هو اللّه تعالى، و ليست هذه الولاية بجعل من المولي عليه فيكفي يمينهم فيما بينهم و بين اللّه في قطع النزاع و الخصومة.

و الحمد للّه رب العالمين

ص: 230

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الإقرار

اشارة

كتاب الإقرار و هو الإخبار الجازم بحق لازم (1) على المخبر أو بنفي حق له كقوله: له أو لك عليّ كذا أو عندي أو في ذمتي كذا أو هذا الذي في يدي لفلان أو ليس لي حق على فلان و ما أشبه ذلك (2) بأي لغة كان، بل يصح

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين عبر عنه بالاعتراف أيضا و أصل المادة يدل على الثبوت و التحقق، و هو من الأمور الشائعة بين الناس بأجمعهم و ليس بعقد لعدم تقوم تحققه بالاثنين كالعقود، كما أنه ليس بإيقاع لعدم كونه من الإنشائيات بل هو إخبار جازم.

نعم، يمكن أن يكون متعلقه إنشاء كما لو أقر بأنه أعتق عبده أو باع داره.

(1) هذا من اصطلاح الفقهاء و هو الموافق للعرف و اللغة أيضا.

(2) كل ذلك لموافقته للعرف و الوجدان.

بل اللغة و يصح أن يكون متعلقه إثباتا كما يصح أن يكون نفيا، و يصح تعلقه بكل شي ء عينا كان أو منفعة أو انتفاعا أو حقا أو مستتبعا لحق سواء كان

ص: 231

إقرار العربي بالعجمي و بالعكس (3) و الهندي و التركي و بالعكس إذا كان عالما بمعنى ما تلفظ به في تلك اللغة (4)، و المعتبر فيه الجزم (5) بمعنى عدم إظهار الترديد و عدم الجزم به فلو قال: «أظن أو احتمل أنك تطلبني كذا» لم يكن إقرارا.

مسألة 1: يعتبر في صحة الإقرار

(مسألة 1): يعتبر في صحة الإقرار بل في حقيقته و أخذ المقرّ بإقراره كونه دالا على الإخبار المزبور بالصراحة أو الظهور (6) فإن احتمل إرادة

______________________________

من حق اللّه تعالى أو من حق الناس، و بالجملة كلما يترتب عليه أثر شرعي تكليفيا كان أو وضعيا يصح أن يقع مورد الإقرار للإجماع و السيرة و القاعدة العقلائية التي قررها الشارع «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «المؤمن أصدق على نفسه من سبعين مؤمنا» (2)، مضافا إلى النصوص المتفرقة الواردة في الأبواب المختلفة من أول الفقه إلى آخره التي تقدم بعضها و يأتي بعضها الآخر.

(3) للأصل و الإطلاق و الاتفاق فمهما صدق الموضوع عرفا فيشمله الحكم قهرا.

(4) لإجماع الفقهاء و بناء العقلاء على أن من لا يفهم معنى اللفظ لا يترتب الأثر على ما تلفظ به، و وجدان كل عاقل ملتفت مقر أقوى شاهد على ذلك.

(5) لأن الإقرار من القرار و الاستقرار و ذلك ينافي الترديد و الظن هذا مضافا إلى الإجماع.

(6) كما في كل لفظ يترتب عليه الأثر في المحاورات العرفية فما لم يكن للفظ ظهور في المعنى المراد لا يكون حجة فيما أفاد بل لا إفادة و لا استفادة إلا

ص: 232


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار ج حديث: 16.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار حديث: 2.

غيره احتمالا يخل بظهوره عند أهل المحاورة لم يصح (7) و تشخيص ذلك راجع إلى العرف و أهل اللسان (8) كسائر التكلمات العادية و كل كلام و لو لخصوصية مقام يفهم منه أهل اللسان أنه قد أخبر بثبوت حق عليه أو سلب حق عن نفسه من غير ترديد كان ذلك إقرارا، و كل ما لم يفهم منه ذلك من جهة تطرق الاحتمال الموجب للتردد و الإجمال لم يكن إقرارا (9).

مسألة 2: لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقر ابتداء و كونه مقصودا بالإفادة

(مسألة 2): لا يعتبر في الإقرار صدوره من المقر ابتداء و كونه مقصودا بالإفادة (10)، بل يكفي كونه مستفادا من تصديقه لكلام آخر (11) و استفادة ذلك من كلامه بنوع من الاستفادة (12) كقوله (نعم) أو (بلى) أو

______________________________

بالظهور و لو بالقرينة.

(7) لعدم الاعتماد عليه حينئذ في المحاورات المتداولة لدى العقلاء.

(8) لأنه من الموضوعات العرفية الدائرة بين الناس التي أمضاها الشارع كسائر الموضوعات من الإخباريات و الإنشائيات، و لم يرد تحديد من الشرع على خلاف ما هو المتداول بين الناس في المقام حتى يتبع فلا بد حينئذ من اتباع ما هو المتعارف بينهم.

(9) لأن المدار في الثبوت و العدم موكول إلى العرف بل في مورد الشك لا يترتب عليه أثر الإقرار أيضا، للأصل بعد عدم صحة التمسك بدليل الإقرار لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

(10) للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و المراد من قوله: «مقصودا بالإفادة» الدلالة المطابقية.

(11) لاعتبار الدلالات الالتزامية السياقية في المحاورات.

(12) المعتبرة في المحاورة فيتحقق موضوع الإقرار لا محالة لديهم و يصح به الاحتجاج عند المخاصمة و اللجاج.

ص: 233

(أجل) في جواب من قال لي (عليك كذا) أو قال (أ ليس لي عليك كذا) و كقوله في جواب من قال (استقرضت ألفا) أو (لي عليك ألف رددتها) أو (أديتها)، لأنه إقرار منه بأصل ثبوت الحق عليه و دعوى منه بسقوطه، و مثل ذلك ما إذا قال في جواب من قال (هذه الدار التي تسكنها لي اشتريتها منك) فإن الأخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملك له (13) و دعوى منه بانتقالها إليه، و من ذلك ما إذا قال لمن يدعي ملكية شي ء معين ملكني (14).

نعم، قد توجد قرائن على أن تصديقه لكلام الآخر ليس تصديقا حقيقيا له فلم يتحقق الإقرار (15) بل دخل في عنوان الإنكار كما إذا قال- في جواب من قال لي عليك ألف دينار- نعم أو صدقت محركا رأسه مع صدور حركات منه دلت على أنه في مقام الاستهزاء و التهكم و شدة التعجب و الإنكار (16).

______________________________

(13) و تدل عليه بالدلالة الالتزامية التي تكون معتبرة عند الناس، و بالجملة الدلالات الالتزامية المعتبرة في المحاورات تكفي في الإقرار.

(14) فإنه اعتراف عرفي بعدم تحقق الملكية بل استدعاء للتملك من المالك فعلا، و مثل ذلك ما إذا ادعى على أحد أنه صار مرتدا فقال المدعى عليه:

(استغفر اللّه) فإنه اعتراف بالذنب.

(15) لأن القرائن المعتبرة حالية كانت أو مقالية قد تصادم الصراحة فضلا عن الظهور، و حينئذ فالاعتماد على القرينة دون ذيها عند متعارف الناس صريحة كانت أو ظاهرة، بل تنتفي الصراحة أو الظهور المعتمد عليه حينئذ في المحاورات للاستقرار بنائهم على الأخذ بالقرينة عند وجودها.

(16) لأن اعتبار الدلالات الالتزامية أو السياقية في المحاورات إنما يكون إذا لم تكن قرائن معتبرة حالية أو مقالية على الخلاف، و المقام من وجود القرينة

ص: 234

مسألة 3: يشترط في المقر به أن يكون أمرا

(مسألة 3): يشترط في المقر به أن يكون أمرا لو كان المقرّ صادقا في اخباره كان للمقرّ له حق إلزام عليه و مطالبته به (17) بأن يكون مالا في ذمته عينا أو منفعة أو عملا أو ملكا تحت يده أو حقا يجوز مطالبته كحق الشفعة و الخيار و القصاص و حق الاستطراق في درب و إجراء الماء في نهر و نصب الميزاب على ملك و وضع الجذوع على حائط أو يكون نسبا أوجب نقصا في الميراث أو حراما في حق المقر و غير ذلك (18).

مسألة 4: يشترط في المقر له أن يكون ممن يملك المقر به

(مسألة 4): يشترط في المقر له أن يكون ممن يملك المقر به فلا يصح الإقرار لمسلم بخمر أو خنزير (19).

مسألة 5: إنما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقر

(مسألة 5): إنما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقر و يمضي عليه فيما يكون ضررا عليه (20)

______________________________

المعتبرة على الخلاف.

(17) لأن الإقرار اعتراف بثبوت حق للمقر له على المقر و لكل ذي حق مطالبة حقه بعد ثبوته.

(18) مما يكون مفاد الإقرار ثبوت حق للمقر له على المقر بالدلالة المطابقية أو الالتزامية المعتبرة عند أهل المحاورة.

(19) لعدم صحة تملك المقر له لما أقر به شرعا إلا إذا كان الخمر مباحا بأن كان في طريق الاستحالة إلى الخلية.

(20) للإجماع، و السيرة، و ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، و يكفي لاعتباره عدم ردع الشارع عنه فضلا عن تقريره صلّى اللّه عليه و آله لأنه حكم مركوز في الأذهان في زمان البعثة و بعدها مضافا إلى أنه ورد في موارد كثيرة- كما يأتي- عنوان أنه (أقر على نفسه).

ص: 235


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الإقرار ج: 3.

لا بالنسبة إلى غيره (21) و لا فيما يكون فيه نفع المقر إذا لم يصدّقه الغير (22) فإذا أقرّ بزوجية امرأة لم تصدّقه تثبت الزوجية بالنسبة إلى وجوب إنفاقها عليه لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه (23).

مسألة 6: يصح الإقرار بالمجهول و المبهم

(مسألة 6): يصح الإقرار بالمجهول و المبهم (24) و يقبل من المقرّ (25)، و يلزم و يطالب بالتفسير و البيان و رفع الإبهام (26)، و يقبل منه ما فسّره به (27)، و يلزم به لو طابق التفسير مع المبهم بحسب العرف و اللغة (28) و أمكن بحسبهما ان يكون مرادا منه فلو قال لك على شي ء ألزم التفسير فاذا فسره بأي شي ء كان مما يصح أن يكون في الذمة على العهدة يقبل منه و إن لم يكن متمولا كحبة من حنطة (29)، و أما لو قال لك عليّ

______________________________

(21) للأصل و حديث نفي الضرر (1)، مضافا إلى الإجماع.

(22) لأنه حينئذ من مجرد الدعوى، و لا بد من إثباته شرعا و إلا فلا أثر له.

(23) لأن الإنفاق ضرر و التمكين نفع فيثبت في الأول دون الثاني.

(24) لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (2)، و ظهور الإجماع.

(25) للإطلاق و الاتفاق و أصالة عدم اعتبار التعيين.

(26) لبناء العقلاء و إجماع الفقهاء.

(27) لأنه لا يعرف إلا من قبله بلا معارض في البين فيقبل لا محالة ما طابق التفسير للمحاورات العرفية و لم يكن مستهجنا لديهم.

(28) لأنه من المخالفة لهما يكون لغوا و لا أثر لما هو لغو لدى العرف.

(29) لأن حبة الحنطة شي ء و كذا كل ما لا مالية له، و يصدق عليه الشي ء عرفا كخرقة بالية.

ص: 236


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات: 3 ج: 17.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار: 2 ج: 16.

مال لم يقبل منه (30) إلا إذا كان ما فسره به من الأموال لا مثل حبة من حنطة أو حفنة من تراب أو الخمر أو الخنزير (31).

مسألة 7: لو قال لك أحد هذين مما كان تحت يده أو لك عليّ

(مسألة 7): لو قال لك أحد هذين مما كان تحت يده أو لك عليّ إما وزنة من حنطة أو شعير الزم بالتفسير و كشف الإبهام (32) فإن عين الزم به (33) و لا يلزم بغيره (34) فإن لم يصدقه المقرّ له و قال ليس لي ما عينت سقط حقه لو كان المقر به في الذمة (35)، و لو كان عينا كان بينهما مسلوبا بحسب الظاهر عن كل منهما (36)، فيبقى إلى أن يتضح الحال و لو برجوع

______________________________

(30) لعدم كون حبة الحنطة مالا إذ المال ما يبذل بإزائه المال و لا يبذل بإزاء حبة الحنطة المال.

(31) لعدم المالية في الجميع أما في الأخير فشرعا و أما في الأولين فعرفا، و الشرع مطابق للعرف فيهما أيضا.

(32) لإجماع الفقهاء و بناء العقلاء و ألزم من قبل الحاكم الشرعي و ثقات المؤمنين لأن ذلك من إحدى الأمور الحسبية التي هي وظيفة الحاكم الشرعي، و هي عبارة عما يثبت به إحقاق الحق و وصول كل ذي حق إلى حقه التي يرجع فيها العامة إلى رؤسائهم و كبرائهم.

(33) لفرض أن حق التعيين له فلا بد من قبول قوله مع عدم المعارض و المدافع.

(34) للأصل بعد عدم دليل على الإلزام.

(35) لفرض أنه نفى ما أقر به المقر في ذمته فتبرأ الذمة مما أقر به ظاهرا لا محالة و لو أنشأ الإبراء و قلنا بصحة مثل هذا الإبراء تبرأ الذمة واقعا أيضا، و لو أثبت المقر له بحجة معتبرة أن في ذمة المقر شي ء آخر غير ما أقر به تبرأ ذمة المقر عما نفاه المقر له و تثبت في ذمته ما أثبته بالحجة المعتبرة.

(36) لنفي كل منهما العين عن نفسه فيؤخذ كل منهما بحسب ظاهر

ص: 237

المقرّ عن إقراره أو المنكر عن إنكاره (37)، و لو ادعى عدم المعرفة حتى يفسره فإن صدقه المقر له في ذلك و قال أنا أيضا لا أدري فلا محيص عن الصلح أو القرعة مع احتمال الحكم بالاشتراك (38)، و الأحوط هو الأول (39)، و ان ادعى المعرفة و عين أحدهما فإن صدقه المقر فذاك (40)

______________________________

اعترافه، و لكن العلم الإجمالي بأنه من أحدهما باق بحاله بعد العلم بأنه لا يخلو عن أحدهما، كما هو المفروض فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه بدون رضا الآخر كما لا يجوز ذلك لثالث أيضا بدون رضائهما.

(37) للعلم الإجمالي بأنه من أحدهما فما لم ينحل هذا العلم يبقى على حاله، و انحلاله يتحقق بما ذكر في المتن أو بطريق آخر من بينة أو مصالحة أحدهما حقه للآخر على فرض الثبوت فيسقط العلم الإجمالي عن الأثر حينئذ، كما أنه ينحل و يسقط عن الأثر برجوع المقر عن إقراره أو المنكر عن إنكاره لصيرورته لشخص واحد حينئذ.

(38) أما الصلح فلا ريب في صحته في نظائر المقام للإجماع و إطلاق الأدلة.

و أما القرعة فعموم دليلها يشمل المقام أيضا و لكن العمل بها في مورده لا بد من إحراز عمل الأصحاب بها.

و أما احتمال الاشتراك فهو مبني على التعدي مما ورد (1)، في الدنانير الثلاثة المودعة عند شخص ثمَّ تلف واحد منها بلا تعيين في البين من أن لصاحب الدينارين دينار و الدينار الآخر بينهما، و العمل به في مورده بلا تراض من كل منهما مشكل و التعدي إلى غير مورده مع عدم التراضي أشكل.

(39) ظهر وجه الاحتياط مما مر.

(40) لعدم الموضوع للمنازعة مع توافقهما على شي ء واحد.

ص: 238


1- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام الصلح حديث: 1.

و إلا فله أن يطالبه بالبينة (41)، و مع عدمها فله أن يحلفه (42)، و إن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا فلا محيص عن التخلص بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة (43).

مسألة 8: إذا قال المدعي «لي عليك ألف دينار» مثلا

(مسألة 8): إذا قال المدعي «لي عليك ألف دينار» مثلا فقال الآخر انقده فهو إقرار إن لم تكن قرينة على الخلاف (44).

مسألة 9: كما لا يضرّ الإبهام و الجهالة في المقر به لا يضران في المقر له

(مسألة 9): كما لا يضرّ الإبهام و الجهالة في المقر به لا يضران في المقر له (45) فلو قال هذه الدار التي بيدي أيضا لأحد هذين يقبل (46) و يلزم بالتعيين فمن عينه يقبل و يكون هو المقرّ له فإن صدقه الآخر فذاك (47) و إلا تقع المخاصمة بينه و بين من عينه المقر (48)، و لو ادعى عدم المعرفة و صدقاه في ذلك سقط عنه الإلزام بالتعيين (49) و لو ادعيا أو

______________________________

(41) لكون المقام حينئذ من موارد المدعي و المنكر.

(42) لانحصار قطع الخصومة في الحلف حينئذ، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء.

(43) لأنه لا يقطع التنازع بينهما إلا بأحدهما.

(44) لما مر سابقا من أن الإقرار يقع بالمفاهيم الالتزامية أيضا.

(45) لصدق الإقرار عرفا و شرعا فلا بد من ترتب أحكامه عليه قهرا و منها الإلزام بالتعيين.

(46) لكونه حينئذ من لوازم صحة إقراره مع عدم المنازع.

(47) لعدم منازع في البين حينئذ أصلا فيتعين القبول لا محالة.

(48) لصدق المدعي على المقر و المنكر على الطرف الآخر فيتحقق موضوع التنازع و التخاصم بينهما حينئذ.

(49) لانحصار الحق بينهم و توافقهم على شي ء واحد فلا موضوع للإلزام حينئذ أصلا.

ص: 239

أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه (50).

مسألة 10: لا يجوز التعليق في الإقرار

(مسألة 10): لا يجوز التعليق في الإقرار و لو كان على مشية غيره (51).

مسألة 11: يعتبر في المقر البلوغ و العقل

(مسألة 11): يعتبر في المقر البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (52) فلا اعتبار بإقرار الصبي و المجنون و السكران و كذا الهازل و الساهي و الغافل و كذا المكره.

نعم، لا يبعد صحة إقرار الصبي إذا تعلق بماله أن يفعله كالوصية بالمعروف ممن له عشر سنين (53).

مسألة 12: السفيه إن أقرّ بمال في ذمته

(مسألة 12): السفيه إن أقرّ بمال في ذمته أو تحت يده لم يقبل (54)

______________________________

(50) لأنه منكر و قوله مطابق للأصل و مقتضى القاعدة تقديم قول المنكر مع اليمين إلا أن يقيم المدعي بينة على دعواه.

(51) لمنافاته للجزم المعتبر في قوام الإقرار بلا فرق في أقسامه.

و أما لو كان على مشية اللّه تبارك و تعالى تبركا فلا بأس به، لعدم كونه منافيا للجزم الظاهري.

(52) أما الأول فللإجماع على أن الصبي مسلوب العبارة و يقتضيه بناء العقلاء في الجملة، و أما الثاني فلإجماع الفقهاء بل العقلاء و حديث رفع القلم (1)، و أما الثالث فلعدم ترتب الأثر على ما صدر بغير قصد بفطرة من العقول، و أما الأخير فلحديث الرفع (2)، و الإجماع بل و بناء العقلاء أيضا.

(53) يأتي التفصيل في كتاب الوصية إن شاء اللّه تعالى.

(54) لكونه محجورا عليه بالنسبة إلى المال بعد ثبوت سفهه، و تقدم تفصيل المقال في كتاب الحجر.

ص: 240


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.

و يقبل فيما عدا المال كالطلاق و الخلع و نحوهما (55)، و إن أقر بأمر مشتمل على مال و غيره كالسرقة لم يقبل بالنسبة إلى المال و يقبل بالنسبة إلى غيره (56) فيحد من أقرّ بالسرقة و لا يلزم بأداء المال (57).

مسألة 13: المملوك لا يقبل إقراره بما يوجب حدا عليه

(مسألة 13): المملوك لا يقبل إقراره بما يوجب حدا عليه و لا بجناية أوجبت أرشا أو قصاصا أو استرقاقا و لا بمال تحت يده من مولاه (58) أو من نفسه بناء على ملكه (59).

نعم، لو كان مأذونا في التجارة من مولاه يقبل إقراره بما يتعلق بها (60)، و يؤخذ ما أقر به مما في يده فإن كان أكثر لم يضمنه المولى (61) بل يضمنه المملوك يتبع به إذا أعتق (62) كما أنه لو أقر بما يوجب مالا

______________________________

(55) للإطلاق و الاتفاق و عدم دليل على التقييد، و يمكن أن يقبل في الخلع بالنسبة إلى خصوص الطلاق دون الفداء.

(56) أما عدم القبول بالنسبة إلى المال فلكونه محجورا عليه فيه، و أما القبول بالنسبة إلى غيره فللإطلاق و الاتفاق.

(57) لعدم ثبوته عليه لفرض حجره. و أما الحد فلاعتبار إقراره بالنسبة إلى موضوعه.

(58) كل ذلك لأنه إقرار بالنسبة إلى الغير فيتوقف قبوله على إذنه مضافا إلى ظهور الإجماع في الجميع.

(59) لأنه و إن قلنا بملكه كما هو الحق لكنه محجور عن التصرف فيه فتتوقف صحة إقراره على إذن مولاه، و تقدم في الحجر ما ينفع المقام فراجع.

(60) لأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه عرفا ما لم تكن قرينة على الخلاف، فيكون مأذونا في الإقرار حينئذ.

(61) لأن شمول الإذن لذلك خلاف المتعارف فيبقى على أصالة ثبوت الحجر عليه.

(62) لشمول دليل الإقرار له حينئذ و حجره إنما يمنع عن ترتب الأثر عليه

ص: 241

على ذمته من إتلاف و نحوه يقبل في حقه و يتبع به إذا أعتق (63).

مسألة 14: يقبل إقرار المفلس بالدين سابقا و لاحقا

(مسألة 14): يقبل إقرار المفلس بالدين سابقا و لاحقا و يشارك المقر له مع الغرماء على التفصيل الذي تقدم في كتاب الحجر، كما تقدم الكلام في إقرار المريض بمرض الموت و إنه نافذ إلا مع التهمة فينفذ بمقدار الثلث (64).

مسألة 15: إذا ادعى الصبي البلوغ

(مسألة 15): إذا ادعى الصبي البلوغ فإن ادعاه بالإنبات اختبر و لا يثبت بمجرد دعواه (65).

و كذا إن ادعاه بالسن فإنه يطالب بالبينة (66)، و أما لو ادعاه بالاحتلام في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين محل تأمل و اشكال (67).

______________________________

حين الرقية لا بعد العتق.

(63) أما قبول أصل الإقرار، فللعموم و الإطلاق و أما ترتب الأثر بعد العتق فلوجود المقتضى و فقد المانع فلا بد من ترتيب الأثر بلا مانع و لا مدافع.

(64) تقدم الوجه في ذلك كله فراجع.

(65) أما عدم الثبوت بمجرد دعواه فلاعتبار البلوغ في المقر كما مر، و أما الاختبار فيجب مقدمة للتكاليف الإلزامية المتعلقة به و بوليه، و محل النبت ليس بعورة و لو كان عورة فلا محذور فيه من جهة الاضطرار إلى الرؤية كما يجوز للطبيب المضطر إليها.

(66) أما عدم قبوله بمجرد ادعائه فلما مر، و أما الاحتياج إلى البينة فلانحصار طريق الإثبات فيها بحسب الظاهر و إمكان إقامتها بلا تعذر و تعسر و إن تعذر إقامتها يدخل في الفرع اللاحق.

(67) أما القبول بلا يمين فلقاعدة إن كل ما لا يعلم إلا من قبل المدعي يقبل قوله فيه بلا يمين.

ص: 242

مسألة 16: يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق

(مسألة 16): يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق (68) فلو أقر لدابة مثلا لغي.

نعم، لو أقر لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة و نحوها بمال فالظاهر قبوله و صحته (69) إذ المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمته ببعض ما يتعلق بها من غلة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها و نحوها (70).

مسألة 17: لو أقر لحمل يصح الإقرار

(مسألة 17): لو أقر لحمل يصح الإقرار و صح ملكية الحمل له كالإرث و النذر و نحوهما (71).

مسألة 18: إذا كذّب المقر له المقر في إقراره

(مسألة 18): إذا كذّب المقر له المقر في إقراره فإن كان المقر به دينا أو حقا لم يطالب به المقر و فرغت ذمته في الظاهر (72)، و إن كان عينا

______________________________

و فيه: إن كون ذلك قاعدة يعتمد عليها مطلقا أول الكلام، و انما يتبع في موارد خاصة لأجل أدلة مخصوصة، مع أنه يلزم إثبات الموضوع بإجراء القاعدة و الحكم لا يثبت به الموضوع كما هو المعلوم.

و أما الاحتياج إلى اليمين فلأصالة عدم الاعتبار إلا بالبينة أو ما هو بمنزلته و اليمين كالبينة مع تعذرها عادة.

و أما الإشكال فهو أن صحة اليمين متوقفة على البلوغ كما يأتي فلو توقف البلوغ عليها يكون الدور الباطل.

(68) لسيرة العقلاء و إجماع الفقهاء.

(69) لصحة اعتبار المال بالنسبة إليهما فيقال مال المسجد و مال المدرسة فيصح اشتغال الذمة له به.

(70) كل ذلك من المسلمات الفقهية إن لم تكن من ضرورياتها و يدل عليه وجدان المتشرعة أيضا.

(71) لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فتشمله الأدلة لا محالة.

(72) لانحصار الحق في المقر له و المفروض أنه نفى الحق عن نفسه فلا

ص: 243

كانت مجهول المالك بحسب الظاهر (73) فتبقى في يد المقر أو في يد الحاكم (74) إلى أن يتبين مالكه هذا بحسب الظاهر، و أما بحسب الواقع فعلى المقرّ بينه و بين اللّه تفريغ ذمته من الدين و تخليص نفسه من العين (75) بالإيصال إلى المالك و إن كان بذمته في أمواله، و لو رجع المقر له عن إنكاره يلزم المقر بالدفع إليه (76).

مسألة 19: إذا أقر بشي ء ثمَّ عقبه بما يضاده و ينافيه

(مسألة 19): إذا أقر بشي ء ثمَّ عقبه بما يضاده و ينافيه يؤخذ بإقراره و يلغى ما ينافيه (77)، فلو قال: له عليّ عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة و لو قال له عليّ كذا و هو من ثمن الخمر أو بسبب القمار يلزم بالمال و لا يسمع منه ما عقبه، و كذا لو قال عندي وديعة و قد هلكت فإن إخباره بتلف الوديعة و هلاكها ينافي قوله (عندي) الظاهر في وجودها عنده.

نعم، لو قال: «كانت له عندي وديعة و قد هلكت» فهو بحسب الظاهر

______________________________

موضوع للحق حتى يتحقق اشتغال الذمة به.

(73) لما مر من انحصار الحق بحسب الظاهر في المقر له، و المفروض أنه نفاها عن نفسه فهي عين لم يعلم مالكها ظاهرا فيثبت موضوع مجهول المالك.

(74) يمكن أن تكون الأمانة في يد المقر أمانة مالكية إن ادعى أنه أعطاه المقر له بعنوان من العناوين غير المملكة كالعارية و الوديعة مثلا، و يمكن أن تكون أمانة شرعية كما إذا أخذ مالا بعنوان الالتقاط ثمَّ علم أن صاحبه فلان فأقر له بالمال، و أما الحاكم فالظاهر أن المال في يده أمانة شرعية من جهة ولايته على مثل هذه الأموال شرعا.

(75) لفرض أنه يعلم بكونه مديونا للغير و إن العين ملك لغيره فيلزمه العقل على العمل بعلمه.

(76) لوجود المقتضي للإلزام حينئذ و فقد المانع عنه.

(77) المدار في ذلك كله على الاستظهارات العرفية و بعد تمامية الإقرار

ص: 244

إقرار بالإيداع عنده سابقا (78) و لا تنافي بينه و بين طرو الهلاك عليها لكن هذا دعوى منه لا بد من فصلها على الموازين الشرعية (79).

مسألة 20: ليس الاستثناء من التعقيب المنافي

(مسألة 20): ليس الاستثناء من التعقيب المنافي (80) بل يكون المقر به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت و نفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفي لأن الاستثناء من الإثبات نفي و من النفي إثبات فلو قال له «عليّ عشرة إلا درهما» أو «هذه الدار التي بيدي لزيد إلا الغرفة الفلانية» كان إقرار بالتسعة و بالدار ما عدا الغرفة، و لو قال «ما عليّ شي ء إلا درهم» أو «ليس له من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية» كان إقرارا بدرهم و الغرفة هذا إذا كان الاخبار بالإثبات أو النفي متعلقا بحق الغير عليه و أما لو كان متعلقا بحقه على الغير كان الأمر بالعكس (81)، فلو قال «لي عليك عشرة إلا

______________________________

تثبت حجيته بحسب المحاورات إلا إذا ثبت ما ينافيه بحجة معتبرة أقوى و أظهر من الإقرار بحيث تكون من القرينة المعتبرة على خلافه عرفا، و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص و الخصوصيات، و مع الشك يتبع الظهور الأول إن استقر ظهوره بحسب المحاورات.

و بالجملة المدار في حجية الإقرار و كيفية الأداء على المتفاهمات العرفية كما في سائر الموارد، و قد ادعي الإجماع على الأخذ بالإقرار و طرح ما ينافيه.

(78) لظهور كلامه في ذلك عرفا.

(79) كما في جميع الدعاوي الصادرة عن كل مدع فلا يترتب عليها الأثر إلا بعد الثبوت.

(80) لأن المستثنى و المستثنى منه كالجملة الواحدة في المحاورات و نسبة الاستثناء إلى المستثنى منه نسبة القرينة إلى ذيها بحسب المتعارف بين الناس فلا تنافي بينهما عرفا، و بقية المسألة واضحة لا تحتاج إلى البيان.

(81) لأن الانفهام العرفي هو ذلك كما أثبته الأدباء في النحو في باب

ص: 245

درهما» أو «لي هذه الدار إلا الغرفة الفلانية» كان إقرارا بالنسبة إلى نفي حقه عن الدراهم الزائدة على التسعة و نفي ملكية الغرفة، فلو ادعى بعد ذلك استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتى الغرفة لم يسمع منه و لو قال «ليس لي عليك إلا درهم» أو «ليس لي من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية» كان إقرار منه بنفي استحقاق ما عدا درهم و ما عدا الغرفة (82).

مسألة 21: الاستثناء المستغرق باطل

(مسألة 21): الاستثناء المستغرق باطل (83) و كذا لو أقر بشي ء ثمَّ اضرب عنه فيؤخذ بإقراره (84).

مسألة 22: لو أقر بعين لشخص ثمَّ أقر بها لشخص آخر

(مسألة 22): لو أقر بعين لشخص ثمَّ أقر بها لشخص آخر كما إذا قال هذه الدار لزيد ثمَّ قال بل لعمرو حكم بكونها للأول و أعطيت له و أغرم للثاني بقيمتها (85).

______________________________

الاستثناء.

(82) لما مر من أن هذا هو المستفاد من الكلام عرفا.

(83) لاستقباحه لدى العرف فيلزم بما أقره أولا.

(84) لأنه حينئذ يصير من الإنكار بعد الإقرار فلا عبرة بإنكاره كما تقدم.

نعم، إن كانت في البين قرينة معتبرة على الخلاف يؤخذ أيضا بما أضرب.

(85) لشمول «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، لكل منهما مضافا إلى الإجماع، و حيث إنه لا يمكن إعطاء العين للثاني بعد صيرورتها ملكا للأول يعطى القيمة إليه مع أنه كالتلف على الثاني و الحائل بينه و بين ماله فلا بد له من دفع القيمة إليه، و للقاعدة المعروفة لديهم من أن كل إقرارين معتبرين متساويين يجمع بينهما بدفع العين إلى الأول و القيمة الى الثاني، ففرق بين ما إذا كان المقر

ص: 246


1- تقدم في صفحة: 235.

مسألة 23: من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب

(مسألة 23): من الأقارير النافذة الإقرار بالنسب (86) كالبنوة

______________________________

به مضادا للأول و بين ما إذا كان المقر له، مضادا له ففي الأول يؤخذ بالإقرار الأول و يلغى الثاني و في الأخير يجمع بينهما بدفع العين إلى الأول و القيمة الى الثاني.

و لكن يمكن المناقشة في المثال من جهة احتمال الإجمال أحيانا و حق المثال أن يقال: إذا قال هذه الدار لزيد ثمَّ قال: هذه الدار بعينها لعمرو.

و الأمر سهل بعد وضوح المقصود هذا إذا لم يصدّقه المقر له الأول و الا فتكون لعمرو و ليس لزيد منهما شي ء لمكان تصديقه انها لعمرو، كما أن مفروض الكلام فيما إذا كان المقر مأمونا عن السهو و الغلط و الإضراب و نحوهما مما يحتمل في كلامه و الا فلا اعتبار بإقراره بناء على الأولين، و يتعين المقر به للثاني بناء على الأخير.

و أما جريان حكم التداعي على المقر به بين المقر له الأول و الثاني كما نسب الى أبي علي لا دليل عليه كما يأتي في محله.

و أما القول بأن الإقرار الثاني فاسد، لأنه إقرار في حق الغير فلا وجه له، لفرض إمكان الجمع بين الإقرارين بدفع العين إلى المقر له الأول و القيمة إلى الثاني فأي وجه للفساد حينئذ.

ثمَّ إنه هل يتعدى إلى ما إذا كان المقر له ثلاثة أو أربعة و هكذا أو يقتصر على الاثنين فقط مقتضى جعلهم الحكم مطابقا للقاعدة هو الأول فراجع المطولات و تأمل.

(86) لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1)، و إجماع المسلمين، و نصوص خاصة يأتي التعرض لبعضها في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.

ص: 247


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار ج: 16.

و الأخوة و غيرهما و المراد بنفوذه إلزام المقر و أخذه بإقراره بالنسبة إلى ما عليه من وجوب إنفاق أو حرمة النكاح أو مشاركته معه في إرث أو وقف و نحو ذلك (87)، و أما ثبوت النسب بين المقر و المقر به بحيث يترتب جميع آثاره ففيه تفصيل و هو أنه إن كان الإقرار بالولد و كان صغيرا غير بالغ يثبت ولادته بإقراره إذا لم يكذبه الحس و العادة (88) كالإقرار ببنوة من يقاربه في السن بما لم تجر العادة بتولده من مثله و لا الشرع (89) كإقراره ببنوة من كان ملتحقا بغيره من جهة الفراش و نحوه و لم ينازعه فيه منازع (90) فحينئذ يثبت بإقراره كونه ولدا له و يترتب جميع آثاره (91).

______________________________

(87) لأن ثبوت الموضوع شرعا مستلزم لثبوت جميع أحكامه المترتبة عليه قهرا.

(88) لصيرورة الإقرار لغوا مع جريان العادة على خلافه فيكون من الممتنع العادي.

(89) لأن الممتنع شرعا كالممتنع عقلا و عادة فلا أثر لمثل هذه الأقارير.

(90) لكونه من صغريات التنازع حينئذ و لا بد من مراجعة الحاكم الشرعي.

(91) لتحقق الموضوع عرفا و شرعا فيترتب عليه جميع الآثار قهرا، و عمدة الدليل على التعميم الإجماع، و أما الأخبار فاستفادة التعميم منها مشكلة جدا فمنها قول علي عليه السّلام: «إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا» (1)، و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثمَّ انتفى من ذلك؟ قال عليه السّلام: ليس له ذلك» (2)، و في خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تسبى من أرضها و معها الولد

ص: 248


1- الوسائل باب: 102 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث: 3.

و يتعدى إلى أنسابهما (92) فيثبت بذلك كون ولد المقر به حفيدا للمقر و ولد المقر أخا للمقر به و أبيه جده، و يقع التوارث بينهما و كذا بين أنسابهما بعضهم مع بعض، و كذا الحال لو كان كبيرا و صدّق المقر في إقراره مع الشروط المزبورة (93) و إن كان الإقرار بغير الولد و إن كان ولد ولد فإن كان المقر به كبيرا و صدّقه أو كان صغيرا و صدّقه بعد بلوغه يتوارثان (94) إذا لم يكن لهما وارث معلوم و محقق (95)، و لا يتعدى

______________________________

الصغير فتقول هو ابني و الرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول: هو أخي، و ليس لهم بينة إلا قولهم؟ فقال: ما يقول الناس فيهم عندكم؟ قلت: لا يورثونهم لأنه لم يكن لهم على ولادتهم بينة، و انما هي ولادة الشرك، فقال: سبحان اللّه إذا جائت بابنها أو بابنتها و لم تزل مقرة به و إذا عرف أخاه و كان ذلك في صحة منهما و لم يزالا مقرين بذلك ورث بعضهم من بعض» (1)، و غيرها من الأخبار كما سيأتي في محله.

(92) لكون ذلك أيضا من الآثار المترتبة على ثبوت الموضوع، و المفروض أنه ثبت بالإقرار فيترتب عليه جميع الآثار المذكورة عرضا و طولا مع الواسطة و بدونها.

(93) لوجود المقتضى للقبول حينئذ و فقد المانع فيقبل الإقرار في جميع الآثار بلا مانع و مدافع.

(94) لصحة مثل هذا الإقرار فيترتب عليه الأثر و لا بد من تقييده بإمكان الصدق عقلا و شرعا كما مر.

(95) و لا أثر للإقرار حينئذ لأنه يكون في حق الغير مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم اعتباره.

ص: 249


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث: 1.

التوارث إلى غيرهما من أنسابهما حتى إلى أولادهما (96)، و مع عدم التصادق و وجود وارث محقق لا يثبت بينهما النسب الموجب للتوارث بينهما إلا بالبينة (97).

مسألة 24: إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه

(مسألة 24): إذا أقر بولد صغير فثبت نسبه ثمَّ بلغ فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره (98).

مسألة 25: إذا أقر أحد ولدي الميت بولد آخر له

(مسألة 25): إذا أقر أحد ولدي الميت بولد آخر له و أنكر الآخر لم يثبت نسب المقر به (99) فيأخذ المنكر نصف التركة (100) و يأخذ المقر الثلث، حيث إن هذا نصيبه بمقتضى إقراره و يأخذ المقر به السدس و هو تكملة نصيب المقر و قد تنقص بسبب إقراره.

______________________________

(96) للأصل و الإجماع و اختصاص دليل التعدي بخصوص ما إذا كان المقر له ولدا.

(97) لانحصار طريق الثبوت فيها حينئذ.

(98) لأصالة بقاء النسبة مضافا إلى الإجماع و ظاهرهم عدم فائدة الإنكار حتى مع اليمين.

(99) للأصل، و كونه من الإقرار في حق الغير و هو الأخ المنكر للنسب فلا يسمع من هذه الجهة.

(100) لأنه حصته باعتقاده و إنكاره للأخ الثالث مضافا إلى الإجماع و هو مطابق للقاعدة أيضا، و أما الخبر: «قضى علي عليه السّلام في رجل مات و ترك ورثة فأقر أحد الورثة بدين على أبيه أنه يلزم ذلك في حصته بقدر ما ورث.

و لا يكون ذلك في ماله كله، و إن أقر اثنان من الورثة و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا و كذلك إن أقر بعض الورثة بأخ أو أخت إنما يلزمه في حصته» (1)، و معناه كما اعترف به

ص: 250


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الوصايا حديث: 5.

مسألة 26: لو كان للميت إخوة و زوجة فأقرت بولد له كان لها الثمن

(مسألة 26): لو كان للميت إخوة و زوجة فأقرت بولد له كان لها الثمن (101) و كان الباقي للولد إن صدقها الاخوة (102) و إن أنكروا كان لهم ثلاثة أرباع و للزوجة الثمن و باقي حصتها للولد (103).

مسألة 27: إذا مات صبي مجهول النسب

(مسألة 27): إذا مات صبي مجهول النسب فأقر إنسان ببنوته ثبت نسبه و كان ميراثه للمقر إذا كان له مال (104).

مسألة 28: ينفذ إقرار المريض كالصحيح

(مسألة 28): ينفذ إقرار المريض كالصحيح (105) و يصح إلا في مرض الموت مع التهمة فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث سواء أقر لوارث أو أجنبي، و قد تقدم في كتاب الحجر (106).

مسألة 29: لو أقر الورثة بأسرهم بدين على الميت

(مسألة 29): لو أقر الورثة بأسرهم بدين على الميت (107) أو

______________________________

جمع منهم الشيخ إنما يلزم بقدر ما يصيب في حصته فيكون موافقا للقاعدة أيضا.

(101) أخذا لها بإقرارها بوجود الولد للميت و لو لا الإقرار كان لها الربع.

(102) لثبوت وراثته لتمام المال حينئذ بلا مزاحم و لا مدافع فكأن الميت مات عن زوجة و ولد.

(103) لعدم ثبوت ولد للميت عندهم فيكون ربع التركة للزوجة و البقية- و هي ثلاثة أرباع- للإخوة التي هي المرتبة الثانية من الورثة بعد عدم وارث في الطبقة الأولى، و حيث إن الزوجة أقرت بالولد فيقع النقص عليها و يكون لها الثمن و الباقي للولد أخذا لها بإقرارها.

(104) أما ثبوت النسب فللإجماع و أما كون الإرث للمقر فلأنه ولده شرعا فيترتب عليه الحكم قهرا.

(105) للإطلاق و الاتفاق.

(106) و تقدم ما يتعلق به فراجع.

(107) لثبوت الحجة الشرعية على تحقق الدين بالنسبة إلى الميت.

ص: 251

بشي ء من ماله للغير كان مقبولا (108) لأنه كإقرار الميت و لو أقر بعضهم و أنكر البعض، فإن أقرّ اثنان و كانا عدلين ثبت على الميت و كذا العين للمقر له بشهادتهما و إن لم يكونا عدلين أو كان المقر واحدا نفذ إقرار المقر في حق نفسه خاصة (109)، و يؤخذ منه الدين الذي أقر به مثلا بنسبة نصيبه من التركة فإذا كانت التركة مائة و نصيب كل من الوارثين خمسون فأقر أحدهما لأجنبي بخمسين و كذبه الآخر أخذ المقر له من نصيب المقر خمسة و عشرين و كذا الحال فيما إذا أقر بعض الورثة بأن الميت أوصى لأجنبي بشي ء و أنكر البعض (110).

مسألة 30: لو أقر بأن للّه عليّ مائة دينار مثلا

(مسألة 30): لو أقر بأن للّه عليّ مائة دينار مثلا فإن بين خصوصياته صرفه في ذلك و إلا فيعطيه إلى الحاكم الشرعي مع بيان الموضوع له (111).

مسألة 31: لو تنازع المقر و المقر له

(مسألة 31): لو تنازع المقر و المقر له فقال المقر له أقررت بمائة دينار

______________________________

(108) للعمومات و الإطلاقات مضافا إلى الإجماع، و لأن الحق حقهم فلهم أن يقروا بما شاءوا، و لعل هذا هو المراد من قوله «لأنه كإقرار الميت».

و لا نحتاج إليه بعد شمول الأدلة لنفس إقرار الورثة.

(109) لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1).

(110) يدل على الحكم المذكور في هذه المسألة ما تقدم من قضاء علي عليه السّلام بذلك مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه، و كون الحكم المذكور بأقسامه مطابقا للقاعدة.

(111) لأنه على الأول مأمور بصرفه في ما بينه و على الثاني حيث لا يعلم بالمصرف يعطيه إلى الحاكم الشرعي و يرى نظره فيه.

ص: 252


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الإقرار.

مثلا و أنكره المقر يحلف المنكر إن لم يكن للمقر له بينة (112).

مسألة 32: إذا تنازع المقر و المقر له

(مسألة 32): إذا تنازع المقر و المقر له فقال المقر: «أقررت لك بشاة» و قال المقر له «إنما أقررت ببقرة» مثلا يجري عليه حكم التداعي (113).

مسألة 33: لو أشار إلى شخص

(مسألة 33): لو أشار إلى شخص و قال: «هذا الزيد الجالس يطلبني مائة دينار» ثمَّ بان أنه عمرو و ليس بزيد لا يتحقق الإقرار بالنسبة إلى الجالس و يكون الإقرار بالنسبة إلى زيد (114).

______________________________

(112) لأن المقام من موارد المدعى و المنكر فيجري عليه حكمه و هو أن البينة للمدعي و اليمين على من أنكر.

(113) فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر و حينئذ فعلى المقر دفع الشاة إلى المقر له، لاعترافه بأنها له، و تقدم نظائر هذه المسألة في موارد كثيرة كالمضاربة و الإجارة و البيع و غيره.

(114) أما الأول فلظهوره في المقر له و أما الثاني فلدلالة اللفظ على الإقرار بالنسبة إلى زيد عرفا فيكون ذكر الجلوس من باب الخطأ في التطبيق هذا بعض الكلام في الإقرار و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 253

ص: 254

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الهبة

اشارة

كتاب الهبة و هي تمليك عين مجانا و من غير عوض (1) و قد يعبر عنها بالعطية

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين و هي من الأمور الدائرة بين الناس في جميع الملل و الأديان و في جميع الأمكنة و الأزمان معروفة لديهم و قد تعد من المجاملات المتعارفة لديهم، و بهذا المعنى المعروف عند الناس تعلق بها جملة من الأحكام فالموضوع عرفي و ان كان بعض أحكامه شرعية كسائر موضوعات الأحكام، و لها إطلاق عام يشمل العطية و نحوها و إطلاق خاص، و المحقق في الشرائع لاحظ الإطلاق العام و عبر ب (كتاب الهبات) و جمع من الفقهاء لاحظ الإطلاق الخاص فعبروا ب (كتاب الهبة).

(1) هذا هو الإطلاق الخاص لدى الفقهاء و تستعمل في هذا المعنى عرفا و لغة أيضا، و لكن موارد استعمالاتها أعم فتستعمل في هبة غير العين أيضا كما في قوله تعالى وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً (1)، و في الدعاء «و هب لي الأنس

ص: 255


1- سورة آل عمران: 8.

و النحلة (2)، و هي عقد يفتقر إلى إيجاب و قبول (3).

و يكفي في الإيجاب كل لفظ دل على التمليك المذكور (4) مثل

______________________________

بك و بأوليائك» (1)، و كذا قوله عليه السّلام فيه أيضا: «و هب لي نورا أمشى به في الناس» (2)، كما أنها تستعمل أعم من التمليك كقوله تعالى وَ وَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (3)، و قوله تعالى وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ (4)، الى غير ذلك من الاستعمالات الفصيحة، و هذه الاستعمالات بلحاظ المعنى العام لها الشامل لمطلق العطاء.

(2) كما تقدم في مورد الآيات الشريفة.

ثمَّ إن العطية و النحلة أعم من الهبة لصدقها على الوقف و الصدقة و السكنى و العمرى و نحوها، كما أن الهبة أعم من الصدقة و الهدية في الجملة فلها معنى أعم و معنى أخص يطلق في مقابل الصدقة و الهدية و نحوهما فيكون بينهما العموم من وجه.

(3) على المعروف بين الأصحاب خلفا عن سلف حيث عدوها من العقود و كل عقد متقوم بهما.

و لكن لو قيل إن المجانيات مطلقا من سنخ الأسباب و القبض معتبر فيها لا أن تكون من العقود و يكون القبول اللفظي معتبرا في تحققها لكان له وجه موافق للاعتبار. و المرتكزات أيضا.

(4) لما مر غير مرة أن المناط في إنشاء العناوين العقدية ظهور اللفظ فيها و الظهور حجة معتبرة عرفية مطلقا ما لم يحد من الشرع بحد خاص معلوم، و هو

ص: 256


1- الدعاء الخامس و العشرون في الصحيفة السجادية.
2- الدعاء السادس و العشرون في الصحيفة السجادية.
3- سورة مريم: 53.
4- سورة الأنبياء: 72.

وهبتك أو ملكتك أو هذا لك و نحو ذلك و في القبول كل ما دل على الرضا (5) بالإيجاب، و لا يعتبر فيه العربية (6) و الأقوى وقوعها بالمعاطاة (7) بتسليم العين و تسلمها بعنوان التمليك و التملك (8).

مسألة 1: يعتبر في كل من الواهب و الموهوب له البلوغ

(مسألة 1): يعتبر في كل من الواهب و الموهوب له البلوغ و العقل و القصد و الاختيار (9) و في الواهب عدم الحجر عليه بسفه أو فلس (10)، و تصح من المريض بمرض الموت و إن زاد على الثلث بناء على ما هو الأقوى من أن منجزات المريض تنفذ من الأصل كما تقدم في كتاب الحجر (11).

مسألة 2: يعتبر في الواهب أن يكون مالكا

(مسألة 2): يعتبر في الواهب أن يكون مالكا (12) فلا يصح هبة مال

______________________________

مفقود في المقام.

(5) يجري فيه ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(6) لإطلاق الأدلة الشامل لغير العربية من غير ما يصلح للتقييد بها من نص أو إجماع معتبر.

(7) لما تقدم في أول البيع من أنها موافقة للقاعدة ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

(8) و ليس هذا إلا المعاطاة في الهبة.

(9) هذه كلها من الشرائط العامة لكل عقد بل لكل إنشاء عقدا كان أو إيقاعا، و قد تعرضنا لأدلتها في كتاب البيع عند بيان شرائط المتعاقدين فراجع، و يصح قبول الولي عن الموهوب له غير الكامل بدليل ولايته الشامل لمثل ذلك.

(10) لأنها تصرف مالي و هما ممنوعان عن التصرفات المالية و تصح بإذن الغرماء أو إجازتهم كما تصح بإذن الولي في السفيه.

(11) راجع ما قدمناه هناك.

(12) لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه.

ص: 257

الغير إلا بإذنه أو بإجازته (13)، و كذا يعتبر في الموهوب له أن يصح تملكه للموهوب (14) فلا تصح هبة المصحف و العبد المسلم للكافر (15).

مسألة 3: يشترط في الموهوب أن يكون عينا فلا تصح هبة المنافع

(مسألة 3): يشترط في الموهوب أن يكون عينا فلا تصح هبة المنافع (16)،

______________________________

(13) لما أثبتناه في البيع من صحة الفضولي في كل عقد إلا ما خرج بالدليل.

(14) لأنه مع صحة الانتقال لا يتحقق موضوع عقد الهبة.

(15) لما مر في البيع من عدم صحة نقلهما إلى الكافر من آية نفي السبيل (1) و دعوى الإجماع و غيرهما.

(16) استدل على عدم صحة هبة المنافع.

تارة: بأنها خلاف ظواهر الأخبار المقتصر فيها على خصوص العين.

و أخرى: بظهور الإجماع على عدم جوازها.

و ثالثة: بأنها ترجع إلى العارية أو الإجارة أو السكنى أو العمرى.

و الكل باطل.

أما الأول: فلأنها من باب الغالب.

و أما الثاني: فلأنه غير حاصل و على فرضه فمدركه معلوم، و أما الأخير فلأنه لا محذور في أن يكون شيئا قابلا لانطباق عقود متعددة عليه و حينئذ فيكون المائز هو القصد فتختلف الآثار بذلك لا محالة.

ثمَّ إن العين يشمل العين الشخصية الخارجية و المشاع و الكلي في المعين بل المردد، و الكل صحيح للتوسع في الهبة بما لم يتوسع في غيرها، و يأتي في كتاب النكاح صحة هبة المدة للمتمتعة بها و صحة هبة إحدى الزوجات ليلتها لضرتها فراجع.

ص: 258


1- سورة النساء: 141.

و أما الدين فإن كانت لمن عليه الحق صحت بلا إشكال (17) و أفادت فائدة الإبراء (18) و يعتبر فيها القبول (19) على الأحوط لو لم يكن الأقوى و إن لم يعتبر في الإبراء على الأقوى (20) و الفرق بين هذه الهبة و الإبراء أن الثاني إسقاط لما في ذمة المديون (21) و هذه تمليك له، و إن كان يترتب عليه السقوط كبيع الدين على من عليه الدين و إن كانت لغير من عليه الحق

______________________________

(17) للعموم و الإطلاق و ظهور الاتفاق و لا يحتاج إلى القبض لأن ما في الذمة بمنزلة القبض.

(18) لأن الإبراء إسقاط ما في الذمة و هبة ما في الذمة مستلزم للإسقاط عرفا.

(19) لأن المدلول المطابقي للّفظ وقع بعنوان الهبة عرفا، و هي تحتاج إلى القبول و إن استلزم هذا المدلول المطابقي لازما و هو الإبراء و المدار في العقود على المداليل المطابقية و لوازمها.

(20) نسب إلى المشهور عدم اعتبار القبول في الإبراء و هو الموافق للاعتبارات العرفية أيضا، و عن جمع اعتبار القبول فيه أيضا لأصالة عدم ترتب الأثر إلا به.

و فيه: أن الأصل لا مجال له مع ظهور قول الدائن في الإسقاط و شهادة العرف لعدم حق على المديون له بعد ذلك.

نعم، يمكن التفصيل بينما إذا كان الإبراء في معرض المنة و الاستهانة على الطرف، فيعتبر القبول حينئذ و بين ما إذا لم يكن كذلك فلا يعتبر، و لعله بذلك يجمع بين الكلمات.

(21) يعني أولا و بالذات فبالمدلول المطابقي و يترتب عليه عدم صحة رجوع الدائن بعد ذلك لفرض فراغ الذمة و سقوطها فلا شي ء له فيها حتى يصح له الرجوع إليها، و أما في الهبة فقد ملّكه شيئا فيصح له الرجوع إلى ما ملّكه ما لم

ص: 259

ففيه إشكال (22).

مسألة 4: يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له

(مسألة 4): يشترط في صحة الهبة قبض الموهوب له (23) و لو في غير مجلس العقد و يشترط في صحة القبض كونه بإذن الواهب (24).

______________________________

يكن منع شرعي في البين، و على هذا فلو كان بعنوان الهبة و أفاد فائدة الاسقاط ثمَّ رجع يجوز أن يقال أن الاسقاط كان ما داميا لا دائميا كالإبراء الحاصل بغير الهبة.

(22) نسب إلى المشهور عدم الصحة لأنه كلي لا وجود له في الخارج فلا يتحقق فيه القبض فلا تصح الهبة من هذه الجهة.

و الخدشة فيه ظاهرة لان قبض الكلي يتحقق بقبض الفرد فإذا كان مأذونا في القبض لنفسه فيقبض، فيثبت القبض شرعا مع أن ما في الذمة كالمقبوض فلا إشكال فيه من هذه الجهة.

(23) نصا و إجماعا فعن الصادق عليه السّلام: «الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها» (1)، و قريب منه غيره و ظهورها في نفي الصحة مما لا ريب فيه.

و أما قوله عليه السّلام: «الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قسمت أو لم تقسم و النحل لا يجوز حتى تقبض» (2)، فأسقطه عن الاعتبار بما هو أظهر منه كما مر و مخالفته للمشهور، فالقول بأنه شرط للّزوم لا الصحة مستندا إليه ساقط، بل لا وجه له لأن الهبة جائزة مطلقا قبض أو لم يقبض إلا في موارد خاصة دل فيها دليل خاص على اللزوم كما يأتي.

و من ثمرات كون القبض شرطا للصحة ان النماء المتخلل للواهب لا الموهوب له.

(24) بلا خلاف فيه بين العقلاء فضلا عن الفقهاء.

ص: 260


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الهبات حديث: 7 و 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الهبات حديث: 7 و 4.

نعم، لو وهب ما كان في يد الموهوب له صح و لا يحتاج إلى قبض جديد (25)، و لا مضي زمان يمكن فيه القبض، و كذا لو كان الواهب وليا على الموهوب له كالأب و الجد للولد الصغير و قد وهبه ما في يده صح بمجرد العقد، لأن قبض الولي قبض عن المولى عليه و الأحوط أن يقصد القبض عن المولّى عليه بعد الهبة (26) و لو وهب الصغير غير الولي فلا بد

______________________________

(25) لأن المناط في القبض الصحيح الشرعي استيلاء القابض على المال و سلطته عليه بوجه شرعي، و هو حاصل في المقام بعد الهبة فلا وجه لقبض جديد و لا مضي زمان و لا لقصد قبض مستأنف للأصل في جميع ذلك بعد صدق القبض عرفا و إن المال مال الموهوب عند الموهوب له بعد إنشاء الهبة.

إن قيل: أن القبض لا بد و أن يكون بإذن من الواهب و لم يصدر منه إذن فيه.

يقال: هبة الواهب ماله إلى من يكون المال لديه مستلزم عرفا لرضا الواهب و اذنه في قبض الموهوب له للمال بقاء و إن يأذن حدوثا هذا مع علمه بأن المال عنده و كذا مع جهله أيضا، لأن الملازمة بين هبة المال و رضا الواهب بكونه تحت استيلاء الموهوب له واقعي لا ربط له بالعلم و الجهل و الدلالات الالتزامية معتبرة في المحاورات ما لم تكن قرينة على الخلاف، هذا مع انصراف ما دل على القبض عن مثل الفرض، و يمكن الاستشهاد بما يأتي في الأخبار الواردة في الولي كما يأتي.

(26) أما صحة أصل هذه الهبة فللإجماع و النص، ففي موثق داود عن الصادق عليه السّلام: «الهبة و النحلة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها، قال: هي ميراث فإن كانت لصبي في حجره فأشهد عليه فهو جائز» (1) و قريب منه خبر أبان (2).

ص: 261


1- الوسائل باب: 5 من أبواب الهبات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الهبات حديث: 1.

من القبض (27) و يتولاه الولي (28).

مسألة 5: إذا وهبه دينا له على غيره

(مسألة 5): إذا وهبه دينا له على غيره و كان الموهوب له مديونا لذلك الغير بقدره صح (29) و تبرأ ذمة المديون بذلك (30).

مسألة 6: لا يشترط في الهبة أن يكون المال الموهوب معلوم المقدار

(مسألة 6): لا يشترط في الهبة أن يكون المال الموهوب معلوم المقدار فتصح هبة الصبرة أو بعضها مع عدم العلم بمقدارها، و كذا تصح هبة الدين الذي لم يعلم مقداره (31).

______________________________

و أما أنه لا يحتاج إلى قبض جديد فلإطلاق الأخبار و لما ذكره في المتن مضافا إلى انصراف ما دل على اعتبار القبض عن المقام كما لا يخفى.

و أما الاحتياط المذكور فقيل في وجهه إن قبض الولي صالح للهبة و غيرها و صرفه إلى الهبة ترجيح بلا مرجح.

و فيه: أنه مع تصريح الولي بالهبة يختص القبض بها حينئذ فلا وجه للقصد الجديد بعد قصد الهبة و استلزامه لكون القبض لها عرفا.

نعم، يصلح مثل هذه الوجوه للاحتياط.

(27) لما مر من الإطلاق و الاتفاق من غير تقييد في البين.

(28) لما مر غير مرة من عدم الاعتبار بفعل الصغير.

نعم، يصح أن يكون آلة للإيصال إلى الولي و وقع ذلك بإذن الولي أيضا.

(29) لشمول الإطلاق لهذه الصورة أيضا، مضافا إلى أصالة الصحة بعد عدم مانع في البين.

و أما تحقق القبض فيصح أن يسلمه الواهب فيدفعه إلى الموهوب له، كما يجوز أن يأذن له في قبضه منه، و يصح القول بالتهاتر أيضا.

(30) لما عرفت آنفا.

(31) كل ذلك لأصالة الصحة و إطلاق الأدلة و بنائها على المسامحة بما لا يتسامح في غيرها من العقود.

ص: 262

مسألة 7: يجوز أن يكون الموهوب كليا في العين

(مسألة 7): يجوز أن يكون الموهوب كليا في العين كصاع من صبرة معينة أو كليا في ذمة الواهب مثل أن يهبه منا من الحنطة في ذمته أو عشرة دنانير (32) و كذا الفرد المردد (33).

مسألة 8: يجوز للراهن هبة العين المرهونة مع إجازة المرتهن

(مسألة 8): يجوز للراهن هبة العين المرهونة مع إجازة المرتهن (34)، و كذا تصح للمعير أو المودع هبة العين المعارة و المودعة (35)، و أما هبة المستعير و الودعي فيتوقف على إذن مالكهما (36).

مسألة 9: يجوز للمؤجر هبة العين المستأجرة

(مسألة 9): يجوز للمؤجر هبة العين المستأجرة و لكن قبضها يتوقف على إذن المستأجر (37)، كما يجوز للمستأجر هبة العين المستأجرة و لكنها تتوقف على إذن المؤجر (38)، و كذا يجوز للمالك هبة العين

______________________________

نعم، لو كانت الهبة معاوضية و مبتنية على المداقة فلا يجوز حينئذ.

(32) لأصالة الصحة و لإطلاق الأدلة و ظهور الاتفاق.

(33) لشمول الإطلاقات له أيضا، و تسامح الناس في الهبة فلا يشمله ما ورد في البيع من دعوى الإجماع على المنع، فيكون التخيير للواهب.

نعم، لا يجوز ذلك في الهبة المعوضة كما هو واضح.

(34) أما أصل جوازها للراهن فلأن المال ملكه فتصح لوجود المقتضى، و أما التوقف على اجازة المرتهن فلفرض أن حقه تعلق بالعين فلا بد من إذنه.

(35) لوجود المقتضى و فقد المانع و يمكن أن يكون هذا رجوعا عن الوديعة و العارية.

(36) لما تقدم من جريان الفضولي في الهبة.

(37) أما الأول فلفرض كونها ملكا للواهب فيتصرف فيه بما يشاء.

و أما الثاني: فلفرض تعلق حق المستأجر باستيفاء المنفعة من العين المستأجرة.

(38) فالهبة حينئذ تصير من الهبة الفضولية.

ص: 263

المغصوبة منه إن تمكن الموهوب له من قبضها (39).

مسألة 10: القبض في الهبة كالقبض في البيع

(مسألة 10): القبض في الهبة كالقبض في البيع، و هو في غير المنقول كالدار و البستان التخلية برفع يده عنه و رفع المنافيات و الإذن للموهوب له في التصرف بحيث صار تحت استيلائه، و في المنقول الاستقلال و الاستيلاء عليه باليد أو ما هو بمنزلته كوضعه في حجره أو في جيبه و نحو ذلك (40).

مسألة 11: يجوز هبة المشاع لإمكان قبضه

(مسألة 11): يجوز هبة المشاع (41) لإمكان قبضه و لو بقبض المجموع بإذن الشريك أو بتوكيل المتهب إياه في قبض الحصة الموهوبة

______________________________

(39) لشمول إطلاق الأدلة لهذه الصورة، و كذا يجوز العكس أيضا بأن يهب الغاصب العين المغصوبة متوقفا على إجازة المالك لما مر من جريان الفضولية فيها.

(40) القبض من الأمور المتعارفة بين الناس في عقودهم و معاملاتهم و مجاملاتهم، و يختلف ذلك باختلاف متعلقه فكلما حكم المتعارف بأنه قبض فهو قبض شرعي أيضا و كل ما حكم بعدمه فلا يتحقق فيه القبض الشرعي، لتنزل الأحكام الشرعية على الموضوعات العرفية ما لم تكن قرينة على الخلاف و هي مفقودة في المقام، و في موارد الشك يرجع إلى أصالة عدم تحقق القبض ما لم يكن أصل موضوعي على خلافه، و ما ذكر في المتن هو المشهور بين الأعلام و هو المرتكز أيضا في أذهان الأنام من قديم الأيام، و قد تقدم في كتاب البيع ما يتعلق بالقبض.

(41) للإطلاق و الاتفاق و السيرة و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن دار لم تقسم فتصدق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار؟ قال عليه السّلام: يجوز، قلت: أرأيت إن كانت هبة؟ قال عليه السّلام: يجوز» (1).

ص: 264


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الهبات حديث: 1.

عنه، بل الظاهر تحقق القبض الذي هو شرط للصحة في المشاع باستيلاء المتهب عليه من دون إذن الشريك أيضا (42)، و ترتب الأثر عليه و إن كان تعديا بالنسبة إليه (43).

مسألة 12: لا يعتبر الفورية في القبض

(مسألة 12): لا يعتبر الفورية في القبض و لا كونه في مجلس العقد (44) فيجوز فيه التراخي عن العقد و لو بزمان كثير و لو تراخى يحصل الانتقال إلى الموهوب له من حينه، فما كان له من النماء سابقا على القبض يكون للواهب (45).

مسألة 13: لو مات الواهب بعد العقد و قبل القبض بطل العقد

(مسألة 13): لو مات الواهب بعد العقد و قبل القبض بطل العقد و انفسخ و انتقل الموهوب إلى ورثته و لا يقومون مقامه في الإقباض فيحتاج إلى إيقاع هبة جديدة بينهم و بين الموهوب له كما أنه لو مات الموهوب له لا يقوم ورثته مقامه في القبض بل يحتاج إلى هبة جديدة من الواهب إياهم (46).

مسألة 14: لا فرق في القبض المعتبر في الهبة بين القبض الموهوب

(مسألة 14): لا فرق في القبض المعتبر في الهبة بين القبض الموهوب

______________________________

(42) لما مر من أن القبض عبارة عن استيلاء القابض على المال برضا المالك و هو متحقق في المقام قطعا و انما عصى بالتصرف في مال الشريك و هو خارج عن حقيقته، و النهي الخارج عن حقيقة ما يتعلق بالعقود لا يوجب البطلان و إن تحقق العصيان كما ثبت ذلك في محله.

(43) فيحصل القبض و إن عصى بالتعدي كما عرفت.

(44) كل منهما للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.

(45) لما مر من أن القبض شرط للصحة فالموهوب باق على ملك الواهب إلى حين القبض و يتبعه نماؤه لا محالة.

(46) لما تقدم من كون القبض شرطا للصحة فمع عدم تحققه كأن لم يقع عقد الهبة أصلا، و منه يعلم أن في التعبير بالانفساخ مسامحة و ذكره مستدرك.

ص: 265

له بنفسه أو وليه أو وكيله بل الظاهر جريان الفضولية في القبض أيضا (47).

مسألة 15: لا يتحقق القبض بإتلاف الموهوب له العين الموهوبة

(مسألة 15): لا يتحقق القبض بإتلاف الموهوب له العين الموهوبة (48) بل الظاهر ضمانه للواهب (49).

مسألة 16: الإقرار بالهبة ليس إقرارا بالقبض

(مسألة 16): الإقرار بالهبة ليس إقرارا بالقبض (50).

مسألة 17: لو وهب شيئين لشخصين لكل واحد منهما أحدهما

(مسألة 17): لو وهب شيئين لشخصين لكل واحد منهما أحدهما أو شيئا واحدا لهما على سبيل الإشاعة فقبلا و قبضا صح، و لو قبض أحدهما دون الآخر صح بالنسبة إلى القابض، و كذا لو كان وكيلا عن الآخر في القبض (51).

مسألة 18: إذا تمت الهبة بالقبض

(مسألة 18): إذا تمت الهبة بالقبض فإن كانت لذي رحم- أبا كان أو أما أو ولدا أو غيرهم (52)- و كذا إن كانت للزوج أو الزوجة على الأقوى

______________________________

(47) أما الأولان فلأن قبضهما قبض الموهوب له.

و أما الأخير فلأنه يصير بعد الإجازة قبضه أيضا.

(48) لأن الإتلاف أعم من القبض.

(49) لصدق تلف مال الغير حينئذ.

نعم، لو التفت إلى الهبة و أتلفه بعنوان أنه ماله فلا منشأ للضمان حينئذ.

(50) لكونها أعم منه إلا إذا كانت قرينة في البين دالة على أن المراد بها الهبة الجامعة للشرائط فحينئذ يكون الإقرار بها إقرار بالقبض بالملازمة لا بالمطابقة.

(51) الوجه في جميع ذلك واضح كما عرفت في المسائل السابقة.

(52) المراد بالأولين مطلقهما و إن علوا، و المراد بالولد مطلقه و إن نزل، و المراد من غيرهم من كان ذي رحم عرفا و إن حل نكاحه لظهور الإطلاق في الجميع.

ص: 266

لم يكن للواهب الرجوع في هبته (53)، و إن كانت لأجنبي غير الزوج

______________________________

(53) أما اللزوم و عدم صحة الرجوع بالنسبة إلى ذي رحم فللإجماع و النصوص منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم فإنه لا يرجع فيها» (1)، و منها صحيح عبد الرحمن عن الصادق عليه السّلام: «الرجل يهب الهبة أ يرجع فيها أنشأ أم لا؟

فقال عليه السّلام: تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب عن هبته و يرجع في غير ذلك إنشاء» (2)، و إطلاق مثلهما يشمل كل من صدق عليه أنه ذو رحم عرفا.

و أما ما يظهر منه جواز الرجوع حتى في الرحم كقول الصادق عليه السّلام في خبر داود: «الهبة و النحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة» (3)، فلا بد من حمله أو طرحه لوهنه بالإعراض و معارضته بما هو أقوى منه فلا وجه لما نسب إلى جمع من الجواز حتى فيه.

و أما اللزوم بالنسبة إلى الزوجين فلصحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام: «إنما الصدقة محدثة إنما كان الناس على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينحلون و يهبون، و لا ينبغي لمن أعطى اللّه شيئا أن يرجع فيه و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة حيزت أو لم تحز، و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته و لا المرأة فيما تهب لزوجها حيز أو لم يحز، لأن اللّه تعالى يقول وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً، و قال فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً، و هذا يدخل في الصداق و الهبة» (4).

و نسب إلى المشهور الجواز مع الكراهة لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليه السّلام: «أنه سأل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال: هي عليك صدقة، فقال عليه السّلام: إن كان قال ذلك للّه فليمضها و إن لم يقل فله أن يرجع

ص: 267


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الهبات حديث: 2 و 1 و 3.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الهبات حديث: 2 و 1 و 3.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الهبات حديث: 2 و 1 و 3.
4- الوسائل باب: 3 و 7 من أبواب الهبات حديث: 1.

و الزوجة كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية (54) فإن تلفت كلا أو بعضا فلا رجوع (55)، و كذا لا رجوع إن عوّض المتهب عنها (56) و لو كان يسيرا من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراط له في الهبة و بين غيره بأن أطلق في العقد لكن المتهب أثاب الواهب و أعطاه العوض (57) و كذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب في هبته القربة و أراد بها

______________________________

إن شاء فيها» (1)، مع اشتمال صحيح زرارة على ما لا يقول به أحد و هو قوله عليه السّلام:

«أو لم يحز» إذ لم يقل أحد بعدم جواز الرجوع فيما لم يقبض.

و فيه: أن صحيح ابن مسلم في مقام بيان حكم الصدقة و انه إذا قال «للّه» يتحقق موضوع الصدقة و إن لم يقل ذلك فلا يتحقق موضوعها. و لا ربط له بالهبة، و أما اشتمال صحيح زرارة على ما لا يقول به أحد فلا يضر بصحة التفكيك في خبر واحد بالعمل ببعضه و طرح بعضه الآخر.

ثمَّ إن الظاهر أنه لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة إلا مع قصر زمان الانقطاع فيصح دعوى الانصراف عنها.

(54) للأصل و الإطلاق و الاتفاق و جملة من النصوص منها قول الصادق عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها، فله أن يرجع و إلا فليس له» (2).

(55) لأن موضوع الرجوع كون الهبة قائمة بعينها و مع تلف البعض لا يصدق ذلك فضلا عن تلف الكل كما في سائر الموارد التي أخذ هذا العنوان في ظاهر الدليل فلا تجري أصالة جواز الرجوع حينئذ.

(56) للإجماع و إمكان انصراف ما دل على جواز الرجوع عن هذه الصورة.

(57) لإطلاق معقد الإجماع الشامل لجميع ذلك و إمكان دعوى انصراف أدلة الجواز عن الجميع.

ص: 268


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الهبات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الهبات.

وجه اللّه تعالى (58).

مسألة 19: يلحق بالتلف التصرف الناقل

(مسألة 19): يلحق بالتلف التصرف الناقل كالبيع و الهبة أو المغير للعين بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها كالحنطة يطحنها و الدقيق يخبزه و الثوب يفصله أو يصبغه و نحو ذلك (59) دون غير المغير كالثوب يلبسه و الفراش يفرشه و الدابة يركبها أو يعلفها أو يسقيها و نحوها فإن أمثال ذلك لا يمنع عن الرجوع (60)، و من الأول على الظاهر الامتزاج الرافع للامتياز و لو بالجنس (61) كما أن من الثاني- على الظاهر- قصارة

______________________________

(58) إجماعا و نصوصا منها قوله عليه السّلام: «ما جعل للّه عز و جل فلا رجعة له فيه» (1)الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 1.(2)، و قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم: «لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه» (3)و عن الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي لمن أعطى اللّه شيئا أن يرجع فيه و ما لم يعط للّه و في اللّه فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة» (4)، الى غير ذلك من الأخبار.

مع أنها تدخل في الهبة المعوضة و لا رجوع فيها، مضافا إلى إمكان كونها من الصدقة و لا وجه للرجوع فيها أيضا.

(59) كل ذلك لصدق عدم كون الموهوب قائما بعينه فيسقط الرجوع في جميع ذلك، لتعلق جواز الرجوع على خصوصية العينية المتشخصة بالخصوصيات الخاصة التي منها بقاؤه على ملك المتهب و عدم انتقاله منه الى غيره.

(60) للأصل بعد صدق كون الشي ء قائما بعينه عرفا في جميع ذلك و مع الشك يرجع إلى كون الشي ء قائما بعينه و عدم تغييره عما كان عليه.

(61) لصدق عدم كون الشي ء قائما بعينه عرفا و إن صدق ذلك بالدقة

ص: 269


1-
2-
3- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الهبات حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الهبات حديث: 1 و 2.

الثوب (62).

مسألة 20: لو أعار الموهوب له العين الموهوبة

(مسألة 20): لو أعار الموهوب له العين الموهوبة أو أودعها لا يسقط جواز الرجوع في الهبة الجائزة (63).

مسألة 21: لو تصرف الأجنبي في العين الموهوبة

(مسألة 21): لو تصرف الأجنبي في العين الموهوبة بلا التفات و تسبيب من الموهوب له يشكل حينئذ جواز الرجوع (64).

مسألة 22: لو شك في أن الهبة قائمة بعينها

(مسألة 22): لو شك في أن الهبة قائمة بعينها أو لا فالأحوط عدم الرجوع إلا بالتراضي (65).

______________________________

العقلية لكن المدار في الشرعيات على العرفيات دون العقليات.

(62) الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الثياب ففي بعضها يصدق أن الثوب قائم بعينه و في بعضها يصدق العدم و في بعضها يشك في ذلك، و حكم الكل واضح.

(63) لصدق أن الموهوب قائم بعينه و ليس ذلك من التصرف الموجب للزوم.

(64) لإطلاق قوله عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع و إلا فليس له» (1)، و المفروض عدم القيام بعينها إلا أن يدعى الانصراف عن ذلك لكنه مشكل كما لا يخفى.

(65) منشأ جواز الرجوع أصالة الإباحة بعد عدم صحة التمسك بالدليل و الأصل الموضوعي، لكونه من الشك في الموضوع.

و أما منشأ عدم جواز الرجوع فلاحتمال أن يكون الشك داخلا في مفهوم قوله عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها» فتصير الأقسام ثلاثة:

إحراز كون الهبة قائمة بعينها، إحراز عدمها، الشك فيهما فتكون

ص: 270


1- تقدم في صفحة: 268.

مسألة 23: فيما جاز للواهب الرجوع في هبته

(مسألة 23): فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكل و البعض، فلو وهب شيئين لأجنبي بعقد واحد يجوز له الرجوع بأحدهما، بل لو وهب شيئا واحدا يجوز له الرجوع في بعضه مشاعا أو معينا و مفروزا (66).

مسألة 24: الهبة إما معوضة أو غير معوضة

(مسألة 24): الهبة إما معوضة أو غير معوضة و المراد بالأولى ما شرط فيها الثواب و العوض و إن لم يعط العوض أو عوض عنها و إن لم يشترط فيها العوض (67).

مسألة 25: إذا وهب و أطلق لم يلزم على المتهب إعطاء الثواب و العوض

(مسألة 25): إذا وهب و أطلق لم يلزم على المتهب إعطاء الثواب و العوض سواء كانت من الأدنى للأعلى أو العكس، أو من المساوي للمساوي (68)، و إن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الأولى إعطاء العوض (69) و كيف كان لو اعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله (70)، و إن قبل و أخذه لزمت الهبة و لم يكن له الرجوع فيما وهبه و لم

______________________________

الصورتان الأخيرتان داخلتين في مورد عدم الجواز.

(66) كل ذلك للإطلاق و ظهور الاتفاق.

(67) لصدق الهبة المعوضة عرفا على كل منهما فيتعلق بها حكم المعوضة قهرا.

(68) كل ذلك للأصل و ظهور الإجماع.

(69) خروجا عما نسب إلى أبي الصلاح من لزوم إعطاء العوض حينئذ و لا دليل له على قوله إلا إذا كان مراده رحمه اللّه ما إذا علم من القرائن التي منها هدية الأدنى للأعلى أنها بعنوان العوض و البناء عليه، و كذا لا دليل لما نسب إلى الشيخ من وجوب التعويض مطلقا.

(70) للأصل و الإطلاق و الاتفاق بناء على عدم الاعتناء بمخالفة أبي الصلاح في بعض صغريات المسألة.

ص: 271

يكن للمتهب أيضا الرجوع في ثوابه (71).

مسألة 26: إذا شرط الواهب في هبته على المتهب إعطاء العوض

(مسألة 26): إذا شرط الواهب في هبته على المتهب إعطاء العوض بأن يهبه شيئا مكافاة و ثوابا لهبته و وقع منه القبول على ما اشترط، و كذا القبض للموهوب يلزم عليه دفع العوض (72) فإن دفع لزمت الهبة الأولى على الواهب (73) و إلا فله الرجوع في هبته (74).

مسألة 27: لو وهب شيئا و كانت في البين قرائن دالة على أنها بعنوان العوض

(مسألة 27): لو وهب شيئا و كانت في البين قرائن دالة على أنها بعنوان العوض و لم يكن في اللفظ شي ء يدل عليه فالظاهر وجوب دفع العوض (75).

______________________________

(71) كل ذلك لصيرورتها هبة معوضة حينئذ، و هي لازمة كما مر و يتفرع عليه جميع هذه الفروع.

(72) لكونها من الهبة المعوضة عرفا و هي لازمة.

و ما يقال: من أن المراد بها ما إذا كان العوض فيها بالعنوان الأولي لا بعنوان الشرط لأنه حينئذ من الشرط في العقود الجائزة و لا يلزم الوفاء به.

مخدوش: أولا أنه أول الدعوى، لأن مقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم» (1)، وجوب الوفاء بها أيضا ما دام العقد باقيا و قد خرج الشرط الابتدائي فقط لدعوى الإجماع و بقي الباقي.

و ثانيا: ان هذا النحو من الهبة يصدق عليها عرفا أنها معوضة فيشملها دليل اللزوم لا محالة و طريق الاحتياط في التراضي.

(73) لصيرورتها معوضة بذلك أيضا فيلزم الوفاء بها.

(74) لعدم التعويض فلا موجب لوجوب الوفاء بها.

(75) لفرض اعتبار تلك القرائن عند المتعارف فتكون كالقرينة اللفظية

ص: 272


1- الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.

مسألة 28: لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين

(مسألة 28): لو عين العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعين و يلزم على المتهب بذل ما عين (76)، و لو أطلق بأن شرط عليه أن يثيب و يعوض و لم يعين العوض فإن اتفقا على قدر فذاك (77)، و إلا وجب عليه أن يثيب بمقدار الموهوب مثلا أو قيمة (78).

مسألة 29: الظاهر أنه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض

(مسألة 29): الظاهر أنه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة بأن يشترط على المتهب أن يهبه شيئا، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شي ء بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حق فإذا صالحه عنه و تحقق منه القبول فقد عوضه و لم يكن له الرجوع في هبته، و كذا يجوز أن يكون إبراء عن حق أو إيقاع عمل له (79) كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه و نحو ذلك فإذا أبرأه عن ذلك الحق أو عمل له ذلك العمل فقد أثابه و عوضه.

مسألة 30: إذا اشترط المتهب على الواهب عدم رجوعه

(مسألة 30): إذا اشترط المتهب على الواهب عدم رجوعه في ضمن عقد لازم لزم، و كذا إذا اشترط في ضمن عقد الهبة (80).

______________________________

المذكورة في الكلام، و لكن الاحتياط في التراضي، لذهاب بعض إلى عدم الاعتبار بالقرائن الحالية في العقود و الإيقاعات و إن كان لا دليل له على ذلك فيما إذا كانت القرينة معتبرة و اعتمد عليها أهل المحاورات.

(76) كل منهما لعموم وجوب الوفاء بالشرط بعد كون العقد من العقود اللازمة.

(77) لأن الحق بينهما فلهما أن يتراضيا بما شاءا و أرادا.

(78) لأصالة البراءة عن الزائد، مع أن المنساق من التعويضات مطلقا عند العرف هو التساوي بين العوضين.

(79) كل ذلك لظهور الإطلاق و الاتفاق، فيعتبر في العوض أن يكون جامعا للشرائط الصحة.

(80) أما الأول فلعموم أدلة وجوب الوفاء بالشرط.

ص: 273

مسألة 31: إذا اشترط الواهب على المتهب

(مسألة 31): إذا اشترط الواهب على المتهب أن يكون له الخيار في فسخ العقد إلى مدة معينة جاز له، و حينئذ له الفسخ و الرجوع حتى في هبة ذي الرحم أو بعد التلف (81).

مسألة 32: لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له الرجوع

(مسألة 32): لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له الرجوع و كان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد و القبض كالثمرة و الحمل و الولد و اللبن في الضرع كان من مال المتهب (82) و لا يرجع إلى الواهب بخلاف المتصل كالسمن فإنه يرجع اليه (83)، و يحتمل أن يكون ذلك مانعا عن الرجوع لعدم كون الموهوب معه قائما بعينه و لا يخلو من قوة (84).

______________________________

و أما الثاني فهو مبني على أن الشروط المذكورة في ضمن العقود الجائزة لازم الوفاء أو لا؟ و قد مر ما يتعلق به في البيع في أحكام الشرط فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(81) أما أصل جواز اشتراط الخيار فلعموم أدلة الشرط.

و أما صحته في مثل الهبة الجائزة فلأنه يمكن أن يتعلق الجواز بعقد واحد من جهتين جهة الذات و جهة الشرط، و لا محذور فيه من عقل أو نقل كما تقدم في أحكام الشروط.

و أما صحته في الهبات اللازمة فلإطلاق أدلة الشروط، و ليس ذلك منافيا لمقتضى العقد لأن المراد بالمنافي ما كان منافيا بالعنوان الأولي أو ما قام الدليل على أنه مناف لا مثل المقام الذي هو مناف للإطلاق.

(82) لقاعدة تبعية النماء للأصل، و الأصل له فيكون النماء له أيضا.

(83) نسب ذلك إلى المشهور و ادعى الإجماع عليه لأن السمن يعد من حالات نفس العين عرفا لا من نماءآتها.

(84) لأن المرجع في عدم كون الشي ء قائما بعينه هو العرف، و الظاهر حكمهم بذلك خصوصا في بعض أفراد السمن، و الحاصل أن النماء أقسام

ص: 274

مسألة 33: لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة

(مسألة 33): لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة و إن كانت لأجنبي و لم تكن معوضة و ليس لورثته الرجوع (85)، و كذلك لو مات الموهوب له فينتقل الموهوب إلى ورثته انتقالا لازما (86).

مسألة 34: لو باع الواهب العين الموهوبة

(مسألة 34): لو باع الواهب العين الموهوبة فإن كانت الهبة لازمة بأن كانت لذي رحم أو معوضة أو قصد بها القربة يقع البيع فضوليا فإن أجاز المتهب صح و إلا بطل (87)، و إن كانت غير لازمة فالظاهر صحة البيع

______________________________

ثلاثة:

الأول: المنفصل خارجا كالثمرات المقطوفة.

الثاني: المنفصل اعتبارا كالثمرات غير المقطوفة الكائنة على الشجر بل الأكمام، و الظاهر أن هذا القسم من القسم الأول أيضا.

الثالث: مثل السمن و عدّه من تبدل العين و تغيرها أقرب من أن يعد من النماء، و مع الشك فاستصحاب كونه من مراتب العين و مظاهرة جارية فيكون للواهب كنفس العين.

(85) كل ذلك لأصالة اللزوم، مع أن جواز الرجوع للواهب حكم شرعي له، و ليس حقا حتى يورث فلا موضوع للإرث إلا إذا أحرز أنه حق قابل للإرث، و مع الشك في أنه حكم أو حق أو أنه على فرض كونه حقا قابلا للإرث أو لا، لا يجوز الرجوع إلى عموم «ما تركه الميت فهو لوارثه» (1)، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و ذلك لا يصح كما ثبت في محله.

(86) أما الانتقال فلعموم «ما تركه الميت فلوارثه» (2)، و أما اللزوم فلصدق عدم كون العين قائمة بعينها فلا وجه للرجوع و لا بد من اللزوم قهرا.

(87) لصيرورة الموهوب ملك الغير بالهبة اللازمة فالواهب تصرف في مال الغير بدون إذنه فيصير البيع فضوليا قهرا و تتوقف صحته على إجازة

ص: 275


1- راجع ج: 18 صفحة: 153.
2- راجع ج: 18 صفحة: 153.

و وقوعه من الواهب و كان رجوعا في الهبة (88) هذا إذا كان ملتفتا إلى هبته و أما لو كان ناسيا أو غافلا و ذاهلا ففي كونه رجوعا قهريا تأمل و إشكال (89) فلا يترك الاحتياط (90).

مسألة 35: الرجوع إما بالقول

(مسألة 35): الرجوع إما بالقول كأن يقول رجعت و ما يفيد معناه و إما بالفعل كاسترداد العين و أخذها من يد المتهب، و من ذلك بيعها بل و إجارتها و رهنها إذا كان ذلك بقصد الرجوع (91).

______________________________

من له حق الإجازة.

(88) لصدق الرجوع في الهبة عليه عرفا إذا كان مع العمد و الالتفات كما هو المفروض.

و دعوى: أن صحة البيع متوقفة على الرجوع إذ «لا بيع إلا في ملك» (1)، فإذا توقف الرجوع على البيع يكون ذلك دورا باطلا.

مدفوعة. أولا: أنه ليس المراد بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا بيع إلا في ما يملك» (2)، ملكية المبيع بل المراد به مالكية البيع و صحة صدوره منه سواء كان مالكا للمبيع أم لا، و لا ريب في أن للواهب حق بيع الموهوب و سلطنته عليه.

و ثانيا: أنه لا اثنينية في المقام حتى يتحقق الدور الذي هو متقوم بذلك بل لا يصدر من الواهب إلا البيع فقط، و حيث إنه مناف لبقاء الهبة فينتزع عنه الرجوع عند المتعارف فلا وجه للدور حينئذ.

(89) من الإطلاقات و العمومات المنطبقة على موضوعاتها قهرا و من أن الانطباق القهري في الإنشائيات المتوقفة على التوجه و الالتفات من كل جهة خلاف المتعارف فيها إلا ما دل عليه دليل بالخصوص.

(90) لإمكان المناقشة في كل واحد من الجوابين، و لكن ليس كل مناقشة مما يعتني بها فالاحتياط حسن لا أن يكون واجبا.

(91) لا تحتاج هذه المسألة إلى التطويل لأن كل ما فيها موافق للوجدان

ص: 276


1- راجع: ج: 17 صفحة: 26.
2- راجع: ج: 17 صفحة: 26.

مسألة 36: لا يشترط في الرجوع إطلاق المتهب

(مسألة 36): لا يشترط في الرجوع إطلاق المتهب فلو أنشأ الرجوع من غير اطلاعه صح (92).

مسألة 37: يستحب العطية للأرحام

(مسألة 37): يستحب العطية للأرحام (93) الذين أمر اللّه تعالى أكيدا بصلتهم و نهى شديدا عن قطيعتهم فعن مولانا الباقر عليه السّلام قال في كتاب علي عليه السّلام «ثلاثة لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن البغي و قطيعة الرحم و اليمين الكاذبة يبارز اللّه بها و إن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم و إن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمي أموالهم و يثرون و ان اليمين الكاذبة و قطعية الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها»، و خصوصا الوالدين الذين أمر اللّه تعالى ببرهما فعن مولانا الصادق عليه السّلام أن رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و قال أوصني قال: «لا تشرك باللّه شيئا و إن أحرقت بالنار و عذبت إلا و قلبك مطمئن بالإيمان و والديك فأطعهما و برهما حيين كانا أو ميتين و إن أمراك أن تخرج من أهلك و مالك فأفعل فإن ذلك من الإيمان»، إلى غير ذلك من الأخبار و لا سيما الأم التي يتأكد برها و صلتها أزيد من الأب كما وردت في روايات كثيرة (94).

______________________________

و الإطلاق و الاتفاق و تقدم في أحكام الخيار ما ينفع المقام.

(92) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(93) بالأدلة الأربعة و رجحانها ثابت بفطرة العقول و إجماع الفقهاء بل العقلاء، و أما الكتاب ففي آيات متكررة رغب فيها إلى صلة الأرحام التي تشمل الهبة كقوله تعالى وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ (1)، و أما السنة ففي نصوص متواترة من الفريقين الدالة إلى الترغيب بصلتهم (2)، التي منها الهبة.

(94) و الأخبار في ذلك كثيرة ففي رواية ابن أبي عمير عن أبي

ص: 277


1- سورة النساء: 1.
2- الوسائل باب: 71 و 18 و 19 من أبواب النفقات.

مسألة 38: يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية

(مسألة 38): يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية على كراهية (95)، و ربما يحرم إذا كان سببا لإثارة الفتنة و الشحناء و البغضاء المؤدية إلى الفساد، كما أنه ربما يفضّل التفضيل فيما إذا يؤمن من الفساد و يكون لبعضهم خصوصية موجبة لأولوية رعايته.

مسألة 39: الصلح في مقام الهبة

(مسألة 39): الصلح في مقام الهبة لا يجري عليه حكم الهبة (96).

مسألة 40: لو تبين أن الموهوب بعد قبضه مستحقا للغير بطلت

(مسألة 40): لو تبين أن الموهوب بعد قبضه مستحقا للغير بطلت

______________________________

عبد اللّه عليه السّلام: «جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أبرّ؟ قال: أمك، قال: ثمَّ من؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: أمك، قال: ثمَّ من؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: أمك، قال: ثمَّ من؟ قال صلّى اللّه عليه و آله:

أباك» (1)، و قريب منه رواية معلى بن خنيس (2)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(95) أما الجواز فللأصل و الإطلاق و الاتفاق مضافا إلى نصوص خاصة منها رواية محمد بن قيس قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض؟ فقال عليه السّلام: نعم و نساءه» (3)، و في رواية محمد بن مسلم عن الصادق عليه السّلام: «الرجل يكون له الولد من غير أم يفضل بعضهم على بعض؟ قال:

لا بأس» إلى غير ذلك من الأخبار.

و أما الكراهة فلما رواه السكوني: «نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما و ترك الآخر، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله: فهلا واسيت بينهما» (4)، و في النبوي صلّى اللّه عليه و آله: «ساووا بين أولادكم في العطية» (5)، و في آخر «اتقوا اللّه و اعدلوا بين أولادكم» (6)، إلى غير ذلك من الأخبار.

(96) للأصل و ظهور الإجماع فلا يعتبر في تحققه القبض.

ص: 278


1- الوسائل باب: 94 من أبواب أحكام الأولاد.
2- الوسائل باب: 94 من أبواب أحكام الأولاد.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الهبات حديث: 1 و 2.
4- الوسائل باب: 11 من أبواب الهبات حديث: 1 و 2.
5- الوسائل باب: 91 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 3.
6- كنز العمال ج: 22 النكاح حديث: 347، 354.

الهبة (97).

مسألة 41: إذا تبين فساد الهبة بعد القبض

(مسألة 41): إذا تبين فساد الهبة بعد القبض و تلف العين الموهوبة فإن كانت مجانية فلا ضمان و إن كانت معوضة يضمن (98).

مسألة 42: إذا اختلفا في أنه كان هبة أو رشوة قدم قول مدعي الهبة

(مسألة 42): إذا اختلفا في أنه كان هبة أو رشوة قدم قول مدعي الهبة (99)، و لو أعطاه شيئا و لم يعلم أنه أراد الصلح أو الهبة لم يجر عليه الأحكام الخاصة لكل منهما (100).

مسألة 43: لو علم أنه قصد التمليك من غير أن يقصد عنوانا معينا من صلح أو هبة أو غيرهما

(مسألة 43): لو علم أنه قصد التمليك من غير أن يقصد عنوانا معينا من صلح أو هبة أو غيرهما فالظاهر جريان أحكام الهبة عليه (101).

______________________________

(97) لعدم تحقق القبض الشرعي فلا وجه للصحة، و تصح بإجازة المالك كما تقدم.

(98) أما في الصورة الأولى فللأصل و قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»، و أما في الصورة الثانية فلقاعدة الإقدام و ما «يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

ثمَّ إن الضمان بأقل الأمرين من القيمة و العوض معلوم و ضمان الزائد عليه يحتاج إلى دليل و هو مفقود و الأحوط التراضي بالنسبة إلى الزائد.

(99) لأصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

(100) للأصل ما لم تكن قرينة على الخلاف. نعم، يستفاد الإذن في التصرف في الجملة.

(101) لأن كونه من العطية معلوم و انها بمنزلة الهبة.

هذا بعض الكلام في الهبة.

و الحمد للّه رب العالمين

ص: 279

ص: 280

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب السبق و الرماية

اشارة

كتاب السبق و الرماية و هو قرار معاوضي مشروع (1) لغرض التمرين على الجهاد في

______________________________

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين

(1) بالأدلة الأربعة فمن الكتاب إطلاق قوله تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ (1)، الشامل للتهيئة التمرينية أيضا مع أن المقاتلة مع الأعداء و المناضلة معهم تحتاج إلى تعليم و تعلم في كل عصر و زمان، و قد بين علي عليه السّلام بعض هذا العلم في بعض خطبه (2).

و أما السنة فلما رواه الفريقان عنه صلّى اللّه عليه و آله: أنه سابق، ففي رواية طلحة عن الصادق عليه السّلام: «أغار المشركون على سرح المدينة فنادى فيها مناد: يا سوء صباحاه، فسمعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الجبل فركب فرسه في طلب العدو، و كان

ص: 281


1- سورة الأنفال: 60.
2- راجع نهج البلاغة خطبة 66 في تعليم الحرب و المقاتلة.

سبيل اللّه تعالى (2).

مسألة 1: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر

(مسألة 1): لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (3)، و يقع بالعقد اللفظي و بالمعاطاة (4).

______________________________

أول أصحابه لحقه أبو قتادة على فرس له، و كان تحت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سرج دفّتاه ليف ليس فيه أشر و لا بطر فطلب العدو فلم يلقوا أحدا، و تتابعت الخيل فقال أبو قتادة: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إن العدو قد انصرف فإن رأيت أن نستبق، فقال: نعم، فاستبقوا فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله سابقا عليهم ثمَّ أقبل عليهم، فقال: أنا ابن العواتك من قريش إنه لهو الجواد البحر- يعني فرسه-» (1)، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «أن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل، و قد سابق رسول اللّه أسامة بن زيد و أجرى الخيل» (2)، و أما الإجماع فمن المسلمين بل من جميع العقلاء الذين لهم جند و جيش مع عدم ارتكابهم لما هو غير المشروع.

و أما العقل فلا ريب في حكمه بحسن ما وظفه الشارع.

(2) للإجماع على المشروعية فيه حينئذ.

(3) لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله المعروف بين الفريقين: «لا سبق إلا في حافر أو نصل أو خف» (3)، و النصل هو السهام و السيوف و الحراب، و الحافر هو الخيل و الحمير و البغال، كما يقال للإبل و الفيلة الخف مضافا إلى الإجماع، و سيأتي حكم المسابقة بغير المنصوص.

(4) لما مر في كتاب البيع من إن المعاطاة موافقة للقاعدة فتشملها الأدلة فيكون عقدا مستقلا بنفسه، كما يصح أن تكون من الجعالة فيجري فيه حينئذ ما

ص: 282


1- الوسائل باب: 1 من أبواب السبق و الرماية: 2، 6 و في سنن أبي داود باب: 60 من كتاب الجهاد حديث: 275 ج: 3.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب السبق و الرماية: 2، 6 و في سنن أبي داود باب: 60 من كتاب الجهاد حديث: 275 ج: 3.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب السبق و الرماية: 4.

مسألة 2: يعتبر في الطرفين البلوغ و العقل

(مسألة 2): يعتبر في الطرفين البلوغ و العقل و عدم الحجر (5) و تعيين سائر الخصوصيات (6).

مسألة 3: يشترط فيه شروط

(مسألة 3): يشترط فيه شروط.

الأول: أن يكون المتسابقان قادرين على المسابقة و الرماية (7) فلو علم قصورهما أو أحدهما بطل العقد (8)، و المناط القدرة حين العمل لا حين إنشاء العقد (9).

الثاني: تعيين العوض (10) إن بنيا عليه، و يجوز إيقاع المسابقة

______________________________

ذكرناه في الجعالة من كونها إيقاعا أو من مجرد التسبيبات، و على فرض إيقاعه بعنوان العقد يكون لازما لما أثبتناه من أصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج في المقام، كما يصح أن يكون إجارة للإطلاق الشامل له.

(5) لاعتبارها في كل قرار معاوضي لفظيا كان أو فعليا كما تقدم في كتاب البيع.

(6) إن وقع بعنوان العقد إجارة كان أو مستقلا بنفسه، لما تقدم في كتاب الإجارة من اعتبارها في الإجارة و كذلك في تمام العقود، و أما لو وقع بعنوان الجعالة فاغتفر فيها من الجهالة ما لم يغتفر في غيرها كما مر في كتاب الجعالة و حينئذ يكون جائزا.

(7) للإجماع و لاعتباره القدرة في كل معاملة كما تقدم في البيع.

(8) لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(9) لما تقدم في كتاب الإجارة من أن المناط كله تحقق التسليم و التسلم على ما بنيا عليه. فلا وجه للإعادة بالتكرار.

(10) لما مر في كتاب البيع و الإجارة من أن القرارات المعاملية لا يقدم

ص: 283

و الرماية بلا عوض (11).

مسألة 4: لا فرق في العوض أن يكون من المتسابقين

(مسألة 4): لا فرق في العوض أن يكون من المتسابقين أو من أحدهما أو أجنبي أو من بيت المال (12).

مسألة 5: يجوز أن يكون العوض المجعول عينا أو دينا

(مسألة 5): يجوز أن يكون العوض المجعول عينا أو دينا حالا أو مؤجلا (13).

مسألة 6: لا بد و أن يكون العوض

(مسألة 6): لا بد و أن يكون العوض المجعول للسابق أو الناضل أو للمحلل مع الشرط (14)

______________________________

عليها العقلاء بلا تعيين عوض، و لحديث نفي الضرر (1)، و في رواية غياث:

«أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أجرى الخيل و جعل سبقها أواقي من فضة» (2)، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أجرى الخيل التي أضمرت من الحصى إلى مسجد بني زريق و سبقها من ثلاث نخلات، فأعطى السابق عذقا و أعطى المصلي عذقا و اعطى الثالث عذقا» (3).

(11) لإطلاق الأدلة الشامل له، و فرض تراضيهما كذلك.

(12) لشمول إطلاق الدليل للجميع مع أن بيت المال للمصالح العامة و المقام منها.

(13) للإطلاق و أصالة الصحة بعد عدم ورود دليل على التحديد بحد خاص.

(14) أما الأول، فلأنه المنساق من هذا القرار المعاملي، و تقدم أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «جعل سبقها أواقي من فضة» أو «فأعطى السابق عذقا و أعطى المصلي عذقا»، و السابق هو الذي يتقدم بالمعنق و الكتد، و المصلي هو الذي يحاذي رأسه صلوى السابق، و الصلوان ما عن يمين الذنب و شماله، هذا مضافا إلى اتفاقهم عليه.

ص: 284


1- الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب السبق و الرماية.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب السبق و الرماية.

فلو جعل للأجنبي أو للمسبوق بطل العقد (15).

مسألة 7: يملك المتسابق و الناضل العوض بعد انتهاء العمل لا بالعقد

(مسألة 7): يملك المتسابق و الناضل العوض بعد انتهاء العمل لا بالعقد (16).

مسألة 8: لو ظهر استحقاق العوض للغير ضمن الباذل مثله

(مسألة 8): لو ظهر استحقاق العوض للغير ضمن الباذل مثله أو قيمته، و الأحوط التصالح بالعوض و أجرة المثل (17).

مسألة 9: لا يشترط فيه المحلل

(مسألة 9): لا يشترط فيه المحلل و هو الذي يدخل بين المتراهنين لتعيين السابق منهما- (18) و لو شرط وجوده لزم (19).

الثالث: تقدير المسافة في السبق ابتداء و غاية، و كذا عدد الإصابة و صفتها في الرمي (20).

الرابع: تعيين ما يتسابق عليه بالمشاهدة فلا يكفي التعيين بالوصف (21).

______________________________

و أما الثاني فلعموم وجوب الوفاء بالشرط إن سبق بنفسه.

(15) لمنافاته لمقتضى العقد.

(16) لبناء وضع المسابقة على ذلك فهي من سنخ الجعالة من هذه الجهة.

(17) لفرض التزامه بالعوض فإذا ظهر مستحقا للغير مع عدم إجازته بطل المسمى و ضمن المثل أو القيمة، و تقدم وجه الاحتياط في أحكام القبض فراجع.

(18) للأصل و الإطلاق.

(19) لعموم وجوب الوفاء بالشروط.

(20) لتقوم السباق و الرماية بذلك، و الظاهر عدم الفرق بين جعله عقدا مستقلا أو أدخلت في الإجارة و الجعالة، و مع عدم التعيين يصير العقد باطلا لزوالها بذاتها و الحاصل: لا بد من تعيين الخصوصيات و الكيفيات التي تتعلق بها الأغراض الصحيحة في الرمي و السبق.

(21) لبناء العقد عليه، و لعدم تعيين الخصوصيات إلا بالمشاهدة.

ص: 285

مسألة 10: تصح المسابقة في غير ما تقدم

(مسألة 10): تصح المسابقة في غير ما تقدم كالعدو و السباحة و الآلات المستعملة في الحرب في هذه الأعصار إن كان فيه غرض صحيح شرعي غير منهي عنه (22).

مسألة 11: إذا اختلفا في السابق

(مسألة 11): إذا اختلفا في السابق فإن كانت قرينة و إلا فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر و لا يملكان العوض (23).

مسألة 12: لو اختلفا في مقدار العوض

(مسألة 12): لو اختلفا في مقدار العوض فالقول مع منكر الزيادة بيمينه (24).

مسألة 13: إذا فسد العقد فلا أجرة للغالب

(مسألة 13): إذا فسد العقد فلا أجرة للغالب (25).

______________________________

نعم، لو فرض وصف يكون بمنزلة المشاهدة في اعتماد الناس عليه يكون كالمشاهدة حينئذ.

(22) لكن بعنوان الجعالة أو الإجارة لا بعنوان العقد المعهود المختص بالخف و الحافر و النصل و حينئذ يشترط فيه ما يشترط فيهما.

(23) أما مع القرينة فلفرض اعتبارها عرفا.

و أما مع عدمها فلعدم تحقق الموضوع كذلك فلا وجه لاستحقاق العوض.

(24) أما الأول فلأصالة عدم الزيادة إلا أن يثبت بدليل معتبر و أما الحلف فلقطع النزاع.

(25) لتوقف استحقاق الأجرة على صحة العقد و المفروض عدمها، و لكن يتحقق الضمان لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

ص: 286

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كتاب الغصب

اشارة

كتاب الغصب و هو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حق عدوانا (1) و قد تطابق العقل و النقل كتابا (2)، و سنة (3) و إجماعا على حرمته و هو من أفحش

______________________________

(1) و هذا هو مفهومه عرفا بل و لغة أيضا، و هو مصطلح الفقهاء أيضا لا أن يكون لهم اصطلاح خاص فيه، و ليس الاستيلاء على مورد الاحتكار و الشفعة و أخذ الزوجة نفقتها من الغصب، لعدم كونه عدوانا لفرض إذن الشارع فيه و إن لم يرض المالك به، و كذا في مورد الحدود و القصاص و الديات على ما سيأتي.

(2) كقوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1)، و قوله تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ(2)، الدال بالملازمة على حرمة غصب مال الغير، و كذا قوله تعالى السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (3).

(3) متواترة بين الفريقين (4)، و في النبوي «لا يحل مال امرء مسلم إلا

ص: 287


1- سورة البقرة: 188.
2- سورة المطففين: 1- 3.
3- سورة المائدة: 38.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب ج: 17 و في كنز العمال ج: 10 صفحة: 105 كتاب الغصب من قسم الأقوال.

الظلم الذي قد استقل العقل بقبحه (4)، و في النبوي: «من غصب شبرا من الأرض طوقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة» و في نبوي آخر: «من خان جاره شبرا من الأرض جعله اللّه طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتى يلقى اللّه يوم القيامة مطوقا إلا أن يتوب و يرجع»، و في آخر «من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر»، و من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها».

مسألة 1: المغصوب إما عين مع المنفعة من مالك واحد

(مسألة 1): المغصوب إما عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين و إما عين بلا منفعة، و إما منفعة مجردة و إما حق مالي متعلق بالعين (5).

فالأول: كغصب الدار من مالكها و كغصب العين المستأجرة إذا غصبها غير المؤجر و المستأجر فهو غاصب للعين من المؤجر و للمنفعة من المستأجر.

و الثاني: كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها مدة الإجارة.

______________________________

بطيب نفس منه» (1)، و في خطبته صلّى اللّه عليه و آله يوم النحر: «إن دمائكم و أموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا» (2).

(4) فلا يختص قبحه بالشريعة المقدسة الإسلامية بل يعم غيرها أيضا كما ذكرنا في التفسير.

(5) يمكن أن يجعل هذا التقسيم عقليا كما لا يخفى على من تأمل فيها.

ثمَّ أنه ينبغي تقديم أمور:

الأول: أن الفرق بين الغصب و الضمان بالعموم من وجه لتحقق الضمان

ص: 288


1- الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1.
2- الوافي ج: 9 باب: حرمة القتل و شدة أمره صفحة: 82.

.....

______________________________

في جميع المعاملات الفاسدة الدائرة بين الناس مع ثبوت التراضي بينهما فيها مع أنه لا غصب فيها موضوعا و إن كانت العقود الفاسدة بحكم الغصب كما مر في البيع، و تحقق الغصب بلا ضمان كما إذا أخذ شخص دينارا من صندوق أحد و وضع مكانه دينارا آخر مثله في جميع الخصوصيات، أو غصب أحد ماء من شخص و أشربه إلى نفس المالك عند شدة عطشه بناء على أنه لا ضمان فيه، و كذا في بعض الحقوق حيث يتحقق فيه الغصب و لا ضمان فيه و موارد اجتماعهما كثيرة كما لا يخفى على كل أحد.

الثاني: ليس للغصب حكم خاص به بل يستفاد حكمه من القواعد العامة الواصلة إلينا في الضمانات.

نعم، قد تذكر في الكتب الفقهية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال»، و لم يبين أنه حديث معصومي أو كلام من غير المعصوم، و على الأول هل له سند يعتني به أو لا؟ و سمعت عن بعض المتفحصين (1)، أنها كانت من فقه غير المسلمين و دخلت في فقههم و على أي تقدير فلا بد من العمل من تطبيقه على سائر القواعد.

الثالث: المرجع في صدق الغصب و الاستيلاء على المغصوب إنما هو نظر متعارف الناس و هو يختلف باختلاف سائر الخصوصيات و الجهات التي لا تضبطها ضابطة كلية، فمع الصدق يترتب الحكم و مع صدق العدم لا موضوع له و مع الشك في الصدق و عدمه فالمرجع الأصول الموضوعية و مع عدمها فالحكمية.

الرابع: التصرف في مال الغير من دون إذنه حرام و لكنه لا يعد غصبا للمال إلا إذا كان بعنوان الاستيلاء عليه فمن دخل دار الغير بدون إذنه لأخذ شي ء منها فعل حراما، و لكنه لا يعد غاصبا للدار عند الناس.

نعم، هو غاصب للشي ء المستولي عليه بعد أخذه إن لم يكن له.

ص: 289


1- هو الشيخ المحقق المتتبع الشيخ محمد جواد البلاغي قدّس سرّه.

و الثالث: كما إذا غصب المؤجر العين المؤجرة و انتزعها من يد المستأجر و استولى على منفعتها مدة الإجارة.

و الرابع: كما إذا استولى على أرض محجرة أو العين المرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حق الرهانة (6) و من ذلك غصب المساجد و المدارس و الربط و القناطر و الطرق و الشوارع العامة (7) و غصب المكان الذي سبق إليه أحد في المساجد و المشاهد (8).

______________________________

(6) لصدق الاستيلاء على حق الغير في كل منها فيتحقق الغصب بالنسبة إلى هذا الحق المستولي عليه عدوانا و يترتب عليه حكمه.

(7) لتحقق التسلط و الاستيلاء على الحق العام لجميع المسلمين أو الناس أجمعين في جميع ذلك فيتحقق الغصب موضوعا و حكما لعدم تفرقة العرف في العدوان بين العدوان على الفرد أو النوع، بل الثاني أعظم و أقوى في العدوان.

و ما يتوهم من عدم تحقق الغصب فيها لعدم اعتبار الملكية للغير فيها.

مدفوع: بكفاية الاستيلاء على حق الغير عدوانا في تحقق الغصب، و إن شئت قلت أن مورد الغصب إما ملك أو حق و كل منهما إما شخصي أو نوعي، و العرف و العقل و الشرع يحكم بتحقق الغصب في الجميع، و يأتي في المتن آنفا ما ينفع المقام.

(8) المحتملات في السبق إلى مكان أربعة:

الأول: حرمة الإزعاج ما دام السابق موجودا فيه من دون حصول حق له في المحل أبدا لا حدوثا و لا بقاء، و انما هي من مجرد الحكم التكليفي فقط فلو أزعجه غيره و صلى في مكانه تصح صلاته و إن أثم بالازعاج.

الثاني: حدوث حق له في المحل ما لم يعرض عنه فلو أزعجه غيره و صلى في مكانه تبطل صلاته سواء كان رحله موجودا فيه أو لا.

ص: 290

مسألة 2: المغصوب منه قد يكون شخصا

(مسألة 2): المغصوب منه قد يكون شخصا كما في غصب الأعيان و المنافع المملوكة للأشخاص و الحقوق كذلك، و قد يكون هو النوع كما في غصب مال تعين خمسا أو زكاة (9) قبل أن يدفع إلى المستحق و غصب

______________________________

الثالث: دوران ثبوت الحق مدار وجود الرحل و عدم الإعراض.

الرابع: دورانه مدار عدم الإعراض سواء كان هناك رحل منه أو لا، و ليس في البين إلا قول علي عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل» (1)، و ظهور كلمة «أحق» في عدم كون الموضوع من مجرد الحكم التكليفي مما لا ريب فيه، كما أن ظهور هذه الجملة في دوران الحكم مدار وجوده كذلك و أما ذكر الغاية فهو لأجل انتهاء الغاية و ان الشخص لا يتعداها إلا نادرا فيكون من تحديد الكون بحسب الغالب في تلك الأزمنة التي تكثر فيها الواردون إلى المساجد و لو لغير العبادة، و كانت من جملة مجامعهم لجملة من أغراضهم لا أن يكون في مقام بيان تحديد الحق في المكان كان فيه السابق أو لم يكن.

ثمَّ انه مع بقاء السابق في المحل أو بقاء رحله فيه و ذهابه لقضاء حاجة فالمتشرعة يرون حقه باقيا كما يرونه أجنبيا عن المحل مع الإعراض عنه، و أما في صورة ذهابه لقضاء الحاجة و قصد العود عما قريب مع عدم الرحل فمقتضى الأصل بقاء حقه لو لم يجر عموم دليل اشتراك المكان و أنه لكل من سبق، و يأتي بعض الكلام في المشتركات إن شاء اللّه تعالى.

(9) لأن تعلقها إما بنحو الحق أو بنحو الملك، و على الأول يكون من غصب حق النوع و على الأخير يكون من غصب ملك الغير، و مر ما يتعلق بذلك في كتاب الزكاة، و كذا غصب ما يتعلق بالمساجد و المشاهد من الفرش و الأثاث و الآلات فإن الجميع يكون المغصوب منه نوعيا لا شخصيا إن كان الوقف

ص: 291


1- الوسائل باب: 17 من أبواب آداب التجارة حديث: 1.

الرباط المعد لنزول القوافل و المدرسة المعدة لسكنى الطلبة فإذا استولى على حجرة قد سكنها واحد من الطلبة و انتزعها منه فهو غاصب لحق الشخص و إذا استولى على أصل المدرسة و منع عن أن يسكنها الطلبة فهو غاصب لحق النوع (10).

مسألة 3: للغصب حكمان تكليفيان

(مسألة 3): للغصب حكمان (11) تكليفيان و هما الحرمة و وجوب رفع اليد و الرد إلى المغصوب منه أو وليه (12)، و حكم وضعي (13) و هو الضمان بمعنى كون المغصوب على عهدة

______________________________

للجهات العامة المنتفعة بها في تلك الأماكن، و سيأتي في كتاب الوقف بعض ما ينفع بالمقام.

(10) لفرض أن المدرسة و غيرها- مثل المستشفيات و المكتبات و ما فيها من الآلات- موقوفة للنوع، و كذا في كل غصب يتعلق بكل حق نوعي كغصب الأعيان الموقوفة.

(11) بالضرورة الدينية لكل منهما بالفطرة من ذوي العقول السليمة و الأذهان المستقيمة، و كل واحد من الحكمين حكم مستقل له دليل مخصوص فدليل الحرمة الأدلة الأربعة كما تقدم، و دليل وجوب الرد مثل قوله عليه السّلام «الغصوب كله مردود» (1)، مضافا إلى إجماع المسلمين بل العقلاء.

(12) يأتي تفصيل المقام في مستقبل الكلام راجع (مسألة 18).

(13) الحكم التكليفي لا يتعلق إلا بالكامل بالبلوغ و العقل، و الوضعي يتعلق بالصبي و المجنون أيضا فإذا غصب الصبي أو المجنون شيئا يتعلق بهما الضمان، و لكن لا وجه لتعلق وجوب الرد بهما لأن التكليف الشرعي ما كان مستلزما للعقاب على المخالفة و عقاب الصبي و المجنون قبيح عقلا، و تفصيل

ص: 292


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب: 3.

الغاصب و كون تلفه و خسارته عليه و أنه إذا تلف يجب عليه دفع بدله و يقال لهذا الضمان ضمان اليد (14).

______________________________

المسألة يطلب من علم الكلام فيتعلق تكليف الرد لوليهما، كما إذا لاقى بدن الصبي أو المجنون النجاسة فينجس بدنهما و لكن لا يجب عليها التطهير و الأول حكم وضعي و الثاني تكليفي، و للمسألة نظائر كثيرة في الفقه من أوله إلى آخره و قد أشرنا إلى الفرق بينهما في الأصول أيضا.

(14) و هناك سببان آخران يأتي في (مسألة 33)، و اليد العدواني من أهم موجبات الضمان عقلا و قد قرره النبي الأعظم بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1)، و يعد هذا من جوامع الكلم التي اختص صلّى اللّه عليه و آله به من بين سائر الأنبياء و افتخر صلّى اللّه عليه و آله بها عليهم (2)، و البحث في الحديث الشريف من جهات:

الأولى: لا وجه للبحث عن سند هذا الحديث بعد ما كان متنه من القواعد الفطرية قررها الشارع لا أن يكون تعبديا، و لبابها يرجع إلى قبح الظلم و العدوان المستقل به كل ذي شعور من الإنسان، مع أن العامة و الخاصة نقلوه في كتبهم الحديثية و الفقهية الاستدلالية متعمد عليه و على الفروع المتفرعة عليه فلا وجه للبحث عن السند في مثله بعد ما تقدم.

الثانية: ليس المراد باليد: الجارحة الخاصة بل المراد بها ذكر السبب الغالبي و إرادة المسبب و هو الاستيلاء على الشي ء و هو يختلف باختلاف مراتب المستولي عليه اختلافا كثيرا جدا جامعها مطلق الاستيلاء، و المرجع في تعيينه متعارف الناس و أهل الخبرة بالأمور فكل ما حكم العرف بتحقق الاستيلاء عليه يتحقق الغصب، و يشمله إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله، و كل ما حكم بعدم

ص: 293


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب: 4 و في كنز العمال ج: 10 حديث: 2257 كتاب الغصب.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب مكان المصلي حديث: 2.

مسألة 4: يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب

(مسألة 4): يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب ففي الجميع الغاصب يأثم و يجب عليه رفع اليد و رد المغصوب إلى المغصوب منه (15)، و أما الحكم الوضعي و هو الضمان فيختص بما إذا كان المغصوب من الأموال عينا كان أو منفعة فليس في غصب الحقوق هذا الضمان أعني ضمان اليد (16) على إشكال في بعضها كحقي التحجير

______________________________

تحقق الاستيلاء عليه فلا يتحقق الغصب، و ما تردد في وجوده و عدمه فالمرجع الأصول الموضوعية و مع عدمها فأصالة البراءة عن الضمان، و لكن الاحتياط التراضي في موارد الشك اهتماما بأموال الناس مهما أمكن.

الثالثة: يشمل الحديث الأعيان و المنافع و الانتفاعات و الحقوق، لأن المراد باليد كما تقدم الاستيلاء و هو متحقق بالنسبة إلى الجميع مع بناء الفقهاء على التعميم بل و بناء العقلاء أيضا كذلك، و عدم الردع بل ثبوت التقرير و يعدونها الكل من أهم القواعد العامة الجارية في جميع الموارد.

الرابعة: لا ريب في ورود التخصيص على هذه القاعدة كما هو شأن المحاورة، و من أظهر موارد التخصيص موارد المجانية و الأمانة شرعية كانت أو مالكية، و قد تعرضنا لجميع ذلك كله في مواردها المناسبة.

الخامسة: من متفرعات قاعدة اليد ما اشتهر في المعاملات من قاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و فصلنا القول في البيع فراجع.

(15) نصا و إجماعا في كل منهما و ضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب و الدين.

(16) الحقوق على أقسام ثلاثة:

الأول: ما جرت العادة على مقابلتها بالمال، و هي موجودة خصوصا في هذه الأزمان و سيما في بعض البلدان و لا ريب في تحقق الضمان فيه.

ص: 294

و الاختصاص (17).

مسألة 5: لو استولى على حر فحبسه لا يتحقق الغصب

(مسألة 5): لو استولى على حر فحبسه لا يتحقق الغصب لا بالنسبة إلى عينه و لا بالنسبة إلى منفعته و إن أثم بذلك (18) و ظلمه سواء كان كبيرا أو صغيرا (19)

______________________________

الثاني: ما جرت العادة على عدم المقابلة بالمال بل يستنكر ذلك لدى العرف، و لا يتحقق الضمان فيه لفرض عدم العوض المالي فيه فلا موضوع للضمان تخصصا.

الثالث: ما يترددون فيه و لا يستنكرون أخذ العوض فيه و لا يقدمون على إعطائه أيضا فقد يكون و قد لا يكون، و مقتضى الأصل عدم الضمان حينئذ.

(17) نقلوا أن حق الاختصاص في السبق إلى دخول مطب بعض الأطباء يعاوض بالمال، و قد أدركنا أن حق الاختصاص في السبق إلى المكان عند منبر بعض الوعاظ المهمين كان يعاوض بالمال إلى غير ذلك مما يقال، و أما معاوضة حق التحجير بالمال فهي شائعة في القرى و الأرياف و البوادي و كانوا يسألون كثيرا عن أحكامها.

(18) أما الإثم فلأنه ظلم و لا ريب في كونه إثما عقلا و شرعا، و أما عدم الضمان بالنسبة إلى العين فلعدم كون الحر مالا و انما يضمن بسبب الجناية عليه، و المفروض انتفاؤها و أما عدم ضمان المنفعة فلعدم استيفائها و تحديدها بحد خاص بحيث تعتبر عند المتعارف مالا، مضافا إلى ظهور الإجماع إلا ممن لا يعتد بخلافه.

نعم، لو كان أجيرا خاصا من كل جهة لشخص، أو كانت أوقاته محدودة بمال خاص كما ينقل عن بعض أرباب الصنائع و الحرف المهمة فإن أوقاتهم محدودة بمال خاص للاشتغال بالعمل يصدق الاستيلاء العدواني بما يتعلق بالغير فتشمله قاعدة اليد و التسبيب و الإتلاف حينئذ.

(19) لإطلاق ما مر من الدليل الشامل لهما مضافا إلى ظهور الاتفاق على

ص: 295

فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب (20)، فلو أصابه حرق أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن (21)، و كذا لا يضمن منفاعه كما إذا كان صانعا و لم يشتغل بصنعته في تلك المدة فلا يضمن أجرته (22).

نعم، لو استوفى منه بعض منافعه كما إذا استخدمه لزمه أجرته (23) و كذا لو تلف بتسبيب منه مثل ما إذا حبسه في دار فيه حية مؤذية فلدغته أو في محل السباع فافترسته ضمنه من جهة سببيته للتلف (24) لا لأجل الغصب و اليد.

______________________________

عدم الفرق.

(20) لأن ضمان اليد انما يتحقق بالمال أو حق يقابل بالمال و المفروض انتفاؤهما إلا فيما ذكرناه.

(21) لأصالة البراءة عن الضمان بعد عدم تحقق الاستيلاء على ما يقابل بالمال.

(22) لما مر في سابقة من غير فرق إلا إذا صدق إتلاف مال الغير فيتحقق الضمان لا محالة، و بعبارة أخرى: الأجرة المستوفاة مضمونة سواء كان الاستيفاء لنفس الغاصب أو كان المستوفي غيره فأتلفها الغاصب على الغير.

(23) لقاعدة أن كل من استوفى المنفعة المحترمة يجب عليه التعويض عنها و هذه القاعدة من صغريات قاعدة اليد أيضا، و تجري في اليد العدواني و المعاوضي معا أما الأول فبالعوض الواقعي و أما الثاني فبالعوض الجعلي.

(24) لأن أسباب الضمان ثلاثة نصا كما مر و إجماعا، اليد، و التسبيب و الإتلاف و هما أعم من اليد و الغصب، و كون ذلك كله من موجبات الضمان من القضايا التي دليلها معها كما هو مغروس في الأذهان و لا يحتاج إلى إقامة دليل و برهان، و هي من الأمور النظامية و يأتي هنا و في كتاب الديات تتمة الكلام.

ص: 296

مسألة 6: لو منع غيره عن إمساك دابته المرسلة

(مسألة 6): لو منع غيره عن إمساك دابته المرسلة أو من القعود على فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصبا، لعدم وضع اليد على ماله و إن كان عاصيا و ظالما له من جهة منعه فلو هلكت الدابة أو تلف الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المنافع ضمان من جهة الغصب و اليد (25)، و هل عليه ضمان من جهة أخرى أم لا؟ أقواهما العدم في الأخير (26) و هو ما إذا نقصت القيمة، و أما في غيره فإن كان الهلاك و التلف و الانهدام غير مستند إلى منعه بأن كانت بآفة سماوية و سبب قهري لا يتفاوت في ترتبها بين ممنوعية المالك و عدمها لم يكن عليه ضمان قطعا (27)، و أما إذا كان مستندا إليه كما إذا كانت الدابة ضعيفة أو في موضع السباع و كان المالك يحفظها فلما منعه المانع و لم يقدر على حفظها وقع عليه الهلاك فللضمان وجه بل لا يخلو من قوة (28).

______________________________

(25) لما مر من عدم ثبوت وضع اليد على المال و ان أثم و ظلم في صيرورته موجبا لتضرر الغير.

(26) لعدم تفويت مال عليه لا مباشرة و لا تسبيبا، و إنما النقصان حصل لعوارض خارجية عن اختيار الغاصب و المالك و الاستناد في الضمان إلى قاعدة الضرر و الضرار يحتاج إلى الانجبار و هو مفقود.

(27) لعدم وقوع الهلاك و التلف من الغاصب لا مباشرة و لا تسبيبا، و انما يستند إلى الآفة السماوية.

(28) لصحة استناد التلف و الهلاك حينئذ إلى الغاصب فيثبت الضمان بالتسبيب، و لكن لوضوح السبب و خفائه مراتب و مع الشك في تحققه فالمرجع أصالة البراءة عن الضمان، و يمكن أن يجعل النزاع في الضمان و عدمه في نظير المقام لفظيا كما لا يخفى.

ص: 297

مسألة 7: حيث عرفت أن المدار في تحقق الغصب على استيلاء الغاصب على المغصوب

(مسألة 7): حيث عرفت أن المدار في تحقق الغصب على استيلاء الغاصب على المغصوب و صيرورته تحت يده عرفا بدون إذن صاحبه فليعلم أنه يختلف ذلك باختلاف المغصوبات (29)، ففي المنقول غير الحيوان يتحقق بأخذه باليد أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكانه أو مخزنة و غيرها مما يكون محرزا لأمواله (30) و لو كان ذلك بأمره (31)، فلو نقل حمّال بأمره متاعا من الغير بدون إذنه إلى بيته أو طعاما منه إلى مخزنة كان بذلك غاصبا للمتاع و الطعام (32)، و يلحق بالأخذ باليد قعوده على البساط و الفراش بقصد الاستيلاء (33).

______________________________

(29) هذا قريب من الوجدانيات فلا يحتاج إلى التماس دليل و لا نظر فقيه فلذات الاستيلاء مراتب متفاوتة شدة و ضعفا و للمستولى عليه أيضا مراتب، فأين الاستيلاء على جوهرة صغيرة من الاستيلاء على سفينة كبيرة، و أين الاستيلاء على خاتم يدار في اليد و الاستيلاء على خزائن لا تحصى بالعد، و الجامع صدق الاستيلاء عرفا فمع صدقه يترتب حكم الغصب باليد و مع صدق عدمه لا يترتب حكمه و إن تحقق الضمان لجهة أخرى، و مع التردد فالمرجع أصالة البراءة عن الحكم الخاص بالغصب و إن تحقق الضمان لجهة أخرى أيضا و ليس للغصب حكم خاص به إلا ما أرسل من أن «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال»، و في كونه حديثا مرسلا إشكال و على فرضه فلا بد في العمل به من الانجبار و هو مفقود.

(30) لأن كل ذلك يصدق عليه القبض و الاستيلاء عرفا بل وجدانا.

(31) لفرض أن المأمور يطيع أمره فيكون فعل المأمور فعل الآمر و يتحقق القبض بالنسبة إلى الآمر.

(32) أي كان الآمر غاصبا لصدق الاستيلاء على مال الغير عليه عرفا لأن الضابط الكلي في تحقق الاستيلاء إنما هو الصدق العرفي.

(33) لأنه استيلاء على مال الغير عدوانا فيكون غصبا قهرا.

ص: 298

و أما في الحيوان ففي الصامت منه يكفي الركوب عليه أو أخذ مقودة و زمامه بل و كذا سوقه بعد طرد المالك أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه و يكون منقادا لسائقه (34) فلو كانت قطيع غنم في الصحراء معها راعيها فطرده و استولى عليها بعنوان القهر و الانتزاع من مالكها و جعل يسوقها و صار بمنزلة راعيها يحافظها و يمنعها عن التفرق و التشتت.

فالظاهر أنه يكفي ذلك في تحقق الغصب لصدق الاستيلاء و وضع اليد عرفا (35)، و أما في العبيد و الإماء فيكفي مع رفع يد المالك أو عدم حضوره القهر عليه بحبسه عنده أو في بيته و استخدامه في حوائجه (36) هذا كله في المنقول.

و أما غير المنقول فيكفي في غصب الدار أن يسكنها أو يسكن غيره ممن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضوره، و كذا لو أخذ مفاتيحها من صاحبها قهرا أو كان يغلق الباب و يفتحه و يتردد فيها.

و كذلك الحال في الدكان و الخان (37)، و أما البستان فإن كان لها باب و حيطان فيكفي في غصبها أخذ المفتاح و غلق الباب و فتحه مع التردد فيها بعنوان الاستيلاء و بعض التصرفات فيها، و كذا الحال في غصب القرية و المزرعة (38) هذا كله في غصب الأعيان.

______________________________

(34) لصدق الاستيلاء على الحيوان عدوانا بذلك كله فيتحقق موضوع الغصب قهرا.

(35) و كذا الكلام في المراكب الحديثة كالسيارات و غيرها.

(36) لصدق الاستيلاء العدواني بذلك كله.

(37) لأنه يصدق في ذلك كله الاستيلاء العدواني كما هو معلوم بالوجدان.

(38) لأن جميع هذه التصرفات مع قصد الاستيلاء العدواني من مصاديق

ص: 299

و أما غصب المنافع فإنما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة و جعلها تحت يده (39)، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو شخص ثالث من المستأجر و استولى عليها في مدة الإجارة سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا (40).

مسألة 8: لو دخل الدار و سكنها مع مالكها

(مسألة 8): لو دخل الدار و سكنها مع مالكها فإن كان المالك ضعيفا غير قادر على مدافعته و إخراجه و اختص استيلاؤه و تصرفه بطرف معين منها اختص الغصب و الضمان بذلك الطرف دون الأطراف الأخر (41)، و إن كان استيلاؤه و تصرفاته و تقلباته في أطراف الدار و أجزائها بنسبة واحدة و تساوي يد الساكن مع يد المالك عليها فالظاهر كونه غاصبا للنصف فيكون ضامنا له خاصة بمعنى أنه لو انهدمت تمام الدار ضمن الساكن نصفها و لو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض، و كذا يضمن نصف منافعها (42)، و لو فرض أن المالك و الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة فإن كانا اثنين ضمن الثلث و إن كانوا ثلاثة ضمن

______________________________

الغصب الحرام عند جميع الأنام.

(39) لأن المنفعة تابعة للعين فلا تدخل تحت اليد و الاستيلاء إلا بتبعها.

(40) لتحقق الاستيلاء على المنفعة في الصورتين و الاستيفاء خارج عن حقيقة الاستيلاء كما هو واضح لا يخفى.

(41) أما اختصاص الغصب بما هو مستول عليه و متصرف فيه فلتحقق الاستيلاء عليه فقط، و أما عدمه بالنسبة إلى الأطراف الأخر فلعدم موضوع للغصب بالنسبة إليها فلا وجه لترتب حكم الغصب عليها، و الضابط أنه يكون الغاصب كأحد الشريكين أو الشركاء بنسبة المال إلا أن الشريك يكون بحق و الغاصب شريك ظلما و عدوانا.

(42) لفرض تسلطه عليه عدوانا فيضمن لا محالة.

ص: 300

الربع و هكذا (43)، هذا إذا كان المالك ضعيفا، و أما لو كان الساكن ضعيفا بمعنى أنه لا يقدر على مقاومة المالك و أنه كلما أراد أن يخرجه من داره أخرجه فالظاهر عدم تحقق الغصب، بل و لا اليد فليس عليه ضمان اليد.

نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها لو كان لها بدل (44).

مسألة 9: لو أخذ بمقود الدابة فقادها و كان المالك راكبا عليها

(مسألة 9): لو أخذ بمقود الدابة فقادها و كان المالك راكبا عليها فإن كان في الضعف و عدم الاستقلال عما به المحمول عليها كان القائد غاصبا لها بتمامها و يتبعه الضمان (45)، و لو كان بالعكس بل كان المالك الراكب قويا قادرا على مقاومته و مدافعته فالظاهر عدم تحقق الغصب من القائد أصلا فلا ضمان عليه (46) لو تلفت الدابة في تلك الحال.

______________________________

(43) لما مر من أن الضابط هو أن يجعل الغاصب بمنزلة أحد الشريكين أو الشركاء بنسبة مقدار ما غصبه.

(44) أما عدم تحقق الغصب فلعدم تحقق الاستيلاء عدوانا فإنه حينئذ يكون كضيف ضعيف متى أراد المضيف أن يطوي بساط الضيافة له أن يفعل ذلك فلا يصدق على مثل هذا الضيف أنه مسلّط و مستول على مال المضيف، و أما عدم تحقق ضمان اليد فلعدم تحقق الموضوع له لفرض عدم تحقق الاستيلاء عرفا.

و أما أن عليه بدل ما استوفاه من المنفعة إن كان له بدل فلقاعدة الإتلاف و إن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و أما عدم البدل فيما لا بدل له فلعدم الموضوع للبدل حينئذ فليس عليه إلا الإثم.

(45) لتحقق الاستيلاء العدواني عرفا لكون الراكب كالمحمول الجامد حينئذ، فيترتب عليه حكمه و هو الضمان قهرا.

(46) لعدم فرض الاستيلاء العدواني من القائد مع كون الراكب قاهرا

ص: 301

نعم، لا إشكال في ضمانه لها لو اتفق تلفها بسبب قوة لها (47) كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع فتلفت (48).

مسألة 10: إذا اشترك اثنان في الغصب

(مسألة 10): إذا اشترك اثنان في الغصب فإن لم يستقل واحد منهما بانفراده بأن كان كل واحد منهما ضعيفا و إنما كان استيلاؤهما على المغصوب و دفع المالك بالتعاضد و التعاون فالظاهر اشتراكهما في اليد و الضمان، فكل منهما يضمن النصف (49)، و أما إذا كان كل واحد منهما مستقلا في الاستيلاء بأن كان كل منهما كافيا في دفع المالك و القهر عليه أو لم يكن المالك حاضرا، فالظاهر أن كل واحد منهما ضامن للتمام (50) فيتخير المالك في تضمين أيهما شاء كما يأتي في الأيادي المتعاقبة.

مسألة 11: غصب الأوقاف العامة

(مسألة 11): غصب الأوقاف العامة كالمساجد و المقابر و المدارس و القناطر و الربط المعدة لنزول المسافرين و الطرق و الشوارع العامة و نحوها و الاستيلاء عليها و إن كان حراما و يجب ردها و رفع اليد عنها، لكن الظاهر

______________________________

و مسلطا عليه، فيكون القائد حينئذ كحيوان يقود حيوانا آخر و يكون الراكب مسلطا عليهما.

(47) لتحقق التسبيب إلى التلف فيترتب عليه الضمان لا محالة.

(48) لتحقق التسبيب إلى التلف من السائق حينئذ فيضمن قهرا.

(49) لاقتضاء الاشتراك في العلة الاشتراك في المعلول عقلا و شرعا و عرفا ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

(50) لفرض تحقق الاستيلاء العدواني من كل واحد منهما، و فرض كفاية كل منهما في الاستقلال فيكون كل واحد منهما ضامنا للتمام لوجود المقتضى و فقد المانع فيتخير المالك في الرجوع إلى كل واحد منهما بلا إشكال.

ص: 302

أنه لا يوجب الضمان لا عينا و لا منفعة ضمان اليد (51)، فلو غصب مسجد أو مدرسة أو رباطا و وضع اليد عليها فانهدمت تحت يده من دون تسبيب

______________________________

و توهم: أن ذلك ممتنع لما ثبت في محله من امتناع توارد العلتين على معلول واحد.

فاسد: أولا بأن الممتنع انما هو تواردهما مستقلا في عرض واحد على معلول واحد و المقام طولي لا أن يكون عرضيا.

و ثانيا: بان الامتناع إنما هو في العلل الحقيقية التكوينية لا في الأمور الاعتبارية و المقام من الأخيرة لا الأولى، و يأتي في الأيادي المتعاقبة بقية الكلام و لو كان أحدهما تبعا للآخر فإن كان في التبعية كالآلة المحضة، فالضمان على المتبوع و إلا فعليه أيضا بنسبة تبعيته و مقدارها.

(51) أما أصل حرمة الغصب فيها و وجوب رفع اليد بعد الغصب فلعموم أدلة حرمته و وجوب رفع اليد عن المغصوب من الكتاب و السنة و الإجماع و حكم العقل كما تقدم، بل الغصب فيها أقبح في مرتكزات المتشرعة بل العقلاء عن غصب الأملاك الشخصية لأن نسبة الظلم الشخصي إلى الظلم النوعي نسبة القطرة إلى البحر سيما إذا كان مورد حق اللّه تعالى أيضا، فإنه اجتراء على الخالق فلا وجه لملاحظة نسبة إثمه مع الإثم الشخصي الجزئي.

و أما أنه ليس في الحكم الوضعي أي الضمان لا عينا و لا منفعة فاستدل عليه.

تارة: بعدم الملك و المالك فيها.

و أخرى: بالسيرة و دعوى الإجماع.

و ثالثة: بأن جميع الناس فيها شرع سواء فلا اختصاص للغاصب بها إلا مجرد الإثم و هو حاصل له.

و رابعة: بتغليب حق اللّه تعالى فيها.

ص: 303

منه لم يضمن (52) عينهما كما أنه لو كانت تحت يده مدة ثمَّ رفع يده عنها لم يكن عليه أجرتها في تلك المدة (53).

نعم، الأوقاف العامة على العناوين الكلية كالفقراء و الطلبة بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها الضمان عينا و منفعة (54)،

______________________________

و الكل مخدوش أما الأولى: فيكفي اعتبار الملكية و لا ريب في صحته و أما المالك أي من يستولي عليها فهو المتولي مع وجوده و مع العدم فالحاكم الشرعي.

و أما الثانية: فتحققها من المتشرعة ممنوع و من غيرهم لا وجه لاعتبارها ما لم تكن عقلائية و هو أول الدعوى، و أما الإجماع فعهدة إثباته على مدعيه، و أما كون الناس فيها شرع سواء أي: في الانتفاع بها لا في سائر الجهات، و أما الأخير فهو من مجرد الدعوى بلا دليل، و لذا نسب إلى الدروس الضمان مطلقا عينا و منفعة و طريق الاحتياط واضح.

(52) لأن الإتلاف بالتسبيب أو المباشر موجب للضمان مطلقا بلا فرق بين الأوقاف العامة و غيرها، و ما ذكروه في عدم الضمان على تماميته إنما هو في ضمان اليد دون الإتلاف.

(53) لما مر من عدم ضمان اليد فيها، لكن لو استوفى المنفعة مباشرة أو تسبيبا يشكل عدم الضمان حينئذ، لقصور دليلهم عن شمول هذه الصورة على فرض التمامية.

و بالجملة: أصالة الاحترام في حق الغير و المال الذي يستفيد منه الغير من الأصول النظامية العقلائية التي لا يخرج عنها إلا بدليل قاطع و برهان ساطع.

(54) لوجود المقتضي للغصب و هي الملكية الجهتية في الجملة و المالكية النوعية و فقد المانع، فتشملها العمومات و الإطلاقات بلا محذور و مدافع.

ص: 304

فإذا غصب خانا أو دكانا أو بستانا كانت وقفا على الفقراء أو الطلبة على أن يكون منفعتها و نماؤها لهم ترتب عليه الضمان، فإذا تلفت تحت يده كان ضامنا لعينها و إذا كانت تحت يده مدة ثمَّ ردها كان عليه أجرة مثلها فيكون غصبها كغصب الأعيان المملوكة للأشخاص (55).

مسألة 12: إذا حبس حرا لم يضمن

(مسألة 12): إذا حبس حرا لم يضمن لا نفسه و لا منافعه ضمان اليد حتى فيما إذا كان صانعا فليس على الحابس أجرة صنعته مدة حبسه (56).

______________________________

(55) لفرض انها حينئذ فرد من أفراد الغصب كالمملوكة للأشخاص فيشمله العموم شمول الكلي لجميع الأفراد، و كذا الكلام في الفرش و الأثاث و سائر الأشياء الموقوفة بنحو الأوقاف العامة فليس فيها ضمان اليد.

نعم، فيما كانت موقوفة على الجهات بنحو الأوقاف الخاصة يثبت فيها ضمان اليد كالأوقاف الخاصة، و فيما تردد بينهما فمقتضى أصالة البراءة عدم الضمان بضمان اليد لو لم يكن تسبيب و إتلاف في البين.

(56) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات في جميع الطبقات و ابتنوا عليه مسائل كثيرة في موارد متفرقة، و استدلوا عليه.

تارة: بالإجماع.

و أخرى: بعدم المالية الفعلية حتى تقع تحت الاستيلاء و يتحقق ضمان اليد فلا موضوع للغصب فيه و إن ثبت الإثم من جهة الظلم.

و ثالثة: بالسيرة خلفا عن سلف لعدم الضمان إلا في موارد خاصة، فليس عين الحر مالا و لا ملكا لأحد حتى يتحقق فيه الغصب و ضمان اليد و لا منفعته الاقتضائية و قدرته على صنعته أي صنعة كانت.

نعم، له أحكام خاصة بالنسبة إلى الجنايات الواردة عليه و على منافعه كما يأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى و لكنها لا ربط لها بضمان اليد و الغصب الاصطلاحي.

ص: 305

نعم، لو كان أجيرا لغيره ضمن منفعته الفائتة للمستأجر و كذا لو استخدمه و استوفى منفعته كان عليه أجرة عمله (57) هذا كله في حبس الحر، و أما لو غصب عبدا أو دابة مثلا ضمن منافعها سواء استوفاها

______________________________

و ما نسب إلى جمع منهم العلامة من أن منافع الحر تضمن بالتفويت فإن أراد به الاستيفاء فهو حق لا ريب فيه و إن أراد مطلق الفوات و لو بلا استيفاء و تسبيب في البين فلا دليل عليه بل هو على خلافه كما مر.

(57) أما الأول فللإتلاف.

و أما الثاني فللاستيفاء و هما من موجبات الضمان بالأدلة الأربعة كما تقدم.

ثمَّ أن منافع الحر على أقسام:

الأول: المنفعة الاقتضائية المحضة بحيث لم تصل إلى أي مرتبة من الفعلية و لو بالمرتبة الضعيفة كما إذا كان ذو حرفة و صنعة بحيث لو تحققت المقتضيات و فقدت الموانع لاشتغل بعمله و استفاد عوضه و حبس مثله لا يوجب ضمان العين و لا ضمان العمل، لما مر.

الثاني: ما إذا كان له المعرضية القريبة للعمل و لكن لم يشتغل بالعمل بعد كمن كان في طريق ذهابه إلى شغل معين فحبسه.

الثالث: ما إذا وقع العقد الإجاري بينه و بين الغير لعمل خاص بعوض معين فحبس قبل الشروع في العمل أو في أثنائه.

الرابع: ما إذا كان دقائق أوقاته محدودة بحسب الجعل العمومي بعوض خاص معين كما إذا كتب شخص خاص ماهر في فن خاص في بطاقاته أن صرف كل دقيقة من وقتي بكذا من المال أو كان ذلك له بجعل الحكومة مثلا، و في الكل مع صدق إتلاف المال على الطرف مباشرة أو تسبيبا يثبت الضمان و مع العدم لا وجه للضمان.

ص: 306

الغاصب أم لا (58).

مسألة 13: لو منع حرا أو عبدا عن عمل له أجرة

(مسألة 13): لو منع حرا أو عبدا عن عمل له أجرة من غير تصرف و استيفاء و لا وضع يده عليه لم يضمن عمله و لم يكن عليه أجرته و إن أثم بمنعه و كان ظلما (59).

مسألة 14: يلحق بالغصب في الضمان المقبوض بالعقد

(مسألة 14): يلحق بالغصب في الضمان المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد (60)، فالمبيع الذي يأخذه المشتري و الثمن الذي

______________________________

(58) لأن المنفعة فيهما مال الغير و إتلاف مال الغير يوجب الضمان بلا فرق بين الاستيفاء و عدمه.

(59) أما الإثم و الظلم فلا ريب فيه لأنه ظلم و الظلم حرام بالأدلة الأربعة بجميع مراتبه التي يصدق عليها الظلم و العدوان.

و أما عدم ضمان اليد فلفرض عدم وضع اليد عليه فيكون منتفيا بانتفاء الموضوع، كما أن المفروض عدم موجب لضمان آخر من الاستيفاء.

نعم، لو كان مطلق التفويت و التسبيب المطلق موجبا للضمان لكان ضامنا و لكنه ممنوع و إن كان الاحتياط في التراضي.

(60) أرسلوا ذلك إرسال المسلمات الفقهية في كتابي البيع و الغصب و ظاهرهم الإجماع عليه، فيكون موضوع أحكام الغصب كل نقل و انتقال لا يكون جامعا للشرائط الشرعية سواء كان من الغصب العدواني أو من النواقل غير الشرعية و لو كان مع الرضا جميع المعاملات الفاسدة لخلل في أحد العوضين أو أحد الطرفين أو في غيرهما مما هو معتبر شرعا، و قولهم هذا مطابق للقواعد العامة لأنه ليس للغصب حكم خاص به من الضمان و ما يترتب عليه غير العمومات التي يثبت بها الضمان و أحكامه.

نعم، لو ثبت قضية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال» يكون ذلك حكما مخصصا به و قد مر أنها غير ثابتة.

ص: 307

يأخذه البائع في البيع الفاسد يكون في ضمانهما كالمغصوب (61)، سواء علما بالفساد أم جهلا به (62)، و كذلك الأجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة (63)، و أما المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي فليس فيه الضمان (64) فلو قبض المتهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه

______________________________

(61) لبطلان النقل و الانتقال شرعا فيجري عليه حكم الغصب قهرا أي:

العمل بالقواعد العامة الواردة في الضمان كقاعدة اليد و الإتلاف و التسبيب و نحوها.

(62) لأن العلم و الجهل لا أثر لهما في الوضعيات التي منها الضمان.

نعم، لو كان العلم بالفساد موجبا لتحقق المجانية و التسليط المجاني و بلا عوض لا وجه للضمان حينئذ لتنافي المجانية مع الضمان كما هو واضح و لا يحتاج إلى بيان، و هذا معنى ما اصطلحوا عليه بقاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» أي: المعاوضات التي فيها الضمان فإن كانت صحيحة فبالعوض المسمى و إن كانت فاسدة فبالمثل أو القيمة، لفرض عدم المجانية و تحقق القرار المعاوضي بين الطرفين، و قد تعرضنا لبعض ما يتعلق بها في كتاب البيع.

(63) لأن ضمان اليد مطابق للقاعدة لا يختص بعقد دون آخر و لا بمعاوضة دون أخرى فكلما جرت عليه يد غير شرعية لا بد فيه من الضمان بالمثل أو القيمة بعد عدم الاعتبار بالعوض المسمى، لعدم إمضاء الشارع له هذا حكم أصل القضية المعروفة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» مضافا إلى قاعدة الإتلاف و أصالة احترام المال.

(64) هذا حكم عكس القضية المعروفة لديهم و هو «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» أي: أن المجانيات لا ضمان فيها لفرض المجانية فيكون تحقق الضمان فيها خلف بلا فرق بين صحيحها و فاسدها لفرض تحقق

ص: 308

ضمان (65)، و كذا يلحق بالغصب المقبوض بالسوم (66)، و المراد بها ما يأخذه الشخص لينظر فيه أو يضع عنده ليطلع على خصوصياته لكي

______________________________

المجانية فيهما فالقضية أصلا و عكسا من الواضحات، ففي الأصل أن بناء القرار المعاوضي على العوض و إلا لزم الخلف، ففي الصحيح بالمسمى و في الفاسد بالعوض الواقعي و في العكس أن بناء المجانيات على عدم العوض و إلا لزم الخلف بلا فرق فيها بين الصحيح و الفاسد لفرض تحقق التسليط المجاني في كل منهما، و قد أطيل الكلام في القضيتين أصلا و عكسا و من أراد العثور عليه فليراجع مكاسب شيخنا الأنصاري مع أن القضيتين من الوجدانيات في الجملة بعد التأمل و التدبر.

(65) لتنافي المجانية و الضمان عقلا و شرعا بل و عرفا لكونهما من الجمع بين المتنافيين كما هو واضح فلا يمكن الجعل التشريعي في مورد ينافيه و يضاده بحسب العقل و العرف.

(66) لقاعدة اليد الشاملة لكل من جرت يده على مال الغير و لو كان بإذنه ما لم يكن في البين قرار بنائي أو معاوضي و العدوان من احدى طرق الضمان لا أن يكون الضمان مختصا به، فلا وجه لما يقال: من أن الإذن ينافي الضمان إذ لا دليل عليه من عقل أو نقل بل هما شاهدان على أنه أعم من عدم الضمان، و يصح أن يقال: أن الإذن في المقبوض بالسوم إذن تضميني بمعنى أن البائع يعطي السلعة إلى المشتري مشروطا بالشرط البنائي على أنه لو تلف في يده يعطيه بدله كما لا اختصاص للضمان بالمقبوض بالسوم، بل يجري في كل مقبوض يأخذه القابض بإذن من صاحبه ليرى ما فيه صلاحه من تملكه أو تبديله بغيره كقبض المرأة المال ليكون مهرا لها و الرجل ليكون عوض الخلع إلا إذا كان نفس القبض من حيث هو موجبا للضمان، كقبض الدين مثلا أو قبض البائع الثمن و المشتري المثمن إلى غير ذلك.

ص: 309

يشتريه (67) إذا وافق نظره فهذا في ضمان آخذه فلو تلف عنده ضمنه (68).

مسألة 15: لو أخذ مال الغير غصبا

(مسألة 15): لو أخذ مال الغير غصبا ثمَّ وضعه في محله فتلف بعد ذلك يضمن (69).

نعم، لو تاب بعد الوضع و تلف المال يشكل ضمانه (70).

مسألة 16: يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا

(مسألة 16): يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا (71) و إن كان في رده مئونة، بل و إن استلزم رده الضرر عليه (72) حتى أنه لو أدخل

______________________________

(67) قد عرفت عدم الاختصاص به فكل مقبوض لغرض صحيح بإذن المالك مضمون بضمان اليد إلا ما خرج بالدليل كالودائع و الأمانات فإنها ليست مضمونة بضمان اليد، بل بالتعدي أو التفريط و تقدم أن الإذن في القبض أعم من سقوط الضمان بل نفس الإذن في الواقع إذن تقييدي بالضمان لو تلف، بل الشك في أن الإذن يوجب سقوط الضمان أو لا.

يكفي في عدم السقوط عموم «قاعدة اليد» و أصالة احترام أموال الناس بلا شبهة و التباس.

(68) على المشهور لما تقدم من أن البناء و الإعطاء ليس بمجاني.

(69) لقاعدة اليد و استصحاب الضمان الحاصل بمجرد أخذه.

(70) لأصالة البراءة بعد انقطاع حكم يده بالتوبة.

(71) بضرورة المذهب إن لم يكن من الدين.

و الفطرة السليمة من ذوي العقول المستقيمة، و قولهم عليهم السّلام: «الغصب كله مردود» (1)، و قول علي عليه السّلام: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها» (2).

(72) كل ذلك لإطلاق الأدلة، و قاعدة اليد و غيرها، و لأن الغاصب هو الذي أقدم على تضرره بغصبه مال الغير، فالضرر إنما جاء من قبل نفسه و من إقدامه

ص: 310


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب 3 و 5.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب 3 و 5.

الخشبة المغصوبة في بناء لزم عليه إخراجها و ردها لو أرادها المالك و إن أدى إلى خراب البناء (73)، و كذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة

______________________________

عليه بوضع يده على المغصوب.

إن قيل: نعم، و لكن يقيد ذلك كله بقاعدة نفي الحرج و الضرر.

يقال: ظاهرهم الإجماع على عدم جريانهما في المقام.

(73) لقول علي عليه السّلام: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها»(1)، مضافا إلى الإجماع، و قاعدة الإقدام و إطلاقها يشمل ما إذا وضع المغصوب في محل من البناء يمكن أن ينهدم ذلك المحل و أطرافه ليخرج المغصوب بنحو يسير، و كذا إذا كان تمام البناء موضوعا على المغصوب مثلا بحيث يكون هو القاعدة لتمام البناء بأجزائها و جزئياتها و لو أخرج ذلك لانهدم البناء الذي يكون للغاصب و قد كلّف مليون دينار مثلا كما جرت العادة في إنشاء مثل هذه الأبنية في هذه الأعصار كثيرا، و كذا في مثل السفن المصنوعة في هذه الأعصار التي تصرف في صنعها مبالغ طائلة فلو كان المغصوب في بعض مواضعها المهمة الذي يوجب إخراجه غرق أصل السفينة التي تكون للغاصب هذا إذا لم يرض المالك بالمثل أو القيمة و الا فللغاصب دفع ذلك.

ثمَّ إن الغصب تارة: عمدي عدواني.

و أخرى: يكون جهلا بالغصب ثمَّ بعد البناء يعلم به.

و ثالثة: يكون بالمعاملات الفاسدة التي تكون في حكم الغصب، و هل يشمل حكمهم بالهدم إذا توقف الإخراج عليه جميع هذه الصور؟ و في صورة العدوان تارة يكون الإخراج مع عدم توبة الغاصب أو إخراج بعد ندامته و توبته؟

و هل يشمل الحكم صورة الندامة أيضا؟ و لم أر شرحا وافيا لهذه الفروع في المقام و أما الاستشهاد للمقام بقوله تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ (2)،

ص: 311


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب 3 و 1.
2- سورة البقرة: 173.

يجب عليه نزعه (74) إلا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم (75)، و هكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة فإن للمالك إلزامه بنزعها و يجب عليه ذلك و إن أدى إلى فساد الثوب (76)، و إن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها و نزعها يجب على الغاصب تداركه (77) هذا إذا كان يبقى للخارج من الخشبة و المنزوع من الخيط قيمة، و أما إذا كان بحيث لا يبقى له قيمة بعد الإخراج أصلا كما إذا كان الخيط ضعيفا يفسد بنزعه فالظاهر إنه بحكم التالف فيلزم الغاصب بدفع البدل و ليس للمالك مطالبة العين (78).

______________________________

حيث أنه يدل على سقوط احترام العادي مطلقا فهو صحيح في الجملة لا بنحو الكلية.

(74) الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

(75) قيده جمع بغير مال الغاصب فإنه لا حرمة له لأجل هتك حرمته بظلمه و عدوانه بل عن بعض سقوط حرمة نفس الغاصب أيضا، فلو دافعه المالك لأجل أخذ ماله و قتله حينئذ يكون دمه هدرا، و تحقيق هذه الفروع يحتاج إلى صحة و رفع تشويش البال نسأل اللّه تعالى أن يمنّ علينا بهما و لعلنا نتعرض لبعضها في موجبات الضمان في كتاب القصاص إن شاء اللّه تعالى.

(76) أما الأول فلقاعدة السلطنة، و أما الثاني فلقاعدة اليد، و الأخير فلقاعدة الإقدام على التضرر بالغصب و هتك مال الغير، و الظاهر أن الخياطة بالمكائن بمنزلة التلف فيبدل إلى القيمة.

(77) لقاعدتي اليد و الإتلاف، و الإجماع.

(78) أما الأول فلحكم العرف بذلك فإن المتعارف لا يرون للعين حينئذ بقاء و اعتبارا و ينزلونه منزلة التلف.

ص: 312

مسألة 17: لو امتزج المغصوب بما يمكن تميزه

(مسألة 17): لو امتزج المغصوب بما يمكن تميزه و لكن مع المشقة كما إذا مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرة يجب عليه أن يميزه و يرده (79).

مسألة 18: يجب على الغاصب مع رد العين

(مسألة 18): يجب على الغاصب مع رد العين بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدة إن كانت لها منفعة سواء استوفاها كالدار يسكنها و الدابة ركبها أو لم يستوفها بل كانت العين معطلة (80).

مسألة 19: إذا كانت للعين منافع متعددة

(مسألة 19): إذا كانت للعين منافع متعددة و كانت معطلة فالمدار على المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين (81)، و لا ينظر إلى مجرد قابليتها لبعض المنافع (82) فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى و إن كانت قابلة في نفسها بأن تجعل محرزا أو مسكنا لبعض الدواب و غير

______________________________

و أما الثاني فلتعين التعويض فيها حينئذ، و أما الأخير فلقاعدة «نفي الضرر» بالنسبة إلى الغاصب.

(79) لإمكان رد العين المغصوبة إلى المالك فتشمله أدلة وجوب رد العين المغصوبة إلى مالكه مع الإمكان، و أما تحمل المشقة فلتسبيبه لها بالغصب فلا بد من تحمله لها.

(80) لقاعدتي اليد و الإتلاف مباشرة أو تسبيبا، و الإجماع على عدم الفرق في ضمان منافع المغصوب بين الفوات و التفويت.

(81) لأنها المرتكز في أذهان الناس و المنساق من الأدلة بلا شبهة و التباس.

(82) للأصل و الإجماع و بناء العرف على اعتبار منفعة خاصة لكل شي ء، و لا ينظرون إلى مجرد المنفعة الاقتضائية ما لم تصر في معرض الفعلية عندهم فكأن المنافع الاقتضائية لا تعد منفعة لديهم خصوصا إذا كان الاقتضاء بعيدا و توقفت فعليته على تحقق أمور كثيرة.

ص: 313

ذلك فلا ينظر إلى غير السكنى (83)، و منفعة بعض الدواب كالفرس بحسب المتعارف الركوب و منفعة بعضها الحمل و إن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى و الدولاب أيضا (84)، فالمضمون في غصب كل عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين و لو فرض تعدد المتعارف منها فيها كبعض الدواب التي تعارف استعمالها في الحمل و الركوب معا فإن لم تتفاوت أجرة تلك المنافع ضمن تلك الأجرة (85)، فلو غصب يوما دابة تستعمل في الركوب و الحمل معا و كانت أجرة كل منهما في كل يوم درهما كان عليه درهم واحد (86)، و إن كانت أجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى فلو فرض أن أجرة الحمل في كل يوم درهمان و أجرة الركوب درهم كان عليه درهمان (87)، و الظاهر أن الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضا فمع تساوي المنافع في الأجرة كان عليه أجرة ما استوفاه (88) و مع التفاوت كان أجرة الأعلى سواء استوفى الأعلى أو

______________________________

(83) لأن المتعارف عند الناس من منفعتها هو السكنى و غيرها مغفول عنه إلا إذا لوحظت بعنوان مستقل خاص و المفروض عدمه.

(84) لما مر في الدار سابقا.

(85) لما يأتي آنفا.

(86) لعدم الفوات إلا لمنفعة واحدة بدلية، و المفروض أن جميع الأبدال متساوية في الأجرة فلا تشتغل الذمة إلا بأجرة واحدة كذلك.

(87) لصدق التفويت بالنسبة إلى الأعلى فتشتغل الذمة به لا محالة.

(88) أما أجرة ما استوفاه فلقاعدتي اليد و الإتلاف، و أما عدم لزوم شي ء آخر عليه فللأصل بعد عدم صدق التفويت، لأن المنفعة كانت بدلية و مع استيفاء أحد الأبدال لا يعقل وجود منفعة أخرى للعين حتى يتحقق التفويت بالنسبة إليها.

ص: 314

الأدنى (89).

مسألة 20: إن كان المغصوب منه شخصا يجب الرد إليه

(مسألة 20): إن كان المغصوب منه شخصا يجب الرد إليه أو إلى وكيله إن كان كاملا و إلى وليه إن كان قاصرا (90) كما إذا كان صبيا أو مجنونا فلو رد في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان (91)، و إن كان المغصوب منه هو النوع كما إذا كان المغصوب وقفا على الفقراء وقف منفعة فإن كان له متولي خاص يرده إليه و إلا فيرده إلى الولي العام و هو الحاكم (92)، و ليس له أن يرده إلى بعض افراد النوع (93) بأن يسلمه في المثال المذكور إلى أحد الفقراء.

______________________________

(89) أما إذا كانت المستوفاة هو الأعلى، فلقاعدة الإتلاف، و أما إذا كانت هو الأدنى فلتفويت الأعلى على المالك فيضمن من جهة التفويت.

(90) أما وجوب رد المغصوب إلى شخص المغصوب منه، فللضرورة المذهبية بل الدينية و إطلاق دليل اليد (1)، و حديث «المغصوب كله مردود» (2)، و أما صحة الرد إلى وكيله فلأن يد الوكيل كيد الموكل بمقتضى الإذن في الوكالة، و أما لزوم الرد إلى الولي، فلأن المولى عليه قاصر عن صحة الرد إليه و الأخذ منه من كل جهة فيكون الرد إليه كالعدم بالإجماع و الأصل.

(91) للأصل و الإجماع و قصور المولى عليه عن القبض و الإعطاء و الفعل و القول و سائر الجهات.

(92) أما الأول فلولايته المجعولة من الواقف لمثل هذه الأمور.

و أما الثاني فللولاية الشرعية المجعولة له لكلية الأمور الحسبية التي يكون المقام من أحدها.

(93) لأصالة عدم براءة عهدة الغاصب بذلك و أصالة عدم ولاية الآخذ

ص: 315


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب: 4 و في سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 95.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب.

نعم، في مثل المساجد و الشوارع و القناطر بل الربط إذا غصبها يكفي في ردها رفع اليد عنها و إبقاؤها على حالها (94)، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس فإذا غصب مدرسة يكفي في ردها رفع اليد عنها و التخلية بينها و بين الطلبة (95)، لكن الأحوط الرد إلى الناظر الخاص لو كان و إلا فإلى الحاكم (96).

مسألة 21: إذا كان المغصوب و المالك كلاهما في بلد الغصب

(مسألة 21): إذا كان المغصوب و المالك كلاهما في بلد الغصب فلا إشكال (97)، و كذا إن نقل المال إلى بلد آخر و كان المالك في بلد الغصب فإنه يجب عليه عود المال إلى ذلك البلد و تسليمه إلى المالك (98)، و أما إن كان المالك في غير بلد الغصب فإن كان في بلد المال فله إلزامه بأحد أمرين إما بتسليمه له في ذلك البلد و إما بنقله إلى بلد الغصب (99)، و أما إن

______________________________

على الأخذ مع كون الآخذ و غيره من سائر الموقوف عليهم على حد سواء في ذلك، فكفاية أخذه من الترجيح بلا مرجح بالنسبة إلى الموجودين و كذا بالنسبة إلى سائر الطبقات.

(94) لصدق رد العين على ما كانت عليه قبل الغصب فإنها كانت قبله غير ممنوعة عن قاصديها فرجعت إلى الحالة الأولى و أزيل المانع عن وارديها.

(95) لصدق قطع سلطنة الغاصب و رفع يده عن المغصوب و زوال المانع عن وصول المغصوب منهم إلى حقهم و لا معنى للرد إلا هذا.

(96) جمودا على المتيقن من تفريغ الذمة.

(97) في وجوب الدفع إليه لوجود المقتضى و فقد المانع فيؤثر دليل وجوب الرد أثره لا محالة.

(98) من باب المقدمية خصوصا بعد كون الغاصب هو الذي صار سببا لذلك.

(99) أما صحة الإلزام بالتسليم في ذلك البلد، فلقاعدة السلطنة و وجود

ص: 316

كان في بلد آخر فلا إشكال في أن له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب (100)، و هل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك؟

فيه إشكال (101).

______________________________

المقتضي و فقد المانع، و أما صحة الإلزام بالنقل إلى بلد الغصب فلإطلاق قوله عليه السّلام: «المغصوب كله مردود» (1)، الظاهر في رده إلى محل الغصب، و لقاعدة السلطنة و ظهور الإجماع.

(100) لما مر من إطلاق دليل رد المغصوب الظاهر في رده إلى محل الغصب.

(101) من قاعدة السلطنة و إطلاق أدلة رد المغصوب، و قضية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال» فيصح له إلزام الغاصب بنقل المال إليه.

و من أن مفاد القاعدة إنما هو في صحة الاستيلاء على ماله و أما السلطنة على طرق الاستيلاء بأي وجه أمكن فلا يستفاد ذلك من القاعدة ما لم يكن من الغاصب تسبيب في البين، و أما التمسك بإطلاق أدلة رد المغصوب فإن كان من الغاصب تسبيب في البين كما في بلد الغصب فلا ريب في الشمول و إن لم يكن منه تسبيب فيشك في الشمول و معه لا يصح التمسك بالإطلاق، و أما قضية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال» فلم يعلم أنه حديث أو غيره، و على أي تقدير هل يصح الأخذ بإطلاقه أو لا؟ و الكل محل نظر و بحث و مقتضى الأصل عدم سلطنة المالك على غير أخذ ماله فضلا عن فعل الأشق.

نعم، مع الامتناع تصل النوبة إلى الإجبار كما في أخذ كل حق و لو لم يكن الطرف غاصبا، كما أن تعزير الحاكم و حدّ الغاصب إن فعل ما يوجبه شي ء آخر لا ربط له بالأخذ بأشق الأحوال، و من ذلك كله يظهر أنه لا موجب لإلزامه بنقل المال إلى بلد الغاصب.

ص: 317


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب.

مسألة 22: لو حدث في المغصوب نقص و عيب وجب على الغاصب أرض النقصان

(مسألة 22): لو حدث في المغصوب نقص و عيب وجب على الغاصب أرض النقصان (102) و هو التفاوت بين قيمته صحيحا و قيمته معيبا (103) و رد المعيوب إلى مالكه (104)، و ليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب و دفع تمام القيمة (105)، و لا فرق على الظاهر بين ما كان العيب مستقرا و بين ما كان مما يسري و يتزايد شيئا فشيئا حتى يتلف المال بالمرة (106)، كما إذا عرضت على الحنطة أو الأرز بلّة و عفونة ففي الثاني أيضا يجب على الغاصب أرض النقصان و تفاوت القيمة بين كونها مبلولة و غير مبلولة فإن للحنطة المبلولة أيضا قيمته عند العرف و أهل

______________________________

(102) لأصالة الضمان في يد الغاصب بالنسبة إلى جميع ما وضع يده عيلة من المغصوب بذاته و اجزائه و جزئياته و صفاته، و هذا الأصل من الأصول النظامية المقررة بقاعدة اليد و الإتلاف و التسبيب و التفويت و الفوات إلى غير ذلك مما هو من دفائن العقول و لم يردع عنها نبي و لا رسول بل قرروها كما هو واضح.

(103) لأن هذا هو المراد بالأرش في نظائر المقام كما مر بعض الكلام فيه في كتاب البيع عند بيان خيار العيب فراجع.

(104) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(105) لأصالة عدم سلطنته على ذلك و انما هو مسلط على أخذ عين ماله و عوض ما حصل من النقص عليه و يتحقق ذلك بأخذ العين و الأرش.

نعم، لو كان النقص من التلف يتبدل بالقيمة حينئذ و لكنه خلف الفرض.

(106) إيكال تشخيص هذه الأمور إلى أهل الخيرة أولى من تعرض الفقيه لها فإن حكموا بالتلف يتعين القيمة، و إن حكموا بعدمه يتعين رد العين، و إن ترددوا في ذلك فالمرجع الاستصحاب و يجزي رد العين مع تدارك النقص إن حصل.

ص: 318

الخبرة (107).

مسألة 23: لو كان المغصوب باقيا

(مسألة 23): لو كان المغصوب باقيا لكن نزلت قيمته السوقية رده و لم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين (108).

مسألة 24: لو تلف المغصوب أو ما بحكمه

(مسألة 24): لو تلف المغصوب أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد و المقبوض بالسوم قبل رده إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليا أو بقيمته إن كان قيميا (109)، و المراد بالمثلي ما تساوت قيمة أجزائه (110)

______________________________

(107) أما رد العين فلبقائها و عدم تلفها فتشملها قاعدة «اليد»، و أما الأرش فللإجماع و قاعدة «اليد»، و ما ورد في الموارد المتفرقة التي نقطع بعدم الخصوصية فيها.

(108) أما وجوب رد المغصوب مع بقائه فللأدلة الدالة عليه من العقل و النقل كما تقدم.

و أما عدم ضمان شي ء على الغاصب مع عدم نقص في العين فللأصل بعد صدق الأداء مضافا إلى الإجماع و قاعدة نفي الضرر و إن الظالم لا يظلم و عدم تحقق إتلاف شي ء من الغاصب على المغصوب منه.

(109) للإجماع و لأنه المنسبق إلى أذهان الناس في الضمانات الدائرة بينهم فإذا كان المضمون مثليا تبادر أذهانهم إلى دفع المثل، و لو لم يقبله المالك يستنكر ذلك منه و يلام عليه و إن كان قيميا فكذلك بالنسبة إلى القيمة.

نعم، قد يحصل الخلاف في كون شي ء مثليا أو قيميا و لا ربط له بمسلمية أصل الكبرى لديهم كما أن هذا مع عدم التراضي بينهما بأصل تدارك المالية المطلقة و إلا فيجوز دفع القيمة في المثلي أيضا و بالعكس، و الظاهر أن بناء عامة الناس على هذا لأن اعتبار المثلية عندهم يكون طريقا لإحراز أصل المالية لا الخصوصية فيها إلا نادرا خصوصا إذا كان المثل كثير الوجود أو كان أخذ القيمة أسهل للمالك من جهة.

(110) نسب هذا التعريف إلى المشهور، و قيده جمع منهم صاحب

ص: 319

لتقاربها في غالب الصفات و الخواص (111) كالحبوبات من الحنطة و الشعير و الأرز و الذرة و الدخن و الماش و العدس و غيرها، و كذا الادهان و عقاقير الأدوية و نحوها، و المراد من القيمي ما يكون بخلافه كالعبيد و الإماء و أنواع الحيوان كالفرس و البغل و الحمار و الغنم و البقر

______________________________

الجواهر رحمه اللّه ان المراد بالمساواة في الغالب ما له دخل في المالية و ان المراد بالمساواة في أشخاص الأصناف و لعله مراد الجميع، إذ ليس المراد بالمساواة المساواة في مجرد التسمية لأن الأصناف المسماة باسم واحد متفاوتة في المالية و الرغبات كثيرا، كما أنه ليس المراد المساواة بالدقة العقلية ظاهرا و باطنا لعدم ابتناء الشرع على مثل ذلك مع أن العلم بها مختص بعلام الغيوب، كما أنه لا وجه للتعبد في معنى المساواة لأصالة عدمه و لو كان لظهر و بان في هذا الموضوع العام البلوى، و لم تصل النوبة إلى نزاع الفقهاء بل المراد المثلية عند عامة الناس و سوادهم كما هو كذلك في جميع موضوعات الأحكام إلا ما حددها الشارع بحدود و قيود، و المفروض عدمه في المقام.

(111) أي: ما تتفاوت بها المالية و الأغراض المعاملية و هذا هو المراد من المتعارف أو العرف الذي أصر عليه جمع، لما مر من أن التساوي الدقي العقلي غير مراد بل متعذر و التعبدي الشرعي لا اسم له و لا أثر، و كونه من الموضوعات المستنبطة غير معلوم بل معلوم العدم، و على فرض احتماله فيكون متخذا من العرف أيضا، كما أن اللغة أيضا كذلك في نظائر المقام إلا إذا دل دليل على مخالفة اللغة و العرف و لا أثر له في المقام.

ثمَّ إن المثلية من الأمور التشكيكية لها مراتب كثيرة جدا شدة و ضعفا جلاء و خفية ظاهرا و باطنا، و المرتبة الأولى منها ساقطة قطعا و إلا لكفت المثلية الاسمية و المرتبة القصوى متعذرة نوعا بل قد مر اختصاصها بعلم اللّه تعالى، و حينئذ فيتعين الأوسط و العرف يحكم به أيضا راجع الكلمات في المطولات

ص: 320

و غيرها (112)، و كذا الجواهر الكبار (113) و الثياب و الفرش و البسط و أنواع المصنوعات و غيرها (114).

مسألة 25: إنما يكون مثل الحنطة مثليا

(مسألة 25): إنما يكون مثل الحنطة مثليا إذا لوحظ أشخاص كل صنف منها على حدة و لم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر (115) منها مباين له في كثير من الصفات و الخصوصيات فإذا تلف

______________________________

تجدها مشوشة جدا و قد سقط ذلك كله في هذه الأعصار بفضل الآلات و الأجهزة المشخصة و المعينة للأشياء من جميع خصوصياتها و جهاتها.

(112) و هذا هو المشهور بين الفقهاء و خلاصة دليلهم أن الحيوان حيث أن له باطن مخصوص و مزاج خاص ليس للعرف و العقلاء طريق معتبر لإحراز التساوي بين فرد من القسم مثلا و فرد آخر منه حتى يحكموا بالمثلية لخفاء الباطن و المزاج الحيواني على الناس فيكون قيميا لا محالة.

و يمكن المناقشة فيه أنه على إطلاقه مشكل لما توفر في هذه الأعصار بفضل الأجهزة الخاصة لتحديد و تعيين مراتب المزاج و الصحة و سائر الجهات في الحيوان، و أصبح هذا الأمر سهلا يسيرا على أهله هذا بالنسبة إلى إحراز المزاج في الجملة، و أما الخصوصيات الفردية الدقية فلا يعلمها إلا علام الغيوب و تقدم أن الأحكام الشرعية غير مبتنية عليها.

نعم، ما ذكروه من الدليل على فرض التمامية يصح بالنسبة إلى العصور السابقة و الأزمنة القديمة لا في عصرنا هذا الذي تغيرت فيه جملة من الأشياء التي كانت قيمية فصارت مثلية كما لا يخفى.

(113) لو لم يعين المثلية بالآلات و الأجهزة المعدة لتعيين ذلك و حينئذ لا فرق بين كبارها و صغارها.

(114) قد ثبتت المثلية في جلها بل كلها في هذه الأعصار بفضل المكائن المولدة لها بمثال واحد من كل جهة مادة و صورة متحدة كذلك.

(115) لعدم تحقق المثلية حينئذ عرفا و لا شرعا بل و لا لغة أيضا بل يعد

ص: 321

عنده مقدار من صنف خاص من الحنطة يجب عليه دفع ذلك الصنف لا صنف آخر (116).

نعم، التفاوت الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه (117)، و كذلك الأرز فإن فيه أصنافا متفاوتة جدا فأين العنبر من الحويزاوي أو غيره، فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره، و كذلك الحال في العنبر و أصنافه و الأدهان و غير ذلك مما لا يحصى (118).

مسألة 26: لو تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته

(مسألة 26): لو تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته (119)، و إن

______________________________

شخص كل صنف مباينا للصنف الآخر من حيث الصفات و سائر الجهات.

(116) لتغاير الصنفين عرفا فيخرجان بذلك عن المثلية العرفية.

(117) لأنه لو فرض ملاحظة هذه الجهات لانعدمت المثلية غالبا في الضمانات، لاختلاف أفراد صنف واحد في جملة من الخصوصيات حتى أن أهل البساتين يقولون أن ثمرة شجرة واحدة تختلف بعض أطرافها عن طرفها الآخر من جهة كثرة إشراق الشمس أو القمر أو السهيل أو نحو ذلك مما جربوها، فلا يمكن الإحاطة به إلا للّه تبارك و تعالى.

و خلاصة القول: ان إيكال معرفة المثلي و القيمي إلى المتعارف في كل زمان و مكان اولى من التعرض للنقض و الإبرام و اطالة الكلام، و في صورة التردد بين المثلية و القيمية يترتب عليه حكم القيمية، و قد تقدم دليلها في كتاب البيع عند البحث عن قاعدة «ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده» فراجع فلا وجه للتكرار.

(118) لعين ما مر في سابقة آنفا.

(119) لقبح التكليف بما لا يطاق، و قاعدة «نفي الضرر و الضرار» بتأخير الحق عن المالك فيتعين القيمة جمعا بين الحقين، و لإطلاق مثل «الغصب كله

ص: 322

تفاوتت القيمة و زادت و نقصت بحسب الأزمنة بأن كان له حين الغصب قيمة و في وقت تلف العين قيمة و يوم التعذر قيمة و اليوم الذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه قيمة فالمدار على الأخير (120)، فيجب عليه دفع تلك القيمة فلو غصب منا من الحنطة كان قيمتها درهمين فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة و كانت قيمتها ثلاثة دراهم ثمَّ تعذرت و كانت قيمتها أربعة دراهم ثمَّ مضى زمان و أراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمته و كانت

______________________________

مردود» (1)، الشامل للمثل عند وجوده و القيمة مع تعذره هذا مع ظهور الإجماع.

و حيث يجب عليه دفع القيمة فعلا يجب على المالك قبولها، لأن القيمة عند تعذر المثل كنفس المثل في جميع الجهات إلا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخلاف، فكما أن بدلية المثل عن العين مطلقة عن جميع الجهات كذلك بدلية القيمة عن المثل عند تعذره، إذ المناط في الكل هو تدارك المالية و هو موجود في الجميع موضوعا مترتبا فيكون كذلك حكما فليس للمالك الامتناع عن القبول خصوصا مع تضرر الغاصب بذلك.

(120) هذه المسألة من المسائل التي تشتت فيها الأنظار و اضطربت فيها الأقوال بين الخاصة و العامة و ربما يرتقي إلى أزيد من عشرة، مع أن جلها غير مستندة إلى ركن وثيق، و من أراد العثور عليها فليراجع المطولات و كيف كان تلخيص المقام في أمور:

الأول: لا ريب في أن للعين بقاء خارجي و بقاء اعتباري ذمي و الدليل على الأول وجدان كل ذي شعور، و على الثاني العقل و العرف و الشرع.

أما الأول فلما أثبتوه في الفنون العقلية من صحة اعتبار الممتنعات في الذهن و عالم الاعتبار فضلا عن الممكنات فالانعدام الخارجي لا ينافي البقاء

ص: 323


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4 كتاب الخمس.

.....

______________________________

الاعتباري مطلقا، فمع وجود العين في الخارج يجب ردها و بعد تلفها تكون بنفسها في الذمة و يكون دفع المثل بدلا منها و مع تعذر المثل نفس العين باقية في الذمة لا يتغير و لا يتبدل إلا بفراغ الذمة منها و هو زمان الأداء.

و أما الثاني: فلمرتكزات الناس من أنه إذا أتلف زيد إناء عمرو مثلا يصح أن يقول المالك للمتلف أطلب منك إنائي حتى فيما إذا تعذر المثل فأصل صحة الطلب الإنشائي ثابت له إلى تفريغ الذمة فلو لا الثبوت الذمي للعين لكان هذا الطلب من طلب الممتنع و لا يقولون به.

و أما الأخير: فالأدلة الشرعية تشمل الاعتباريات الذمية كما تشمل الأعيان الخارجية فمهما وجد العقل لصحة الاعتبار سبيلا فلا وجه لملاحظة القيمة مع صحة اعتبار بقاء العين في الذمة، كما لا وجه لصحة اعتبارها مع بقاء العين في الخارج و يمكن أن يستفاد ذلك من ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1)، فإن ظاهره أن نفس المأخوذ ثابت على اليد التي هي طريق إلى الثبوت في العهدة إلى حين أداء نفس ما كانت في العهدة و هي العين.

الثاني: لا ريب في أنه مع الأداء يسقط اعتبار المثل عن الذمة لأنه حينئذ لغو.

نعم، لو كان الأداء ما داميا لا دائميا واقعيا يكون سقوط الاعتبار كذلك أيضا.

الثالث: المناط في مالية المال المتداركة المالية الفعلية المستقرة لا الحادثة الزائلة خصوصا مع قلة زمان الحدوث و سرعة الزوال.

نعم، لا ريب في أن للمالك مطالبة ماله في أي وقت شاء و أراد و لكنه غير مالية المال بحيث يلزم الغاصب بدفعه.

نعم، لو كان من الغاصب تقصير في تفويت تلك المالية على المالك يمكن القول باستقرارها حينئذ كما إذا ارتفعت قيمة المغصوب إلى ألف مثلا

ص: 324


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب حديث: 4.

قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم يجب عليه دفع هذه القيمة (121).

______________________________

و طلبه المالك حينئذ و تمكن الغاصب من الأداء و مع ذلك تساهل فيه حتى تنزلت يصدق حينئذ تسببه على المالك، و لكن إذا تبادلت القيم صعودا و نزولا من دون طلب من المالك و لا تسبب من الغاصب إلا مجرد الغصب الذي ربما يكون مغفولا عنه بالمرة فلا تسبيب و لا تفويت، و الشك في صدقها زائد على مسمى الغصب يكفي في عدم صحة التمسك بالأدلة، لأنه تمسك بالدليل في موضوع لم يحرز.

و من ذلك يظهر أنه لا وجه لما قالوا في ضمان أعلى القيم سواء كان من حين الغصب إلى حين التلف أو من حين الغصب إلى وقت الإعواز أو من حين الغصب إلى حين الدفع إلى غير ذلك مما قالوا في ضمان أعلى القيمة مما لا وجه له إلا توهم أن زمان القيمة العليا زمان الغصب أيضا فتشمله عمومات أدلة رد المغصوب، و لكنه باطل لأنه لا ريب في كونه زمان الغصب، كما أن زمان انخفاض القيمة أيضا كذلك و لكن تعين زمان التدارك بزمان الأعلى من مجرد الدعوى بعد زواله و عدم استقراره بل مقتضى الأصل و القاعدة التي أرسله فقهاؤنا من: «ان الظالم لا يظلم» عدمه.

الرابع: تدارك المغصوب و المضمون بالعقود الفاسدة من الأمور العامة البلوى لجميع الناس، و في مثله لا بد و أن يعتني به الشارع اعتناء كاملا مبينا كما هو شأنه في جميع الأحكام الابتلائية لو كان في ذلك شي ء من التعبديات، و عمدة ما ورد فيه صحيح أبي ولاد (1)، و قد تعرضنا له في المقبوض بالعقد الفاسد و استند بعض إليه في أن المناط على يوم الغصب و قلنا بعدم ظهوره فيه فراجع فلا وجه للتكرار.

(121) و الاحتياط في التراضي خصوصا مع التقصير من الغاصب.

ص: 325


1- راجع ج: 16 صفحة: 269.

مسألة 27: يكفي في التعذر الذي يجب معه دفع القيمة

(مسألة 27): يكفي في التعذر الذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في البلد و ما حوله مما ينقل منها إليه عادة (122).

مسألة 28: لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه الشراء

(مسألة 28): لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه الشراء و دفعه إلى المالك (123).

مسألة 29: لو وجد المثل و لكن تنزّل قيمته لم يكن على الغاصب إلا إعطائه

(مسألة 29): لو وجد المثل و لكن تنزّل قيمته لم يكن على الغاصب إلا إعطائه، و ليس للمالك مطالبته بالقيمة و لا بالتفاوت (124) فلو غصب منا من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم و أتلفها و لم يدفع مثلها قصورا أو تقصيرا إلى زمان قد تنزلت قيمتها و صارت خمسة دراهم لم يكن عليه إلا إعطاء منّ من الحنطة، و لم يكن للمالك مطالبة القيمة و لا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة بل ليس له الامتناع عن الأخذ (125) فعلا و إبقائها في ذمة الغاصب إلى أن تترقى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء و تفريغ ذمته فعلا (126).

______________________________

(122) لأن التعذر إما دقي عقلي أو تعبدي شرعي أو أمر عرفي، و الأول ليس مناط الأحكام و الثاني لا وجود له في نظائر المقام فالمتعين هو الأخير.

نعم، العادة تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشياء ففي كل زمان و مكان و شي ء له حكمه الخاص به بحسب المتعارف فيها.

(123) لإطلاق وجوب المثل الشامل لهذه الصورة أيضا لكن لا بد من تقييده بما لم يكن حرج في البين لأنه المنفي في الشرع.

(124) لإطلاق أداء المثل و أصالة البراءة عن الزائد عليه و ظهور الإجماع.

(125) لأنه أداء شرعي و كل أداء شرعي يجب على الطرف أخذه و لا يصح له الامتناع منه إجماعا.

(126) لوجود المقتضى لوجوب القبول حينئذ و فقد المانع فيجب القبول لا محالة.

ص: 326

مسألة 30 لو سقط المثل عن المالية بالمرة من جهة الزمان أو المكان

(مسألة 30) لو سقط المثل عن المالية بالمرة من جهة الزمان أو المكان، فالظاهر أنه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، و لا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك (127)، فلو غصب جمدا في الصيف و أتلفه و أراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء أو قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشط ليس له ذلك (128)، و للمالك الامتناع فله أن يصبر و ينتظر زمانا أو مكانا آخر فيطالبها بالمثل الذي له القيمة، و له أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلا كما في صورة تعذر المثل (129) و حينئذ فالظاهر أنه يراعى قيمة المغصوب في زمان الغصب و مكانه (130).

______________________________

نعم، لا بأس بالإبقاء مع رضا الغاصب بذلك.

(127) أما الأول فلأصالة عدم ثبوت هذا الحق بالنسبة إلى الغاصب في مفروض المقام بعد صدق عدم وصول ماله إليه عرفا.

و أما الثاني فلأصالة بقاء الضمان بعد الشك في سقوطه بذلك.

و أما الثالث فلأن الحق لا يعدوهما فلهما أن يتراضيا بما شاءا و أرادا.

(128) أي: ليس له إلزام المالك بذلك و لكن لو قبل المالك و رضى فيسقط ذمة الغاصب حينئذ.

(129) لقاعدة نفي الضرر و الضرار، و لأن السقوط عن المالية كالتعذر بل أشد منه عرفا.

(130) لعدم الموضوع لملاحظة زمان الأداء لفرض ذهاب المالية رأسا إلا أن تلحظ المالية التقديرية، و لا دليل على ذلك من عقل أو نقل فيكون المنساق من أدلة رد المغصوب حينئذ هو زمان الغصب و مكانه بعد عدم أمارة معتبرة على الخلاف.

ص: 327

مسألة 31: لو تلف المغصوب و كان قيميا كالدواب و الثياب ضمن قيمته

(مسألة 31): لو تلف المغصوب و كان قيميا كالدواب و الثياب ضمن قيمته، فإن لم تتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه فلا إشكال (131)، و إن تفاوتت بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس فهل يراعي الأول أو الثاني فيه قولان مشهوران (132)، لا يخلو ثانيهما من رجحان لكن الأحوط التراضي (133)

______________________________

(131) فيصح دفع قيمته أي وقت شاء و أراد لفرض عدم التفاوت بين القيم المفروضة.

(132) أما أصل الضمان بالقيمة فهو من المسلمات بين الكل، لفرض كون الشي ء قيميا لا مثليا.

و أما ضمان يوم الغصب فاستدل عليه.

تارة: بأنه أول وقت دخول العين في العهدة و حيث لا مثل تتعين قيمة ذلك الوقت.

و أخرى: بقول الصادق عليه السّلام في صحيح أبي ولاد: «قيمة بغل يوم خالفته» (1)، أي يوم الغصب.

و يردّ الأولى بأن كونه يوم الانتقال إلى العهدة مسلمة و لكن تعين كون القيمة قيمة ذلك الوقت أصل الدعوى و عين المدعى كما لا يخفى.

و أما قول الصادق عليه السّلام في الصحيح فهو مجمل، لأن تعلق وجوب القيمة ليوم الغصب أعم من كون القيمة قيمة ذلك اليوم فالاستناد في هذا الحكم العام البلوى إلى هذا المجمل مما لا ينبغي، و فيه احتمالات أخر استند إليها آخرون لما اختاروه من القول، و قد أشرنا إلى الحديث فيما مر من بيع الفاسد.

و هناك وجه آخر لعله أرجح منهما و هو كون المناط على يوم الدفع، لما مر من بقاء العين إما خارجا أو اعتبارا إلى حين فراغ العهدة منها و هو يوم الدفع.

(133) أما الرجحان للقول الثاني فلما مر من بقاء العين خارجا و اعتبارا و أما

ص: 328


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الغصب حديث: 1.

و التصالح فيما به التفاوت هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق و تفاوت رغبة الناس (134)، و أما إن كان من جهة زيادة و نقصان في العين كالسمن و الهزال فلا إشكال في أنه يراعى أعلى القيم و أحسن الأحوال (135)، بل لو فرض أنه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب و التلف من هذه الجهة لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثمَّ زال ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال (136) مثل أنه كان الحيوان هازلا حين الغصب ثمَّ سمن ثمَّ عاد إلى الهزال و تلف فإنه يضمن قيمته حال سمنه (137).

مسألة 32: إذا اختلفت القيمة باختلاف المكان

(مسألة 32): إذا اختلفت القيمة باختلاف المكان كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة و في بلد التلف بعشرين، فالظاهر اعتبار محل التلف (138).

______________________________

الاحتياط فلأن المسألة من المسائل الاجتهادية الخلافية بين العامة و الخاصة و في مثلها ينبغي مراعاة الاحتياط.

(134) كما هو الظاهر من صحيح أبي ولاد (1)، و المنساق من كلمات جمع و المصرح به في كلام آخرين.

(135) لأن الزيادة حينئذ تكون للمالك مطلقا و تفويت الغاصب لها يوجب ضمانه لها.

(136) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(137) لقاعدة «اليد» بعد صيرورة السمن مال المالك لكونه نماء ملكه و فات تحت يد الغاصب.

(138) نسب كل منهما إلى جمع، و دليل الأول إطلاق صحيح أبي ولاد من باب الملازمة العرفية بين الزمان و المكان فإذا دل على الأول يدل على الثاني بالملازمة.

ص: 329


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الغصب حديث: 1.

مسألة 33: تقدم أنه لو تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلا

(مسألة 33): تقدم أنه لو تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلا أو قيمة كذلك فيما إذا تعذر على الغاصب عادة تسليمه، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه أو أبق العبد أو شردت الدابة و نحو ذلك فإنه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك (139)، و يسمى ذلك البدل «بدل الحيلولة» (140)، و يملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه (141)، و إذا أمكن تسليم المغصوب

______________________________

و دليل الثاني أن زمان التلف و مكانه إنما هو زمان الانتقال إلى القيمة و مكانه.

و فيه: أن كلا منهما من الاستحسانات التي لا يصح الاعتماد عليها في الأحكام إلا إذا أوجب الظهور العرفي و هو أول الدعوى، و يمكن الاختلاف باختلاف الأمكنة و سائر الجهات و لا بد من التصالح و التراضي فيما به التفاوت.

(139) لأن المناط كله في الغصب قطع استيلاء المالك على ماله سواء كان القطع دائميا أو ما داميا كما في موارد الحيلولة، فالمال و إن كان موجودا في الواقع لكن المال الذي لا سلطة للمالك عليه كالعدم هذا مضافا إلى ظهور الإجماع عليه، و تقدم في أحكام بدل الحيلولة في البيع الفاسد بعض الكلام فراجع.

(140) لأن البدل بدل عن صيرورة الغاصب حائلا بين المالك و السلطنة الفعلية على ماله، و أما أصل المال و ذاته فهو باق على ملك المالك بلا نقص فيه بالنسبة إلى ذات المال كيف ما شاء.

(141) لأن لملك كل مالك اعتبارات منها ذات العين من حيث الذات مع قطع النظر عن سائر الجهات و الخصوصيات، و منها فعلية سلطنته و تصرفه فيه بكل ما شاء و بينهما فرق واضح، فكم من مال لمالك لا سلطنة له، عليه و كم من مسلط على مال لا ملك له بالنسبة إليه، و البدل في المقام بدل عن قطع السلطنة الفعلية و ذات العين باق على ملك المالك لعدم دليل على خروجه عنه فإذا عاد

ص: 330

ورده يسترجع البدل (142).

مسألة 34: لو كان للبدل نماء و منافع في تلك المدة كان للمغصوب منه

(مسألة 34): لو كان للبدل نماء و منافع في تلك المدة كان للمغصوب منه (143).

نعم، نماؤه المتصل كالسمن تتبع العين فإذا استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها (144)، و أما المبدل فلما كان باقيا على ملك مالكه فنماؤه و منافعه له (145)، لكن الغاصب لا يضمن منافعها غير المستوفاة

______________________________

بدل المبدل يرجع حينئذ البدل إلى ملك مالكه الأول كما هو شأن كل ما دامي.

(142) لانقلاب موضوع البدلية المادامية في زوالها بالمرة فيرجع البدل المادامي إلى مالكه لا محالة.

(143) لقاعدة تبعية النماء للملك المسلمة بين الكل، و المفروض أن العين كان ملكا للمغصوب منه في تلك المدة فيتبعه النماء لا محالة فملك المغصوب منه النماء المنفصل ملكا مستقرا تاما.

إن قيل: فليكن ملكية هذا النماء أيضا ملكية ما دامية كالعين لا ملكية دائمية من جهة تبعيته للعين.

يقال: أصل التبعية مسلمة و كونها محدودة بحد خاص مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل لعدم الدليل عليها في النماء و إنما هو في أصل العين، فالمقتضي في النماء موجود و المانع عنه مفقود بخلاف ملكية العين لتحقق المانع عن الملكية المطلقة كما هو واضح.

(144) لكونه من مراتب نفس العين و تابع له في بقائه على ملك المغصوب منه فيسترجعها الغاصب مع النماء، و لا يضمن الغاصب عوض النماء للأصل و إطلاق دليل عود البدل إليه فإنه يشمل العود مع ما عليه من الزيادة، و هل للمالك إزالته مع إمكانها؟ الظاهر العدم.

(145) لقاعدة تبعية النماء للملك المتسالم عليها بين الفقهاء بل العقلاء.

ص: 331

في تلك المدة على الأقوى (146).

مسألة 35: القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات

(مسألة 35): القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات و في المثليات عند تعذر المثل هو نقد البلد من الذهب و الفضة المضروبين بسكة المعاملة، و هذا هو الذي يستحقه المغصوب منه كما هو كذلك في جميع الغرامات و الضمانات (147) فليس للضامن دفع غيره إلا بالتراضي (148) بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيسا إلى النقدين (149).

مسألة 36: الظاهر إن الفلزات و المعادن المنطبعة

(مسألة 36): الظاهر إن الفلزات و المعادن المنطبعة كالحديد و الرصاص و النحاس كلها مثلية (150) حتى الذهب و الفضة مضروبين أو غير مضروبين، و حينئذ تضمن جميعها بالمثل و عند التعذر تضمن بالقيمة كسائر المثليات (151) المتعذر المثل، نعم في خصوص الذهب و الفضة تفصيل (152)، و هو أنه إذا قوم بغير الجنس كما إذا قوم الذهب بالدرهم أو

______________________________

(146) لأصالة البراءة عن ضمان المنافع غير المستوفى في صورة التعذر و الإجماع الدال على ضمان منافع المغصوب مطلقا المتيقن منه غير هذه الصورة.

(147) لأنها المنساق منها عند العرف فينزل عليها إطلاق الدليل بعد عدم وجه معتبر على الخلاف.

(148) لأنه تبديل للحق عما هو المتعارف المنزل عليه الأدلة الشرعية، و كل ما هو تبديل للمتعارف الذي هو مدلول الأدلة لا بد فيه من استرضاء الطرف.

(149) لأنهما الأصل في التقويم في كل زمان و مكان فلا بد من إرجاع الغير إليهما.

(150) لشهادة متعارف الناس و ذوي الخبرة منهم بذلك.

(151) لحكم الشرع و العرف في كل منهما بذلك كما تقدم التفصيل في كل منهما فراجع.

(152) هذا التفصيل لأجل التحفظ من الربا بناء على جريان الربا المعاملي

ص: 332

قوم الفضة بالدينار فلا إشكال (153)، و أما إذا قوم بالجنس بأن قوم الفضة بالدرهم أو قوم الذهب بالدينار فإن تساوى القيمة و المقوم وزنا كما إذا كانت الفضة المضمونة المقومة عشرة مثاقيل فقومت بثمانية دراهم و كان وزنها أيضا عشرة مثاقيل فلا إشكال أيضا (154)، و إن كان بينهما التفاوت بأن كانت الفضة المقومة عشرة مثاقيل مثلا و قد قومت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل فيشكل دفعها غرامة عن الفضة لاحتمال كونه داخلا في الربا (155) فيحرم كما أفتى به جماعة (156) فالأحوط أن يقوم بغير الجنس (157) بأن يقوم الفضة بالدينار و الذهب بالدرهم حتى يسلم من شبهة الربا (158).

______________________________

حتى في الغرامات مع تحقق المثلية و الفاضل.

(153) لاختلاف الجنس فيخرج عن موضوع الربا قهرا.

(154) لعدم التفاضل و إن اتحد الجنس فلا ربا لا محالة، لفقد هذا الشرط.

(155) لتحقق شرطي الربا المعاملي و هما المثلية و التفاضل فمن ذهب إلى التعميم في الربا حتى للغرامات يتحقق الربا و من قال بالعدم فلا، و قد قلنا سابقا بعدم جريانه في غير البيع من المعاوضات فضلا عن الضمانات و الغرامات (1).

(156) نسب إلى المشهور جريانه في غير البيع، و يظهر من المحقق و الشيخ جريانه في الضمانات، و تقدم في الربا المعاملي بعض الكلام فراجع.

(157) خروجا عن خلاف من ذهب الى جريان الربا فيها و تنزها عن هذه الشبهة، و لكن البحث ساقط في هذه الأعصار لانقلاب النقود الذهبية و الفضية إلى النقود الورقية الرائجة و لا موضوع للربا المعاملي فيها لعدم كونها من المكيل أو الموزون.

(158) بناء على جريانها في غير البيع أيضا حتى في الغرامات و تقدم

ص: 333


1- راجع ما يتعلق بذلك في ج: 17 صفحة: 300- 303.

مسألة 37: لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمَّ تلفت

(مسألة 37): لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمَّ تلفت بأن غصبها شخص عن مالكها ثمَّ غصبها من الغاصب شخص آخر ثمَّ غصبها من الثاني شخص ثالث و هكذا ثمَّ تلفت ضمن الجميع (159)، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة إلى كل واحد منهم و إلى أكثر من واحد بالتوزيع متساويا أو متفاوتا (160) حتى أنه لو كانوا عشرة مثلا له أن يرجع إلى الجميع و يأخذ من كل عشر ما يستحقه من البدل، و له أن يأخذ من واحد منهم النصف و الباقي من الباقين بالتوزيع متساويا أو بالتفاوت (161) هذا حكم المالك معهم و أما حكم بعضهم مع بعض فأما الغاصب الأخير

______________________________

الكلام فيه.

(159) لجريان قاعدة اليد التي تكون من أدلة الضمان بالنسبة إلى الجميع، و كذا جميع أدلته لبيّة كانت أو لفظية.

(160) الوجوه المتصورة أربعة:

الأول: أن يأخذ ماله من الجميع مستقلا و هو باطل، لأن المال الواحد ليس له إلا ضمان واحد.

الثاني: أن يأخذ ماله من الجميع متبادلا و لا ريب في صحته ثبوتا و إثباتا، فالمضمون واحد و الضمان كذلك لكنه بدلي لا أن يكون عرضيا و استقلاليا.

الثالث: أن يكون الضمان بقدر معين فإن كانت الأيادي ثلاثة فلكل واحد منها الثلث، و إن كانت أربعة فالربع، و هكذا و هو وجه حسن ثبوتا و لكن لا دليل على تعيينه إثباتا من عقل أو نقل.

الرابع: أن يكون الاختيار إلى المالك و هو حسن ثبوتا و إثباتا لموافقته لقاعدة السلطنة الثابتة للمالك من دون محذور في البين من عقل أو نقل.

(161) كل ذلك لقاعدة سلطنة المالك و عدم محذور في البين من الضرر على الأيادي فالمقتضي موجود و المانع مفقود مضافا إلى ظهور الإجماع.

ص: 334

الذي تلف المال عنده فعليه قرار الضمان (162) بمعنى أنه لو رجع عليه المالك و غرمه لم يرجع هو على غيره بما غرمه (163) بخلاف غيره من الأيادي السابقة فإن المالك لو رجع إلى واحد منهم فله أن يرجع على الآخر الذي تلفت المال عنده (164) كما أن لكل منهم الرجوع على تاليه و هو على تاليه (165)، و هكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير (166).

مسألة 38: لو غصب شيئا مثليا فيه صنعة محللة

(مسألة 38): لو غصب شيئا مثليا فيه صنعة محللة كالحلي من الذهب و الفضة و كالآنية من النحاس و شبهه فتلف عنده أو أتلفه ضمن مادته بالمثل

______________________________

(162) لوجود المقتضي لقراره عليه و فقد المانع عنه.

أما الأول فلجريان يده عليه و أما الأخير فلعدم لحوق يد أخرى على يده فيستقر الضمان بالنسبة إليه لا محالة مضافا إلى إجماعهم عليه.

و بعبارة أخرى: الحكم بالنسبة إلى الأيادي السابقة تكليفي فعلي مع تحقق الشرائط و وضعي اقتضائي بخلاف الأخير فإن الحكم بالنسبة إليه تكليفي فعلي و وضعي كذلك مع تحقق الشرائط هذا مضافا إلى الإجماع و شهادة العرف و الاعتبار بذلك.

(163) للإجماع بل الضرورة الفقهية بعد جريان يده عليه و تلف المال لديه.

(164) لما مر من أن قرار الضمان عليه فيكون الرجوع إلى من جرت يده على المال إنما هو بنحو الطريقية و الرجوع إلى من تلف المال لديه بنحو الموضوعية، و تقدم في بيع الفضولي ما يناسب المقام (1).

(165) لفرض جريان يد التالي على المال فلكل سابق الرجوع إلى التالي هذا مع أن الحكم في جميع ذلك من المسلمات لديهم.

(166) لاستقرار الضمان بالنسبة إليه حينئذ.

ص: 335


1- راجع ج: 16 صفحة: 339- 343.

و صنعته بالقيمة (167)، فلو غصب قرطا من ذهب كان وزنه مثقالين و قيمة صنعته و صياغته عشرة دراهم ضمن مثقالين من ذهب بدل مادته و عشرة دراهم قيمة صنعته (168)، و يحتمل قريبا (169) صيرورته بعد الصياغة و بعد ما عرض عليه الصنعة قيميا فيقوم القرط مثلا بمادته و صنعته و يعطى قيمته السوقية (170) و الأحوط التصالح، و أما احتمال كون المصنوع مثليا مع صنعته فبعيد جدا (171).

نعم، لا يبعد ذلك بل قريب جدا في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة جدا (172)، كالمصنوعات بالمكائن و المعامل المعمولة في هذه الأعصار من أنواع الظروف و الأدوات و الأثواب و غيرها فتضمن كلها

______________________________

(167) عملا بالدليلين و جمعا بين الحقين و رفعا للخصومة من البين مع ظهور الإجماع و شهادة العرف بذلك هذا أحد الاحتمالات، و الاحتمال الآخر أنه قيمي بجملته، و الاحتمال الثالث أنه مثلي كما يأتي التعرض لها.

(168) لتحقق المالية في كل من المادة و الهيئة.

(169) الظاهر بل المعلوم اختلاف ذلك باختلاف الأشياء و الأمكنة و الأزمنة فرب شي ء يصير بعد الصنع مثليا، و هو كثير جدا في هذه الأعصار و رب شي ء يصير قيميا و رب شي ء يجمع فيه الأمران المثلية للمادة و القيمية للصنعة و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات و الاحتمالات مع أنه ليس للفقيه التدخل في الأمور العرفية و إنما يكون له بيان الحكم الكلي لها، و طريق الاحتياط مطلقا التصالح و التراضي خصوصا في موارد التردد و الشك في أن المورد من أي الأقسام.

(170) المرجع في ذلك ثقات أهل الخبرة في هذه الأشياء.

(171) لا يعد فيه بعد حكم أهل الخبرة بذلك كما سيأتي.

(172) بل قد يكون من العينية عرفا.

ص: 336

بالمثل مع مراعاة صنفها (173).

مسألة 39: لو غصب المصنوع و تلف عنده الهيئة و الصنعة فقط

(مسألة 39): لو غصب المصنوع و تلف عنده الهيئة و الصنعة فقط دون المادة رد العين و عليه قيمة الصنعة (174)، و ليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة (175) كما أنه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب و قال إني أصنعه كما كان سابقا (176).

مسألة 40: لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرمة غير محترمة

(مسألة 40): لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرمة غير محترمة كما في آلات القمار و الملاهي و آنية الذهب و الفضة و نحوها لم يضمن الصنعة سواء أتلفها خاصة أو مع ذيها فيرد المادة لو بقيت إلى المالك، و ليس عليه شي ء لأجل الهيئة و الصنعة (177).

مسألة 41: إذا تعيب المغصوب في يد الغاصب

(مسألة 41): إذا تعيب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان و لا فرق في ذلك بين الحيوان و غير الحيوان (178).

______________________________

(173) بحيث يحكم أهل الخبرة بأن ما يعطيه الغاصب عين ما تلف.

(174) لأن الفائت إنما هو الصنعة فقط فهو المضمون دون ما هو باق و قابل للرد بعينه.

(175) لأصالة عدم ولاية المالك على هذا الإلزام بعد كون الضمان بالقيمة شرعا و عرفا، و لأصالة براءة ذمة الغاصب عن وجوب قبوله بعد الشك في صدق عموم وجوب رد المغصوب لذلك لفرض الضمان بالقيمة بالنسبة إلى المغصوب.

(176) لأصالة البراءة عن وجوب القبول خصوصا مع المنة.

(177) لأن سقوط الهيئة عن المالية شرعا أسقط التعويض لها رأسا فما لا مالية له في الشريعة كيف يصح فرض القيمة فيه إلا إذا كان بنحو فرض القيمة للخمر و الخنزير عند الذمي و ذلك يحتاج إلى الدليل بالخصوص و هو مفقود.

(178) أما ضمان الأرض فلقاعدة اليد و الإجماع، و أما التعميم للحيوان

ص: 337

نعم، اختص العبيد و الإماء ببعض الأحكام، و تفاصيل لا يسعها المقام (179).

مسألة 42: لو غصب شيئين

(مسألة 42): لو غصب شيئين فنقص قيمة كل واحد منهما منفردا عنها فيما إذا كانا مجتمعين كمصراعي الباب و الخفين فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعا ورد الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده (180).

فلو غصب خفين كان قيمتهما مجتمعين عشرة و كان قيمة كل منهما منفردا ثلاثة فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا و هي خمسة ورد الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده و هو اثنان فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفين، و لو غصب أحدهما و تلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا و هي خمسة في الفرض المذكور (181)، و هل يضمن النقص الوارد على الثاني و هو اثنان حتى تكون عليه سبعة (182)

______________________________

و غيره فللإطلاق و الاتفاق.

(179) بل لا موضوع لها في هذه الأيام فيكون صرف الوقت فيها من ترجيح المرجوح على الراجح الذي لا يرتكبه ذوو الأفهام.

(180) أما ضمان قيمة التالف، فلقاعدة اليد و الإجماع و عمومات الأدلة، و أما ضمان النقص الحاصل فلقاعدة ضمان الغاصب كل نقص يكون في يده على المغصوب و يشهد لها العرف و السيرة أيضا بل الظاهر عدم الخلاف فيه إلا ممن لم يثبت خلافه.

(181) للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

(182) لأن الغصب بالنسبة إليه و إن لم يحصل لكن حصل التسبيب بالنسبة إلى هذا النقص و هو من موجبات الضمان أيضا كما عن جمع منهم المحقق و الشهيد الثانيين.

ص: 338

أم لا (183)؟ فيه وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من رجحان (184).

مسألة 43: لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة

(مسألة 43): لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي على أقسام ثلاثة:

أحدها: أن يكون أثرا محضا كتعليم الصنعة في العبد و خياطة الثوب بخيوط المالك و غزل القطن و نسج الغزل و طحن الطعام و صياغة الفضة و نحو ذلك.

ثانيها: أن تكون عينية محضة كغرس الأشجار و البناء في الأرض البسيطة و نحو ذلك.

ثالثها: أن تكون أثرا مشوبا بالعينية كصبغ الثوب و نحوه (185)، و سيأتي أحكامها في المسائل الآتية.

مسألة 44: لو زادت في العين المغصوبة

(مسألة 44): لو زادت في العين المغصوبة بما يكون أثرا محضا ردها كما هي (186)، و لا شي ء له لأجل تلك الزيادة و لا من جهة أجرة

______________________________

(183) لأصالة البراءة بعد الشك في كون هذا النحو من التسبيب المتدارك بضمان الأصل يوجب الضمان، و لا وجه لقياس المقام بالفرع السابق لأنه باطل أولا و مع الفارق ثانيا لدخول الجزئين تحت يد الغاصب في الفرع الأول فيشمله القبض الغصبي بخلاف المقام، و قد تردد المحقق في الشرائع و حكي ذلك عن التحرير أيضا.

(184) لصدق تحقق النقص بواسطة الغصب فيكون مثل الفرع الأول عرفا و إن لم يكن مثله بالدقة العقلية التي ليست هي مناط الأحكام الشرعية.

(185) هذا التقسيم عقلي واضح و لا يحتاج إلى التفصيل و التطويل و إذا شك في أنه من أي الأقسام لا يلحقه الحكم الخاص بأحدها.

(186) لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1)، و سائر

ص: 339


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من كتاب الغصب حديث: 4.

العمل (187)، و ليس له إزالة الأثر و اعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك حيث أنه تصرف في مال الغير بدون إذنه، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك (188)، و إن لم يرد نقص على العين (189) و للمالك إلزامه بإزالة الأثر و اعادة الحالة الأولى للعين إذا كان فيه غرض عقلائي (190)، و لا يضمن الغاصب حينئذ قيمة الصنعة (191).

نعم، لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان (192).

مسألة 45: لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع و الغرس و نماؤها للغاصب

(مسألة 45): لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع و الغرس و نماؤها للغاصب (193)، و عليه أجرة الأرض ما دامت مزروعة أو

______________________________

إطلاقات رد المغصوب المتقدمة.

(187) لأنه من جهة تصرفه في المغصوب هتك ماله و عمله شرعا فلا شي ء له مضافا إلى الإجماع، و قد ذكر دليل الحكم اللاحق في المتن فلا وجه للتكرار، و وجه صيرورته ملكا للمالك أنه قد زالت ملكية الغاصب عنه شرعا فتنقل إلى المالك تبعا للعين لا محالة.

(188) لفرض أنه صار ملكا للمالك شرعا فيضمن قيمته مع التلف.

(189) لفرض أن نفس الأثر من حيث هو صار ملكا للمالك فهو و إن كان عرضا للعين و لكن يصح لحاظه مستقلا بالنسبة إلى الحكم الشرعي كلحاظه كذلك أيضا.

(190) لقاعدة السلطنة الجارية في ذلك كله فلا يجوز التصرف لغير من له السلطان.

(191) لفرض أن المالك ألزمه بالإزالة و لا معنى للضمان حينئذ.

(192) لقاعدة اليد و غيرها من أدلة الضمان.

(193) لقاعدة تبعية النماء للملك مضافا إلى الإجماع و قول الصادق عليه السّلام:

ص: 340

مغروسة (194)، و يلزم عليه إزالة غرسه و زرعه و إن تضرر بذلك (195)، و عليه أيضا طعام الحفر و أرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع

______________________________

«للزارع زرعه و لصاحب الأرض كراء أرضه» (1)، و أما الموثق عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل اكترى دارا و فيها بستان فزرع في البستان و غرس نخلا و أشجارا و فواكه و غير ذلك و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال عليه السّلام: عليه الكراء و يقوم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل فيعطيه الغارس و إن كان استأمره في ذلك، و إن لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء و له الغرس و الزرع يقلعه و يذهب به حيث يشاء» (2)، فمع أنه مروي عن التهذيب و الفقيه بدون (الواو) أي: «إن كان استأمره و إن لم يكن استأمره فعليه الكري» (3)، و على هذا لا مخالفة في البين، و أما ما نسب إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شي ء و له نفقته» (4)، فلا وجه للأخذ بإطلاقه لما عرفت مما ورد من أهل البيت عليهم السّلام.

(194) لما تقدم من النص، مضافا إلى الإجماع و قاعدة اليد.

(195) أما وجوب الإزالة فللأدلة الأربعة كما تقدم مرارا.

و أما التعميم لصورة التضرر أيضا لأنه هو الذي أقدم على التضرر فالضرر انما جاء من قبله، و في خبر عبد العزيز قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن أخذ أرضا بغير حقها و بنى فيها، قال عليه السّلام: يرفع بناؤه و تسلم التربة إلى صاحبها ليس لعرق ظالم حق، ثمَّ قال عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر» (5).

ص: 341


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الغصب حديث: 1 و 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الغصب حديث: 1 و 2.
3- الوافي ج: 10 صفحة: 144.
4- سنن البيهقي ج: 6 كتاب المزارعة باب: 5 صفحة حديث: 136.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الغصب ج: 17.

و القلع (196) إلا أن يرضى المالك بالبقاء مجانا أو بالأجرة (197)، و لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته، و كذا لو بذل الغاصب أجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله (198)، و لو حفر الغاصب في الأرض بئرا كان عليه طمها مع طلب المالك (199)، و ليس له طمها مع عدم الطلب (200) فضلا عما لو منعه (201)، و لو بنى في الأرض المغصوبة بناء فهو كما لو غرس فيها فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له و للمالك إلزامه بالقلع فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكره (202).

مسألة 46: لو غرس أو بنى في أرض غصبها

(مسألة 46): لو غرس أو بنى في أرض غصبها و كان الغرس و أجزاء البناء لصاحب الأرض كان الكل للمالك (203)، و ليس للغاصب قلعها أو

______________________________

(196) كل ذلك لقاعدة «اليد» و الإجماع القولي و العملي من الفقهاء بل المتشرعة.

(197) لعدم موضوع للغصب حينئذ حتى يجري عليه حكمه، مع أنه مجمع عليه بين الفقهاء بل العقلاء.

(198) لقاعدة السلطنة و أصالة عدم الوجوب عند الشك فيه ما لم تقم عليه حجة معتبرة.

(199) لوجوب رد العين كما كانت إلى المالك مع الإمكان، و المفروض أنه ممكن مع طلبه فالمقتضي للوجوب موجود و المانع عنه مفقود.

(200) لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(201) يعلم حكمه من سابقيه بالأولوية.

(202) للإجماع، و لأن الحكم موافق للقاعدة و لا فرق فيها بين المصاديق و ورود ما تقدم من النص في الزرع و الغرس لا يوجب التخصيص بهما بعد كونه موافقا للقاعدة.

(203) أما الأرض و البناء و الغرس، فلفرض كونها له سابقا على الغرس

ص: 342

مطالبة الأجرة (204) و للمالك إلزامه بالقلع و الهدم إن كان له غرض عقلائي في ذلك (205).

مسألة 47: لو غصب ثوبا و صبغه بصبغه

(مسألة 47): لو غصب ثوبا و صبغه بصبغه فإن أمكن إزالته مع بقاء مالية له كان له ذلك (206) و ليس لمالك الثوب منعه كما أن للمالك إلزامه به (207)، و لو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغة ضمنه الغاصب (208)، و لو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته (209)، كالعكس بأن يطلب الغاصب منه أن يملكه الثوب هذا إذا أمكن إزالة الصبغ، و أما إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على

______________________________

و البناء أما عمل الغاصب فلا أجرة له لفرض كونه حراما و غصبا فهو أقدم على هتك عمله.

(204) أما عدم جواز القلع فلأنه تصرف في ملك الغير من دون اذنه، و أما عدم جواز مطالبة الأجرة فلأنه لا أجرة للحرام مع أنه أقدم على هتك عمله بالتصرف الغصبي.

(205) لقاعدة تسلط المالك على استرداد ماله كما كان مضافا إلى ظهور الإجماع.

(206) لأن الصبغ ماله و «الناس مسلطون على أموالهم» (1).

(207) أما الأول فلأصالة عدم حق للمالك عليه في ذلك بعد سلطنته عليه، و أما الثاني فلقاعدة السلطنة الدالة على سلطنته على تفريغ ماله عن كل ما شاء و أراد من مال الغير بعد عدم دليل على الخلاف.

(208) لقاعدة «اليد» و الإجماع.

(209) للأصل و الإجماع فيه و في عكسه.

ص: 343


1- البحار ج: 2 صفحة: 272 حديث: 7 ط- طهران.

الثوب هذا إذا أمكن إزالة الصبغ، و أما إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه اشتركا في الثوب المغصوب بنسبة القيمة (210) فلو كان قيمة الثوب قبل الصبغ يساوي قيمة الصبغ كان بينهما نصفين، و إن كانت ضعف قيمته كان بينهما أثلاثا ثلثان لصاحب الثوب و ثلث لصاحب الصبغ فإن بقيت قيمة كل واحد منهما محفوظة من غير زيادة و لا نقصان فالثمن بينهما على نسبة ماليهما و لم يكن على الغاصب ضمان، كما إذا كانت قيمة الثوب عشرة و قيمة الصبغ عشرة و قيمة الثوب المصبوغ عشرين لو كانت قيمة الثوب عشرين و قيمة الصبغ عشرة و قيمة المجموع ثلاثين فيكون الثمن بينهما بالتنصيف في الأول و في الثاني أثلاثا، و كذا لو زادت قيمة المجموع تكون الزيادة بينهما بتلك النسبة فلو فرض أنه بيع الثوب المصبوغ في الأول بثلاثين كانت العشرة الزائدة بينهما بالسوية، و لو بيع في الفرض الثاني بأربعين كانت العشرة الزائدة بينهما أثلاثا ثلثان لصاحب الثوب و ثلث لصاحب الصبغ، و إن نقصت قيمته مصبوغا عن قيمتهما منفردين كما إذا كانت قيمة كل منهما عشرة و كانت قيمة الثوب مصبوغا خمسة عشر فإن كان ذلك من جهة انتقاص الثوب بسبب الصبغ ضمنه الغاصب (211)، و إن كان بسبب تنزل القيمة السوقية فهو محسوب على صاحبه و لا يضمنه الغاصب (212).

______________________________

(210) لأنه حينئذ من المال المشترك الذي تقدم أقسامها و أحكامها، و الضمان بنسبة القيمة إنما هو من الجمع بين الحقين و إعمال العدل و الإنصاف في البين، و الوجه في باقي المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان.

(211) لحصول نقص مال المالك بسببه.

(212) للأصل بعد عدم كونه سببا للنقص بخلاف ما إذا كان سببا له فيضمنه

ص: 344

مسألة 48: لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب

(مسألة 48): لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب (213) حصلت الشركة بين صاحبي الثوب و الصبغ بنسبة قيمتها (214)، و لا غرامة على الغاصب لو لم يرد نقص عليهما و إن ورد ضمنه الغاصب لمن ورد عليه (215)، فلو فرض أن قيمة كل من الثوب و الصبغ عشرة و كانت قيمة الثوب المصبوغ خمسة عشر ضمن الغاصب لهما خمسة لكل منهما اثنان و نصف.

مسألة 49: لو مزج الغاصب المغصوب بغيره

(مسألة 49): لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره مزجا رافعا للتميز بينهما فإن كان بجنسه و كانا متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخر أو أردى تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما (216) و ليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة بل الذي عليه تسليم المال و الاقدام على الافراز و التقسيم بنسبة المالين أو البيع و أخذ كل منهما

______________________________

حينئذ من جهة الإتلاف و التسبيب.

(213) الفرق بين الفرع السابق و هذا الفرع أن الصبغ في السابق كان من نفس الغاصب و هنا كان من الغير فيتحقق الغصب بشيئين الثوب و الصبغ.

(214) أما حصول الشركة فلفرض اختلاط المال و عدم إمكان التفريق و أما كونها بنسبة المالين فلإحقاق الحقين و عدم طريق آخر غير ذلك في البين.

(215) أما عدم الغرامة على الغصاب فللأصل بعد عدم موجب لها أبدا، و أما لزومها في الثاني فلاستناد النقص إليه فتشمله قاعدة اليد و الإجماع، و حكم بقية المسألة واضح.

(216) الأقسام ثلاثة:

الأول: مزج الجنسين المتحدين ذاتا و صفة.

الثاني: المختلفين في الصفة مثل الجودة و الرداءة المتحدين جنسا.

الثالث: المختلفين جنسا المتحدين وصفا، و تعرضنا لحكم الجميع في

ص: 345

حصته من الثمن كسائر الأموال المشتركة (217)، و إن خلط المغصوب بما هو أجود أو أردئ منه تشاركا أيضا بنسبة المالين إلا أن التقسيم و توزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة (218) فلو خلط منا من زيت قيمته خمسة بمن منه قيمته عشرة كان لكل منهما نصف المجموع (219)، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم و يعطي لصاحب الأول سهم و لصاحب الثاني سهمان و إذا باعاه يقسم الثمن بينهما أثلاثا، و الأحوط في مثل ذلك أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد البيع و توزيع الثمن بنسبة القيمة لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة هذا إذا مزج المغصوب بجنسه، و أما إذا اختلط بغير جنسه فإن كان فيما يعد معه تالفا كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت ضمن المثل (220)، و لم يكن كذلك كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو

______________________________

كتاب الشركة و قلنا أن الحكم في الجميع مجمع عليه مع أنه موافق للعدل و الإنصاف.

(217) أما عدم لزوم غرامة على الغاصب، فلفرض عدم حصول نقص منه على المال فلا موضوع لها على كل حال و أما البقية فلوجوب رد المغصوب إلى مالكه، و لا يحصل الرد إلا بذلك كما هو واضح.

(218) أما الاشتراك في المالين فلوجود المقتضى له و فقد المانع عنه، و أما كون التقسيم بنسبة القيمة فلفرض التفاوت في الصفة الموجب لاختلاف القيمة مضافا إلى الإجماع في كل منهما.

(219) أي: بحسب الملك و الحق الواقعي المعلوم عند اللّه تعالى، و أما بحسب التقسيم و الإفراز فيأتي حكمه.

(220) لقاعدة اليد و سائر أدلة رد المغصوب بعد صدق التلف على المورد عرفا.

ص: 346

خلط الخل بالعسل فالظاهر أنه بحكم الخلط بالأجود أو الردي ء من جنس واحد (221) فيشتركان في العين بنسبة المالين و يقسمان العين و يوزعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مر (222).

مسألة 50: لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردى

(مسألة 50): لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردى و صار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين فورد بذلك النقص المالي على المغصوب ضمنه الغاصب (223)، كما لو غصب منا من زيت جيد قيمته عشرة و خلطه بمن منه ردي قيمته خمسة و بسبب الاختلاط يكون قيمة المنين اثنى عشر فصار حصة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية، و الحال ان زيته غير مخلوط كان يسوي عشرة فورد النقص عليه باثنين، و هذا النقص يغرمه الغاصب و إن شئت قلت يستوفي المالك

______________________________

(221) لأن الشك في صدق التلف يكفي في استصحاب بقاء المالين.

نعم، الفرق بالجودة و الرداءة معلوم لا وجه للشك بخلاف مثل الحنطة و الشعير فإنهما يوجبان الشك، بل قد ورد في الحنطة و الشعير انهما كانا في الأصل شيئا واحدا (1)، و لا وجه عرفا لحكم التلف في الخل المخلوط بالعسل أيضا لاعتبار بقاء كل منهما في الجملة و إلا فلا يحصل السكنجبين مع التلف و ذهاب الأثر.

(222) و تقدم أن ذلك كله حكم الشركة في المالية.

(223) لقاعدة اليد مضافا إلى الإجماع الدالين على أن كل نقص ورد على المال المغصوب ضمنه الغاصب، مضافا إلى صحيح أبي ولاد (2)، و حكم بقية المسألة واضح لا يحتاج إلى دليل.

ص: 347


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الربا حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الغصب.

قيمة ماله غير مخلوط من الثمن و ما بقي يكون للغاصب (224).

مسألة 51: فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه

(مسألة 51): فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه و إن تجددت بعد الغصب (225)، و هي كلها مضمونة على الغاصب (226) أعيانا كانت كاللبن و الولد و الشعر و الثمر أو منافع كسكنى الدار و ركوب الدابة (227)، بل كل صفة زادت بها، قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ثمَّ زالت و تنقصت بزوالها قيمته ضمنها الغاصب و إن رد العين كما كانت قبل الغصب (228)، فلو غصب دابة هازلة أو عبدا جاهلا ثمَّ سمنت الدابة أو تعلم العبد الصنعة فزادت قيمتها بسبب ذلك ثمَّ هزلت الدابة أو نسي المملوك الصنعة ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثمَّ زالت.

______________________________

(224) لأن الغاصب صار سببا للنقص فيغرم ما ورد من النقص على المالك كما تقدم مرارا.

(225) للاتفاق و قاعدة تبعية النماء للملك.

(226) لقاعدة اليد الدالة على ضمان الغاصب كل ما فات تحت يده و لو بآفة سماوية مضافا إلى الإجماع و صحيح أبي ولاد (1)، و أما قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:

«الخراج بالضمان» (2)، فإن كان المراد به أن منافع العين المغصوبة للغاصب لأنه ضامن للعين فإذا رد العين يكون له ما استوفاه من المنافع فضلا عما لم يستوف فهو خلاف الوجدان و النصوص و الإجماع، و إن كان المراد به أن كل من وضع يده على مال الغير بالضمان الصحيح الشرعي كالبيع و سائر النواقل الشرعية يكون منافعه له فهو موافق للعقل و النقل و حينئذ فلا ربط له بالمقام.

(227) لعموم الدليل الشامل لجميع ذلك.

(228) لكون تلك الصفة حدثت في ملك المالك فتكون مضمونة على

ص: 348


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الغصب.
2- سنن أبي داود باب: 71 من أبواب البيوع.

نعم، لو زادت القيمة لزيادة صفة ثمَّ زالت تلك الصفة ثمَّ عادت الصفة بعينها لم يضمن قيمة الزيادة التالفة لانجبارها بالزيادة العائدة (229)، كما إذا سمنت الدابة في يده فزادت قيمتها ثمَّ هزلت ثمَّ سمنت فإنه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن إلا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الأولى بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن الأول درهمين و الحاصلة بالثاني درهما مثلا فيضمن التفاوت (230).

مسألة 52: لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته

(مسألة 52): لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ثمَّ زالت فنقصت ثمَّ حصلت فيه صفة أخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان الزيادة الأولى و لم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية (231) كما إذا سمنت الجارية المغصوبة ثمَّ

______________________________

الغاصب سواء بقيت أو تلفت فيجب ردها مع بقائها ورد عوضها مع تلفها كما هو مقتضى القواعد المسلمة، في الغصب كما مر و تقدم عدم دلالة قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«الخراج بالضمان» (1)، على الخلاف كما مر حكم ما لو كانت الزيادة بفعل الغاصب، و دليل بقية المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان.

(229) هذا هو المشهور و عللوا الحكم بذلك، و يشهد له العرف و العقل مع عدم التفاوت بين الحادث و الزائل من كل جهة و عدم تخلل زمان معتد به بين الزوال و الحدوث، فكأنه لم يحدث زوال صفة و تجدد أخرى مثلها بل لم تزل الصفة الحادثة الأولى هذا مضافا إلى الأصل و قاعدة نفي الضرر و إن الظالم لا يظلم.

(230) لوجود المقتضى للضمان و فقد المانع عنه فيتحقق الضمان لا محالة لعموم أدلته الشامل للمقام.

(231) لأصالة عدم الانجبار و اختلاف الأغراض و الدواعي العقلائية في

ص: 349


1- راجع ج: 16 صفحة: 259.

هزلت فنقصت قيمتها ثمَّ تعلمت الخياطة فزادت قيمتها بقدر الزيادة الأولى أو أزيد لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الأولى (232).

مسألة 53: إذا غصب حبا فزرعه

(مسألة 53): إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه تحت دجاجته مثلا كان الزرع و الفرخ للمغصوب منه (233)، و كذا لو غصب خمرا فصار خلا أو غصب عصيرا فصار خمرا عنده ثمَّ صار خلا فإنه ملك للمغصوب منه لا الغاصب (234)، و أما لو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى و أولدها كان

______________________________

الصفات المختلفة مضافا إلى الإجماع.

و تلخيص المقام: أن الصفة الحادثة الزائلة على أقسام:

الأول: ما إذا أوجبت زيادة القيمة فحدثت ثمَّ زالت و لم ترجع و لا إشكال في الضمان حينئذ.

الثاني: أوجبت زيادة القيمة فزالت ثمَّ رجعت بعينها لا ضمان فيها.

الثالث: أوجبت زيادة القيمة فزالت ثمَّ حدثت صفة أخرى مثلها في المالية دون أصل الصفة ففيها الضمان.

الرابع: صفة حدثت ثمَّ زالت و لكن لم تتفاوت مالية العين في حالتي الحدوث و الزوال بل كانت القيمة على حد سواء في الحالتين مقتضى الأصل عدم ضمان شي ء في هذه الصورة.

الخامس: الشك في أنها من أي الأقسام و مقتضى الأصل عدم الضمان أيضا.

(232) لما عرفت آنفا.

(233) لأصالة بقاء الملكية و الاختصاص و لقاعدة تبعية النماء للملك مضافا إلى ظهور الإجماع و مساعدة الاعتبارات العرفية.

(234) لما مر في سابقة من غير فرق لبقاء حق الاختصاص و الملكية الاقتضائية بالنسبة إلى المالك و عدم زواله بالغصب مطلقا و الانقلاب إلى الخلية

ص: 350

الولد لصاحب الأنثى و إن كان هو الغاصب و عليه أجرة الضراب (235).

مسألة 54: جميع ما مر من الضمان و كيفيته

(مسألة 54): جميع ما مر من الضمان و كيفيته و أحكامه و تفاصيله جارية في كل يد جارية على مال الغير بغير حق و إن لم تكن عادية و غاصبة و ظالمة (236) إلا في موارد الأمانات مالكية كانت أو شرعية كما عرفت التفصيل في كتاب الوديعة (237) فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة و ما وضع اليد عليه بسبب الجهل و الاشتباه (238)، كما إذا لبس حذاء غيره أو ثوبه اشتباها أو أخذ شيئا من سارق عارية باعتقاد أنه ماله و غير ذلك مما لا يحصى (239).

مسألة 55: كما أن اليد الغاصبة و ما يلحق بها موجبة للضمان

(مسألة 55): كما أن اليد الغاصبة و ما يلحق بها موجبة للضمان و هو المسمى بضمان اليد، و قد عرفت تفصيله في المسائل السابقة كذلك للضمان سببان آخران الإتلاف و التسبيب (240)، و بعبارة أخرى له سبب

______________________________

وقع في مال المالك فيكون المنقلب إليه منه عرفا و شرعا و عقلا.

(235) أما كون الولد للأنثى و إن كان غاصبا فللسيرة العملية بين العقلاء و ظهور إجماع الفقهاء، و أما كون الأجرة عليه فلفرض أن الضراب محترم أتلفه على المالك فلا بد من تداركه لقاعدة اليد.

(236) لكون الحكم موافقا لقاعدة اليد و أدلة رد حق الناس و أموالهم إليهم كما مر بلا فرق بين جميع الموارد.

(237) فقد تقدم أن الأمانات مطلقا مالكية كانت أو شرعية لا تضمن إلا مع التعدي أو التفريط و معهما يجري عليها حكم الغصب في الضمان فراجع.

(238) للإجماع و جريان قاعدة اليد في الجميع بلا فرق بين الأفراد كلها.

(239) فإن التصرف في جميع ذلك تصرف بغير الحق يضمن العين مع وجودها و العوض مع تلفها و المنافع مطلقا كما مر.

(240) لا اختصاص لهذا بالغصب بل يعم كل ضمان، و يأتي في كتاب

ص: 351

.....

______________________________

القصاص و الديات جملة من أسباب الضمان إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إن الضمان بالإتلاف مباشرة أو تسبيبا يعد من الضروريات عند العقلاء و لا يحتاج إلى التماس دليل آخر، و يصح الاستدلال عليه بالأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ(1)، و سائر الآيات الواردة في هذا السياق كما تقدم في أول الكتاب، و من السنة نصوص متواترة منها قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر شيئا في طريق المسلمين فأصاب فعطب فهو له ضامن» (2)، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أضر بشي ء من طريق المسلمين فهو له ضامن» (3)، و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن الشي ء يوضع على الطريق فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال: كل شي ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه» (4)، و عنه عليه السّلام أيضا: «كل من حفر بئرا في غير ملكه كان عليه الضمان» (5)، إلى غير ذلك مما هو كثير و يأتي في محله، و من فروع المقام قاعدة «المغرور يرجع إلى من غره» (6)، و ضمان شاهد الزور (7)، على تفصيل يأتي في كتاب الشهادات إلى غير ذلك مما مر في طي الكتب السابقة و يأتي إن شاء اللّه تعالى في الكتب الآتية، و قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» المستفادة من نصوص كثيرة (8)، شاملة للإتلاف المباشري و التسبيبي أيضا.

ص: 352


1- سوره نساء :92.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب موجبات الضمان حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب موجبات الضمان حديث: 2.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب موجبات الضمان حديث: 1.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب موجبات الضمان حديث: 1.
6- راجع ج: 16 صفحة: 381.
7- الوسائل باب: 12 من أبواب الشهادات.
8- الوسائل باب: 5 و 7 من أبواب الرهن حديث: 2 و باب: 10 و 11 و 14 من أبواب الشهادات و باب: 29 من أبواب الإجارة.

آخر و هو الإتلاف سواء كان بالمباشرة أم التسبيب (241).

مسألة 56: الإتلاف بالمباشرة واضح

(مسألة 56): الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه كما إذا ذبح حيوانا أو رماه بسهم فقتله أو ضرب على إناء فكسره أو رمى شيئا في النار فأحرقه و غير ذلك مما لا يحصى، و أما الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شي ء (242) يترتب عليه الإتلاف بسبب وقوع شي ء (243) كما لو حفر بئرا في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان أو طرح المعابر و المزالق كقشر البطيخ و الرقي في المسالك أو أوتد في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان، أو وضع شيئا على الطريق فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره أو أخرج ميزابا على الطريق فأضر بالمارة أو ألقى صبيا أو

______________________________

من الإجماع إجماع الفقهاء بل جميع العقلاء.

و من العقل أن إتلاف مال الغير من دون تداركه ظلم و قبيح، فالشرع و العقل و العرف متفق على الضمان في مورد الإتلاف مباشرة أو تسبيبا.

(241) كما عرفت آنفا من الإطلاق في الأدلة.

(242) أو إزالة مانع كما في فك القيد عن الدابة و نحو ذلك من إزالة الموانع عن التلف، فلا يعتبر في التسبيب و التسبيب العرفي أن يكون أمرا وجوديا بل يصح أن يكون أمر عدميا أيضا.

و توهم أنه لا تسبيب و لا يترتب الأثر على الاعدام ساقط: لأن ما لا تسبب فيه و لا يترتب عليه الأثر إنما هو العدم المطلق لا عدم الملكة كما هو واضح و ما نحن فيه من الثاني لا الأول.

(243) أطيل الكلام في معنى السبب و التسبيب مع أنه لا وجه للإطالة فيه أصلا لأنه ليس من الأمور الشرعية التعبدية حتى يرجع في معناه إلى الشرع و لا من الموضوعات المستنبطة حتى يكون مورد أنظار الفقهاء على اختلاف أنظارهم بل من الموضوعات العرفية التي يرجع في تشخيصه إلى العرف فمع

ص: 353

حيوانا يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع، و من ذلك ما لو فك القيد عن الدابة فشردت أو فتح قفصا عن طائر مبادرا أو بعد مكث (244) و غير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامنا و يكون عليه غرامة التالف و بدله إن كان مثليا فبالمثل و إن كان قيميا فبالقيمة و إن صار سببا لتعيب المال كان عليه الأرش كما مر في ضمان اليد (245).

مسألة 57: لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا

(مسألة 57): لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب (246) إلا إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من أمه و كانت الماشية في محال السباع و مظان الخطر و انحصر حفظها بحراسة راعيها فعليه الضمان على الأقوى (247).

______________________________

حكمهم به يترتب عليه أثره و مع حكمهم بعدمه لا ضمان، و مع الشك فالمرجع الأصول العملية موضوعية كانت أو حكمية، و الحكم معلوم و النزاع لو كان فهو صغروي و لا ينبغي التعرض للصغريات في الفقه، و السبب قد يكون من المقتضى و الشرط، و ثالثة: يكون من إزالة المانع و لكن ذلك مراتب متفاوتة جدا و يصح أن يراد به في المقام جميع ذلك لكن مع صحة استناد التلف إليه عرفا.

(244) لأنه لا فرق بين المكث و عدمه بعد ترتب التلف على فتح باب القفص عرفا.

(245) لقاعدة اليد و الإتلاف و الإجماع في جميع ذلك و تقدم هنا و في البيع الفاسد ما يرتبط بالمقام.

(246) لأصالة عدم تحقق السبب و التسبيب عند الشك في تحققه، و الشك في تحقق الموضوع يكفي في عدم تحققه في المقام و في غيره و لا يعارض بأصالة عدم سبب آخر لتلفه إذ لا أثر له في الضمان.

(247) لتحقق التسبيب العرفي حينئذ.

ص: 354

مسألة 58 و من التسبيب الموجب للضمان ما لو فك وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه

(مسألة 58) و من التسبيب الموجب للضمان ما لو فك وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه (248)، و أما لو فتح رأس الظرف ثمَّ اتفق أنه قلبته الريح الحادثة أو انقلبت بوقوع طائر عليه مثلا فسال ما فيه ففي الضمان تردد و إشكال (249)، نعم يقوى الضمان فيما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة أو في مجمع الطيور و مظان وقوعها عليه (250).

مسألة 60: ليس من التسبيب الموجب للضمان

(مسألة 60): ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح بابا على مال فسرق أو دل سارقا عليه فسرقه فلا ضمان عليه (251).

مسألة 61: لو وقع الحائط على الطريق مثلا فتلف بوقوعه مال

(مسألة 61): لو وقع الحائط على الطريق مثلا فتلف بوقوعه مال أو

______________________________

(248) لاستناد السيلان إلى فكه للوكاء عرفا فيكون هو السبب للتلف.

(249) من صحة نفي السببية القريبة بالنسبة إليه عرفا بل تستند إلى الريح و الطير ظاهرا فلا سببية له في البين، و من أن المنساق من السبب في المقام من له فعل إرادي اختياري و هو منحصر بمن فك رأس الظرف و الريح و الطير كالآلة المحضة غير الشاعرة فيكون كالسيلان المذكور في السابق، و الظاهر صحة توجه الاستنكار و الاستقباح على من فتح رأس الظرف، و يكشف ذلك عن صحة استناد التسبيب إليه.

(250) إذ لا ريب في توجه الذم و الاستنكار لمن فتح رأس الظرف حينئذ و يلومونه الناس بلا شبهة و التباس، و ليس ذلك إلا من جهة التسبيب المنسوب إليه.

(251) التسبيب على أقسام:

الأول: ما إذا لم يتخلل بين السبب و تحقق الأثر شي ء أبدا بل حصل المسبب بمجرد تحقق السبب ترتب المعلول على العلة التامة.

الثاني: ما إذا تخلل شي ء آخر و لكنه كان مستندا إلى نفس السبب أيضا، كما إذا صب قطره من الماء على مكتوب مخطوط و فسد الخط و قراءته ببقاء

ص: 355

نفس لم يضمن صاحبه (252) إلا إذا بناه مائلا إلى الطريق أو مال إليه بعد ما كان مستويا، و قد تمكن صاحبه من الإزالة و لم يزله فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى (253).

مسألة 62: لو وضع شربة أو كوزا مثلا على حائطه فسقط و تلف به مال أو نفس لم يضمن

(مسألة 62): لو وضع شربة أو كوزا مثلا على حائطه فسقط و تلف به مال أو نفس لم يضمن (254) إلا إذا وضعه مائلا إلى الطريق أو وضعه على وجه يسقط مثله (255).

مسألة 63: و من التسبيب الموجب للضمان أن يشعل نارا في ملكه

(مسألة 63): و من التسبيب الموجب للضمان أن يشعل نارا في ملكه و داره فتعدت و أحرقت دار جاره مثلا، فيما إذا تجاوز قدر حاجته و يعلم أو يظن تعديها لعصف الهواء مثلا بل الظاهر كفاية الثاني فيضمن مع العلم أو الظن بالتعدي و لو كان بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدية فتبين خلافه كما إذا كانت ريح حين إشعال النار، و هو قد اعتقد أن بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار، فتبين خلافه.

______________________________

تلك القطرة و لو في الجملة.

الثالث: ما إذا تخلل في البين شي ء خارج عن أصل السبب و بقائه من غير ذوي العقول.

الرابع: ما إذا تخلل في البين إرادة الفاعل العاقل المختار، و في الأولين يكون ضامنا، و تقدم حكم الثالث و لا وجه للضمان في الأخير لاستناد التلف حينئذ إلى الفاعل العاقل المختار دون فاتح الباب و إن أثم هو من جهة أخرى و لكنه لا ربط له بالضمان.

(252) للأصل و الإجماع بعد عدم حصول التسبيب.

(253) لصدق التسبيب و توجه اللوم و التوبيخ عليه فيهما.

(254) للأصل و السيرة و الإجماع.

(255) لانطباق التسبيب و اللوم و الاستنكار عليه حينئذ.

ص: 356

نعم، لو كان الهواء ساكنا بحيث يؤمن معه من التعدي فاتفق عصف الهواء بغتة فطارت شرارتها يقوى عدم الضمان (256).

______________________________

(256) الأقسام كثيرة:

الأول: إرسال الماء و تأجيج النار في ملكه بلا قصد التعدي و لا العلم و لا الظن به أصلا، فحصل اتفاقا لعوارض خارجية عن غير عمده و اختياره فأغرق مال الغير أو أحرقه، و لا ضمان فيه للأصل و الإجماع و قاعدة السلطنة و عدم صدق التفريط و لا الإتلاف المباشري و لا التسبيب.

الثاني: مثل الصورة السابقة لكن مع العلم أو الظن بعدم التعدي فحصل التعدي يعلم حكمها من السابقة بالفحوى.

الثالث: كالصورة السابقة مع العلم بالتعدي.

الرابع: نفس الصورة السابقة لكن مع الظن بالتعدي، يضمن فيهما، لصدق التسبيب بل المباشرة و لا ينافي ذلك قاعدة السلطنة إذ لا تنافي بينها و بين الضمان لو حصل الإتلاف مباشرة أو تسبيبا.

الخامس: الزيادة عن مقدار الحاجة مع العلم أو الظن بالتعدي يضمن كما هو معلوم، و تقدم أن قاعدة السلطنة لا تنافي الضمان.

السادس: الزيادة عن قدر الحاجة مع اعتقاد عدم التعدي و عدم موجب للتعدي في الخارج من عدم سرعة الهواء فحصل التعدي اتفاقا، فالظاهر الضمان لصدق التفريط في النار و الماء بالزيادة على قدر الحاجة.

السابع: اعتقاد كونه بقدر الحاجة فبان كونه زائدا عليها.

الثامن: الشك في أنه من أي الأقسام، يمكن أن يقال في القسمين الأخيرين بالضمان للتسبيب.

التاسع: السببية البدلية بين ما هو يوجب الضمان و بين ما لا يوجبه، يصح الضمان لصدق التسبيب في الجملة و مقتضى الإطلاقات ثبوته.

ص: 357

مسألة 64: إذا أرسل الماء في ملكه فتعدي إلى ملك غيره فأضر به ضمن مطلقا

(مسألة 64): إذا أرسل الماء في ملكه فتعدي إلى ملك غيره فأضر به ضمن مطلقا (257) و لو مع اعتقاده عدم التعدي فضلا عما لو علم أو ظن به (258).

مسألة 65 لو تعب حمال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير

(مسألة 65) لو تعب حمال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح بدون إذن صاحب الجدار فوقع بإسناده إليه ضمنه و ضمن ما تلف بوقوعه عليه، و لو وقعت الخشبة فأتلفت شيئا ضمنه سواء وقعت في الحال أو بعد ساعة (259).

مسألة 66: لو فتح قفصا عن طائر فخرج

(مسألة 66): لو فتح قفصا عن طائر فخرج و كسر بخروجه قارورة شخص مثلا ضمنها الفاتح (260) و كذا لو كان القفص ضيقا مثلا فاضطرب

______________________________

العاشر: السببية المشتركة مع سبب يوجب الضمان يتحقق فيه الضمان أيضا للإطلاق، و يمكن أن يقال بالتضمين الاحتياطي الذي أسسه علي عليه السّلام في أموال الناس، و تقدم في كتاب الإجارة في بيان ضمان الطبيب (1).

(257) لأن الماء حدوثا و بقاء تحت إرادته و اختياره فيتحقق السبب الموجب للضمان بل الإتلاف المباشري مع قضاء العادة بتعدي الماء خصوصا إن كان شديد الجريان.

(258) سواء كان ضبط الماء و حفظه تحت اختياره و في الأثناء جرى الماء أو خرج عن اختياره، لصحة استناد الضرر و التسبب له إليه خصوصا مع ظن التعدي.

نعم، لو تحفظ على عدم التعدي من كل جهة فحصل التعدي لأجل عروض عارض خارجي غير معهود يشكل الضمان حينئذ.

(259) كل ذلك للتسبيب بل الإتلاف المباشري مضافا إلى ظهور الإجماع.

(260) لتحقق التسبيب مضافا إلى الإجماع، و كذا الكلام في تاليه من

ص: 358


1- راجع ج: 19 صفحة: 106.

بخروجه فسقط و انكسر (261).

مسألة 67 لو وقع طائر على جداره فطيّره

(مسألة 67) لو وقع طائر على جداره فطيّره و ضاع الطائر عن مالكه يضمن (262) خصوصا إذا كان الطائر معتادا إلى العود إلى محله.

مسألة 68 إذا أكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسدته

(مسألة 68) إذا أكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسدته فإن كان معها صاحبها راكبا أو سائقا أو قائدا أو مصاحبا ضمن ما أتلفته (263)، و إن لم يكن معها بأن انفلتت من مراحها مثلا فدخلت زرع غيره ضمن ما أتلفته إن كان ذلك ليلا (264)،

______________________________

غير فرق.

(261) لصدق التسبيب عرفا، و كذا لو شد رجل الحيوان بشدة و إحكام فاضطرب الحيوان و نحو ذلك.

(262) لتحقق التسبيب للضياع منه عرفا و كذا لو دخل حيوان في بيته.

(263) لأن الدابة في هذه الحالات بمنزلة الآلة لصاحبها فينسب التلف إليه إما بالمباشرة أو بالتسبيب.

(264) لأن على صاحب الدابة حفظها ليلا عن الخروج و حيث لم يحفظها صار سببا لما أتلفته الدابة فيضمن للتسبيب مضافا إلى الإجماع و النص، فعن السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السّلام عن علي عليه السّلام قال: «كان علي عليه السّلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا و يقول: على صاحب الزرع حفظ زرعه، و كان يضمن ما أفسدت البهائم ليلا» (1)، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «البقر و الغنم و الإبل تكون في المرعى فتفسد شيئا هل عليها ضمان؟ فقال عليه السّلام: إن أفسدت نهارا فليس عليها ضمان من أجل أن أصحابه يحفظونه و إن أفسدت ليلا فإنه عليها ضمان» (2)، و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

ص: 359


1- الوسائل باب: 40 من أبواب موجبات الضمان ج: 19.
2- الوسائل باب: 40 من أبواب موجبات الضمان ج: 19.

و ليس عليه ضمان إن كان نهارا (265).

مسألة 69: لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي

(مسألة 69): لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابة في يد المستعير أو المستأجر فأتلفتا زرعا أو غيره كان الضمان على الراعي و المستأجر و المستعير لا على المالك و المعير (266).

مسألة 70: لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين

(مسألة 70): لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان (267) و إلا كان الضمان على المتقدم في التأثير (268) فلو حفر شخص بئرا في الطريق و وضع شخص آخر حجرا بقربها فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضح الحجر دون حافر البئر، و يحتمل قويا اشتراكهما في الضمان

______________________________

وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ فقال: لا يكون النفش إلا بالليل إن على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار إنما رعيها بالنهار و أرزاقها فما أفسدت فليس عليها، و على أصحاب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا و هو النفش- الحديث» (1).

(265) للأصل و الإجماع و لما عرفت من النص.

(266) لحصول مباشرة الإتلاف أو التسبيب له منهما دون المالك و المعير فلا ربط للتلف بهما أصلا.

(267) لفرض حصول التسبيب من كل منهما فيتحقق الضمان لا محالة بالنسبة إليهما و إلا يكون تخصيص أحدهما بالضمان دون الآخر من الترجيح بلا مرجح و هو قبيح.

(268) إن استند التسبيب إليه بقرائن الأحوال و شهادة أهل الخبرة بهذه الأمور و الأوضاع.

ص: 360


1- الوسائل باب: 40 من أبواب موجبات الضمان ج: 19.

مطلقا (269).

مسألة 71: لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون فاعل السبب

(مسألة 71): لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون فاعل السبب (270)، فلو حفر شخص بئرا في الطريق فدفع غيره فيها إنسانا أو حيوانا كان الضمان على الدافع دون الحافر.

نعم، لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر (271)، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمد رجله و كسرها كان الضمان على الواضع دون النائم (272).

مسألة 72: لو أكره على إتلاف مال غيره

(مسألة 72): لو أكره على إتلاف مال غيره كان الضمان على من أكرهه و ليس عليه ضمان لكون ذي السبب أقوى من المباشر (273)، هذا إذا لم يكن المال مضمونا في يده بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده

______________________________

(269) الأقسام ثلاثة:

الأول: اختصاص التسبيب بخصوص السابق فيتعين الضمان عليه بلا إشكال و لا خلاف في البين.

الثاني: اختصاصه بالآخر فيتعين الضمان عليه كذلك.

الثالث: عدم إحراز ذلك بوجه معتبر و لا ريب في تحقق السببية لكل منهما في الجملة، إذ لو لا الحجر الموضوع لما وقع التلف كما أنه لو لا البئر لما وقع ذلك فيصح الانتساب إلى كل منهما فيجري عليه حكم الاشتراك مع عدم القرينة على الاختصاص.

(270) لأن الفقهاء بل العقلاء بل وجدان كل ذي شعور يحكم بأن المتلف هو المباشر دون السبب.

(271) لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(272) لأنه يستقبح و يستنكر الواضع دون النائم.

(273) فيصير المباشر كالآلة للسبب حينئذ فيقدم لا محالة.

ص: 361

أو على إتلاف الوديعة التي عنده مثلا، و أما إذا كان المال مضمونا في يده كما إذا غصب مالا فأكره شخص على إتلافه فالظاهر ضمان كليهما (274)، فللمالك الرجوع على أيهما شاء فإن رجع على المكره (بالكسر) لم يرجع على المكره (بالفتح) (275) بخلاف العكس (276) هذا إذا أكره على إتلاف المال، و أما لو أكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره و إن كان عليه عقوبة فإنه لا إكراه في الدماء (277).

مسألة 73: لو غصب مأكولا مثلا

(مسألة 73): لو غصب مأكولا مثلا فأطعمه المالك مع جهله بأنه ماله بأن قال له هذا ملكي و طعامي أو قدمه إليه ضيافة مثلا لو غصب شاة و استدعى من المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأنها شاته ضمن الغاصب و إن كان المالك هو المباشر للإتلاف (278).

______________________________

(274) لتحقق موجب الرجوع في كل منهما في المكره و اليد الغاصبة السابقة في المكره فيشمل إطلاق الدليل الرجوع إلى كل منهما.

(275) لأنه كان بمنزلة الآلة للمكره و الشارع رفع حكم التلف عنه فلا موضوع للرجوع إليه.

(276) فيرجع المكره إلى المكره لفرض أن الضرر جاء من قبله، و يكون بمنزلة المغرور الذي يرجع إلى غاره و ان لم يكن موضوعا منه.

(277) للإجماع، و النصوص منها قوله عليه السّلام: «إنما جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية» (1)، و قوله عليه السّلام: «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية- الحديث» (2).

(278) لفرض أن السبب إنما هو غار و هو أقوى من المباشر في نظائر

ص: 362


1- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر و النهي.
2- الوسائل باب: 31 من أبواب الأمر و النهي.

نعم، لو دخل المالك دار الغاصب مثلا و رأى طعاما فأكله على اعتقاد أنه طعام الغاصب فكان طعام الآكل فالظاهر عدم ضمان الغاصب (279) و قد برئ عن ضمان الطعام (280).

مسألة 74: لو غصب طعاما من شخص و أطعمه غير المالك على أنه ماله مع جهل الآكل بأنه مال غيره

(مسألة 74): لو غصب طعاما من شخص و أطعمه غير المالك على أنه ماله مع جهل الآكل بأنه مال غيره كما إذا قدمه إليه بعنوان الضيافة مثلا ضمن كلاهما (281)، فللمالك أن يغرم أيهما شاء فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل و إن أغرم الأكل رجع على الغاصب لأنه قد غره (282).

______________________________

المقام فقاعدة «أن قرار الضمان على المتلف» مخصصة بغير ما إذا كان السبب أقوى منه كالإكراه و الغرور و أمثالهما فللسبب و المباشر أقسام:

الأول: قوة السبب على المباشر فالضمان على السبب حينئذ.

الثاني: عكس ذلك فالضمان على المباشر.

الثالث: اشتراكهما في التأثير فالضمان عليهما.

الرابع: عدم إحراز ذلك فالظاهر الضمان على المباشر و الاحتياط في التراضي، و يأتي في الديات ما يرتبط بالمقام.

(279) للأصل و لعدم حصول تسبب من الغاصب للتلف بوجه بل انحصر التلف بخصوص المالك، و انما يكون على الغاصب الإثم فقط و هو يذهب بالتوبة.

(280) لفرض وصول المال إلى المالك.

(281) أما الغاصب فللتسبيب و أما الآكل فللمباشرة بعد عدم قوة في السبب يوجب تقديمه عليه، و الوجه في باقي المسألة معلوم لما ذكر.

(282) عرفا و وجدانا و تقدم بعض الكلام في قاعدة الغرور (1).

ص: 363


1- راجع ج: 16 صفحة: 346.

مسألة 75: إذا سعى بأحد إلى الظالم و اشتكى عليه عنده بحق أو بغير حق

(مسألة 75): إذا سعى بأحد إلى الظالم و اشتكى عليه عنده بحق أو بغير حق فأخذ الظالم منه مالا بغير حق لم يضمن الساعي و المشتكي ما خسره، و إن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حق و إنما الضمان على من أخذ المال (283).

مسألة 76: إذا تلف المغصوب و تنازع المالك و الغاصب في القيمة و لم تكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه

(مسألة 76): إذا تلف المغصوب و تنازع المالك و الغاصب في القيمة و لم تكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه (284)، و كذا لو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن بأن ادعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها بعده، و إن زالت فيما بعد و أنكره الغاصب و لم يكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه (285).

مسألة 77: إذا كان على العبد المغصوب الذي تحت يد الغاصب ثوب أو خاتم مثلا أو على الدابة المغصوبة رحل

(مسألة 77): إذا كان على العبد المغصوب الذي تحت يد الغاصب ثوب أو خاتم مثلا أو على الدابة المغصوبة رحل و علق بها حبل و اختلفا فيما عليهما فقال المغصوب منه هو لي و قال الغاصب هو لي، و لم يكن بينة

______________________________

(283) لقاعدة اليد و تقديم المباشر على السبب ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود مع كون المباشر عاقلا مختارا.

(284) لأصالة عدم اشتغال ذمته إلا بما يعترف به و أصالة البراءة عما يدعي عليه هذا بناء على المشهور، و أما بناء على ما قلنا غير مرة من أن نفس العين باقية في الذمة إلى حين الأداء فمقتضى أصالة بقاء العين بقاء اعتباريا قبول دعوى المالك، و معها لا تجري أصالة البراءة بل تجري قاعدة «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» (1).

(285) هذا صحيح لأصالة عدم تلك الصفة و أصالة البراءة عن اشتغال الذمة بها.

ص: 364


1- مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب.

فالقول قول الغاصب مع يمينه لكونه ذا يد فعليه عليه (286).

مسألة 78 لو غصب شيئا من أحد ثمَّ فقد صاحبه و لم يقدر عليه يجري عليه حكم مجهول المالك

(مسألة 78) لو غصب شيئا من أحد ثمَّ فقد صاحبه و لم يقدر عليه يجري عليه حكم مجهول المالك (287).

مسألة 79: لو كان شي ء غصبا عند المغصوب منه

(مسألة 79): لو كان شي ء غصبا عند المغصوب منه اجتهادا أو تقليدا دون الغاصب يجري عليه حكم الغصب على الأحوط (288).

مسألة 80: لو غصب من محل شيئا معينا و وضع ثمنه في دخل المغصوب منه بحيث يعلم أنه يأخذه فالإثم ثابت

(مسألة 80): لو غصب من محل شيئا معينا و وضع ثمنه في دخل المغصوب منه بحيث يعلم أنه يأخذه فالإثم ثابت و الضمان مشكل (289).

مسألة 81: لو غصب زيد من عمرو دينارا مثلا و غصب عمرو من زيد دينارا مع تساويهما من كل جهة يتحقق الإثم

(مسألة 81): لو غصب زيد من عمرو دينارا مثلا و غصب عمرو من زيد دينارا مع تساويهما من كل جهة يتحقق الإثم و يشكل الضمان (290).

مسألة 82: لا فرق في حرمة الغصب و الضمان بين الغصب من المسلم أو الكافر المحترم المال

(مسألة 82): لا فرق في حرمة الغصب و الضمان بين الغصب من المسلم أو الكافر المحترم المال (291).

______________________________

(286) و لا يعارضه سبق يد المالك بعد زوالها لعروض يد الغاصب التي حكم لأجلها بضمانه للعين و المنفعة.

(287) لأن مجهول المالك أعم ممن لم يعلم مالكه أصلا أو علم و لم يمكن الوصول إليه فيرجع إلى الحاكم الشرعي.

(288) لأصالة احترام مال الغير إلا ما خرج بالدليل.

نعم، لو قطع بعدم كونه غصبا يشكل الحكم بالغصبية حينئذ.

(289) أما الإثم فلأنه غصب مال الغير و أما الضمان فغير معلوم لأنه دفع عوض مال المغصوب منه فكيف يتحقق الضمان.

(290) أما تحقق الإثم فلتحقق الغصب، و أما الضمان فلفرض استيلاء كل منهما على عوض ماله فكيف يتصور الضمان؟!.

(291) لعموم الأدلة الشامل لهما إلا ما خرج بالدليل الخاص كالحربي و غيره.

ص: 365

مسألة 83: لو اضطر إلى الغصب كاضطراره إلى أكل الميتة يرتفع الحكم التكليفي

(مسألة 83): لو اضطر إلى الغصب كاضطراره إلى أكل الميتة- يرتفع الحكم التكليفي و يثبت الضمان (292).

______________________________

(292) أما الأول فلأن الاضطرار يوجب ارتفاع الحكم التكليفي، و أما الثاني فلأنه لا منافاة بين ارتفاع الحكم التكليفي بالاضطرار و بقاء الحكم الوضعي.

و الحمد للّه رب العالمين انتهى المجلد الواحد و العشرون بكتاب الغصب و سيليه إن شاء اللّه تعالى المجلد الثاني و العشرون مبتدئا بكتاب الوقف و أخواته.

محمد الموسوي السبزواري 16، 3، 1404

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 366

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.